هل عدت إلى العمل بعد انتهاء إجازتك ووجدت نفسك أقل انتعاشاً وراحةً مما كنت تتخيل؟ هل حدقت غير مصدق في العمل غير المكتمل، وكنت تعتقد أنه قد أوكل لغيرك لإتمامه بعناية في أثناء غيابك؟ إن كنت كذلك، فاعلم أنك لست وحدك. لكن، تمهل قبل إلقاء اللوم على الضحية، فقد تكون أنت المسؤول عن هذا الشعور أكثر مما تدرك. وربما تكون هذه المشاعر علامةً على حاجتك إلى إعادة تقييم مفهومك عن التفويض عموماً. وها قد حان الوقت لتفعل ذلك قبل أن تستعد لإجازتك القادمة.
دعونا أولاً نستعرض معنى كلمة التفويض. يعني تفويض شخص ما أنك تعهد إليه بالمسؤولية أو الصلاحية وتخصّه بهما. أي يتعلق الأمر، في الأساس، بتمكين شخص آخر لعمل شيء ما. ولكن، غالباً ما يخفى على المدراء حقيقة التمييز بين منح التفويض لأعضاء فريق العمل والطلب منهم ببساطة تنفيذ بعض الأعمال. وسواء كان المدراء يدركون ذلك الفرق أم لا، يشعر هؤلاء أن العمل هو عملهم، وأن أعضاء الفريق موجودون فقط لمساعدتهم على إكماله.
إن النظر إلى التفويض في هذا السياق يسبب مشاكل لكلا الطرفين: يميل الموظفون لفقدان الشعور بملكية العمل وهو الشعور الذي من المفترض أن يحفز فيهم حس الالتزام لأعمق درجة، وفي الوقت ذاته يشعر المدراء دوماً بعبء العمل الذي لا يرحم.
ونجد أنه كثيراً ما يشكو المدراء الذين يعملون وفق هذه العقلية من فقدان موظفيهم لحس المبادرة والمسؤولية. وعلى الرغم من أن الإحباطات التي يشعرون بها صحيحة تماماً، فإن السبب الجذري الكامن وراء المشكلة لا يقع بالضرورة على عاتق الموظفين، بل ربما على عاتق المدراء أنفسهم الذين يحتاجون إلى إعادة التفكير بمفهومهم للتفويض.
الخطوة الأولى هي تجاوز التركيز على العمل. صحيح أن الفهم العميق للعمل ضروري لأي مدير، لكنه يظل مجرد الأرضية التي يُبنى عليها الإنجاز. قبل أداء أي واجبات أو مهام، يحتاج المدير إلى تحليل العمل إلى عناصر تكمّل بعضها، والنظر إليه على أنه نظام متكامل وليس مجموعة من المهمات المنفصلة. على سبيل المثال، قد يفكر المدير الهندسي في كيفية تأثير عناصر مثل تحديد الأولويات، وعمليات البرمجة، ومراقبة الجودة، والتواصل مع العملاء، تؤثر كل منها في الأخرى، ومن ثم في فاعلية الإدارة عموماً.
الخطوة التالية هي توزيع المهام على أعضاء فريق العمل بشكل ملائم. ومن الطبيعي أن عملية الملاءمة هذه تقترن بتوفر القدرات والمهارات، ولكن لتكون فعالة حقاً، يجب ربطها أيضاً بالتطوير. وبالعودة إلى مثال المدير الهندسي، يمكنه تقويض مهمة التواصل مع العملاء إلى كبير المبرمجين من أجل تعميق تعامله مع قضايا العمل والاستفادة القصوى من أسلوبه الاستشاري الطبيعي.
إن تخصيص موظف ما بإحدى المهام بطريقة توضح تفهمك لطبيعة هذا الموظف واحتياجاته سيعزز حتماً علاقتك به. ومن المرجح أن يتبنى الموظف تلك المهمة على أنها ملكيته الخاصة أكثر من تعامله معها باعتبارها واجباً قد أوكل إليه مع التركيز فقط على إظهار العبء الذي تتحمله أنت.
والأهم من ذلك، هو كيفية إخبارك للموظف بالمهمة، فعندما تدير نقاشاً حقيقياً حول مهمة ما، يجب أن ينصب تركيزك في المقام الأول على الموظف مع استخدام العمل كخلفية. وإذا أردت إدارة نقاش ناجح، عليك اتباع التالي:
- وضع المهمة في سياق معين، بحيث يفهم الموظف السبب من تخصيصه بهذه المهمة، وكيف أنها تتماشى مع تطوره الشخصي في المؤسسة.
- شرح ماهية الإنجازات أو النتائج الحاسمة، وسبب أهميتها، وكيف ستؤثر على المؤسسة.
- توضيح التوقعات المرجوة من الموظف لإتمام المهمة من خلال وضع خطة تنفيذية واضحة، والتواصل المسبق بشأن أي تطورات أو أحداث مهمة.
- استخدام لغة معينة خلال النقاش توضح مدى تركيزك على نجاح الموظف وتطوره.
إن تأطير الحوار بهذه الطريقة يطرح فكرة ملكية العمل، مع التوضيح أن الملكية لا تعني التحليق منفرداً خارج السرب. صحيح أنك بحاجة إلى أن تكون على اطلاع دائم بالتطورات، لكنك ستثق بالموظف لإدارة تلك العملية. وبقول آخر، أنت موجود لدعم الموظفين ومساعدتهم، وليس العكس.
على الرغم من أن المدير لا يفقد التركيز فعلياً على العمل ، فإن لغته يجب أن تعزز باستمرار تركيزه على نجاح الموظف في إدارة العمل
وعند ظهور التحديات والمصاعب، لا يجب أن يكون السؤال المطروح هو "ما الذي يمكنني فعله؟" بل "كيف يمكنني دعمك لأقصى درجة خلال إدارتك هذه المهمة؟" وحينما تعمل على خلق ثقافة الملكية هذه في العمل، اللغة ذات أهمية كبيرة. فإن وجّهت نفسك للتركيز على نجاح الموظف، ستجد المفردات الصحيحة تنساب منك وحدها بسلاسة. أما إن كان تركيزك الفعلي في اللحظات الحرجة والحاسمة على العمل، فعلى الأرجح أن كلماتك ستنجرف بعيداً عن فكرة تعزيز الملكية.
وهكذا، لا تنجح مسألة التفويض والشعور بملكية العمل إلا عندما تكون ذات أهمية لكل الأشخاص المعنيين بها. لذلك، لا تكتم نواياك، وبدلاً من ذلك، دع فريقك على علم بأهدافك: الحصول على نتائج مذهلة مع تنمية مهاراتهم وتعزيز مسار حياتهم المهنية. وهنا، تبرز نقطة مهمة، وهي أن مفهوم الملكية قد يكون جديداً على فريقك. إن كان كذلك، فشاركهم الصعوبات التي تعتقد أنهم سيجدونها حياله. وتوقع أن يعود كل منكم أحياناً لسابق عهده وتصرفاته، وعندما يتعثر مفهوم الملكية، فاحرص أن يساعد كل منكما الآخر للعودة إلى المسار الصحيح. بطبيعة الحال، تدفعنا الضغوطات جميعاً للعودة إلى سلوكياتنا القديمة المريحة.
لذلك، فالإقرار صراحة باحتمالية حدوث هذه العودة، يجعل من السهل التحدث عن الأمر عند حدوثه. على سبيل المثال، إن كنت تدرك ميلك لفرض الحلول في كثير من الأحيان، فاطلب من فريقك تنبيهك عندما تتبع هذا السلوك، ورد الجميلَ عندما يحاولون اللجوء إليك عند حدوث مشكلة ما.
وبمجرد تحديدك للمناطق الرئيسة للملكية وتخصيصها لكل فرد من أفراد فريقك، سيكون واضحاً لكل منهم ما سيفعلونه في غيابك.
وعلى الرغم من أنك ستظل أياماً وأسابيعَ مشغولاً بتوزيع الموارد استراتيجياً، ومراقبة الأداء بدقة، وطرح أسئلة ثاقبة، وتقديم آراء صريحة، فلن تظل مشغولاً لدرجة لا تمكنك من أخذ إجازة، لتعود بعدها وتستمتع بالإنصات إلى ضجة العمل في قسمك.