كيف تستعيد دورك القيادي عند تجاوز الفريق صلاحياتك؟

5 دقيقة
التجاوز
مارتن دبل/غيتي إميدجيز

لاحظ عميلي جاد، وهو أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في مؤسسة غير ربحية، أنه يواجه مشكلة غير متوقعة مع أحد مرؤوسيه المباشرين، أنس. خلال إحدى أكبر حملات جمع التبرعات للمؤسسة، بدأ جاد يلاحظ نمطاً مثيراً للقلق؛ إذ تجاوز أنس "التسلسل القيادي" مراراً وتكراراً، وبدلاً من الالتزام بالتسلسل الإداري توجّه أنس مباشرة إلى مدير جاد للحصول على التحديثات والملاحظات. تصاعد الموقف عندما ذكر أحد الشركاء الخارجيين الرئيسيين تغييراً في خطط الحملة لم يكن جاد يعلم به. في تلك اللحظة، شعر جاد بالضغط المتزايد عندما أدرك أنه يفقد مصداقيته مع شريك أساسي.

بالنسبة للقادة مثل جاد، قد يمثّل هذا النوع من تجاوز الحدود ضربة مباشرة لتماسك الفريق وأدائه والثقة بين أعضائه، التي وصفها ستيفن كوفي بأنها "المكون الأهم في التواصل الفعال". كان تجاهل فريق جاد للتراتبية الهرمية سبباً في تراجع هذه الثقة، وسلط الضوء أيضاً على مشكلات أعمق مثل ضعف التواصل وعدم وضوح القواعد وسوء فهم الأدوار والمسؤوليات. على الرغم من أن المؤسسات تخلّت إلى حد كبيرة عن أسلوب القيادة الصارم القائم على "التحكم والسيطرة" وتبنت أساليب تعاونية، فإن البنى التنظيمية والعمليات لا تزال ضرورية، ولا سيما في المؤسسات الكبيرة ذات التنظيم المصفوفي العالي حيث تتعدى آثار عدم التوافق المصداقية الشخصية.

ما هي أسباب التجاوز؟

يجب أن يفكّر القادة في أسباب شعور الأفراد بالحاجة إلى تجاوز الإجراءات القائمة، وقد يساعد فهم هذه الدوافع على التوصل إلى طرق لتعزيز الحدود وإعادة إشراك أعضاء الفريق. سنتحدث عن 3 أسباب تدفع أفراد الفريق إلى تجاهل القواعد:

سوء فهم الأدوار والمسؤوليات

أحد الأسباب الشائعة لتجاوز التسلسل القيادي هو عدم وضوح الأدوار. قد لا يدرك أعضاء الفريق أدوارهم أو مسؤولياتهم أو أهمية الالتزام بالإجراءات القائمة تماماً، خاصة إذا كانوا يمنحون الأولوية للنتائج بدلاً من النهج. أدى هذا إلى الإحباط في حالة جاد؛ فتجاهل أعضاء فريقه للقواعد أزعجه هو وفريق العمل المتعدد التخصصات، ما تسبب في التوتر وإضعاف روح التعاون.

"التوافق في الفِرق" أساسي للنجاح في المؤسسات ذات التنظيم المصفوفي. ووفقاً لمؤشر ماكنزي للصحة المؤسسية فإن الأدوار الواضحة التي يتحمل أصحابها مسؤولياتهم فيها هي من أهم عوامل الصحة المؤسسية.

مقاييس النجاح غير الواضحة

إذا لم تكن مقاييس النجاح واضحة لأفراد الفريق، فقد يسعون للحصول على إرشادات من صناع القرار الأعلى رتبة لتوضيحها أكثر وبسرعة أكبر، وقد يدفعهم هذا الاستعجال في استيضاح الأمور إلى تجاهل الحدود الهرمية وتجاوز مدرائهم المباشرين، وقد يبدو هذا السلوك مبرراً بالنسبة لهم في غياب مقاييس النجاح الدقيقة. قد لا يعتبر الموظفون الأقل خبرة هذا النهج خرقاً للقواعد، بل طريقة عملية لتحقيق أهدافهم.

