إحدى عواقب زيادة العولمة: المزيد من الحوادث الصناعية

4 دقائق
عواقب زيادة العولمة

إليك هذا المقال الذي يتحدث عن عواقب زيادة العولمة تحديداً. تحمل الحوادث الصناعية تداعيات مدمرة على الأشخاص والمجتمعات التي تحدث بها. بالإضافة إلى الخسائر المباشرة في الأرواح، يمكن أن تترك مثل هذه الحوادث أثراً دائماً. على سبيل المثال، يعاني سكان وضحايا تسرب الغاز في مدينة بوبال في الهند، عام 1984، حتى الآن، من الأضرار البيئية التي سببتها شركة "يونيون كاربايد" (Union Carbide)، ويتظاهرون سنوياً للإعلان عن مساعيهم المستمرة للحصول على تعويض مالي عن الأضرار، وتقديم الجناة للعدالة. وبالمثل، لا يزال العلماء يحاولون تحديد الآثار طويلة المدى لتسرب النفط في شركة "بريتيش بتروليوم" (BP) لعام 2010 في خليج المكسيك.

على أي حال، حاولت بعض البحوث المنهجية استكشاف الأسباب الكامنة وراء مثل هذه الحوادث. وفي دراسة حديثة، اكتشفنا عاملاً حاسماً لتلك الحوادث، ولكن تم تجاهله، إنه العولمة الاقتصادية.

لقد اعتقدنا أن هناك جانبين مترابطين للعولمة – وهما التفاعلات الاقتصادية الدولية المتنامية، وسياسات الدولة التي تسهل هذه التفاعلات – ربما يؤديان إلى زيادة احتمال وقوع كوارث صناعية. وفيما يتعلق بالجانب الأول، فإن التعقيد المتزايد لسلاسل التوريد العالمية يمكن أن يزيد من احتمالية وقوع حوادث صناعية بسبب عوامل مثل الاختلافات التكنولوجية بين بلدان المنشأ والبلدان المضيفة، أو التصورات المتباينة ثقافياً للمخاطر وسلامة أماكن العمل. أما بالنسبة للجانب الثاني، فقد تسعى الشركات عمداً إلى البحث عن بلدان لا تلتزم كثيراً بقواعد السلامة، أو اختيار نقل الصناعات الخطرة بشكل خاص، مثل تكسير السفن أو التخلص من النفايات السامة، إلى خارج بلدانها (المعروف باسم دينامية "السباق نحو القاع"- أي التهرب من قواعد السلامة بهدف الربح).

وحينما أردنا اختبار هذه الروابط، درسنا التأثير المحتمل لاثنين من مقاييس العولمة المختلفة - أحدهما يركز على التفاعلات الاقتصادية، والآخر يركز على السياسات التي تهدف إلى تشجيع هذه التفاعلات - على احتمال وقوع حوادث صناعية كبرى في 137 دولة على مدار 42 عاماً (1971 - 2012). فيشير المتغير الأول الخاص بالتفاعلات الاقتصادية إلى التفاعلات الاقتصادية عبر الحدود التي تشمل التجارة (الواردات والصادرات)، والاستثمار الأجنبي المباشر، والاستثمار في محفظة الأوراق المالية. بينما يشمل متغير السياسات الاقتصادية سياسات الدولة التي تقيّد أو تسهل المزيد من الانفتاح الاقتصادي العالمي، بما في ذلك معدلات التعريفة الجمركية، والحواجز غير الجمركية، والضرائب المفروضة على التجارة الدولية، وقيود حساب رأس المال. ويُرمَّز كل من المتغيرين على مقياس من 100 نقطة، حيث تشير النقطة الأعلى إلى المزيد من التدفقات الاقتصادية وتقليل القيود، على التوالي. وقد جمعنا بيانات العولمة من معهد "كيه أو إف" (KOF)، وهو معهد أبحاث سويسري متخصص في الاقتصاد التطبيقي. وشملت بيانات الحوادث الصناعية الرئيسة حوادث في مكان العمل، بشرط أن تكون قد أدت إلى 10 حالات وفاة على الأقل و/أو 100 شخص على الأقل أبلغوا عن إصابة أو احتياجهم إلى مساعدة فورية. واستخرجنا البيانات من قاعدة بيانات أحداث الطوارئ "إم-دات" (EM-DAT)، التي توفر قائمة شاملة بالكوارث الطبيعية والبشرية منذ عام 1971.

تشير النتائج الإحصائية إلى أن العولمة الاقتصادية تزيد من احتمالية وقوع حوادث صناعية، وهي من أشهر عواقب زيادة العولمة تحديداً. إذ بدا الرابط قوياً ومؤكداً حتى عندما تحكمنا في العديد من المتغيرات الرئيسية الأخرى للحوادث الصناعية مثل الثروة الاقتصادية، وحصة الصناعات الرئيسية في إجمالي الناتج الاقتصادي، والبيروقراطية، والفساد السياسي. إذاً، ما مدى حجم تأثير العولمة الاقتصادية على وقوع حادث صناعي؟ توفر بياناتنا وصفاً لقوة هذا التأثير. على سبيل المثال، النتيجة المتوسطة لمتغير السياسات الاقتصادية في عيّنتنا هي 47 بمقياسنا (1-100). وعندما نزيدها بانحراف معياري واحد (من 47 إلى 70)، يرتفع احتمال وقوع حادث صناعي بحوالي 54%. وبالمثل، تزيد التفاعلات الاقتصادية لدينا من احتمال وقوع حادث صناعي بنحو 14%.

ورغم أن هذه التحولات في المؤشرات تبقى أفكاراً نظرية، فإنها تدل على أنه حتى بعد حساب العوامل الأخرى ذات الصلة، يكون للعولمة تأثير كبير ومستقل في زيادة احتمال وقوع حوادث صناعية كبرى. وتؤكد هذه النتائج، بدورها، العديد من أدلة دراسات الحالة التي تشير إلى دور العولمة الاقتصادية في الحوادث الكبرى، مثل كارثة انهيار مجمع "رنا بلازا" الصناعي في بنغلاديش، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 1,000 عامل. إذ احتوى المجمع على 5 مصانع للملابس كانت مرتبطة بسلاسل توريد عالمية متعددة، وأرجع البعض الكارثة إلى "جشع وضغوط العولمة". وعلى نحو مماثل، كان أحد العوامل الأساسية الذي أدى إلى كارثة بوبال، هو مهارة شركة "يونيون كاربايد" في استغلال لوائح السلامة غير المتشددة في الهند من أجل خفض التكاليف.

وفيما يتعلق بالعواقب، تكشف دراستنا عن تضارب كبير بين سلامة العمال والعولمة، حيث إن الالتزام بالسياسة تجاه الانفتاح الاقتصادي قد يكون على حساب المزيد من الحوادث الصناعية.

ومن المهم أيضاً الإشارة إلى الدور الرئيسي للحكومات هنا، حيث إن الدولة مسؤولة عن لوائح العمل والسلامة ذات الصلة، فضلاً عن تطبيق القوانين البيئية وقوانين البناء الأخرى التي من المفترض أن تقلل من احتمال وقوع الحوادث الصناعية. ومع ذلك، فإن مسؤولي الدولة لديهم ميل طبيعي إلى تقليل الاستثمار في الوقاية من الحوادث، لأن السياسيين، بطبيعة الحال، يميلون أكثر إلى تبني سياسات ذات فوائد قصيرة الأجل حتى لو كانت هذه الفوائد لها تكاليف أكبر على المدى الطويل. في حين أن الحوادث الكبرى تفرض "تكاليف" سياسية على مسؤولي الدولة، خاصة إذا كانوا يتحملون مسؤولية وقوعها، فإن التكاليف المحتملة يتم تجاهلها لأن وقوعها يمثل احتمالاً مستقبلياً وليس يقيناً حالياً.

علاوة على ذلك، من الممكن أن تتحمل الإدارات المستقبلية المسؤولية في مثل هذه الحوادث، في حال حدوثها. وبالتالي، على الرغم من أن هذا الاستثمار قد يكون كبيراً من حيث التكلفة، فإن عائداته السياسية غير محسومة. ويتجلى هذا الأمر بوضوح في تصريح عضو الكونغرس الأميركي السابق، بارني فرانك: "لن يعاد انتخاب أي شخص لأنه تفادى حدوث أزمة".

إلى حد ما، فإن المعضلة التي نكشف عنها الآن تشبه المعضلات التي تحيط بجميع أنواع السلع العامة الأخرى طويلة الأجل مثل البنية التحتية أو الاستعداد للكوارث الطبيعية أو حماية البيئة. وعلى وجه التحديد، لا يمكن ببساطة افتراض أن عقلانية السوق أو المصالح السياسية ستؤدي بالضرورة إلى تحسين سلامة العمال. لذلك، لا يمكن ترك المؤسسات والشركات تتصرف برغبتها لضمان مكان عمل أكثر أماناً. تواجه دول العولمة تحدياً كبيراً للتحكم في هذا النطاق، حيث إن الإملاءات على المدى القصير لكل من السوق والساحة السياسية قد تقلل بدرجة أكبر من استعداد الدول لاتخاذ الخطوات اللازمة لتقليل احتمالية وقوع حوادث صناعية.

لذلك، قد تكون الجهود المتضافرة على مستويات متعددة - بما في ذلك الدول والشركات والمنظمات الدولية مثل "منظمة العمل الدولية"، وكذلك المنظمات غير الحكومية وجمعيات المجتمع المدني - ضرورية للحد من عواقب زيادة العولمة وحدوث هذه الكوارث المأساوية، التي يمكن الوقاية منها في نهاية المطاف.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي