ماذا تفعل عندما تستنزفك صداقة العمل؟

7 دقيقة
صديق مقرب في العمل
دبيلو إل ديفيز/غيتي إميدجيز

ملخص: يمكن أن يجعلك وجود صديق مقرب في العمل أكثر سعادة وإنتاجية وأقل عرضة للاستقالة، لكن قد تكون لصداقات العمل جوانب سلبية أيضاً. فقد تهتم بالحفاظ على صداقتك على حساب الوفاء بمسؤولياتك، ما يشير إلى أن ثمة شيئاً يجب أن يتغير، ولكن في معظم الحالات هذا لا يعني بالضرورة أن عليك إنهاء الصداقة دون مراعاة الجانب الآخر. بدلاً من ذلك، قد يكون من المفيد تغيير طبيعة التفاعلات مع الصديق تدريجياً بحيث تقضي وقتاً أقل في التواصل معه؛ على سبيل المثال، استبدل التفاعلات الشخصية برسائل البريد الإلكتروني، أو اقترح عليه أن تصله بشخص يمكنه مساعدته في حل مشكلاته. من الضروري أن تظل حازماً وتلتزم بالحدود التي وضعتها إذا حاول صديقك في العمل أن يجرّك إلى التفاعلات القديمة.

 

يمكن أن يجعلك وجود صديق مقرب في العمل أكثر سعادة وإنتاجية وأقل عرضة للاستقالة من العمل، لكن قد تكون لصداقات العمل جوانب سلبية أيضاً. ما الحل إذا كان تعلقك العاطفي بصديقك شديداً؟ كيف تضمن ألا تؤثر علاقتك به في قدرتك على إنجاز عملك؟ ما الحدود النفسية التي يجب أن تضعها لعلاقتك؟ وكيف يمكنك ترسيخها بطريقة لا تؤذي مشاعر زميلك؟

ماذا يقول الخبراء؟

وفقاً لمؤلفة كتاب "المرونة العاطفية" (Emotional Agility)، سوزان ديفيد، فإن المشاركة الوجدانية هي مكون مهم في الذكاء العاطفي، وبالتالي فهي أحد موارد مكان العمل لأنها تساعدك على التواصل مع الآخرين بطريقة هادفة، ولكن من المهم ألا تسمح لعواطفك بأن تطغى عليك وتدفعك للانخراط في صداقات عمل عميقة تستنفد طاقتك وإنتاجيتك. وتتفق مع هذا الرأي مؤلفة كتاب "كيف تكون سعيداً في العمل" (How to Be Happy at Work)، آني ماكّي، وهي من كبار الباحثين في جامعة بنسلفانيا للدراسات العليا في التعليم، وتقول: "قد تشعر بالرضا عندما تجد أن أحداً ما يحتاج إليك، ولكن ذلك يمكن أن يصبح عبئاً عليك". يتجاوز الانخراط في صداقة العمل مجرد المشاركة الوجدانية عندما تبدأ تخصيص وقت كبير لمساعدة شخص ما على حل مشكلاته، أو عند الشعور بالضيق أو القلق وحتى الخوف من القيام بذلك على نحو خاطئ". إن كنت تشعر أنك وصلت مع زميلك إلى هذه الدرجة العميقة من التعلق العاطفي، فإليك ما يجب فعله:

انتبه للعلامات

عندما تهتم بالحفاظ على صداقتك على حساب الوفاء بمسؤولياتك، فهذه علامة على أن ثمة شيئاً يجب أن يتغير، وتقول مكّي إن الإشارات التحذيرية الأخرى تشمل الشعور بأنك "في مأزق عاطفي" أو "أنك أكثر ارتباطاً بالشخص الآخر وتجاربه من ارتباطك بتجاربك الخاصة". لتقييم ما إذا كانت علاقتكما صحية، اطرح على نفسك الأسئلة التالية: هل تساعدني العلاقة في تحقيق النمو الذي أطمح إليه في مساري المهني؟ هل تُسهمان بالتساوي في صداقتكما؟ هل أشعر بالراحة عند التعبير عن أفكاري ومشاعري التي تختلف عن أفكار صديقي ومشاعره؟ هل يمكنني رؤية جوانب متعددة للمشكلة التي يواجهها صديقي أم أنني لا أرى سوى وجهة نظره هو؟ تقول ديفيد: "للأسف، لا يوجد حد واضح يفصل بين المناسب وغير المناسب في صداقة العمل". ولكن إذا كانت إجابتك على أي من الأسئلة السابقة بالنفي، فعليك التفكير في إجراء بعض التغييرات.

لا تلم الشخص الآخر

من الطبيعي أن تشعر بالغضب أو الانزعاج إذا استنتجت أن تلك الصداقة لا تفيدك، فوفقاً لديفيد "لدينا غريزة تدفعنا لإلقاء اللوم على الآخر واتهامه بأنه هو من أوصلنا إلى ما نحن فيه، وهذا موقف ضعيف يجعلنا نشعر بالعجز". بدلاً من ذلك، انظر في أفعالك وسلوكياتك التي ربما أسهمت في هذه العلاقة غير الصحية. تقترح ماكّي أن تنظر بما جذبك إلى هذا الشخص في المقام الأول، هل هي شخصيته؟ أم هو تحدّ واجهكما معاً في العمل، أم هواية مشتركة بينكما؟ سيمدّك النظر في هذه الأسئلة برؤى قيّمة تساعدك في فهم علاقتك الحالية جيداً وتجنب الوقوع في مواقف مماثلة مستقبلاً.

لا تقاطع صديقك كلياً

ليس بالضرورة في معظم الحالات إنهاء الصداقة فجأة. وفقاً لديفيد، يجب ألا تقطع علاقتك تماماً مع صديقك المقرب بصورة مفاجئة لأنك قد تنهي علاقة مهمة للعمل بذلك. تتفق مكّي مع هذا الرأي وتقول: "يعتقد الناس أن تغيير ديناميكية العلاقة غير الصحية يستوجب قطعها، لكن ينبغي عليك عدم فعل ذلك. إذ يمكن أن يؤدي إجراء بضعة تغييرات طفيفة إلى نقل العلاقة في اتجاه إيجابي دون الإضرار بمشاعر أي منكما".

غيّر طريقة تفاعلك مع صديقك

من الصعب أن تخبر صديقاً أنك ترغب بقضاء وقت أقلّ من المعتاد معه. تقول مكّي: "قد تبدو العلاقة صحية إلى درجة تمكّنك من أن تكون صريحاً إلى هذا الحد، لكن ذلك ليس الحال دائماً في الواقع. إذا كان صديقك مدركاً لذاته ومنفتحاً على إجراء محادثة تأملية عميقة، يمكنك محاولة إجراء محادثة صريحة معه حول الأمر. ولكن من الأفضل في معظم السيناريوهات أن تنطوي استراتيجيك على تغيير طريقة تواصلك معه تدريجياً". تقترح مكّي اختيار قنوات اتصال أقل استهلاكاً للوقت. على سبيل المثال، إذا كنتما تقضيان وقتاً طويلاً بالتفاعل معاً بصورة شخصية، فاستبدل هذه التفاعلات بالمكالمات الهاتفية. وإذا كنت تعتمد بشكل كبير على مكالمات الفيديو أو الهاتف، فيمكنك بدلاً من ذلك استبدال هذه التفاعلات بإرسال بضع رسائل إلكترونية. وتقول ديفيد: "يجب أن تبتعد قليلاً وأن تخفف من كثافة تفاعلاتك معه، وأن تعيد التركيز على علاقتكما المهنية كلما أمكن وأن تتحدث عن أهمية العمل".

فكر في تضييق نطاق تفاعلاتكما

قرر حدود تفاعلك. تقول مكّي: "فكّر في المشكلات التي يشاركها زميلك معك واعرض عليه الاستمرار بالمساعدة في بعضها فقط، ثم ساعده في اتخاذ الإجراءات بنفسه بشأن حل بقية المشكلات". وتقول ديفيد في هذا الصدد: "صله بشخص يمكنه المساعدة". وتقترح أن تقول له شيئاً من قبيل "أشعر أننا ندور في حلقة مفرغة فيما يخص هذا الأمر، وأظنّ أنه من الأفضل لك استشارة مدرب مهني".

تمسك بموقفك

ستحتاج إلى بعض الوقت ريثما تصل إلى توازن جديد، وقد لا يسمح لك صديقك بالابتعاد، ولكن يجب ألا تتراجع بسبب مقاومته. فإذا سألك عن سبب عدم قدرتك على تناول طعام الغداء معه مثلاً، تقترح مكّي أن تقول له شيئاً مثل: "أفتقد محادثاتنا حقاً، ولكنك تعلم ما أواجهه في العمل ويجب عليّ التركيز حقاً". يمكنك أيضاً اغتنام الفرصة للفت انتباهه إلى الموضوع الذي تريد مناقشته معه بالقول مثلاً "لماذا لا نجتمع ونتحدث عن الموضوع الفلاني؟". إذا أبدى صديقك مقاومة، فضع في اعتبارك أن شعورك المؤقت بالضيق في مرحلة وضع الحدود أفضل من استنزاف طاقتك على المدى الطويل.

مبادئ عليك تذكرها

ما ينبغي لك فعله

  • انتبه لأي علامات تشير إلى أنك تفرط باستثمار طاقتك أو وقتك في صداقة قد تضر بإنتاجيتك أو أدائك.
  • غيّر طريقة تفاعلك بحيث تقضي وقتاً أقل في التواصل مع هذا الشخص.
  • اعرض عليه أن تصله بشخص يمكنه مساعدته في حلّ مشاكله.

ما عليك تجنّبه

  • إلقاء اللوم على صديقك؛ لأنك ربما أسهمت في خلق ديناميكية غير صحية في علاقتكما.
  • مقاطعته تماماً، لأن ذلك غير ممكن غالباً ويسبب الاستياء.
  • الاستسلام عندما يحاول صديقك العودة بعلاقتكما إلى سابق عهدها؛ إذ يجب عليك التمسك بالحدود التي وضعتها.

دراسة حالة رقم 1: شجع زميلك على طلب مساعدة أشخاص آخرين

عملت علياء مع زميلها كريم ضمن فريق واحد مدة تزيد على العامين في شركة محاسبة كبيرة خضعت لاحقاً لعملية اندماج. تقول علياء: "كما يمكنك أن تتخيل، لقد أدت عملية الاندماج إلى اضطراب حياة الجميع".

كثيراً ما تحدث كريم إلى علياء متذمراً من عبء العمل الإضافي الناتج عن اندماج شركتهما. في البداية، استمعت علياء إليه وتعاطفت معه، وتقول إنها في النهاية بدأت هي نفسها التذمر أيضاً من العمل الإضافي. ولكن عندما أدرك كريم أن علياء تستمع إليه وتتعاطف معه، بدأ يشكو إليها حول أمور أخرى أيضاً، مثل انتقاله إلى شقة جديدة ثم مرض أخته. تقول علياء إن كريماً كان يتحدث كثيراً عن مشاكله الشخصية، ولكن الأمر زاد عن حده.

وتضيف إن مقدار الوقت الذي كانا يقضيانه في مناقشة مشاكله الشخصية كان طويلاً جداً ويحول دون إنجاز مهامهما، فأدركت أن عليها وضع حد لذلك. ولكن في الوقت الذي كانت فيه تستجمع شجاعتها للقيام بذلك، تعرض كريم لحادث سيارة أبعده عن العمل عدة أسابيع. كانت علياء قلقة بشأن حجم مساعدتها التي سيحتاج إليها كريم نتيجة الحادث، وتقول موضحة: "على الرغم من أني شعرت أنه قد استنفد رغبتي في الاستماع إليه، لكن تعاطفي الإنساني الطبيعي دفعني للوقوف إلى جانبه ومساعدته".

أدركت علياء الحاجة المُلحة للتغيير عندما أعربت إحدى زميلاتها لها عن قلقها بشأن الوقت الكبير الذي تمضيه على الهاتف مع كريم واقترحت عليها أن تضع حدوداً لتعاطفها الزائد معه.

لذلك سألت نفسها "كيف يمكنني التعامل مع الأمر؟". عندما اتصل بها كريم في المرة التالية، حثته على طلب مساعدة صديق من خارج العمل والتحدث إلى والديه، وتحدثت مع مديره بموافقته حول حاجته إلى أخذ إجازة من العمل، لتزيح عن كاهلها بذلك جزءاً من المسؤولية لتتحملها المؤسسة.

فوجئت علياء بأن كريماً لم يعترض على الفكرة. تقول: "لقد ساعدني كثيراً اتصاله بأشخاص آخرين وطلب المساعدة منهم". عندما عاد أخيراً إلى العمل وضعت علياء حدوداً جديدة أيضاً. أصبحت تمتنع عن الرد على هاتفها في كل مرة يتصل فيها وبدأت ترد على رسائله الصوتية عبر البريد الإلكتروني، وإذا جاء إلى مكتبها تخبره بأنها مشغولة وتحاول إنجاز العمل وتطلب منه مراسلتها عبر البريد الإلكتروني.

وتقول: "أدركت أن مبالغته بالتحدث عن مشاكله كانت بهدف ضمان أن أبقى إلى جانبه، واليوم أحرص على أن يعرف أنني إلى جانبه فعلاً. أصبحت علاقتنا أكثر توازناً الآن، وأعتقد أنه أصبح أقوى ويعلم أنني جديرة بثقته".

دراسة حالة رقم 2: استخدم الأسلوب المباشر إذا كنت تعتقد أنه سينجح

في شركة ريزميه غو (ResumeGo)، وهي شركة صغيرة تقدم خدمات التدريب المهني وكتابة ملفات السيرة الذاتية، كانت الرئيسة التنفيذية لتكنولوجيا المعلومات، لما، مديرة إحدى صديقاتها المقربات منذ أيام الجامعة، ولندعها شذى.

تقول لما: "كان عليّ الموازنة بين علاقتنا المهنية وصداقتنا باستمرار، الأمر الذي جعل من الصعب على شذى أن تكون موضوعية في كثير من الأحيان". وتقرّ لما بأنها كانت تتغاضى عن بعض التصرفات التي تصدر من شذى في بعض الحالات لم تكن لتتغاضى عنها لو صدرت عن موظفين آخرين. على سبيل المثال، تسترت على تأخر شذى عن العمل عدة مرات، وذلك عن طريق تأجيل اجتماع الفريق الصباحي دون إخبار بقية أعضاء الفريق عن السبب.

ترى لما أن شذى استغلت هذه المعاملة الخاصة وأخذت تقدم مبررات مختلفة لتخلفها عن المواعيد النهائية المحددة للعمل، وتقول: "كانت تقول لي أنها تواجه مشكلات عائلية، أو أنها كانت تعاني مشكلات في علاقتها مع خطيبها، وكنت أتقبل هذه الأعذار في البداية".

ولكن لما بدأت تلاحظ أن سلوك شذى يؤثر على زملائها بمرور الوقت، تقول: "أدركت حينها أن عليّ وضع حدّ لهذه الحماقة". ومع ذلك، لم تكن واثقة من كيفية التعامل معها: كان عليّ العثور على طريقة لأقول لها إن عليها تحسين سلوكها دون المساس بصداقتنا".

قررت لما دعوة شذى إلى تناول العشاء لتكون فرصة للجلوس معها والتحدث إليها وجهاً لوجه بشأن الموضوع. وتقول لما إنها لم توجه لها أي اتهام ولكنها تكلمت صراحة معها، وشرحت لها أنها تتعاطف معها بشأن مشاكلها في حياتها، ولكنه من غير المنصف أن تطالب أفراد الفريق الآخرين بالحضور في وقت مبكر والعمل بجد أكبر بسبب إخفاقها هي".

كان الحوار بينهما متحضراً ساده الاحترام المتبادل، ويبدو أن شذى فهمت الرسالة لأنها غيرت سلوكها. عملت المرأتان معاً لعدة أشهر أخرى قبل أن تجد شذى وظيفة أخرى. تقول لما: "لا نزال صديقتين على الرغم من أننا لم نعد نعمل معاً، وما زلنا نلتقي كثيراً وعلاقتنا جيدة".

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي