يشجع المدير الجيد مرؤوسيه ويدعمهم ويوجههم ويعمل على تطويرهم، كما يعاملهم بإنصاف ويوجه لهم النقد البنّاء ويساعدهم على الاندماج في الفِرق العالية الأداء. هذه سمات المدير الذي لن تنساه، والذي سيترك أثراً إيجابياً دائماً في مسيرتك المهنية.
لكن ماذا ستفعل إذا انتهى بك الأمر تحت إدارة مدير سيئ جداً؛ أي مدير لا يفتقر إلى هذه السمات الإيجابية فحسب، بل له تأثير سلبي أيضاً؟ هل ستتقبل الوضع كما هو أم ستشتكي إلى سلطة أعلى أم ستترك العمل أم ستبحث عن حل آخر؟ إليك مثالين عن المدير السيئ:
كانت شيلا مديرة صاعدة في شركة تصنيع معروفة، وطُلب منها قبل عدة سنوات بناء فريق صغير وإدارته، مهمته الاستثمار في شركات ناشئة تعمل على إنتاج حلول تكنولوجية لسلسلة التوريد في الشركة، ولمّا كانت هذه العملية بسيطة لم يعرها رئيس قسم التوريد المشرف على شيلا الكثير من الاهتمام. تمكّن فريق شيلا من بناء محفظة استثمارية جذبت اهتمام المدير المالي والرئيس التنفيذي، وسرعان ما صارت تجتمع معهما بانتظام. لكن رضا أصحاب المناصب التنفيذية العليا عن نجاحها أثار حسد مديرها وقلقه، فرفض في العام التالي طلباتها للحصول على المزيد من الموارد، وسجّل لها تصنيفاً متدنياً في مراجعات الأداء، ونشر إشاعة في العمل مفادها أن"شيلا تصعب إدارتها"، وفي النهاية أبعدها عن إدارة الفريق وأعادها إلى عملها الفردي.
كان هاورد مديراً يتمتع بإمكانات عالية في شركة كبيرة لعلوم الحياة، وعلى مدى العامين الماضيين، قاد فريق محللين مرموقاً قدّم تقارير الأداء إلى وحدات الأعمال. ولكن عندما عُين مدير جديد للتحليل والتخطيط المالي من خارج الشركة، لم يعد هاورد قادراً على إنجاز أي من مهامه كما ينبغي، إذ انتقد مديره الجديد سير العمل السابق، وقلل من شأن أعضاء فريقه، وخلق خلافاً مع مدراء وحدات الأعمال (عملاء الشركة)، ورفض الاستماع إلى آراء أي فرد. وعندما حاول هاورد قضاء بعض الوقت رفقة هذا المدير وتطوير علاقة شخصية أكثر معه، انتقده الأخير بحجة أنه يتطلب الكثير من الانتباه ويحتاج إلى طمأنة مستمرة لإنجاز عمله.
من الواضح أننا أمام حالتين متطرفتين، ولدي الكثير من الحالات المشابهة التي يمكنني الاعتماد عليها، لكنهما توضحان كيف يولّد المدير السيئ شعوراً لدى مرؤوسيه بأنهم محاصرون وخائفون وليس لديهم من يلجؤون إليه. إذا اشتكى أي من شيلا أو هاورد إلى مدير أعلى من مديريهما، فقد تتفاقم المشكلة ويثبت ادعاء مدير الأولى بأنها "تصعب إدارتها" أو مدير الثاني بأنه "يتطلب الكثير من الانتباه". أما إذا توجها إلى قسم الموارد البشرية أو أحد المسؤولين التنفيذيين لطرح مخاوفهما، فقد ينظر إليهما على أنهما يحبان إثارة المشكلات أو أنهما موظفان صعبا المراس. وإن لم يحركا ساكناً، فسيتأزم وضع كل منهما وسيخسران احترام مرؤوسيهما المباشرين، إنها معضلة صعبة فعلاً.
ولكن ثمة حلين بديلين يمكن الاستعانة بهما، وفي حين أنهما غير مضمونين، ينبغي أخذهما في الاعتبار.
الحل الأول: التحلي بالصبر. المدراء السيئون مثل المتنمرين الذين يتعبون في النهاية من مضايقة الناس لا سيما حينما يدركون أن سلوكهم هذا لن يعود عليهم بأي نفع. تابع إنجاز عملك على أكمل وجه واحرص على أن يعرف الموظفون الأعلى والأدنى منك أنك تحافظ على أدائك العالي. في معظم الأحيان، يرى الآخرون سلوك المدير السيئ، لذا سيقدّرون تحليك بالصبر وعدم شكواك، وبمرور الوقت، قد يدمر المدير السيئ نفسه ويفقد مصداقيته. في الواقع، هذا ما حدث لمدير هاورد، إذ همّشه أقرانه في نهاية المطاف، ورقّي هاورد إلى منصب أعلى في قسم آخر من المؤسسة.
الحل الثاني: راجع مسارك المهني ضمن الشركة وخارجها. اغتنم الموقف لمراجعة مسارك المهني وأولوياتك المهنية وفكرتك عن النجاح. إذا لم يواجه الفرد مواقف محفزة تجبره على إعادة النظر في مساره المهني فسيلتزم المسار الحالي لأنه مريح، على الرغم من أنه قد لا يكون الأمثل. يجبرك العمل تحت إدارة مدير سيئ على البحث عن رغبتك الحقيقية، وهذا ما حصل مع شيلا، فبسبب المصاعب التي سببها لها مديرها فكرت في دخول مجال الشركات الناشئة مستعينة بالعلاقات التي بنتها على مر السنين؛ فعملها تحت إدارة مدير سيئ منحها الحرية للسعي في اتجاه آخر.
لا أحد يحب العمل تحت إدارة مدير سيئ، ولكن إذا كانت هذه هي حالك فهناك حلول.