تفضيل النتائج على الإجراءات

في الأوساط ذات المخاطر العالية أو التي تتطلب السرعة في العمل، يمنح أعضاء الفريق الأولوية للنتائج بدلاً من الإجراءات غالباً، خاصة عندما يعتقدون أن تجاوز التسلسل القيادي سيؤدي إلى تسريع عملهم، ويتفاقم هذا السلوك عندما يؤكد القادة أهمية تحقيق النتائج السريعة دون التركيز على أهمية اتباع الإجراءات. وكما قال بيتر دراكر: "الكفاءة هي تنفيذ المهام على النحو الصحيح، والفعالية هي تنفيذ المهام الصحيحة". عندما يمنح القادة الأولوية للكفاءة بدلاً من الإجراءات، فقد يظن الموظفون أنه يمكن الاستغناء عن البنية التنظيمية، ما يقلل التماسك والثقة، وقد يؤدي سلوك التجاوز إلى إضعاف ديناميات الفريق وخلق التوترات.

عندما يتجاوز الموظفون القادة، سيظن زملاؤهم أن التزام التسلسل الهرمي اختياري، ما يؤدي إلى تراجع احترامهم للبنية التنظيمية القائمة. كما يمكن أن تتضاءل الثقة بين المدراء والمرؤوسين المباشرين عندما يشعر المدراء بالتهميش ويعتاد أعضاء الفريق التواصل العشوائي.

استراتيجيات للوقاية من التجاوز

من خلال معالجة هذه الأسباب الجذرية، يمكن للقادة تعزيز البنى التنظيمية الضرورية وتحقيق التوافق بين الأفراد، وتعزيز ثقافة توازِن بين التعاون واحترام الإجراءات القائمة. وبذلك يخلق القادة بيئة يشعر فيها أعضاء الفريق بالقدرة على الابتكار والنمو دون المساس بالثقة التي تحافظ على تماسك المؤسسة. سنتطرق الآن إلى 4 طرق تعزز شعور الانتماء لدى أعضاء الفريق بما يضمن زيادة فرص نجاحهم مع الحفاظ على الاندماج والثقة بين أفراد الفريق:

1. "رسالة واحدة لفريق واحد"

إحدى الطرق الأكثر فعالية للوقاية من التجاوزات هي التواصل الواضح والمتسق. يستطيع القادة تحقيق ذلك من خلال اعتماد مبدأ "رسالة واحدة لفريق واحد"، والتحقق من أن أعضاء الفريق جميعهم متوافقون مع الأهداف والقيم المشتركة. تقدم شركة ماكنزي إطار عمل يمثل أداة مهمة في هذا السياق؛ إذ يركز على البنية التنظيمية لتوضيح علاقات العمل والقيم المشتركة بهدف ضمان توافق طرق التواصل مع أهداف المؤسسة النهائية، ويتضمن ذلك التحقق من أن قنوات التواصل وطرق إيصال الرسائل تدعم رؤية المؤسسة وأهدافها بفعالية.

بالإضافة إلى ذلك، قد تفيد مصفوفة توزيع المسؤوليات "ريسي" (RACI) -التي توضح كلاً من المسؤول والخاضع للمحاسبة والاستشاري والمُطلع- في تحديد الأدوار والمسؤوليات بوضوح؛

فمن خلال تحديد المسؤولين عن المهام ومن تنبغي استشارته ومن يجب إعلامه، يخفض هذا الإطار الغموض ويمكّن الأفراد من اتباع التسلسل الإداري المناسب. يجب أن يعقد القادة اجتماعات منتظمة أسبوعية أو نصف شهرية ومشتركة بين الأقسام لتعزيز التوافق، إذ توفر هذه الجلسات فرصة لمشاركة المستجدات والرد على الأسئلة وضمان اتساق طرق إيصال الرسائل، ما يعزز التواصل المنظم.

كان جاد مسؤولاً عن مشروعات فريقه، في حين تمثل دور مديره في تقديم المشورة. فضّل جاد في البداية إجراء بعض المهام بنفسه، لكنه قرر بعد جلسات التدريب معنا دعوة أنس للمشاركة في المحادثات الأساسية. أدى ذلك إلى إظهار أنس  أمام الإدارة أكثر ومنحه قدرة على الوصول إلى المعلومات والتواصل بالمستوى الذي يفضّله. حافظ جاد على البنية التنظيمية المطلوبة وأبقى على مشاركة أنس واندماجه من خلال التعاون دون إلغاء استقلاليته تماماً. عمل هذا التغيير  على تمكين فريقه وتعزيز التوافق وترسيخ ثقافة التعاون وتحمل المسؤولية المشتركة.

2. أهداف الفريق المشتركة

إعادة صياغة مبدأ تحمل المسؤولية ضرورية لخفض احتمالية التجاوز، مع التركيز على أهداف الفريق النهائية بدلاً من الإنجازات الفردية. تساعد الأهداف والنتائج الرئيسية القادة على صياغة أهداف تركز على الفريق وتتوافق مع الأولويات الواسعة للمؤسسة، ويتيح ذلك لأعضاء الفريق النظر إلى النجاح باعتباره نتيجة الجهد الجماعي لا المنافسة الشخصية.

تدعم بطاقة قياس الأداء المتوازن هذا النهج أكثر من خلال تتبع الأهداف عبر أبعاد متعددة، مثل نتائج العملاء والإجراءات الداخلية والتعلم والنمو. يشجع التركيز على أهداف الفريق ضمن هذه المجالات على اتباع نهج موحد، ما يخفض الضغوط التنافسية التي قد تؤدي إلى التجاوزات عادة.

طور جاد ميثاقاً لفريقه يحدد الأهداف والقيم ومبادئ العمل المشتركة ويوفر إطاراً واضحاً لتحمل المسؤولية؛ إذ إنه ضَمِن فهم كل عضو في الفريق لدوره في السياق الأوسع. في نهاية المطاف، أدى الميثاق إلى احترام الجميع للبنى التنظيمية والإجراءات وعزز التوافق والتعاون ضمن الفريق.

3. مكافأة السلوكيات الصحيحة

توفر نظرية التعزيز السلوكي إطاراً رصيناً لتعزيز الالتزام بقنوات التواصل القائمة. يستطيع القادة استخدام الدعم المعنوي الإيجابي لمكافأة أعضاء الفريق الذين يحترمون التسلسل الإداري، ما ينمي ثقافة تحمل المسؤولية. كما يرسّخ الاعتراف المتكرر بالجهود، سواء من خلال الثناء العلني أو التقدير غير الرسمي، معياراً يستطيع الآخرون اتباعه. على سبيل المثال، قد يؤدي قول بسيط مثل: "شكراً لك على اتباع الإجراءات الصحيحة" في أثناء اجتماع الفريق إلى رفع المعنويات مع تعزيز أهمية القواعد المؤسسية.

بعد التدريب، بدأ جاد باستخدام الدعم المعنوي الإيجابي للإشادة بالمرؤوسين المباشرين الذين يلتزمون بالقنوات المناسبة ومكافأتهم، وقدّم برنامج تقدير على مستوى الأقران سلط فيه الضوء على "الموظف المميز من حيث روح الجماعة في هذا الشهر". احتفت هذه المبادرة بالأفراد الذين منحوا الأولوية للعمل الجماعي واحترموا الإجراءات، ما أدى إلى تعزيز السلوكيات المرغوبة وتنمية الشعور الجماعي بالمسؤولية.

4. الموازنة بين الاستقلالية والتسلسل الإداري

لا يمكن تطبيق أسلوب القيادة نفسه في المواقف جميعها، قال المؤلف المشارك لكتاب "مدير الدقيقة الواحدة" (The One-Minute Manager)، كين بلانشارد: "يستخدم 54% من القادة أسلوب قيادة واحد فقط بغض النظر عن الموقف، ما يعني أن القادة يستخدمون أسلوب القيادة الخاطئ لتلبية احتياجات فرقهم في 50% من الحالات".

التوصل إلى التوازن المناسب بين الاستقلالية والالتزام بالتسلسل الإداري ضروري لتمكين أعضاء الفريق مع الحفاظ على احترامهم للتسلسل القيادي. يستطيع القادة تطبيق نموذج القيادة الظرفية الذي طوره بلانشارد، الذي يساعدهم على تصميم طرق التوجيه والدعم على أساس خبرة كل عضو في الفريق وكفاءته،

ومع نمو أعضاء الفريق وتطورهم يتيح هذا النموذج زيادة الاستقلالية مع تعزيز أهمية اتباع الإجراءات القائمة.

بالإضافة إلى ذلك، يوضح إنشاء مصفوفة التفويض صلاحيات صناعة القرار أكثر من خلال تحديد القرارات التي يستطيع أعضاء الفريق اتخاذها على نحو مستقل وتلك التي تتطلب اتباع التسلسل الإداري، يخفض ذلك خطر التجاوز غير المقصود ويضمن التوافق مع توقعات المؤسسة.

كشفت تجربة جاد مع أنس عن فجوات في التواصل ونقص في التفاهم، ومن خلال تناول هذه السلوكيات بطرق تتسم بالتعاطف والوضوح والاتساق، يستطيع القادة مثل جاد تعزيز تحمل المسؤولية والترابط مع التركيز على أهمية التسلسل الإداري في النهاية، ينمّي هذا النهج الاستباقي في القيادة فريقاً متعاوناً ومتمكناً ومرتفع الأداء يظل متوافقاً مع مهمة المؤسسة وأهدافها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي