كيف تجعل شركتك مركز جذب لأفضل الموظفين المستقلين؟

6 دقيقة
جذب الموظفين المستقلين الموهوبين
unsplash.com/drz

على مدى العامين الماضيين، نشر موقع وركينغ نات وركينغ (Working Not Working) نتائج استطلاع يسأل العاملين المستقلين (فريلانس) في المجالات الإبداعية عن الشركات التي يودون العمل فيها بدوام كامل أكثر من غيرها، تضمنت القائمة الشركات المجددة المعتادة والشركات الناشئة المعروفة مثل تيسلا (Tesla) وإير بي إن بي (AirBnB)، لكنها تضمنت أيضاً أسماء غير متوقعة، مثل شركات "الاقتصاد القديم" على شاكلة صحيفة نيويورك تايمز وشركة ديزني (Disney). لكن السؤال تضمن موضوعاً آخر للاستطلاع أكثر إثارة للاهتمام: ما هي أكثر الشركات التي يستمتع العاملون المستقلون بالعمل لديها الآن؟

أركز مباشرة على هذا السؤال في كتابي الجديد الذي ألّفته بالتشارك مع نورم سمولوود بعنوان "الموهبة الرشيقة" (Agile Talent)؛ فما الذي يجب على المؤسسات فعله لتجذب أفضل المبدعين أو غيرهم من الخبراء الخارجيين؟ إنه سؤال ذو أهمية خاصة هذه الأيام نظراً للاعتماد المتزايد على ما يسميه الخبراء القوى العاملة العارضة (contingent workforce). تقدّر مؤسسة أكسنتشر (Accenture) أن 20-30% من العاملين شبه المتفرغين هم ممن نطلق عليهم مصطلح "المواهب الرشيقة"؛ أي المتعاقدين والمستشارين المستقلين أصحاب المهام المتعددة المؤقتة وغيرهم من الخبراء الخارجيين المطلوبين لخبراتهم الخاصة، في حين تقدّر مؤسسة ديلويت (Deloitte) أنهم يمثلون 30-40%، وتشير بياناتنا إلى أن هذه النسبة سترتفع مستقبلاً، فأكثر من 50% من الشركات العالمية التي شملتها الدراسة تخطط لزيادة الاعتماد على هذه المواهب الرشيقة (سنشير إليها في المقال بأصحاب المواهب الخارجيين).

لمَ تزيد المؤسسات اعتمادها على أصحاب المواهب الخارجيين؟ يوفر استطلاعنا الموجه إلى المسؤولين التنفيذيين منظوراً يساعدنا على فهم ذلك، وكما تشير القائمة أدناه، فإن التكلفة ومستويات التوظيف ليسا العنصرين المحفزين على الرغم من أنهما أساسيان، فعناصر الخبرة والابتكار والسرعة لها أهمية كبيرة أيضاً.

أهم 5 أسباب تدفع الشركات إلى زيادة الاعتماد على أصحاب المواهب الخارجيين.

  1. الاستفادة من زيادة توافر الخبرات
  2. خفض التكلفة
  3. تجنب إضافة موظفين دائمين
  4. زيادة سرعة إنجاز المهام
  5. تحدي الأفكار والافتراضات بأفكار خارجية

لكن في حين أن المؤسسات أصبحت تستعين أكثر بالمواهب الخارجية والمستقلين، فالأمر لا يخلو من صعوبات يوضح بحثنا أدناه بعضها. فيما يلي أبرز 5 مآخذ لدى كل من الطرفين:

أهم 5 مآخذ لدى المسؤولين التنفيذيين على المواهب الخارجية

  1. صعوبة العثور على خبراء متوافقين مع ثقافة المؤسسة
  2. عدم امتلاك الخبراء الخارجيين المعرفة اللازمة بطبيعة عمل الشركة للإسهام فيه كما يجب
  3. غالباً ما يتبع الخبراء الخارجيون نهجاً مجرداً أكثر مما يجب
  4. يفتقر الخبراء الخارجيون إلى الالتزام تجاه المؤسسة
  5. يعتمد عمل الخبراء الخارجيين على ما يشبه القراءة من نص جاهز بدلاً من محاولة فهم مشكلات المؤسسة الفريدة

أبرز 5 مآخذ لدى المواهب الخارجية على المؤسسات التي تتعامل معها

  1. المؤسسات بطيئة جداً في اتخاذ القرارات
  2. المؤسسات معقدة للغاية
  3. الموظفون الداخليون لا يعملون بجد بما فيه الكفاية
  4. من الصعب تقييم كبار القادة
  5. الرعاية غير كافية، والإجماع ضعيف وغير متسق

إذاً، ما الذي يمكن أن تفعله المؤسسات لتصبح أكثر جاذبية لأصحاب المواهب الخارجيين؛ أي أن يحبوا العمل فيها؟ من خلال أبحاثنا الاستقصائية والمقابلات التي أجريناها مع مئات الخبراء الخارجيين وقادة المؤسسات، وجدنا 4 عوامل رئيسية لبناء علاقات مُرضية للطرفين:

المواءمة الاستراتيجية. هل تتبع المؤسسة نهجاً منضبطاً وصارماً في تحديد المجالات التي تتطلب موهبة رشيقة أو يحتمل أن تستفيد منها؟ هل يجري استثمار الخبراء الخارجيين بطريقة سليمة؟ هل يؤدون عملاً مهماً للمؤسسة؟ والأهم من ذلك هل يشعرون بأن هذا العمل هادف؟ هل تحدد المؤسسة بفعالية أدوار أصحاب المواهب الخارجيين والعلاقات بينهم وبين المؤسسة ونطاق المبادرات التي يعملون عليها حتى تكون الأهداف والأدوار واضحة؟ هل يتمتع العمل بالمستوى المناسب من الرعاية؟ هل يتوافق التوقيت والميزانية والموارد مع ما هو مطلوب لتحقيق نتيجة موفقة؟ وعندما تحدث تغييرات في النطاق، هل تراجع المؤسسة خطة العمل والميزانية بصورة ملائمة بحيث لا يشعر الخبراء الخارجيون بأنهم يتعرضون إلى الاستغلال؟

مواءمة الأداء. ما هو مدى قدرة المؤسسة على تحويل خطة أو مبادرة إلى أهداف ذكية محددة وفق منهجية سمارت (S.M.A.R.T.) وجداول زمنية؟ وهل وضعت توقعات محددة بشأن الأداء وعبّرت عنها بوضوح، بحيث توضح المسؤوليات لكل من أصحاب المواهب الخارجيين والزملاء الداخليين الذين يساعدونهم في عملهم؟ كم مرة يجري تقييم الأداء وتقديم الملاحظات؟ هل هذه الملاحظات متوازنة أم أنها تركز في المقام الأول على المشكلات والأخطاء؟ هل تتحمل المؤسسة نصيبها من المسؤولية أم تلقي اللوم كله على أصحاب الكفاءات الخارجيين؟ وما هي المقاييس المستخدمة، وهل هي منطقية؟ وعندما تحدث مشكلات في الأداء، ما هو مدى سرعة المؤسسة وفعاليتها في اتخاذ التدابير اللازمة؟

مواءمة العلاقات. هل تأخذ المؤسسة في الاعتبار التوافق الثقافي والخبرة الفنية عند اختيار أصحاب المواهب الخارجيين؟ وهل يبدأ أصحاب المواهب الخارجيون العمل على المهام المطلوبة مباشرة أم يخضعون إلى توجيه سليم أولاً لفهم المؤسسة والأفراد الذين سيعملون معهم؟ ما هو مدى سرعة المؤسسة وفعاليتها في حل النزاعات؟ وهل تُشرك أصحاب الكفاءات الخارجيين في العمل بما يكفي، وتوفر لهم المعلومات اللازمة وتتعامل معهم بالتقدير والاحترام الذي يتوقعه أي مهني أم تبقيهم معزولين؟

المواءمة الإدارية. هل المؤسسة مهيأة بما يكفي للعمل مع أصحاب المواهب الخارجيين أم تتعامل معهم بارتياب وترى الاستعانة بهم شراً لا بد منه؟ هل تتعامل المؤسسة بطريقة بيروقراطية مع مخاوف أصحاب الكفاءات الخارجيين، على سبيل المثال هل عملية التعاقد مريحة لهم أم صعبة وتستغرق وقتاً طويلاً؟ وهل تبلغهم القواعد والسياسات ذات الصلة بعملهم كما يلزم وفي وقت مبكر؟ وهل تدفع مستحقاتهم المالية دون تأخير؟ هل تعتبر المؤسسة أصحاب المواهب الخارجيين متطفلين أم زملاء عمل وموضع ترحيب؟

ليس من المستغرب أن هذه العوامل نفسها لا تختلف كثيراً عن التي على المؤسسة الالتزام بها لتبني علاقات وثيقة مع موظفيها الداخليين الذين يعملون بدوام كامل. سواء كان الموظفون دائمين أو يصنَّفون مواهب رشيقة استعانت بهم المؤسسة للعمل على مشروع محدد، فإن شعورهم بالرضا يتطلب توافر عوامل محددة وهي: بُعد النظر وإدارة الأداء السليمة وعلاقات العمل الفعالة والإجراءات الإدارية المنطقية والشفافة.

بناءً على هذه النتائج، نوصي بعملية من 4 خطوات تسمح للمؤسسة بأن تصبح نقطة جذب للمواهب الخارجية:

توضيح التوجه الاستراتيجي. على القيادة أن تراجع بدقة متطلبات الخبرة في استراتيجيتها وأن تحدد بوضوح الأسلوب الذي تتبعه في توظيف أصحاب المواهب الخارجيين، إذ توصلنا إلى 3 أساليب مختلفة مستخدمة بناءً على الأهداف الاستراتيجية للشركة: التقليدي والصارم والتحويلي.

  • الأسلوب التقليدي. تتبع هذا الأسلوب المؤسسات ذات البنية والإدارة التقليديتين، ويوظف قادتها العاملين المستقلين وأصحاب المواهب الخارجيين الآخرين استثناءً حيث تكون مهاراتهم مهمة من الناحية الاستراتيجية، في حين يؤدي الموظفون الدائمون المتفرغون معظم العمل.
  • الأسلوب التحويلي. يعتمد هذا الأسلوب على توظيف أصحاب المواهب الخارجيين بصورة أساسية؛ يمثل العاملون العارضون شريحة كبيرة من القوى العاملة إذ يجتمعون معاً للعمل على مشروع محدد ويتفرقون عند اكتماله. ليست المؤسسات التي تعتمد على هياكل تنظيمية افتراضية شائعة لكنّ هناك عدداً قليلاً منها، وتقدم قطاعات مثل الترفيه وإنتاج الصور المتحركة لمحة عن عمل الشركات مع أصحاب المواهب الخارجيين مستقبلاً.
  • الأسلوب الصارم. يصف هذا التصنيف الثالث المؤسسات التي تختار اتباع نهج أكثر انتقائية، إذ يكون الاعتماد على أصحاب المواهب الخارجيين في هذه الحالة منهجية لتسريع تطوير القدرات أو إجراء تغيير، فتعتمد الشركات عليهم وعلى ترتيبات حشد الموارد الأخرى لتنمية القدرات بسرعة ومن ثم الحفاظ على قدرتها التنافسية.

ويجب أن تكون الفلسفة والاستراتيجية اللتان تختارهما واضحتين للمدراء في جميع أنحاء مؤسستك.

تقييم الوضع الحالي للمواءمة. حدد جودة تنظيم المؤسسة وجودة أدائها وفق عوامل المواءمة الأربعة، باستخدام استطلاع الذكاء العاطفي للمواهب الرشيقة (Agile Talent EQ survey). نوصي بعدم الاكتفاء بوجهات نظر القيادة، إذ ينبغي حيثما أمكن دعوة الأطراف الخارجية الرئيسية إلى تقديم وجهات نظر بشأن مواطن القوة واحتياجات التغيير أو التحسين. على سبيل المثال، تشير النتائج الأولية لاستطلاع "الذكاء العاطفي للمواهب الرشيقة" (Agile Talent EQ survey) إلى أن ثقة القادة بجودة عملية مواءمة الأداء التي يجرونها أكبر من ثقة الخبراء الخارجيين بها.

حدد الاحتياجات والأولويات ونفّذ الخطة. بعد تحديد مجالات القوة وعدم التوافق، على القادة وضع خطة للتحسين: ما هي المجالات التي تحتاج إلى تحسين وكيف يمكن تحسينها وما هو التوقيت المناسب لذلك؟ يعد التواصل جزءاً مهما من الخطة: يجب أن يفهم الموظفون الداخليون دور المواهب الرشيقة وأهميتها، وأهمية التعاون السليم بين الموظفين الداخليين وأصحاب الكفاءات الخارجيين الذين تحتاج إليهم المؤسسة. سيؤدي ضعف التواصل وعدم تقديم القيادة أمثلة للاحتذاء بها إلى مشكلات واضحة في سير العمل.

أنشئ سمعة لمؤسستك من خلال التواصل. بالنسبة إلى المؤسسات التي تتبنى أسلوباً صارماً أو تحويلياً في توظيف أصحاب المواهب الخارجيين، لا يكفي إجراء تغييرات المواءمة اللازمة لضمان نجاحهم فيها، بل عليها أيضاً توضيح هذه التغييرات وآثارها لمجموعات المواهب التي تعتمد عليها. وخير مثال هو تعليق الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك مارك زوكربيرغ حينما قال: "شركة فيسبوك هي مكان عمل رائع أيضاً لرواد الأعمال والتقنيين، ونحن نفتخر بأنهم يرغبون في العمل لدى فيسبوك بضع سنوات ثم الانطلاق لبناء مشاريع عظيمة". يعد الجمع بين التغيير المؤسسي وتشجيع التواصل مع القادة طريقة منطقية لجذب أفضل المواهب الخارجية والاحتفاظ بها.

المواءمة هي المحفز الرئيسي للمواهب الرشيقة؛ فعندما يختار كبار الخبراء الخارجيين أو أصحاب المهام المتعددة المؤقتة أو المستشارون من الفرص المتاحة لهم، فهدفهم هو إيقاع أثر حقيقي (المواءمة الاستراتيجية)، وتقديم إسهام كبير وقابل للقياس يحظون من خلاله بالاعتراف والتقدير (مواءمة الأداء) ويرغبون في أن يتعامل الآخرون معهم بوصفهم زملاء عمل ذوي قيمة (مواءمة العلاقة)، وأن يعملوا مع مؤسسة يسهل العمل معها (المواءمة الإدارية). ليس من المستغرب أن أصحاب المواهب الخارجيين يريدون من المؤسسات التعامل معهم على أنهم يتمتعون بمواهب مهمة ويسهمون في النجاح، لا على أنهم شر لا بد منه، وأليس هذا ما نسعى إليه جميعاً؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .