ملخص: قد تجد صعوبة في إقناع الآخرين بالموافقة على أفكارك أو رؤاك أو التجاوب معها، دون الاكتفاء بالإصغاء إليها فحسب، خاصة في المراحل الأولى من حياتك المهنية؛ لأنك لا تمتلك في هذه المرحلة سوى قدر ضئيل من التأثير، كما أنك لا تزال في مرحلة بناء السمعة. عندما تريد إقناع أحد ما برؤية الأمور من منظورك أو تنفيذها بطريقتك، فقد تلجأ عفوياً إلى المهارات التي تهيأت اجتماعياً لإظهارها في مثل هذه المواقف، وهي تقديم حجة منطقية مدعومة بالبيانات والمثابرة مهاراتفي مواجهة التحديات وإظهار الثقة بالنفس، لكن هذه الاستراتيجيات قد تؤدي إلى نتائج عكسية؛ فعندما يبدو أن الآخرين يرفضون أفكارك، فهذا يدل عادةً على أن رفضهم يستند إلى معتقدات أو مخاوف أعمق، وإن لم يفصحوا عنها. وللكشف عن هذه العوائق وتحقيق نتائج أفضل، عليك أن تفهم دوافع الآخرين، بدلاً من محاولة شرح أسبابك. وتكمن كلمة السر هنا في طرح الأسئلة المناسبة.
هل سبق لك أن حاولت مراراً وتكراراً إقناع زملائك بفكرة ما وفشلت؟ ربما تريد إقناع زملائك في الفريق بتجربة نظام جديد لسير العمل، لكنهم يصرون على الالتزام بنظام قديم عفاه الزمن ويرفضون اقتراحك؛ أو ربما تطرح فكرة حول كيفية إلقاء عرض تقديمي أمام عميل، لكن دون أن يلقى اقتراحك القبول.
قد تجد صعوبة في إقناع الآخرين بالموافقة على أفكارك أو رؤاك أو التجاوب معها، دون الاكتفاء بالإصغاء إليها فحسب، خاصة في المراحل الأولى من حياتك المهنية؛ لأنك لا تمتلك في هذه المرحلة سوى قدر ضئيل من التأثير، كما أنك لا تزال في مرحلة بناء السمعة. عندما تريد إقناع أحد ما برؤية الأمور من منظورك أو تنفيذها بطريقتك، فقد تلجأ عفوياً إلى المهارات التي تعلمتها أو تهيأت اجتماعياً لإظهارها في مثل هذه المواقف، وهي تقديم حجة منطقية مدعومة بالبيانات والمثابرة في مواجهة التحديات وإظهار الثقة بالنفس.
لكن هذا النهج لا يكفي دائماً في مكان العمل للأسف، بل قد يؤدي إلى نتائج عكسية؛ فعندما يبدو أن الآخرين يرفضون أفكارك، فهذا يدل عادةً على أن رفضهم يستند إلى معتقدات أو مخاوف أعمق، وإن لم يفصحوا عنها. وإذا واصلت إمطارهم بالحقائق والأرقام على أمل تغيير رأيهم، فلن تفهم على الأرجح الدافع الحقيقي لرفض أفكارك، كما أن هذا سيزيد صعوبة معالجة مخاوفهم، علاوة على حرمانك أيضاً من التوصُّل إلى رؤى وأفكار جديدة قد تساعدك على التعلُّم وتحسين طريقة تفكيرك.
في هذه الحالة ستحقق نتائج أفضل إذا حرصت على فهم دوافع الآخرين، بدلاً من محاولة شرح أسبابك. وتكمن كلمة السر هنا في طرح الأسئلة المناسبة.
إليك 4 عوائق شائعة قد تواجهها عند محاولة إقناع أحد ما بتغيير رأيه أو موافقتك الرأي أو التجاوب مع فكرتك، إلى جانب أسئلة غاية في القوة بمقدورها تذليل هذه العوائق وتحويلها إلى نجاحات غير مسبوقة. قد تبدو كل استراتيجية منافية للمنطق في البداية، لكن بالممارسة ستزداد ثقتك في نفسك وستكتسب رؤى ثاقبة لم تكن تتوقعها.
العائق الأول: عندما يرفض الطرف الآخر فكرتك أو وجهة نظرك دون أن يخبرك بالسبب.
هل وجدت نفسك يوماً تواجه رفضاً صامتاً؟ ربما تتعاون مع زميل لا يعارض توصياتك صراحة، لكنه لا يتجاوب معها أيضاً؛ أو قد تعرض على مديرك فكرة تعتقد أنها فكرة رائعة لتحسين مُنتَج معين، لكن دون أن يُبدي بادرة استعداد لقبولها. من الطبيعي أن تحاول في هذه المواقف بذل مزيد من الجهد من خلال عرض فكرتك مجدداً مقرونة بمزيد من البيانات الداعمة والتشجيع، لكن ثمة طريقة أفضل.
كيفية التغلب على هذا العائق:
بدلاً من محاولة إقناع الطرف الآخر بالعدول عن موقفه، اطلب منه رأيه الحقيقي فيما تقول. يمكنك صياغة هذا المطلب في صورة سؤال بسيط، مثل:
- ما هو انطباعك عن هذه الفكرة بصدق؟
- ما هو رأيك في مقترحاتي؟
يمكنك أخذ خطوة إضافية أيضاً من خلال طلب آراء تنتقد أسبابك صراحة:
- ما هي مواطن القوة والضعف في هذه الفكرة برأيك؟
- ما هي الجوانب السلبية المحتملة التي أتجاهلها؟
نفترض غالباً أن الآخرين سيخبروننا من تلقاء أنفسهم بمخاوفهم حيال ما نعرضه عليهم، لكن عدم إبداء الآخرين اختلافهم معك صراحة لا يعني أنهم يوافقونك الرأي. وقد يؤدي طلب آرائهم إلى زيادة احتمالات اكتشاف أي عوائق تمنعهم من اتخاذ الإجراء الذي تريده بدرجة كبيرة. قد تكتشف أيضاً بعض الثغرات في طريقة تفكيرك. وحينما تتريث لطلب رأي الطرف الآخر، ستثبت له أيضاً أنك تهتم بما يفكر فيه ويشعر به، لا بما سيفعله فحسب.
العائق الثاني: عندما تعتقد أن المشكلة في الطرف الآخر، لا في فكرتك.
لا بد أننا جميعاً مررنا بتجربة رَفْض أحد ما أفكارنا أو حلولنا لمشكلة ما، على الرغم من الأدلة الدامغة على صحتها برأينا. قد تقول لنفسك لا شعورياً في هذه الحالة: "ما الذي يفكر فيه هذا الشخص؟"؛ "لماذا يرفض فكرة جديدة لسير العمل من شأنها أن تفيدنا نحن الاثنين؟"؛ "لماذا يرفض بهذه السرعة مقترحاً أمضيت أشهراً في إعداده، متجاهلاً تماماً الأبحاث الداعمة له كلها؟".
كيفية التغلب على هذا العائق:
قد تندفع غريزياً إلى الرد على هذا الموقف المتعنّت بالإشارة إلى عيوب منطق الطرف الآخر، لكن احرص بدلاً من ذلك على محاولة رؤية الأمر من زاويته. اطرح أسئلة تتيح لك سبر أغوار المعتقدات والاهتمامات والخبرات التي أثّرت في صياغة موقفه على هذا النحو، مثل:
- أخبرني بالمزيد عن مخاوفك.
- هل يمكنك إعطائي أمثلة على المخاطر التي تقلقك؟
- هل يمكنك إطلاعي على موقف رأيت فيه أفكاراً مثل هذه باءت بالفشل في الماضي؟
ستجد في كثير من الأحيان أن كلمات الطرف الآخر تُخفي تحتها قدراً كبيراً من المعلومات والتجارب التي تدفعه إلى اتخاذ هذا الموقف. واستناداً إلى إجاباته، قد تكتشف السبب الذي يجعل وجهة نظره تبدو منطقية تماماً برأيه.
على سبيل المثال، قد تعلم أن إقدام زملائك على تغيير نظام سير العمل في الماضي أدى إلى تعقيد عملية مشاركة البيانات للفريق كله؛ أو قد تعلم أن عميلك يعرف أشياء في الخطوط الأمامية لم يأخذها اقتراحك في الحسبان. بمجرد رؤية الأمر من زاويته، يمكنك تحديث رؤاك أو تقديم حجة أكثر ملاءمة، أو على أقل تقدير، يمكنك الدخول معه في شراكة لمعالجة مخاوفه.
العائق الثالث: عندما تكون المحادثة مشوبة بالتوتر الحاد لدرجة تحول دون تحقيق نتائج مثمرة.
لنتخيّل أنك مستشار تسويق، وتتناقش مع زميلك حول كيفية مساعدة عميلكما على الترويج لمنتجه على وسائل التواصل الاجتماعي، ثم تتوصلان إلى فكرة تنال إعجابكما، فتناقشان كيفية طرحها. قد تكون هذه أول صفقة كبرى تحاولان إبرامها بصفتكما فريقاً واحداً، وكلاكما متحمس لإبرامها، لكن بعد دقائق، تخيّم أجواء التوتر على المحادثة؛ فاستناداً إلى مناقشاتك السابقة مع العميل، تعتقد أنه يفضل إجراء محادثة غير رسمية. من ناحية أخرى، يعتقد زميلك أن أفضل طريقة لعرض فكرتكما هي طرحها من خلال عرض تقديمي رسمي يحتوي على بيانات واضحة ومنظمة.
تشعر خلال المحادثة بأن زميلك لا يصغي إليك، بل ينتظر دوره للتحدث فحسب، ويواصل تكرار النقاط نفسها دون أن يعير النقاط التي تثيرها أدنى اهتمام، وتلاحظ أيضاً أنك تفعل الشيء نفسه معه.
كيفية التغلب على هذا العائق:
من المفيد أن تتريث في مثل هذه المواقف وتتحقق من فهمك لما يقوله الطرف الآخر. وبدلاً من الانهماك في تجهيز الرد على زميلك، لخِّص ما قاله و"أخبره" بما تعتقد أنك سمعته يقوله، ثم تحقَّق مما إذا كنت قد فهمته على الوجه الصحيح:
- قبل أن نواصل حديثنا، اسمح لي أن أتحقق فقط. سمعتك تقول إنك تعتقد أن ____ بسبب ____. أليس كذلك؟
- يبدو أن أكبر مخاوفك هو _____. هل فهمته على نحو صحيح؟
- لقد فهمت من كلامك أنك تعتقد أن أفضل طريقة للمضي قدماً هي _____؛ لأن _____. إلى أي مدى يتوافق فهمي مع ما تفكر فيه؟
تتميز هذه الاستراتيجية بالقوة، على الرغم من بساطتها؛ لأنها توقِف دينامية مقارعة الحجة بالحجة وتهدّئ إيقاع المحادثة، كما أنها تتيح لك التأكد من فهم الفكرة التي تحاول دحضها فهماً جيداً، وستكتشف في كثير من الأحيان أنك أسأت فهم شيء مهم أو لم تسمعه جيداً. قد تؤدي هذه المعلومة المهمة إلى تحقيق تقدم ملموس يحتاج إليه كلاكما في المحادثة.
الأهم من ذلك، أنك ستحوّل دينامية المحادثة من الخصومة إلى التعاون؛ لأنك ستُظهِر اهتمامك بتحقيق الوفاق بينكما، ومن هنا، تزداد الفرصة المتاحة أمامكما للوصول إلى تفاهمات مشتركة.
العائق الرابع: عندما يرد الطرف الآخر على فكرتك بطريقة تضعك في مأزق.
في بعض الأحيان، يضعك رفض الطرف الآخر بين المطرقة والسندان؛ فربما يرفض أحد ما اقتراحك بشأن طرق توفير التكاليف بمشروع ما، دون أن يقدم بديلاً، لكنك مطالب بتقديم الموازنة المقترحة في الغد. أو ربما كنت مطالباً بتنفيذ مشروع صعب يتطلب موارد إضافية، على الرغم من رفض طلبك بتوفير هذه الموارد.
ستشعر حتماً في هذه المواقف بالحيرة أو التردُّد فيما يجب عليك فعله بعدئذٍ. وفي ظل عدم وجود خيار أفضل متاح أمامك، قد تجنح إلى تقديم حجة أخرى مدعومة بالأدلة لدحض الرأي المعارض، لكن هذا النهج يبقيك عالقاً في الجدال بين خيارين اثنين فقط، بدلاً من العمل مع الجانب الآخر للتوصل إلى خيارات أخرى بديلة.
كيفية التغلب على هذا العائق:
من المفيد في هذه المواقف أن تدعو الطرف الآخر إلى الإدلاء بدلوه؛ فقد يكون قادراً على تقديم رؤى وأفكار لم تطرأ على بالك. ابدأ بالكشف عن معضلتك. أطلعه على المشكلة التي تواجهها بسبب خلافه معك، ثم اطرح سؤالاً يدعوه إلى التعاون معك لحلها، مثل:
- أخشى إن لم ننفذ اقتراحي أو نجد بديلاً أفضل أن ينفد منا الوقت والموارد. كيف يمكننا حل هذه المعضلة برأيك؟
- هل ثمة طرق أخرى للتعامل مع هذا الأمر بخلاف ما اقترحته عليك؟
- إذا كنتَ مكاني، فكيف ستتغلب على هذا التحدي؟
قد تشعر بالضعف عند الاعتراف بأنك غير متأكد مما يجب فعله وطلب المساعدة، لكن اتباع هذا السلوك يمدُّك بمصدر قوة حقيقي؛ إذ ستحفّز الطرف الآخر على مشاركتك وجدانياً فيما يؤرّقك، فضلاً عن تمكينك أيضاً من التوصل إلى أفكار أفضل من فكرتك الأصلية في أغلب الأحيان.
يتحقق النجاح في هذه الحالات كلها بالاستفادة من رؤى الأشخاص الذين تتعاون معهم؛ فنحن جميعاً محاطون بالذكاء الجماعي، لكنه سيظل خفياً عنا ما لم نسع إلى طلبه. وبمجرد أن تطلبه، عليك أن تكون مستعداً للإصغاء بعمق إلى الإجابات التي تتلقاها والتعلُّم مما تسمعه.
إذا استطعت إضافة هذه المهارات إلى مجموعة أدواتك، فستجد أن العديد من المواقف الصعبة تتحول إلى محطات في طريقك إلى تحقيق إنجازات جديدة.