عندما يتجاوز التعاون حده

9 دقائق
لقد اكتسحت الأنشطة التعاونية مكان العمل. فمع توسّع الأعمال التجارية واكتسابها صبغة عالمية وعابرة للتخصصات، بدأت الأسوار بين الوظائف المختلفة في كل شركة تسقط وازداد التواصل بين الأفراد حتى صار العمل الجماعي يُعد السمة الأساسية لنجاح المؤسسات. وبحسب البيانات التي جمعناها على مدى عقدين من الزمن، فإن الوقت الذي يمضيه المدراء والموظفون في أنشطة تعاونية قد تضخم بمعدل 50% أو أكثر.

وبالتأكيد فإن هناك الكثير مما يستحق التنويه في هذه التطورات، لكن الزيادة الحادة في استنزاف مورد ثمين تتطلب منا أيضاً وقفة تفكير. راقب المؤسسة التي تعمل بها على مدار أسبوع عملٍ نموذجي، وقم بعمل حسبة بسيطة للوقت الذي يقضيه العاملون في الاجتماعات، وعلى الهاتف، وفي الرد على بريدهم الإلكتروني. تحوم النسبة في العديد من الشركات حول الـ80%، تاركة للموظفين الوقت القليل المتبقي للقيام بكافة المهام الأساسية التي يتعين عليهم إنجازها. ويتراجع الأداء لأن الموظفين يرزحون تحت أكوام من طلبات الرأي والمشورة، والاستفادة من الموارد، وحضور الاجتماعات. وهم يأخذون المهام غير المنجزة معهم إلى منازلهم، ولا يلبث الإنهاك القاتل وترك العمل- بحسب مجموعة كبيرة من الأدلة على الإجهاد– أن يصبحا خطرين حقيقيين.

أضف إلى ذلك ما أظهرته دراستنا لما يزيد عن 300 مؤسسة، من أن توزّع العمل التعاوني غالباً ما يتصف بالكثير من عدم التوازن. ففي معظم الحالات تأتي 20 – 30% من الأنشطة التعاونية ذات القيمة المضافة من 3% إلى 5% من الموظفين. فعندما يُعرف موظف بكفاءته واستعداده للمساعدة يتم تحميله مشاريع وأدوار ذات أهمية متزايدة. فذهنية العطاء التي يتمتع بها هؤلاء الأشخاص ورغبتهم في مساعدة الآخرين تعزز بسرعة أداءهم وسمعتهم. وتشير دراسة حديثة برئاسة نينج لي في جامعة أيوا إلى أن كل واحد من أولئك الموظفين الذين يقومون بأكثر مما هو مطلوب منهم ويساهمون في كثير من الأحيان في ما يتجاوز نطاق دورهم، بإمكانه التأثير في أداء فريقه أكثر من الاعضاء الآخرين مجتمعين.

ولكن هذه "المواطنة المتصاعدة" في المؤسسات، كما يسميها الأستاذ مارك بولينو من جامعة أوكلاهوما، أي رغبة الموظف في التميز عن طريق أداء ما يتجاوز العمل المطلوب منه كالقيام بمسؤوليات إضافية، والتحمس لمساعدة الآخرين، لا تؤدي إلا إلى إذكاء نار المطالب وزيادة الأعباء الملقاة على عاتق الموظفين المتعاونين البارزين. فلا يلبث التعاون الذي يبدأ كظاهرة صحية في المؤسسة أن ينقلب إلى عكسه وتتحول الحلقة الحميدة إلى حلقة خبيثة، حيث يصبح الموظفون المتعاونون مصدر تأخير وإعاقة لعمل المؤسسة: إذ يبقى العمل متوقفاً بانتظار رأيهم أو مساهمتهم. والأدهى من ذلك هو الإجهاد الذي ينال من أولئك الموظفين إلى درجة يفقدون معها فاعليتهم الشخصية. وما يحصل في غالب الأحيان هو أن يمُر هذا الحجم الكبير والمتنوع من العمل الذي يقومون به لمساعدة الآخرين دون أن يلاحظه أحد أو يفطن إليه، وذلك لأن الطلبات تأتيهم من أقسام أخرى، ومكاتب مختلفة، بل من شركات متعددة. فعندما قمنا باستخدام أسلوب التحليل الشبكي لتحديد أبرز المتعاونين في المؤسسات، فوجئ القادة بأكثر من نصف الأسماء الواردة في لائحتهم. ففي سعينا لجني ثمار التعاون أوجدنا له عن غير قصد منا أسواقاً مفتوحةً دون ندرك حجم التكاليف. فماذا بوسع القادة أن يفعلوا لإدارة تلك الطلبات على نحو أكثر فعالية؟

الموارد الشخصية الثمينة

في البداية علينا أن نميز بين الأنواع الثلاثة من "الموارد التعاونية" التي يستثمر الموظفون الأفراد فيها لتحقق قيمة مضافة للعمل وهي الموارد المعرفية، والاجتماعية، والشخصية. فالموارد المعرفية تتمثل في المعلومات ومهارات الخبرة التي يمكن تسجيلها ونقلها. وتنبع الموارد الاجتماعية من وعي الشخص وعلاقاته وموقعه في شبكة علاقاته، والتي يمكنه استخدامها لمساعدة زملائه في التعاون مع بعضهم بعضاً بشكل أفضل. أما الموارد الشخصية فتشمل وقت الشخص وطاقته.

ولا تتساوى هذه الموارد الثلاثة في فعاليتها. فالموارد المعرفية والاجتماعية قابلة للمشاركة - وغالباً عبر تبادل وحيد - بدون استنزاف مخزون المتعاون. أي حين أقدم لك معرفة أو إمكانية الاطلاع على شبكة علاقاتي، فإنني أحتفظ بها كذلك لأستفيد منها. أما طاقة الموظف ووقته فمحدودان، لذلك فإن أي طلب مثلاً للمشاركة في القرارات المتعلقة بمشروع ما أو إقراره سيستنزف مقداراً منهما ويقلل بالتالي ما يمكنه أن يمنحه من طاقة ووقت لعمله الخاص.

ولسوء الحظ، فإن الموارد الشخصية هي أول ما يطلبه الأشخاص عندما يريدون التعاون. وبدلاً من طلب موارد معرفية أو اجتماعية محددة – والأفضل بالطبع البحث في مصادر المعرفة كالتقارير والمكتبات المتوفرة – يطلب الناس المعونة الشخصية المباشرة حتى لو لم يكونوا بحاجة إلى ذلك. ويتحول التبادل الذي كان بالإمكان أن ينقضي في خمس دقائق أو أقل إلى دعوة اجتماع تستغرق ثلاثين دقيقة وتستهلك الموارد الشخصية للطرفين.

نضرب مثالاً على ذلك من واقع خبرتنا مع شركة خدمات مرموقة. فحين عمدنا إلى رسم خارطة الطلبات التي يتلقاها عدد من موظفيها الأساسيين، وجدنا أن أكثر الموظفين تعاوناً (لنفترض أن اسمه فهد) لديه 95 نقطة ارتباط في شبكة علاقات الشركة بناءً على الطلبات الواردة إليه. ولكن 18% فقط من طالبي المساعدة من فهد قالوا إنهم يريدون الاستفادة من موارده الشخصية في إنجاز أعمالهم، أما الباقون فعبروا عن اكتفائهم بالموارد المعرفية والاجتماعية التي يزودهم بها. وجاءت نورة في المرتبة الثانية بـ 89 نقطة ارتباط في شبكتها، غير أن وضعها كان مختلفاً وأشد خطراً لأن 40% من طالبي المساعدة أرادوا المزيد من الوقت معها، أي أن هناك استنزافاً أكبر بكثير لمواردها الشخصية.

لقد تبين لنا أنه عندما تتجاوز نسبة طالبي العون الذين يريدون وقتاً أطول الـ 25%، فإنها تصبح معيقة لأداء الفرد والجماعة على حد سواء، وتغدو مؤشراً قوياً على احتمال ترك الموظف لعمله باختياره. فعندما يُثقل كاهل المتعاونين البارزين في المؤسسة بكثرة الطلبات، يرون أنفسهم في وضع تنطبق عليه مقولة "خيراً تفعل شرأ تلقى".

ويوضح الرسم البياني "مطلوبون ومع ذلك منعزلون" المشكلة من خلال بيانات قادة عدد من الوحدات الوظيفية في عينة من عشرين مؤسسة. ويظهر الأفراد في أعلى الوسط وإلى اليمين – الذين يعتبرون أفضل مصادر المعرفة ويتم اللجوء إليهم باستمرار بصفتهم متعاونين في مؤسساتهم – في أدنى حالات الرضى عن أعمالهم والانخراط الجدي بها كما يعبر حجم الدوائر الزرقاء. وتظهر دراساتنا أن النتيجة الحتمية لذلك هو ترك الموظفين المتعاونين لمؤسساتهم (آخذين معهم معرفتهم ومواردهم الاجتماعية القيّمة) أو بقائهم فيها ونقل فتور حماسهم ولامبالاتهم المتزايدة إلى زملائهم.

إعادة توزيع العمل

كل مجهود للارتقاء بفاعلية التعاون على مستوى المؤسسة يجب أن يبدأ بفهم علاقة العرض والطلب الراهنة بين الموظفين. يساعد في ذلك عمل استبيانات لجمع آراء الموظفين، وتتبع مسارات التواصل الإلكتروني في المؤسسة، وأنظمة التقييم الداخلية مثل برنامج "تقويم 360 درجة" وتطبيقات إدارة علاقات الزبائن (CRM)، عدا عن الأدوات الأكثر تخصصاً مثل أدوات التحليل الشبكي التي تستطيع تقديم صورة واضحة وبيانات قيمة عن حجم ونوع ومصدر ووجهة الطلبات في المؤسسة. على سبيل المثال، يقوم موقع do.com بمراقبة التقاويم وتقديم تقارير يومية وأسبوعية للموظفين والمدراء حول الوقت المستهلك في الاجتماعات، مقارنة بالوقت الذي يقضيه كل موظف وحيداً لإنجاز مهامه. وبمجرد إتمام مهمة جمع البيانات، يصبح بالإمكان التركيز على ثلاثة محاور:

تشجيع التغيير السلوكي قم بتعليم الموظفين المتعاونين الأكثر فعالية وشعوراً بالإرهاق كيف ينتقون الطلبات ويحددون أولويتها واسمح لهم بقول "لا" لبعض الطلبات (أو إعطائها نصف الوقت المطلوب فقط)، وشجعهم على ترشيح شخص آخر حين لا يحتاج الطلب إلى مساهمة لا يستطيع غيرهم تقديمها. والنسخة الأخيرة من برمجية تعاون الفريق "بيس كامب" (Basecamp) توفر إمكانية تأجيل تلبية الطلب عبر زر "غفوة" الذي يشجع الموظفين على وضع حواجز أقوى بينهم وبين سيل المعلومات المتدفق نحوهم. ويجدر تنبيههم إلى أنهم حين يستثمرون مواردهم الشخصية فليكن ذلك في أنشطة ذات قيمة مضافة يجدونها باعثة على النشاط والحيوية لا في تلك التي تشعرهم بالإرهاق. وفي دراستنا لموظفي إحدى شركات التكنولوجيا المرموقة التي تنتمي إلى Fortune 500، وجدنا أنه على الرغم من رغبة 60% منهم في قضاء وقت أقل في الرد على طلبات التعاون الآتية بدون تخطيط مسبق، فإن 40% منهم عبّر عن استعداده لصرف وقت إضافي في التدريب والتوجيه والإرشاد. وبعد تحويل إسهاماتهم إلى ذلك النوع الثاني من النشاط، أصبحوا أقل عرضة لأن يصابوا بالإجهاد والتوتر أو ينسحبوا.

أضف إلى ذلك ما أظهرته دراستنا لما يزيد عن 300 مؤسسة، من أن توزّع العمل التعاوني غالباً ما يتصف بالكثير من عدم التوازن. ففي معظم الحالات تأتي 20-30% من الأأنشطة التعاونية ذات القيمة المضافة من 3% إلى 5% من الموظفين.

ولوقف سيل الطلبات المتدفقة، فإن على الراغبين في الحصول على المساعدة تغيير سلوكهم أيضاً. فإعادة النظر في القواعد المتبعة والمعايير التي يتم على أساسها إرسال البريد الإلكتروني أو الدعوة للاجتماع طلباً للمساعدة من حيث الأسباب والتوقيت، يقلص الكثير من الوقت الضائع. وكخطوة في هذا الاتجاه، قام المدراء في شركة "دروب بوكس" (Dropbox) بإلغاء جميع الاجتماعات الدورية لفترة أسبوعين، الأمر الذي دفع الموظفين إلى إعادة تقييم حاجتهم لمثل تلك الاجتماعات وساعدهم بعد انتهاء هذه المدة على أن يكونوا أكثر مراعاة لجداول أعمالهم وأشد حرصاً على أن يكون لكل اجتماع شخصاً يديره وجدول أعمال يفصل مهامه. وقد وجدت ريبيكا هيندس و بوب ساتون من جامعة ستانفورد أنه على الرغم من مضاعفة أعداد الموظفين في المقر الرئيسي لشركة "دروب بوكس" ثلاث مرات في السنتين اللاحقتين، فإن اجتماعات موظفيها كانت تتسم بالقصر الملحوظ والإنتاجية العالية.

إضافة إلى ذلك فإن بالإمكان التقليل من طلبات المراجعة والموافقة التي تستنزف الوقت في كثير من الثقافات التي يغلب عليها الرغبة في تفادي المخاطرة، عبر تشجيع الموظفين على أخذ خطوات جريئة في ما يتعلق بالقرارات التي ينبغي أن يبتوا فيها بأنفسهم بدل الرجوع بشكل دائم إلى القادة وأصحاب المصلحة.

استخدام التكنولوجيا وتقسيم مساحة المكتب لتسهيل الوصول إلى الموارد المعرفية والاجتماعية نذكر في هذا الإطار تطبيقات مثل "سلاك" (Slack) ونافذة الدردشة على "سيلز فورس" (Salesforce.com) اللذين يوفران مساحات مفتوحة للنقاش في المواضيع المختلفة، وتطبيقي "سينديو" (Syndio) و"فولو ميتريكس" (VoloMetrix) (وقد استحوذت عليه شركة مايكروسوفت مؤخراً) اللذين يساعدان الأفراد في تقييم الشبكات واتخاذ قرارت سديدة حول الأنشطة التعاونية. ينطبق الكلام ذاته على تقسيم مساحات المكتب ومواقع الأفراد، حيث أظهرت دراسة قام بها البروفيسور المساعد ستاين غرودال من جامعة بوسطن الضرر الفادح لاجتماعات فرق العمل ورسائل البريد الإلكتروني على النمو الصحي لعلاقات العمل التعاونية المثمرة والحفاظ عليها. لذلك يتعين على المدراء ترتيب أماكن الموظفين بحيث يتجاور الموظفون الذين تتقاطع مسؤولياتهم الوظيفية مع بعضها بعضاً متى كان ذلك ممكناً بهدف تسهيل الأنشطة التعاونية السريعة والارتجالية التي تتم وجهاً لوجه، مما يقود إلى تبادل الموارد بصورة أكثر جدوى وفعالية.

التفكير بتغيير الهيكلية هل بإمكانك نقل صلاحيات اتخاذ القرار إلى أناس أولى بهذا الأمر في شبكة التفاعلات؟ قد يكون من البديهي أن يمتلك فريق الدعم أو المدراء في المراتب الأدنى صلاحية الموافقة على النفقات المحدودة والسفر وبعض أنشطة الموارد البشرية، لكن الحاصل في معظم المؤسسات أن هذا الأمرليس كذلك. وفكّر أيضاً في ما إذا كنت تستطيع إقامة عازل في وجه طلبات المساعدة. فهناك العديد من المستشفيات التي أصبحت الآن تعيّن في كل قسم أو طابق ممرضاً متدرباً وماهراً، وهو ليس مسؤولاً عن رعاية المرضى بل عليه أن يكون جاهزاً لإجابة للاستجابة للطلبات. والنتيجة بحسب الدراسة التي قام بها واحد منا هو آدم غرانت بالاشتراك مع دايفيد هوفمان وزيكي لي هي عرقلات أقل وتواصل أسرع بين الممرضين وأصحاب الخبرة الصحيحة. كما قد تستفيد مؤسسات أخرى من إسناد مهمة "لاعبين ذوي مهام متعددة" إلى بعض الموظفين بهدف تخفيف عبء الطلبات عن الموظفين الأكثر انشغالاً، ويمكن أن يتناوب أعضاء الفريق على أداء هذا الدور لحماية الموارد الشخصية من الاستنزاف عن طريق تخفيف حجم العمل.

مكافأة التعاون الفعال

إن التداخل الذي نراه إجمالاً بين الموظفين الأكثر إسهاماً في الأنشطة التعاونية وأولئك الذين يعتبرون الأفضل أداء لا يتجاوز 50%. وكما أسلفنا، فإن كثيراً من المتعاونين ينخفض أداؤهم بسبب كثرة الأعباء الملقاة على عاتقهم، وهذا من الأسباب التي تحتم على المدراء إعادة توزيع مهام العمل. كما وجدنا أن حوالى 20% من "نجوم" المؤسسات لا يساعدون غيرهم، فهم يحرزون أهدافهم الوظيفية (وينالون المديح عليها) غير أنهم لا يسهبون في الحديث عن نجاح زملائهم. وهذا يذكّر بما قاله ستيف كير، مدير التعلم السابق في شركتي "جولدمان ساكس" (Goldman Sachs) و "جي إي" (GE)، بأن القادة يرجون حدوث أنشطة تعاونية في مؤسساتهم لكنهم يكافئون الإنجاز الشخصي. إن عليهم بدلاً من ذلك أن يتحروا ويلاحظوا ويكافئوا من يقوم بالأمرين معاً.

لنأخذ ما يحصل في الفرق المحترفة في كرة السلة والهوكي وكرة القدم على سبيل المثال. إنهم لا يحصون الأهداف فحسب، لكنهم يتابعون تمريرات اللاعبين التي قادت إلى الهدف. وعلى المؤسسات فعل الشيء ذاته باستخدام أدوات من قبيل التحليل الشبكي، وبرامج التقدير المتبادل بين الأقران، ومقاييس الأداء ذي القيمة المضافة. وقد قمنا بمساعدة إحدى الشركات المتخصصة في علوم الحياة على استخدام تلك الأدوات لتقييم موظفيها خلال عملية استحواذ بمليارات الدولارات. ولأن العقد تضمن دمج المنشآت حول العالم وإعادة توزيع الموظفين، ساور القلقُ الإدارة من إمكانية فقدان المواهب. وقد نصحتهم شركة استشارية معروفة بتقديم مكافآت للحفاظ على القيادات المرغوب في بقائها، لكن هذا الأسلوب لم يأخذ بعين الاعتبار أولئك الموظفين المغمورين الذين يتمتعون بنفوذ وتأثير في المؤسسة التي تم الاستحواذ عليها دون ان تكون لهم سلطة رسمية. أتاح التحليل الشبكي للشركة تحديد هؤلاء الأشخاص وتوزيع المكافآت على نحو أكثر عدالة.

وينبغي جعل الكفاءة في مشاركة الموارد المعرفية والاجتماعية والشخصية شرطاً أساسياً للتقييم الإيجابي والترقيات والعلاوات. ففي أحد المصارف الاستثمارية، يتضمن تقييم الأداء السنوي للموظفين آراء مجموعة مختلفة من زملاء الموظف، والموظفون الذين صنفوا كمتعاونين (أي القادرين على بيع منتج إضافي أو أكثر للزبون وتوفير قيمة فريدة للعملاء على المعاملات) هم الذين خصوا بأفضل الترقيات والعلاوات وخطط للاحتفاظ بهم في الوظيفة. وتستخدم شركة "كورنينغ" (Corning) المختصة في صناعة الزجاج والسيراميك معايير مماثلة لتحديد العلماء الذين سينالون الحظوة لدى الشركة عبر منحهم صفة "زميل" التي تمثل مرتبة رفيعة وتعطي حاملها وظيفة ومختبراً يعمل فيه مدى الحياة. أحد هذه المعايير يشترط أن يكون العالم مؤلفاً رئيسياً مشاركاً في براءة اختراع تدر على الشركة ما لا يقل عن مئة مليون دولار. لكن معياراً آخر يتطلب من العالِم المرشح أن يكون قد عمل كمؤلف مساعد في براءة اختراع يطورها زملاؤه في العمل. إن "كورنينغ" تمنح المكانة والمركز القوي في المؤسسة لأولئك الذين نجحوا في تحقيق التوازن بين الإنجاز الفردي والإسهام التعاوني. (ملاحظة: قدم آدم غرانت خدمات استشارية لـ "كورنينغ").

لا شك في أنّ التعاون يمثل الجواب على أغلب تحديات العصر الملحة في عالم الأعمال. لكن مازاد عن حدّه، انقلب إلى ضده. وعلى القادة أن يتعلموا تقدير ودعم الأنشطة التعاونية وتوزيع الأشكال الصحيحة من العمل الجماعي بشكل فعال، وإلا واجه فريقهم وأفضل موظفيهم طلبات متزايدة لا يمكن لمواردهم المحدودة أن تلبيه. ونحن نعتقد بأن الوقت قد حان لأن تستحدث المؤسسات منصب رئيس تنفيذي مخصص للتعاون، وهكذا يبعث القادة بإشارة واضحة حول أهمية إدارة عمل الفريق بصورة مدروسة وتوفير الموارد الضرورية لتحقيقه على نحو فعال؛ فهذا قد يقلل من احتمال أن يصبح الكل أدنى قيمة بكثير من مجموع أجزائه.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي