وجدت ريهام*، التي تبلغ من العمر 63 عاماً، نفسها في موقف صعب بعد وفاة والديها بعامين. إذ حاولت عدة مرات مؤخراً إقناع إخوتها بالموافقة على استثمارات تجارية كبيرة، ولكن من دون جدوى. استلمت ريهام رئاسة شركتها العائلية وهي بعمر 61 عاماً، بعد أن بقيت تراقب والديها وهما يقودان الشركة على مدى عدة عقود وهي تعمل تحت نظرهما. في السابق، عندما كانت تختلف مع إخوتها على أمر ما، كان والداها يتوسطان بينهم لفض النزاع. ولكن منذ استلام ريهام زمام الأمور في الشركة التي أصبحت تملكها مع أشقائها بالتساوي، تزداد صعوبة اتخاذ القرارات بمشاركة جميع الأشقاء. وبالنتيجة، بدأت الشركة تتعثر.
في شركة عائلية أخرى، كان بلال، وهو مهندس كهربائي يبلغ من العمر 25 عاماً، مستاءً أيضاً ولكن لأسباب مختلفة. فمنذ ثلاثة أشهر توفي والداه بصورة مفاجئة، وبعد وفاتهما بشهرين قرر ترك وظيفته في شركة رأس مال مغامر (أو ما تسمى شركات رأس مال جريء) للعودة إلى بلاده واستلام منصب الرئيس التنفيذي لشركة التوابل العالمية التي أصبحت الآن ملكاً له ولشقيقته. ليلة بعد أخرى، وجد نفسه يفكر بوالديه ويتساءل عما إذا كان قد اتخذ قراراً صائباً.
للوهلة الأولى، قد تبدو قصتَا ريهام وبلال مختلفتين للغاية، ولكنهما في الحقيقة تصبان في قالب واحد يتمثل في العواقب الصعبة التي تترتب على انتقال قيادة الشركة العائلية من جيل إلى آخر خارج إطار زمني تقليدي.
في العالم المثالي، تنقل الشركات العائلية قيادتها من جيل إلى التالي وفق إجراءات محددة ومخطط لها بعناية تحددها الشركة أو المجموعة المالكة أو العائلة نفسها، من أجل نقل الصلاحيات إلى القائد الجديد بعد أعوام من التحضيرات. لكن تزداد العائلات التي تكتشف أن تجربتها في نقل القيادة لا تتبع هذا المسار. فقد تمكن تقدم الطب الحديث من إطالة العمر المتوقع للإنسان وإنتاجيته، ما أتاح لبعض القادة الاستمرار في ممارسة دور مركزي في شركاتهم إلى أن يبلغوا من العمر ما يزيد عن ثمانين أو تسعين عاماً. وهذا بالطبع يولد شعوراً زائفاً بالأمان لدى أفراد العائلة، فهم يفترضون أنهم سيعيشون حياة طويلة، إذاً، لماذا التفكير بتخطيط انتقال القيادة من الآن؟ لكن الكوارث الطبيعية والحوادث والأمراض (كما بينت لنا جائحة "كوفيد-19" بوضوح) لديها قدرة على خطف أحبائنا في وقت أبكر مما نتوقع بكثير. كلا التصورين يجعلان القادة الجدد غير مستعدين لهذا الدور على الإطلاق.
غالباً ما يلجأ الجيل التالي من القادة غير المستعدين للانسحاب، سواء من خلال التخلي عن العمل في الشركة أو اعتبارها أصلاً مالياً من دون التدخل في قيادتها. كلا الخيارين يؤديان إلى بيع الشركة بأكملها، وهي نتيجة قد لا يكون الجيل الأسبق قد توقعها أو أرادها. لكن ليس بالضرورة أن يكون الفشل مصيراً حتمياً لعملية الانتقال غير المخطط لها، فمع بعض التحضيرات واتخاذ إجراءات مبتكرة، شهدنا انطلاق بعض العائلات المالكة للشركات في العمل بسرعة على الرغم من هذه الظروف غير المثالية.
أنشأ "الانتقال المؤجل" الذي مرت به ريهام و"الانتقال المفاجئ" الذي مر به بلال في نهاية المطاف ما يمكن أن نقول عنه حالة تحيّر. فنظراً لتمسك والدي ريهام بقيادتهما للشركة مدة أطول مما يجب، لم يبدآ بالعمل الجاد لتحضير خليفة لهما قط، وكان بلال صغيراً جداً على تعلم أمور القيادة من والديه، أو معرفة ما إذا كانت شركة عائلته هي الخيار المناسب له حقاً. في كلتا الحالتين، في غياب توجيه الوالدين، وجد كل من ريهام وبلال نفسيهما مع مجموعة فريدة من التحديات وفهم محدود لأفضل طريقة للتعامل معها.
التعامل مع التأجيل
يواجه من يمرون بعملية انتقال مؤجل، مثل ريهام، مجموعة تحديات مشتركة. مثلاً، قد تهتز ثقة من كانوا ينتظرون جانباً لمدة طويلة جداً من الزمن بأنفسهم، لأنهم لم يحصلوا على أي فرصة للهرب من ظل والديهم. وعلى الأغلب أنهم لم يتعلموا التعاون في اتخاذ القرارات أو حل النزاعات فيما بينهم، بما أنهم كانوا يلجؤون دوماً للأم أو الأب لحل المشكلة نيابة عنهم مهما كانت أعمارهم. حتى عندما يسعون لاتخاذ موقف ما، يكون هناك تصور دائم بين الموظفين والمستشارين من غير العائلة، الذين يطلقون على ريهام وأمثالها اسم "الأولاد" حتى إذا بلغوا مرحلة عمرية متوسطة، بأن هؤلاء الأبناء غير ملائمين للقيادة، وهذا يقوض قيادتهم من قبل أن تبدأ أساساً. وأخيراً، يمكن أن تتفاقم المشكلات عندما يصبح الجيل الثالث (الأحفاد) في العشرين أو الثلاثين من العمر، ويبدأ بالانضمام إلى العمل في الشركة. وإذا لم تكن مستعداً لتوضيح طريقهم نحو القيادة، قد يفقدون الاهتمام بالشركة بأسرها ويختارون العمل في مكان آخر بدلاً من الانتظار لسنوات أو حتى عقود من الزمن إلى أن يحين دورهم في القيادة.
إذا كانت عائلتك تمر بعملية انتقال مؤجل، يمكنك التفكير بأربعة خيارات أساسية:
نظم شركتك: يرى البعض أنه من الأفضل أن يعالج أبناء الجيل الأول المشكلات قبل إدخال أولادهم. يجب أن تفكر بهذه الطريقة إذا بدا لك النزاع مدمراً لدرجة أن إدخال الجيل التالي سيفضي إلى كرهه للشركة. تتمثل فائدة التعامل مع الانتقال على أنه عملية متسلسلة في إمكانية إنشاء أنظمة الحوكمة وعملياتها واختبارها حتى تعتمد عليها مجموعة أكبر في المستقبل في اتخاذ القرارات. عندئذ، ستتمكن من تقديم الجيل الجديد عندما يصبح جاهزاً على أنه جبهة متحدة ومتسقة. أكبر خطورة في هذه الطريقة هي أنك عندما تمنع أبناء الجيل التالي من المشاركة في القيادة فإنك تستمر بتأجيل اندماجهم الذي كان من المفترض أن يكون قد حدث منذ زمن.
حاول اللحاق بالركب: تتمثل الطريقة الثانية في دمج الجيل التالي في عملية الانتقال من بدايتها، وما أن تنتهي العملية أخيراً، ابدؤوا العمل معاً. ستبقى السلطة الرسمية بيد الجيل الأكبر، ولكن سيتاح المجال أمام الجيل التالي للمشاركة بطرق فعلية وإبداء الرأي حتى وإن لم يكونوا في موقع السلطة بعد. تتطلب هذه الطريقة عمل جميع المعنيين من أجل اكتساب خبرة من خلال الممارسة فيما يتعلق بطريقة معالجة المشكلات الصعبة والاختلاف فيما بينهم على نحو بنّاء والتشارك في اتخاذ القرارات. يستدعي تعقيد التعامل مع الجيلين معاً كثيراً من الجهد والالتزام والتنسيق، ولكنه قادر على توليد نتائج دائمة ومستدامة. ولن تجد العائلة نفسها في مأزق لاحقاً.
فكر بطريقة عكسية: في بعض الحالات، يكون الجيل الذي يمسك بزمام الأمور غير راغب أو غير قادر على التعامل مع القرارات الصعبة التي ترافق التخلي عن السلطة وتسليم زمام الأمور للأبناء وأبناء الأشقاء وبناتهم. وهذا يهدد بمأزق قد يؤدي إلى تكرار المشكلة الحالية في المستقبل. وإحدى الطرق للخروج من هذا المأزق هي ترك الأنظمة الحالية على حالها والتركيز على تصميم طريقة العمل المشترك بين أبناء الجيل التالي. وعدم استعجال التغيير الفوري سيتيح المجال للعمل مع الجيل التالي ومساعدته في الاستعداد لدوره في ظل توجيه من يمسكون بزمام الأمور حالياً. في عدد من الحالات، رأينا أن الجيل الأكبر راغب في اتخاذ خطوات تدريجية نحو المستقبل المتفق عليه ما أن يتم تحديده.
تخطّ جيلاً: شهدنا في حالات نادرة عائلات قررت تخطي جيل بأكمله. في إحدى الحالات، كان لدى الوالدين ثلاثة أبناء كانوا متساوين في مؤهلاتهم التي تمكنهم من إدارة الشركة، ولكنهم وجدوا أنفسهم غير قادرين على اتخاذ القرارات معاً نظراً لعدم امتلاكهم الخبرة العملية. وبدلاً من التصارع على قيادة الشركة وتعكير انسجام العائلة، اختار هؤلاء الأشقاء نقل القيادة والسلطة إلى أكبر أبنائهم، وهي سيدة أعمال حاصلة على شهادات عليا ولديها معرفة بعالم الأعمال وتحظى باحترام كبير.
الخروج من الصدمة
تأتي الانتقالات المفاجئة، مثل حالة بلال، برفقة مجموعة مشكلات خاصة بها. غالباً، يفتقد من يجدون أنفسهم فجأة في مناصب قيادية الخبرة ومجموعة المهارات التي تتطلبها القيادة عادة، فتصيبهم الحيرة فيما إذا كانوا فعلاً قادرين على أداء هذه المهمة. قد يشعر آخرون بضغط ملح لاستلام دور والديهم المتوفين، من أجل تخفيض النزاعات واستضافة الحفلات العائلية في الأعياد والحفاظ على انسجام العائلة، ما قد يضر بالعلاقات فيما بين الأشقاء وخصوصاً في أوقات الخسارة والتغيير. على المدى الطويل، قد يشعر أمثال بلال الذين وجدوا أنفسهم في هذه الأدوار بسخط شديد، وفي نهاية المطاف، يتوقون لمسار مهني أو حياة كانوا سيحظون بها في ظروف مغايرة. يمكن أن يولد الأثر الصافي لهذه الصعوبات ما يسمى بتأثير الدومينو، حيث يعيش أبناء الجيل حالة إرهاق ويختار التقاعد المبكر، ربما قبل أن يصبح أولادهم جاهزين لتسلم ملكية الشركة أو قيادتها.
اتبعت الشركات التي وجدت نفسها في موقف مماثل لموقف بلال عدة طرق ناجحة:
مشاركة الجميع: تقوم بعض العائلات باختيار قائد من الجيل التالي سواء كان مستعداً أم لا. ونظراً لمعرفتهم أن هذا الشخص سيكون في موقف صعب، يبثون ثقتهم فيه بين المساهمين الأساسيين. غالباً ما تحيط هذه العائلات القائد الجديد بمستشارين موثوقين، كما تتقبل عدم سير الأمور كما خططت لها تماماً في بداية عمله.
الاستعانة ببديل: تعين عائلات أخرى وصياً خارجياً أو مجلس إدارة أو رئيساً تنفيذياً من أجل إدارة الشركة إلى أن يصبح الجيل التالي جاهزاً. يصعب العثور على البديل الجيد، لأنه من الضروري أن يتوفر لديه المزيج المناسب من التواضع وذهنية التعليم، والمصلحة والإطار الزمني اللذان يتوافقان مع المصالح والأطر الزمنية للعائلة والمالكين والقادة المستقبليين. سيحتاج من يجدون بديلاً مناسباً إلى بذل جهود استثنائية من أجل ضمان تلاؤم الحوافز وتوافقها مع المجموعة الشاملة لأهداف العائلة.
قادة من خارج العائلة: تقوم عائلات أخرى بتعيين قادة من خارج العائلة يخططون للبقاء لفترة طويلة، ويمكنهم بذلك ملء فراغ القيادة. لكن يُحضر المسؤولون التنفيذيون الخارجيون معهم مشكلاتهم الخاصة مثل تلك التي تكون بين الرئيس والوكيل، والتي تتطلب مزيداً من التنظيم من أجل حماية مصالح العائلة والمالكين. غالباً ما تنشئ هذه العائلات مجالس حوكمة مكملة، مثل مجلس الإدارة ومجلس رسمي للمالكين من أجل توضيح طريقة نقل أولويات المالك وحمايتها، ما يساعد على الإشراف على الأصول إلى جانب المحافظة على القيادة الجديدة.
في الختام، تتمتع كل شركة عائلية بما يميزها، ولذلك ليس هناك طريقة موحدة صحيحة أو خاطئة لتجاوز عملية انتقال غير مخطط لها. ولكن فهم المشكلات المقبلة والمسارات المحتملة التي يمكن اتباعها في حالات الانتقال هذه، هو خطوة أولى ضرورية لصياغة مستقبل الشركة العائلية الخالي من الصعوبات الناجمة عن عدم التخطيط لعملية انتقال القيادة.
*تم تغيير الأسماء والتفاصيل.