عندما يتمادى المؤسسون

19 دقيقة
يمتلك الرؤساء التنفيذيون لبعض الشركات الناشئة قدراً زائداً عن اللزوم من السلطة. وفيما يلي الوصفة المناسبة لمعالجة هذه المسألة

عندما طرد أعضاء مجلس إدارة شركة أوبر رئيسها التنفيذي والشريك المؤسس فيها، ترافيس كالانيك، في شهر يونيو/ حزيران من العام 2017، فإنّ هذه الحركة، وللمفارقة، كانت مُنتظرة الحصول منذ زمن بعيد وغير متوقّعة في الوقت عينه. فلأشهر طويلة، كان كالانيك والشركة قد عانا من سلسلة من الفضائح، كانت أي واحدة منها كفيلة بالإطاحة بأي رئيس تنفيذي في وضع مشابه. فقد كانت إحدى المهندسات قد نشرت نصاً علنياً أشارت فيه إلى انتشار ثقافة التحرّش الجنسي والثقافة الذكورية على نطاق واسع في أوبر التي غضّ قسم الموارد البشرية فيها الطرف عنها.

كما كانت الشركة قد مُسِكت مسك اليد متلبّسة بتسجيل طلبات لسيّارات أجرة ومن ثمّ إلغائها لدى منافستها ليفت (Lyft)، واستمالة سائقيها للانضمام إلى أوبر، فضلاً عن استعمال برمجيات لتتبّع زبائنها بطريقة سرية حتى بعد أن يكونوا قد أغلقوا تطبيق أوبر. وخلال سنوات من المماحكة مع السلطات المحلية المنظمّة لعمل سيارات الأجرة حول قانونية خدماتها، تبيّن بأنّ أوبر كانت تستعمل أداة تسمّى (Greyball)، لتخفي موقع سياراتها وتظهر نسخة مزيفة من التطبيق أمام مسؤولي المدينة. حتى كالانيك نفسه كان قد ظهر في شريط فيديو يوبّخ فيه أحد سائقي أوبر ممّن اشتكوا من تراجع الأجور.

ومع ذلك وعلى الرغم من الفضائح شبه الأسبوعية، التي قادت زبائن الشركة إلى مقاطعتها وإلى الكثير من المطالبات بطرد كالانيك، إلا أن المؤسس الذي يبلغ من العمر 40 عاماً بدا، لبعض الوقت على الأقل، وكأنّه محصّن ولا يمكن المساس به. وحتى بعد أن أصدر المدّعي العام الأميركي السابق إيريك هولدر، الذي استعان به مجلس الإدارة لإجراء تحقيق، تقريراً ناقداً جداً لثقافة أوبر، قرّر كالانيك وأعضاء مجلس الإدارة لديه بادئ الأمر بأنّ تقديم وعود غامضة بتوفير الإشراف والتوجيه، وتوظيف مدير للعمليات، ومنح إجازة للرئيس التنفيذي لتكون بمثابة عقوبة مخففة له، هي إجراءات علاجية كافية. لكنّ ذلك كلّه تغيّر عندما ثارت ثائرة المستثمرين.

فلماذا استمات مجلس إدارة أوبر في الدفاع عن كالانيك على هذا النحو؟ إنها باختصار وبكلمة واحدة "السلطة". فكالانيك يسيطر على غالبية الأسهم التي تعطي الحق بالتصويت في أوبر، وحتى وقت قريب كان يسيطر على معظم مقاعد مجلس إدارتها. وهو ينتمي إلى جيل من مؤسسي الشركات الناشئة ممن تمكّنوا من البقاء في أعلى هرم السلطة إلى وقت أطول من الوقت الذي كانت ستلجأ فيه شركات رأس المال المغامر (أو ما تسمى بشركات رأس المال الجريء) التقليدية إلى الاستعانة برئيس تنفيذي "مختص". ورغم أن التفاصيل الخاصّة بهذه الفضيحة قد تكون فريدة من نوعها، إلا أن قضايا الحوكمة التي واجهتها أوبر ليست فريدة من نوعها. فشركات أخرى ناشئة مثل زينيفيتس (Zenefits) وهامبتون كريك (Hampton Creek) وتانيوم (Tanium) وليندينغ كلوب (Lending Club)، وثيرانوس (Theranos) هي كلها أمثلة عن شركات ناشئة عانت من فضائح ومن سوء سلوك المؤسسين، لكنّ بعض مؤسسيها لازالوا هم أصحاب القرار. وعوضاً عن أن تبدو أوبر بوصفها حالة شاذّة، نجد بأنها تشكّل مثالاً عن الطرق المذهلة وغير المفهومة كثيراً التي بات بموجبها المؤسسون يهيمنون على مجالس إدارة شركاتهم بعد أن كانوا يتعرّضون إلى إبعاد منهجي عن مواقعهم عندما كانت شركاتهم الناشئة تتّجه نحو النمو. وأنا أعتقد أنّ هذا التوجّه ينمّ عن حالة من "انتقام المؤسسين".

في هذه المقالة، سوف استعرض القوى التي سمحت للمؤسسين بأن يراكموا هذا القدر من السلطة. كما سأحاجج قائلاً بأنّ هذا التوجّه قاد إلى حالة من اختلال موازين القوى يمكن أن تؤثّر سلباً على الموظفين، والزبائن، والمستثمرين. ولمعالجة هذه المسألة، سوف أقدّم بعض الوصفات المبدئية من أجل إيجاد نظام أكثر إنصافاً واستدامة لحوكمة الشركات الناشئة.

ولكن أولاً ولكي نفهم كيف وصل الحال بالمؤسسين في القرن الواحد والعشرين إلى امتلاك هذا القدر من السلطة، يجب أن نتذكّر لماذا سمُح لشركات رأس المال المغامر بأن تسحق الناس الذين أطلقوا بعضاً من أعظم شركات العالم.

عندما كانت شركات رأس المال المغامر هي من يضع القواعد

في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، كانت شركات التكنولوجيا والمستثمرون فيها قد جنوا الكثير من الأموال من خلال عمليات الاكتتاب العام الأولي (IPO). ففي تلك الحقبة، كان الاكتتاب العام هو الهدف النهائي لكل شركة ناشئة تقريباً. فقد كان تحويل سهم الشركة الخاصة غير السائل إلى أموال نقدية من خلال بيع الأسهم إلى عامّة الناس يتطلّب التعامل مع بنك استثماري كبير، لم يكن عادة ليأخذ الشركة إلى الاكتتاب العام الأولي حتى تكون قد سجّلت خمسة أرباع مالية مربحة من الإيرادات المتزايدة. ولتحقيق هذا الهدف، كان يجب على الشركات عموماً أن تتمتّع بالقدرة على "البيع" – وليس فقط الاستحواذ على مستخدمين لا يدفعون المال أو بناء تطبيق إلكتروني جذّاب يقدّم خدماته دون مقابل. وكان إقناع الزبائن بدفع المال مقابل شيء ما يستدعي بناء منتج مستقر والاستعانة بموظفي مبيعات محترفين لبيعه.

كان العديد من المؤسسين يتمتّعون بقدر كبير من الإبداع لكنهم كانوا يفتقرون إلى الانضباط أو المهارات التي تسمح لهم بتحقيق نمو مربح. كما كانوا يفتقرون إلى الخبرة والمصداقية التي تسمح لهم بإدارة شركة كبيرة، وهي ما كان الجميع يطمح بأن تتحوّل الشركة الناشئة إليه يوماً ما. وبالنسبة للبنوك الاستثمارية التي كانت تؤدّي دور حارس البوّابة، فإنّ هذه المصداقية كانت أمراً أساسياً بالنسبة لعملية الاكتتاب العام الأولي. فجزء من هذه العملية كان يشمل ترتيب هذه البنوك لزيارات للرئيس التنفيذي والمدير المالي للشركة إلى مختلف أنحاء البلاد لتقديم عروض عن الشركة أمام المؤسسات الاستثمارية، وبالتالي فإنّ آخر ما كانت المؤسسات تريد رؤيته هو وجود مؤسس عديم الخبرة على رأس الشركة. وبالنسبة لأصحاب رأس المال المغامر، والذين كانوا يهيمنون عادة على غالبية رأسمال الشركة الناشئة ومقاعد مجلس إدارتها، فإن المؤسسين من ذوي العود الطري الذين تنقصهم المهارات المطلوبة كانوا بمثابة مشكلة تحتاج إلى الحل فيما لو كانوا يريدون النجاح في الحصول على الأموال من الاكتتاب العام الأولي يوم حصوله.

وبالتالي بعد أن كانت المنتج يرسّخ نفسه، كان أصحاب رأس المال المغامر وبصورة تلقائية يُبعدون الرؤساء التنفيذيين المؤسسين عن مناصبهم ويستبدلونهم بأشخاص مناسبين هم عبارة عن مدراء تنفيذيين من شركات كبيرة من أجل تعزيز فريق المبيعات، وبناء مؤسسة حقيقية (تضمّ قسماً للموارد البشرية يمنع حصول المشاكل المشابهة لمشاكل أوبر)، وقيادة عملية الاكتتاب العام.

وأشهر الأمثلة على ذلك، وإن كانت خلفية القصة مختلفة نوعاً ما، هي شركة آبل. فعند طرح أسهم الشركة على الاكتتاب العام الأولي في العام 1980، كان ستيف جوبز لا يزال في الشركة التي لم يكن عمرها يزيد على أربع سنوات ونصف السنة بوصفه نائب رئيس تنفيذي ونائب رئيس مجلس الإدارة، ومردّ ذلك إلى حدّ كبير إلى الكاريزما التي كان يتمتّع بها وقدرته على التعبير عن رؤية تخص تطور الحوسبة. ولكن بما أن جوبز وشريكه في التأسيس ستيف ووزنياك كانا قد حصلا على التمويل من رأس المال المغامر من خلال عدّة جولات من التمويل، فقد كانا يمتلكان معاً 23% من حقوق المساهمين في الشركة، وكان هناك قلّة من الحلفاء إلى جانب جوبز في مجلس إدارة الشركة الذي كان مكوّناً من 6 أشخاص. ولعل طرد جوبز عام 1985 واستبداله بالرئيس التنفيذي لشركة بيبسي كولا جون سكولي هو ضرب من ضروب التراجيديا الشكسبيرية في وادي السيليكون، لكن الأمر لم يكن مفاجئاً كثيراً. وإنما المفاجئ كان قدرة جوبز على الصمود في منصبه لتلك الفترة الطويلة.

لكن هذا الشكل النمطي من "طرد المؤسسين" فيه العديد من الاستثناءات البارزة. فقد أسس هيوليت وباكارد شركتهما عام 1939، قبل سنوات طويلة من تطوّر رأس المال المغامر كما نعرفه في العصر الحديث، لذلك فقد احتفظا بالهيمنة على شركتهما "هيوليت-باكارد" (آتش بي) (HP) لعقود. كما أنّ مايكروسوفت، التي تأسست عام 1975، أصبحت شركة رابحة بسرعة كبيرة إلى الحدّ الذي جعلها بغنى عن الكثير من رأس المال المغامر. وعندما طُرحت على الاكتتاب العام في 1986، كان بيل غيتس، وباول آلين، وستيف بالمر يمتلكون 85% من الشركة، وكانت شركة رأس المال المغامر الوحيدة فيها تمتلك 4.4%. وكذلك الحال فقد سيطر جيف بيزوس على 48.3% من حقوق المساهمين في أمازون عندما طرحت على الاكتتاب العام في 1997، وحتى اليوم فإنه يمتلك ما يُعادل ثلاثة أضعاف حصّة أكبر مؤسسة مساهمة في أمازون. ولكن حتّى وقت قريب جداً، كان طرد المؤسس هو السلوك المعتاد خلال رحلة الشركة الناشئة نحو الاكتتاب العام الأولي.

ولهذا التقليد فلسفته النظرية الراسخة. فأصحاب رأس المال المغامر كانوا يسعون إلى التقليل ممّا يُسمّى "تكاليف الوكالة" والمخاطر الأخلاقية الناجمة عندما يكون لدى مؤسّس الشركة الناشئة معلومات أكثر عمّا يحصل داخل الشركة مقارنة بالمعلومات المتاحة لمجلس الإدارة. وبما أنّ المستثمرين يتحمّلون معظم المخاطر المالية في حال فشل الشركة الناشئة، فإن المساهمين المفضّلين (وبصورة أساسية أصحاب رأس المال المغامر) حصلوا على أحكام حمائية (مثل الحق في وقف عملية بيع الشركة)، وعلى غالبية مقاعد مجلس الإدارة. وبما أنّ الشركات الناشئة كانت بحاجة إلى جولات متتابعة من تمويل رأس المال المغامر، فقد حصل تقلّص تدريجي في ملكية المؤسسين للشركة (كما تقلّصت معها أيضاً سيطرتهم على الشركة). ومع مرور الوقت، أصبح وادي السيليكون ممتلئاً بأشخاص كانوا قد أسسوا شركات أيقونية لكنهم قضوا بقية حياتهم المهنية في رواية القصص المؤلمة عن "كيف سرقت شركات رأس المال المغامر شركتي منّي". وكان أوفرهم حظاً هم من احتفظوا بألقاب وظيفية اسمية، مثل المدير الفني أو المدير التقني.

لثلاثة عقود من الزمن، من أواسط السبعينيات وحتى مطلع الألفية الجديدة، كانت قواعد اللعبة تنصّ على أنّ الشركة يجب أن تتحوّل نحو الربحية وأن تستعين برئيس تنفيذي مختص قبل طرح أسهمها على الاكتتاب العام الأولي. وخلال معظم هذه الفترة، واجه المؤسسون فترة عصيبة، حيث كان هناك الكثير من الشركات الجيّدة التي تتطلع إلى الحصول على التمويل في مقابل عدد أقل من شركات رأس المال المغامر لتمويلها. ومع وجود وفرة في المعروض، ومحدودية في الطلب، كان المستثمرون هم من يفرض الشروط. وخلال وقت قصير من الزمن، بدأت هذه الديناميكية بالتغير.

تراجع دور حرّاس بّوابات الاكتتاب العام الأولي

بدأ التحوّل عام 1995، عندما غيّرت شركة نتسكيب (Netscape) واحدة من القواعد. فقد كان عمر الشركة التي تمتلك متصفّحاً للإنترنت أقل من عام واحد – وكانت غير مُربحة وقتها – عندما طرحت أسهمها على الاكتتاب العام الأولي. وقد استعان مؤسساها مارك آندرسن (وكان عمره 24 عاماً يومها) وجيم كلارك بجيمس باركسدال، وهو رئيس تنفيذي خبير، ولكنّهما وخلافاً لتلك الخطوة تجاهلا النصيحة التقليدية من البنوك الاستثمارية بخصوص الحاجة إلى إظهار نمو متسق ومُربح. وقد أطلق الاكتتاب العام المذهل لشركة تنسكيب فترة ازدهار شركات الانترنت (المعروفة بالإنكليزية باسم الـ"dot-com" "دوت كوم") وأفضى إلى حقبة جديدة لم تعد فيها شركات الانترنت تُقيَّم بناءً على ما فعلته وإنما بناءً على ما قد تنجزه يوماً ما.

وقد كانت إزالة العائق التقليدي من أمام إتمام عملية الاكتتاب العام الأولي تعني بأن الشركات الناشئة الجديدة لم تعد بحاجة إلى تحمّل فترة النمو الطويل والتحلّي بالصبر لكي تصبح شركات مُربحة. بل أصبحت، عوضاً عن ذلك، قادرة على طرح أسهمها على الاكتتاب العام "الآن وفوراً"، حتى وإن كان مؤسس الشركة لا يزال في مكانه. فبين العامين 1980 و1998، كان العمر الوسيط للشركات المدعومة من رأس المال الغامر التي طرحت أسهمها على الاكتتاب العام هو سبع سنوات؛ وبين العامين 1999 و2000، وفي ذروة ازدهار حقبة الدوت كوم انخفض الرقم إلى أربع سنوات ونصف السنة فقط.

ولم تكن توقعات المصرفيين الذين يمارسون دور حارس البّوابة هي فقط ما تغيّر. فقد ظل المؤسسون يفتقرون في البداية إلى المهارات والخبرة التي تسمح لهم بزيادة حجم الشركة، لكنّهم باتوا قادرين على الوصول إلى مصدر جديد للمعلومات التي تساعدهم في اكتساب هذه المهارات. ففي القرن العشرين، لم تكن هناك مدوّنات للشركات الناشئة أو كتب مفيدة تعلّم الناس كيفية إطلاق شركة وتنميتها. صحيح أن كليات الأعمال كانت تدرّس ريادة الأعمال، لكنها كانت تركّز على كيفية كتابة الخطط التجارية، والتي تبدو مفيدة لكنها محدودة النفع عندما تبدأ بعرض المنتجات في السوق. (يدرك مؤسسو الشركات الناشئة الحديثة بأن أي خطة تجارية تسقط بعد اللقاء الأول مع الزبون). وكانت الطريقة الوحيدة لإلهام المؤسسين للحصول على تدريب فعّال هي إجراء تدريب في شركات ناشئة أخرى – وهي عبارة عن طريق طويل يستهلك وقتاً طويلاً سرعان ما يتخلّى عنه الكثيرون.

لكنّ مؤسسي الشركات في القرن الواحد والعشرين قادرون على تعلّم الممارسات الفضلى بطرق أسهل بكثير، حيث أنّ بوسع أي إنسان أن يقرأ على شبكة الانترنت كل ما يحتاج إلى معرفته بخصوص كيفية إدارة شركة ناشئة. وقد عملت حاضنات الأعمال ومسرّعات الأعمال من قبيل (Y Combinator) على مأسسة التدريب التجريبي في المهام الحساسة مثل كيفية التوصّل إلى التواؤم بين المنتج والسوق، وتحديد الوقت والكيفية الأنسب لإدخال تحوّل في مسار الشركة، والاستفادة من التطوير القائم على الرشاقة في العمل، والتعامل مع شركات رأس المال المغامر. وفي وادي السيليكون وغيره من الأماكن في العالم ثمّة وفرة كبيرة في المرشدين. كما حصل تحوّلان ماليان سمحا للمؤسسين بالمحافظة على سيطرتهم. التحوّل الأول هو ظهور الأسواق الثانوية، التي تتيح للمؤسسين والموظفين تسييل الأسهم في مرحلة ما قبل الاكتتاب العام الأولي ممّا يتيح لهم البقاء لفترة أطول كشركة خاصّة. وقبل أن تصبح الأسواق الثانوية شائعة، كان لدى المؤسسين حافز كبير للاندفاع نحو الاكتتاب العام الأولي (وتلبية متطلبات البنوك الاستثمارية الخاصة بهذه العملية)، لأنهم كانوا يفتقرون إلى طريقة بديلة للحصول على أموال نقدية وتنويع ثروتهم. وبما أن الأسواق الثانوية أسهمت في التقليل من سلطة حرّاس بوّابات الاكتتاب العام الأولي فإنّها أسهمت في تعزيز سلطة المؤسسين.

أمّا التحوّل الثاني فيتمثّل في النمو في عمليات الاستحواذ. ففي العام 2016، كان هناك أكثر من 3,260 عملية استحواذ على شركات تكنولوجية و98 عملية اكتتاب عام أولي فقط، بحسب مؤسسة (CB Insights). وإذا ما كانت هذه النسبة صحيحة، فإن احتمال الاستحواذ على شركة ناشئة يبلغ 30 ضعف احتمال طرحها على الاكتتاب العام الأولي. وعندما تستحوذ شركة تكنولوجيا أكبر حجماً على شركة أصغر منها، فإن الإبقاء على مؤسّس الشركة الأصغر حجماً في موقع قيادي يمكن أن يجعل الصفقة أكثر جاذبية. تدرك شركات رأس المال المغامر هذا الأمر، لذلك فإنها أميل إلى ترك المؤسسين في موقع المسؤولية.

ظهور شركات رأس المال المغامر "المحابية للمؤسسين"

في لحظة معيّنة من الزمن، حصل تحوّل في المواقف وكان مكمّلاً لهذه التغيّرات: فقد بدأت شركات رأس المال المغامر بالنظر إلى المؤسسين بوصفهم عنصراً قيّماً يجب الاحتفاظ به بعد أن كانت تنظر إليهم بوصفهم مشكلة بحاجة إلى حل. وقد كان ذلك ناجماً جزئياً عن التغيّر الحاصل في خلفيات أصحاب رأس المال المغامر أنفسهم. فقد كان أصحاب رأس المال المغامر ولا سيما في القرن العشرين من حملة شهادة الماجستير في إدارة الأعمال أو لديهم خلفية في المالية أو كلا الأمرين معاً. كما أنّ مجموعة منهم بمن في ذلك جون دوير من شركة كلاينر بيركينز ودون فالنتاين من سيكويا كانوا يمتلكون خبرة عملية في العمل في شركة تكنولوجيا كبيرة. وكان قلّة منهم هم أنفسهم أصلاً من روّاد الأعمال. ولكن في القرن الواحد والعشرين، بدأت شركات رأس المال المغامر توظف مؤسسين من ذوي الخبرة ليكونوا بمثابة شركاء، وبالتالي لم يكن مفاجئاً أن تكون نظرة هؤلاء الأقران أكثر إيجابية تجاه قدرة نظرائهم من المؤسسين الآخرين على أن يصبحوا قادة ناجحين للشركة على المدى البعيد.

وكانت الشخصية المحوريّة في هذا التحوّل، مجدّداً، هي مارك آندرسين. ففي يوليو/ تمّوز 2009، وعندما أسهم آندرسين في إنشاء شركة رأس المال المغامر آندرسين هوروفيتز مع بن هورويتز وهو بدوره رائد أعمال من أصحاب الخبرة، فقد كان هدفهما هو إنشاء شركة تختلف اختلافاً فلسفياً أساسياً عن الشركات المنافسة ألا وهو التركيز على "محاباة المؤسسين". وعندما أعلن آندرسين عن إنشاء الشركة كتب ما يلي: "أكثر من أي شيء آخر، نحن نبحث عن روّاد الأعمال اللامعين والمتحمّسين. ونحن نقف إلى جانب المؤسس  صاحب الخبرة الفنية، ونؤيّد بالكامل المؤسس الذي ينوي أن يصبح رئيساً تنفيذياً لشركته. فليس بوسع كل المؤسسين أن يصبحوا رؤساء تنفيذيين عظاماً، لكن معظم الشركات العظيمة في قطاعنا كان يديرها مؤسس لفترة طويلة من الزمن، غالباً ما تمتد على مدار عقود، ونحن نؤمن بأنّ هذا التوجّه سيستمر. لا نستطيع أن نضمن بأن يصبح مؤسس معيّن رئيساً تنفيذياً عظيماً، لكن بوسعنا أن نساعد هذا المؤسس على اكتساب المهارات الضرورية لتفجير طاقته الكامنة كرئيس تنفيذي".

من المفهوم بأنّ تسويق شركتك بوصفها شركة "محابية للمؤسسين" يخلق لك ميزة تنافسية في قطاع يرتبط فيه النجاح ارتباطاً وثيقاً بقدرتك على البحث عن صفقات والتفاوض فيها مع المؤسسين. إذاً وباختصار، بدأ العديد من شركات رأس المال المغامر تقليد النظرة التي تبناها آندرسين.

كانت هذه المحاباة للمؤسسين ناجمة جزئياً عن السياق. فشركات القرن العشرين، التي كانت تنافس في أسواق كانت تتّسم بحركة أبطأ للبرمجيات والعتاد تمكّنت من الازدهار لفترة طويلة اعتماداً على ابتكار وحيد. وإذا ما طردت شركات رأس المال المغامر المؤسس، فإن الرئيس التنفيذي المختص والمحترف الذي كان يحلّ مكانه كان قادراً ربما على تنمية الشركة لتصبح في موقع مهيمن دون صنع شيء جديد. في تلك البيئة، كان استبدال المؤسس هو القرار العقلاني. بيد أنّ شركات القرن الواحد والعشرين تواجه دورات مضغوطة من تطور التكنولوجيا ممّا يستدعي الاستمرار في الابتكار. فمن هو الأقدر على إدارة هذه العملية؟ غالباً ما يكون المؤسسون الذين يُعتبرُ إبداعهم ومثابرتهم وقدرتهم على تحمّل الفوضى وميلهم إلى المجازفة هم العناصر القيّمة في وقت تحتاج الشركات فيه إلى الاحتفاظ بثقافة الشركة الناشئة حتى وإن كانت في طور النمو. لا شكّ في أنّ شركات رأس المال المغامر تحب الطريقة التي يستعملها المدراء المحترفون لإعادة الانضباط إلى البيئة الفوضوية التي يصنعها المؤسس، لكنهم يدركون اليوم بأن الانضباط الزائد عن اللزوم قد يقتل الثقافة التي جعلت الشركة الناشئة تتمتّع بهذا القدر من الابتكار.

كما كانت عقلية الاحتفاظ بالمؤسس ناجمة جزئياً أيضاً عن القوى الاقتصادية الأساسية المتمثّلة في العرض والطلب. ففي يوم من الأيام كان هناك عدد كبير من الشركات الناشئة التي كانت تتقاتل للحصول على كميات محدودة من رأس المال المتاح من عدد صغير نسبياً من شركات رأس المال المغامر. أمّا اليوم، وبحسب العديد من المراقبين فإنّ الآية باتت معكوسة، حيث أصبح لدينا الكثير من رأس المال الذي يطارد عدداً قليلاً من الشركات الناشئة ذات الجودة الرفيعة. كما حلت أموال المستثمرين الملائكة ومقدمي رأس المال الأساسي (بذرة التمويل) مكان استثمارات الجولة الأولى من تمويل رأس المال المغامر. كما بدأت صناديق التحوّط والصناديق المشتركة في الاستثمار في الشركات الخاصة الكبيرة والأنضج. وهناك في الوقت الحاضر ما يُقارب 200 شركة رأسمال مغامر تعمل بين هاتين المرحلتين وبأموال تزيد على 200 مليون دولار، وبالنسبة لمبالغ بهذا الحجم، فإنّ شراء حصص في أشهر الشركات الخاصة التي تزيد قيمتها على مليار دولار (والتي تعرف الواحدة منها باللغة الإنكليزية باسم (unicorn) (اليونيكورن أي وحيد القرن) يُصبح أمراً أساسياً، لأنّ من الصعب تحقيق عوائد محترمة لقاء استثمار أموال بهذا الحجم من خلال اللجوء إلى رهانات أقل.

تمنح هذه الديناميكية مؤسسي الشركة الناشئة موقعاً أفضل. وهناك مؤشران واضحان يبيّنان كيف استعمل المؤسسون هذا الموقع المحسّن لاكتساب المزيد من السلطة، ألا وهما: التغيير في التركيبة النموذجية لمجلس إدارة الشركة الناشئة، وتزايد اللجوء إلى أنواع جديدة من الأسهم تسمح للمؤسسين بالهيمنة على مجلس الإدارة.

اختيار أعضاء مجلس الإدارة

في مقالة نشرت في هارفارد بزنس ريفيو عام 2008 بعنوان "معضلة المؤسس" لنعوم واسيرمان، وهو الآن أستاذ جامعي في جامعة جنوب كاليفورنيا، يبيّن الكاتب لماذا يجب على روّاد الأعمال الذين يُنشئون شركة ناجحة أن يختاروا في نهاية المطاف أولوية من اثنتين: إما أن يصبحوا أغنياء أو أن يكونوا في موقع الملك. فلكي يكونوا ملوكاً، فإنهم يحتفظون بملكيتهم للشركة ويهيمنون على مجلس الإدارة، ولكن يجب أن يدفعوا ثمناً مقابل ذلك ألا وهو امتلاك ثروة تظل مجمّدة (أي لا تعطيهم السيولة)، والبقاء في حالة من الاستثمار غير القائم على التنوّع، ناهيك عن بقائهم معرّضين للخطر في حال حصول أي مشكلة تضر بقيمة الشركة. لكنّ صعود هذا النوع من شركات "اليونيكورن" التي تفوق قيمتها المليار دولار غيّرت تلك الحسابات، حيث استعمل المؤسسون مواقعهم المحسّنة للتفاوض على صفقات تمنحهم القدرة على أن يكونوا أغنياء وملوكاً في الوقت ذاته.

فحتى ما قبل 10 سنوات خلت، كان مجلس إدارة الشركة الناشئة يتألف عادة وبصورة نموذجية من خمسة أعضاء: مؤسسان، وعضوان يمثلان شركات رأس المال المغامر، وعضو مجلس إدارة مستقل. وفي حال حصول نزاع، فإن أعضاء مجلس الإدارة المستقلين يميلون إلى جانب شركات رأس المال المغامر وهذا هو السبب الذي قاد إلى طرد هذا العدد الكبير من المؤسسين.

ولنقارن ذلك مع تركيبة مجلس إدارة شركة أوبر، والذي لا يُعتبر مجلس إدارة نموذجياً كما نراه في شركات اليونيكورن. فميثاق تأسيس الشركة ينص على وجود 11 مقعداً في مجلس الإدارة، ولكن حتى طرد كالانيك لم يكن المجلس يضم إلا سبعة أعضاء فقط في حين كانت المقاعد المتبقية شاغرة. وكان يشغل ثلاثة من هذه المقاعد كل من كالانيك وشريكه في التأسيس غاريت كامب وأحد الموظفين المبكرين ريان غرافيس. وكان اثنان من المقاعد فقط يشغلهما مستثمران خارجيان. أما عضو مجلس الإدارة المستقل آريانا هافينغتون فكانت بمثابة حليفة لكالانيك. وبما أنّ كالانيك أبقى أربعة مقاعد شاغرة فإنّ ذلك سمح له بزيادة سيطرته: فإذا ما تحدّاه عضوا مجلس الإدارة الخارجيان فإنه سرعان ما كان سيملأ مجلس الإدارة بالحلفاء.

لا بل أن سلطة المؤسسين تمضي أبعد من ذلك. فما يحصل تقليدياً هو أنه عندما تأخذ شركة ناشئة المال من شركات رأس المال المغامر، فإن المستثمرون يحصلون على أسهم ممتازة، بينما لا يحصل المؤسسون والموظفون إلا على أسهم عادية. وعادة ما تمنحُ الأسهمُ الممتازة المستثمرين السيطرة على توقيت بيع الشركة، وتوقيت طرحها على الاكتتاب العام الأولي، وعدد مقاعد مجلس الإدارة، وتوقيت تعيين الرئيس التنفيذي أو طرده.

أمّا في حقبة شركات اليونيكورن، فإن الصلاحيات الخاصّة باتت تسير في الاتجاه الآخر نحو المؤسسين. حيث تلجأ شركات ناشئة عديدة اليوم إلى تطبيق هيكلية أسهم ثنائية الفئة يتمتّع فيها السهم العادي المملوك من المؤسسين بعشرة أضعاف حقوق التصويت التي يتمتّع بها المساهمون الآخرون. تاريخياً، كانت الشركات العائلية تلجأ إلى استعمال هذه الهيكلية الثنائية للأسهم للاستفادة من مكاسب السيولة من خلال الاكتتاب العام الأولي دون التخلي عن السيطرة. ومن الأمثلة على ذلك شركة فورد للسيارات: فعندما طرحت أسهمها على الاكتتاب العام، أوجدت فئة خاصّة من الأسهم تعطي عائلة فورد 40% من الأسهم صاحبة الحق في التصويت رغم أنّ حصتهم الاقتصادية في الشركة لم تكن أكثر من 4%. ومن الأمثلة الأخرى شركات باكشاير هاثاوي، ونيوز كورب، ونايكي ونيويورك تايمز. وفي اكتتابها العام الأولي عام 2004، كانت غوغل أوّل شركة تكنولوجيا تتبنّى نظام ملكية الأسهم ثنائية الفئة. وفعلت فيسبوك، وزينغا، وسناب، ووركداي، وسكوير، وغيرها الشيء ذاته عندما طرحت أسهمها على الاكتتاب العام الأولي. فالأسهم الثنائية الفئة تعطي هذه الشركات المدرجة في البورصة حرية العمل دون الخوف من النفوذ الزائد لصناديق التحوّط.

ولكن خلال السنوات الخمس الماضية، ذهب مؤسسو شركات التكنولوجيا خطوة إضافية إلى الأمام من خلال إنشاء هيكلية ثنائية الفئة للأسهم في شركاتهم حتى قبل طرحها على الاكتتاب العام الأولي. وهذا يسمح لهم باكتساب حقوق تصويت تفوق حقوق حملة الأسهم الممتازة من شركات رأس المال المغامر، الأمر الذي يمنح المؤسسين سلطات استثنائية. وقد تلقت مؤسِّسة شركة ثيراونس ورئيستها التنفيذية إليزابيث هولمز مبلغ 686 مليون دولار من شركات رأس المال المغامر لكنها تحتفظ بنسبة 98.3% من الأسهم ذات الحق بالتصويت.

ليست قواعد الحوكمة الرسمية هذه هي العامل الوحيد الذي يقلل من صلاحية أعضاء مجلس الإدارة. فالعديد من شركات رأس المال المغامر تشغل اليوم خمسة من أصل عشرة مقاعد في مجالس الإدارة، حيث تشرف اسمياً على شركات تعتبر بأضعاف حجم الشركات الناشئة التي كانت في مرحلة ما قبل الإدراج في البورصة قبل 15 عاماً. وهذا الأمر جعلها غير قادرة على مواكبة كل هذا التطوّر الكبير. وغالباً ما أسمع أعضاء مجالس الإدارة في الشركات الخاصة يقولون بأنهم قد قرأوا عن تفاصيل قصّة حساسة تخصّ الشركة في الصحافة أو على شبكاتالتواصلالاجتماعي قبل أن يسمعوها من الرئيس التنفيذي أو في اجتماع مجلس الإدارة. وعندما تتطوّر الأمور إلى أزمة، فإنّ أعضاء مجلس الإدارة الذين يمثّلون شركات رأس المال المغامر والذين اعتادوا على التصرّف بحكمة ورزانة يصبح لديهم حافز جديد للتصرّف بوداعة: فبما أنّ شركات اليونيكورن هذه تظل شركات خاصّة لفترة أطول مقارنة بالشركات الناشئة السابقة، فإنها تحتاج إلى جولات إضافية من التمويل – وشركات رأس المال المغامر التي استحوذت على مقعد في مجلس الإدارة من خلال الاستثمار في جولة تمويل سابقة، تريد عموماً أن تظل أثيرة على قلب المؤسس لكي تكون الخيّار المفضّل للتمويل في الجولات اللاحقة. وهذا الأمر يضعف من حافزهم لطرح أسئلة أصعب، أو المقاومة، أو الضغط على مؤسس يبدأ بتجاوز الخطوط الحمراء في المجال الأخلاقي.

ونظراً لهذا الاختلال الهائل في موازين القوى والذي بات المعيار الطبيعي في غرف مجالس الإدارة في وادي السيليكون، فلا يجب أن نُفاجأ بهذا السلوك السيء للمؤسسين الذين يشغلون منصب الرئيس التنفيذي. لا بل في الحقيقية، المفاجأة الحقيقية تكمن في أنّ العديد منهم لازال يتصرّف بطريقة لائقة.

إصلاح النظام المعطوب

إذاً ما الذي يجب علينا فعله؟

تتمثّل الخطوة الأولى في الاعتراف بالمشكلة وتحديدها. ولكي أكون واضحاً، فأنا لا أقول بأنّ المؤسسين لا يجب أن يصبحوا رؤساء تنفيذيين أو أنهم غير قادرين على أن يكونوا رؤساء تنفيذيين من ذوي الأداء الرفيع؛ لأنّ هناك عدداً كبيراً من الأمثلة عن أشخاص تمكّنوا من النجاح في هذه المسألة، والأبرز بينهم طبعاً هو جيف بيزوس. وإنما نحن أمام مشكلة تحكّم زائد عن اللزوم ودون ما يكفي من الإشراف. فقد أصبح بعض الشركات التي لم تطرح نفسها على الاكتتاب العام الأولي مثل أوبر أكبر بكثير، ولكن بما أنها تظل شركة خاصّة، فإنها تتجنّب العديد من الاشتراطات التشريعية وشروط الحوكمة التي تخضع لها الشركات المدرجة في البورصة. ولكي نضع الأمور في سياقها، فإن القيمة السوقية لحالية لشركة أوبر هي 50 مليار دولار (لتكون بذلك بسوية شركات مثل مونسانتو وجنرال موتورز) وهي تضم 12 ألف موظف (وهي بذلك توازي ماكنزي).

وكانت ماري جو وايت قد وصفت هذه المشكلة عام 2016 عندما كانت وقتها رئيسة هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية في خطاب لها في جامعة ستانفورد قائلة: "مع نضوج الدفعة الجديدة من الشركات الناشئة، وتوليدها للإيرادات، وتحقيقها لتقويمات كبيرة، ولكن مع بقائها شركات خاصة، فمن المهم أن نقوّم ما إذا كانت تعمل بالقدر ذاته على إنضاج هيكليات الحوكمة وبيئات الضبط الداخلي فيها لتكون مواكبة لحجمها وأثرها على السوق".  وقد اقترحت وايت طرح قائمة من الأسئلة: "هل هناك توسّع حاصل في مجلس إدارتكم بحيث لا يقتصر على مقاعد مخصّصة للمؤسسين وشركات رأس المال المغامر، وإنما يشمل أيضاً أشخاصاً خارجيين يمتلكون خبرة في العمل مع شركات أكبر من المفضّل أن تكون من الشركات المدرجة في البورصة؟ هل يتمتّع أعضاء مجلس الإدارة لديكم بالخبرة المناسبة في المجالين التشريعي والمالي والتي تسمح لهم باتخاذ القرارات المناسبة نيابة عن جميع المستثمرين؟ هل تمتلكون الخبرة المناسبة في القطاع الذي تعمل فيه شركتكم بما يسمح بتداول آراء مختلفة وكشف المسائل الحساسة؟ باختصار، هل شركتكم تُدار وتُحكم لصالح جميع مستثمريكم ونيابة عنهم، وهذا شرط أساسي مطلوب سواء أكانت الشركة عامّة أم خاصّة؟"

ودعوني أضيف إلى قائمة وايت من الأسئلة المنبثقة عن بصيرة ثاقبة مجموعة من الاقتراحات. أولاً، حتى عندما تختار شركات رأس المال المغامر "المحابية للمؤسسين" السماح لهؤلاء المؤسسين بالبقاء كرؤساء تنفيذيين، فإنهم يجب أن تلتزم التزاماً قوياً بالممارسات الفضلى القائلة بضرورة دعم هؤلاء القادة بمديري عمليات أقوياء ومن أصحاب الخبرة – وهذا الأمر يجب أن يتم "قبل" أن يقدم الرئيس التنفيذي على خطوة غير محسوبة، وليس أن يكون بمثابة حل علاجي بعد وقوع الواقعة، كما حصل في حالة أوبر. فقد عيّنت فيسبوك شيرلي ساندبيرغ في منصب مديرة العمليات بعد أربع سنوات من تأسيسها وقبل أربع سنوات من طرح أسهمها على الاكتتاب العام الأولي؛ وقد كانت شراكتها مع مؤسس تقني في ريعان الشباب مثالاً يُحتذى. ويجب أن يكون هذا النوع من التعيينات الوظيفية جزءا أساسياً من عملية زيادة حجم الشركة ورفع سويتها – وشرطاً مُسبقاً لجولات التمويل اللاحقة.

ثانياً، يجب على الشركاء العامّين وهم القادة النشطون لشركات رأس المال المغامر الدخول في حوار مع شركائهم المحدودين (أي المؤسسات الاستثمارية التي وضعت رأس المال) بخصوص المقايضة بين مكاسب وخسائر المسائل الأخلاقية، والمخاطر العالية للوكالة، والعوائد المتوقعة، وحجم السلطة والتحكّم اللذين يتنازلون عنهما لصالح المؤسسين. هل يتوقع الشركاء المحدودون من شركات رأس المال المغامر أن تستثمر في شركات اليونيكورن هذه على الرغم من المخاوف المتعلقة بمعاملة الموظفين، أو غياب التنوّع، أو السلوك المشكوك فيه تجاه الجهات الناظمة والسلطات الأخرى؟ هل من المقبول لشركة رأسمال مغامر أن تقول: "نعتقد بأنّ هذه الشركة ستكون عظيمة وذات قيمة كبيرة، لكنّنا لن نستثمر فيها لأن لدينا مخاوف بخصوص هذه المسائل؟" وعلى المنوال ذاته، يجب على شركات رأس المال المغامر أن تدرس إمكانية إطلاق سياسة رسمية تخص استعدادها للاستثمار في الشركات التي يتمتع بها المؤسس بالأصوات المسيطرة. فإذا ما قرّرت مجموعة من شركات رأس المال المغامر البارزة عدم الاستثمار في الشركات التي تمتلك هيكلية ثنائية لفئات الأسهم، على سبيل المثال، فإنّ هذه الممارسة قد تتراجع. لا بالأفضل من ذلك هو أن تكون هناك جمعية وطنية لشركات رأس المال المغامر تنضوي هذه الشركات في إطارها أو أن يكون هناك نقابة أخرى أو تجمّع آخر مشابه لمحاولة وضع مبادئ إرشادية عريضة؛ وسوف تسهم هذه المقاربة التعاونية في تجنّب منح أي شركة معيّنة ميزة تنافسية لأنها تحرّكت أولاً.

ثالثاً، يجب على الجميع في وادي السيليكون أن يقرأ توصيات إيريك التي ألقاها داخل اجتماع لمجلس إدارة أوبر – وبالتحديد، القسم الخاص بتعزيز الدور الإشرافي لمجلس الإدارة. فقد اقترح هولدر بأن تضيف أوبر المزيد من أعضاء مجلس الإدارة المستقلين؛ وأن تنصّب رئيساً مستقلاً لمجلس الإدارة؛ وأن تزيد من حجم لجنة التدقيق ودورها واستقلالها؛ وأن توجد مجلساً للإدارة يتولى مهام الإشراف. ومرّة أخرى، فإنّ هذه الخطوات يجب أن تصبح هي المعيار السائد عندما تنمو أي شركة – وليس أمراً يجري استجابة لأزمة أو بعد تلقّي ضربة ما.

أخيراً، يجب على جميع المعنيين أن يعوا العبر من قصّة أوبر. فقد أوردت صحيفة الوول ستريت جورنال التسلسل الزمني الذي يبيّن كيف أقنعت شركة رأس المال المغامر بينشامارك، أربعة آخرين من كبار المستثمرين في أوبر بالتوقيع على إنذار نهائي يطلب من الرئيس التنفيذي كالانيك الاستقالة على الرغم من كونه يسيطر على أغلبية الأسهم التي تعطيه الحق في التصويت. ولو كان كالانيك قد رفض، لكان المستثمرون قد نشروا الرسالة علناً بما يلقي العبء على كاهل أعضاء مجلس الإدارة بالاستمرار في الدفاع عنه. وخلال ساعات، أرسل كالانيك رسالة بالبريد الإلكتروني يُعلم فيها الموظفين بأنه سيغادر منصبه. وبعد بضعة أسابيع، رفعت بينشمارك دعوى قضائية ضد كالانيك بتهمة الاحتيال، وخرق العقد، وخرق المسؤولية الائتمانية؛ وقد ركّزت الشكوى على سيطرة كالانيك على تركيبة مجلس إدارة أوبر.

على الرغم من أنّ مشاكل الحوكمة في أوبر توضح كيف يمكن للمؤسس أن يتمادى في سلطاته، إلا أن طرد كالانيك هو واقعة هامّة تذكّرنا بأنّه مهما كانت تركيبة مجلس الإدارة وبغضّ النظر عن عدد الأسهم التي تمتلك حق التصويت، فإنّ مجموعة متماسكة وصاحبة عزيمة قوية من المساهمين تظل قادرة على أن تمارس القوّة الناعمة بفعالية. ويجب على المزيد منهم أن يدرسوا ممارسة هذا السلوك لمعالجة هذا الاختلال في موازين القوى والذي بات سائداً في غرف مجالس الإدارة في وادي السيليكون.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي