يجب أن يفهم كبار المسؤولين التنفيذيين مدى الحاجة إلى تغيير عملية البيع بصورة جذرية.
تسببت جائحة "كوفيد-19" وما تلاها من ركود اقتصادي في إفلاس الكثير من الشركات وارتفاع معدلات ديونها وانكماش ميزانياتها وإقدامها على اتخاذ قرارات شراء طويلة الأمد تحسباً للمستقبل المنظور. ويشكل نجاح جهود المبيعات أهمية استراتيجية للشركات على طريق التعافي من هذه الأزمة الخانقة. وعلى الرغم من ذلك فإن الكثير من قادة المؤسسات لا يدرون شيئاً عن أنشطة موظفيهم الذين يقفون على خط المواجهة مع العملاء، ولا يدركون أن نماذج مبيعاتهم في حاجة ماسة إلى التحديث.
ومع تعقُّد منظومة قطاع الأعمال على مدار الأعوام الخمسة والعشرين الماضية، تضاعف عدد المسؤولين التنفيذيين الذين يعملون تحت إشراف الرئيس التنفيذي في الكثير من الشركات. لكن معظمهم متخصصون في مجالات مثل تقنية المعلومات أو الماليات أو الهندسة أو الشؤون القانونية، ووصل الكثير من المسؤولين التنفيذيين (بمن في ذلك الرؤساء التنفيذيون أنفسهم) إلى المناصب التنفيذية العليا دون خبرة واسعة في المبيعات، وفقاً للتقرير الصادر عن شركة "هيدريك آند ستراغلز" (Heidrick & Struggles) عام 2019 بعنوان "الطريق إلى القمة" (Route to the Top report). وبدلاً من التصرف كخبراء متمرسين في فن تعظيم الأرباح، فغالباً ما يتعاملون مع المبيعات كما لو كانت صندوقاً أسود غامضاً، أي كشيء ضروري لتحقيق الأهداف ربع السنوية ولكنه مستبعد من أي نقاشات استراتيجية. والغريب أن الكثير من مدراء المبيعات يحبون التعامل معهم بهذه الطريقة لأنه يجعل وظائفهم أسهل.
ولكن إذا عجز أصحاب المناصب التنفيذية العليا عن فهم أسرار المبيعات أو فقدوا التواصل مع المسؤولين عنها، فستضعف قدرتهم على إعداد الاستراتيجيات الملائمة للسوق وتنفيذها. يشيع وجود هذا الانفصام بين إدارة الشركات وأقسام المبيعات بصورة مرعبة، وهو ما اكتشفته أنا وكريستوفر والاس رئيس شركة "إنر فيو" (InnerView) من خلال استقصاء أجريناه عام 2016 على 700 مسؤول تنفيذي رفيع المستوى ومدراء ومندوبي المبيعات. حيث أشار المسؤولون التنفيذيون إلى فهمهم التام للأولويات الاستراتيجية، لكنهم أعربوا عن أسفهم لأوجه القصور التي تكتنف معظم أنشطة المبيعات، بما في ذلك التدريب ومراجعات الأداء والتوجيه والأدوات والتوظيف وإعداد الموظفين الجدد وملاءمة مندوبي ومدراء المبيعات لمناصبهم. من جانبهم، قال مندوبو المبيعات إن أصحاب المناصب التنفيذية العليا لا يفهمون نموذج المبيعات ولا مهمات المبيعات المطلوبة. وبمراجعة تعليقاتهم، يمكننا أن ندرك أسباب شيوع عقلية "الرئيس الذي يملك كل الصلاحيات والمرؤوس المطالب بتنفيذ الأوامر دون مناقشة" في الكثير من مؤسسات المبيعات.
ولا تقتصر هذه الظاهرة على حالة الانفصام بين أصحاب المناصب التنفيذية العليا ومسؤولي المبيعات. فلم تُقدِم سوى قلة قليلة من الشركات على تكييف نماذج مبيعاتها بما يتناسب مع التحولات الجذرية في الطريقة التي يتخذ بها العملاء قرارات الشراء. ولطالما تم حصر قرارات الشراء في نموذج التسلسل الهرمي للتأثيرات، وفيه تمر عملية الشراء بعدة مراحل تبدأ بتعرف العميل على المنتج، ثم الاهتمام بشرائه، ثم الرغبة في شرائه، ثم اتخاذه قرار الشراء. ولكن منذ أن أصبح المشترون يتخذون قراراتهم من خلال مسارات موازية خاصة بهم، فقدت صيغة هذا النموذج وتنويعاته أهميتها، على الرغم من أنها لا تزال تشكّل حجر الأساس لأنشطة المبيعات في معظم الشركات (غالباً دون وعي). انظر مثلاً إلى قرار شراء سيارة. تشير بيانات شركة "جيه دي باور" (J.D. Power) إلى أن مشتري السيارات في الولايات المتحدة يقضون الآن حوالي 13 ساعة في البحث عن السيارات عبر الإنترنت ولا يقضون سوى 3.5 ساعة فقط في وكالات بيع السيارات قبل حسم أمرهم بالشراء. وعلى الرغم من أن الوكلاء المعتمدين لا يزالون هم المصدر الأساسي لمشتريات السيارات، فقد تغيرت توقعات العملاء. فقد بات المشترون الآن يذهبون إلى وكلاء بيع السيارات مسلحين بالأسعار والآراء التقويمية حول المنتجات وغيرها من المعلومات ذات الصلة، ويقول أكثر من 50% منهم إنهم سيغادرون الوكالة إذا طُلب منهم اختبار قيادة السيارة قبل الحصول على السعر المقرر. ولا يتعامل حوالي 40% منهم مع الوكلاء الذين يمتنعون عن إدراج أسعار السيارات على مواقعهم الإلكترونية (ومع ذلك لا يزال الكثيرون منهم يمتنعون عن إدراجها)، ويغادر حوالي 40% من العملاء وكالات بيع السيارات إذا امتنع الوكلاء عن وضع الأسعار على السيارات. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال الكثير من الوكلاء يدربون مندوبي المبيعات على عدم مناقشة الأسعار مع العميل إلا بعد أن يختبر قيادة السيارة أو يحدّد وقتاً لاختبارها، وهو ما يزيد من سخط العملاء ويضر بالإيرادات.
يستلزم النجاح في البيع فهم تموضع العميل وكيفية تنقله بين مختلف مسارات اتخاذ القرار والتوقيت المناسب للتفاعل معه. إذ يعد معظم المنتجات والخدمات جزءاً من نظام أوسع للاستخدامات يؤثر على قرارات الشراء. وكثيراً ما يضطر المشترون في أسواق التعامل التجاري بين الشركات إلى تبرير قرار الشراء لأنهم يتنافسون مع آخرين في مؤسستهم للحصول على التمويل اللازم من ميزانية محدودة في الأساس. ويستطيع العملاء التعامل عبر الإنترنت مع بعض جوانب هذا المزيج المكوّن من عوامل اقتصادية وعوامل تخص الأمور الفنية وتخفيف حدة المخاطر والسياسات المؤسسية، ولكن معظم قرارات الشراء يتطلب المساعدة المستنيرة من جانب قسم المبيعات. بعبارة أخرى، لا يزال بيع الحلول وإدارة حسابات العملاء مهمَّين، لكن الأنشطة التي ينطويان عليها متغيرة. على سبيل المثال، تظل رسائل التوصية للعملاء مهمة، لكن القوائم التقليدية التي يقدمها البائع حول بضعة عملاء راضين (الذين قد تكون توصياتهم مرتبطة بتخفيضات على الأسعار أكثر من ارتباطها بتجربتهم الفعلية مع المنتج) لم تعد مقنعة. حيث يتزايد توجه العملاء إلى تصفح مواقع إلكترونية، مثل "باور ريفيوز" (PowerReviews) و"إس أيه بي ديفيلوبر نتوورك" (SAP Developer Network) و"ماركتوز ماركتنغ نيشن" (Marketo’s Marketing Nation) للتعرف على الآراء الحقيقية للعملاء الآخرين، وهو ما يرغم البائعين على تقديم رسائل توصية أكثر إقناعاً.
وعلى الرغم من التقدم التكنولوجي، فإن معظم نماذج المبيعات عبارة عن حصاد تراكمي لسنوات من القرارات التفاعلية التي اتخذها الكثير من المدراء في إطار سعيهم لتحقيق أهداف مختلفة. وفيما تحاول الشركات إنعاش إيراداتها وأرباحها في أعقاب الركود الاقتصادي، لن تستطيع تحقيق هذه الغاية باتباع أسلوب واحد (سواءً من خلال اتباع منهجية معينة للبيع أو "تحدي" العميل أو "التحول الرقمي"). لذا، يجب على كبار القادة تهيئة الظروف الملائمة للتغيير وتصميم نموذج مبيعات يوازن بين الشراء والبيع من خلال عملية مؤسسية متكاملة دون التقيد بأسلوب الصفقات المنفردة.
الإجراءات المطلوب اتخاذها
يمكن تشبيه نماذج المبيعات بالسلع القابلة للتلف في محلات البقالة، فلكل منها تاريخ صلاحية محدد. ففي بداية دورة حياة السوق يفتقر العميل إلى الدراية المتعمقة بتفاصيل المنتَج، وبمرور الوقت يصبح أكثر إلماماً بمميزاته وعيوبه. ومع تطور المعايير وظهور منافسين جدد، تزداد الخيارات المتاحة أمام المشترين وتزداد معها طلباتهم التي تلح على البائعين لرفع مستوى الجودة والأداء. وهنا تفقد الشركة ميزتها التنافسية في حال لم تستطع مجاراة توقعات العملاء المتغيرة باستمرار. وهكذا، تُعد القدرة على بناء نموذج مبيعات مواكب للتغيرات والحفاظ عليه أهم وسيلة تستجيب بها الشركات لتغيرات السوق، شريطة أن يكون هذا النموذج مفهوماً للجميع، بدايةً من المسؤولين التنفيذيين ذوي المناصب التنفيذية العليا، وصولاً إلى مندوبي المبيعات الميدانيين.
يُشار أيضاً إلى أن الآثار المترتبة على نموذج المبيعات تتجاوز العميل وحده لأنه (أي نموذج المبيعات) يؤثر بالضرورة على طريقة تخصيص موارد الشركة. فعلى سبيل المثال، غالباً ما تعتمد الشركات على أنظمة إدارة علاقات العملاء التي تحسب عدد العملاء المحتملين، ثم تبني توقّعاتها للمبيعات على هذا الأساس بافتراض أن نسبة معينة من هؤلاء العملاء المحتملين ستتحول إلى مشترين فعليين. لكن احتمالات إبرام الصفقة لا تزداد بالضرورة مع انتقال العميل المرتقب إلى مرحلة متقدمة من عملية الشراء، وهو ما يعني احتمالية وجود عيوب تشين توقّعات الإيرادات في الكثير من الشركات. ولك أن تنظر مثلاً إلى الإدارة المالية. إذ تُعتبر دورة البيع أهم العناصر المؤثرة في حركة السيولة النقدية الواردة والمنصرفة في معظم الشركات، ويتم تحديد الديون المستحقة إلى حد كبير من خلال ما يتم بيعه وسرعة بيعه وسعر البيع. ومن هنا فإن الشركات التي تبني نماذجها المالية على أساس عمليات البيع التي عفا عليها الزمان ستجد أن توقعاتها المالية بعيدة المنال، وهي مشكلة تتجاوز وظيفة المبيعات على وجه الخصوص.
ويتكون نموذج المبيعات المتماسك من ثلاثة مكونات أساسية:
معايير اختيار العملاء
ترتبط استراتيجيات الأعمال ونماذج المبيعات ارتباطاً وثيقاً بالقرارات الماسة بنطاق التسويق، أي الشريحة المستهدفة من العملاء. وإذا ضيّعت الشركة وقتها في استهداف الشريحة غير المناسبة من العملاء، فستزداد تكاليف المبيعات والمصاريف العمومية والإدارية، وسيطول الوقت اللازم لتحصيل النقود، وبالتالي ستقل القيمة الكلية للشركة. ولكن من الناحية العملية يتم تحديد نطاق التسويق من خلال أنماط مكالمات المبيعات التي تستنزف وقت المندوبين ومخصصاتهم المالية. يجب أن يراعي نطاق التسويق أيضاً تكاليف الفرصة البديلة. فالمال والوقت المخصصان للحسابين "أ" و"ب" غير متاحين للحسابين "د" و"د".. إلخ. ويدرك المسؤولون التنفيذيون أنه من المستحيل أن يفعل كل شيء لكل شخص، لكنهم يفشلون في تطبيق هذا المبدأ على نماذج مبيعاتهم. فهم يأمرون مندوبي المبيعات، إما بشكل مباشر في الاجتماعات أو ضمنياً من خلال خطط التعويضات، بأن "ينطلقوا وينتشروا". فلا يجد مندوبو المبيعات حيلة لتحقيق الحصص الكمية المطلوبة منهم سوى البيع لكل من تطوله يدهم، ولكن بأسعار مخفضة في الغالب، ما يؤدي إلى خسارة الإيرادات وتدمير سمعة العلامة التجارية. في حين أن النمو المربح يتطلب توضيح كيفية "الفصل بين العملاء المشكوك فيهم والعملاء المرتقبين".
انظر مثلاً إلى شركة "تاكادو" (TaKaDu) المتخصصة في بيع البرمجيات التي تتيح للبلديات القدرة على تحديد مواضع التسريب أو الانفجارات في أنابيب شبكات المياه فور حدوثها. يعد هدر المياه مشكلة كبيرة على مستوى العالم، وقلما تجد مؤسسة خدمية ترفض تحسين إدارة هذا المورد الطبيعي. لكن بعض المؤسسات أكثر استعداداً من غيرها للاستثمار في برمجيات كهذه، وتتوقف درجة استعدادها على تكاليف نقل المياه ومعالجتها وما إذا كانت تتعرض للعقوبة في حال حدوث تسرب للمياه (كما هو الحال في بعض البلدان) أم يمكنها تحميل التكاليف على المستهلكين. اعتبرت "تاكادو" في أيامها الأولى أن أي مؤسسة خدمية تهتم بجمع البيانات من خلال أجهزة الاستشعار هي عميل محتمل، خاصة أن جمع البيانات بهذه الطريقة مكون أساسي في برمجياتها. ووجدت الشركة أن 80% من المؤسسات الخدمية المزودة بأجهزة الاستشعار على أتم استعداد للقاء مندوبي مبيعاتها، وأبدى حوالي 25% من هذه المؤسسات اهتماماً شديداً بشراء البرنامج. لكن لم يوقع على عقود شراء البرنامج سوى ربع هؤلاء العملاء المرتقبين. قد يخيّل لك أن هذه النسبة جيدة، ولكن إذا قمت بحسابها، بضرب 80% × 25% × 25%، فستجد أن الشركة قد حولت 5% فقط من عملائها المرتقبين (واحد من كل 20) إلى عملاء حقيقيين مستعدين لشراء المنتج، وكان عليها تحمل التكلفة الغارقة لملاحقة 19 عميلاً آخر. استمر الأمر على هذا المنوال حتى أقدمت "تاكادو" على إجراء تحليل صارم لقاعدة عملائها وعرفت كيف تؤهل العملاء المرتقبين، ومن ثم تمكنت من التوسع بطريقة تحقق لها الربح.
يجب على الشركات أيضاً تكييف نماذج مبيعاتها في أثناء سعيها لاستقطاب قطاعات جديدة من العملاء. غالباً ما تبدأ شركات البرمجيات باستهداف الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم، والتي عادةً ما تتميز ببساطة عمليات الشراء لأن المسؤول عن قرار الشراء هو أيضاً المسؤول عن ميزانية الشركة. ومع نمو شركات البرمجيات والبدء في بيع منتجاتها لكبرى المؤسسات، يجب أن تعكس أنشطة مبيعاتها عمليات الشراء الأكثر تعقيداً لهؤلاء العملاء. فعلى سبيل المثال، غالباً ما تكون عملية صناعة القرار موزعة بين عدة أطراف، وتزداد أهمية تكامل المنتج مع مختلف الوظائف بالشركة. كما تتغير أيضاً أسس إرساء المصداقية: إذ تصبح معرفة مندوبي المبيعات بالبرمجيات المبيعة وتطبيقاتها مقوّماً أساسياً، ويصبح فهم نموذج العمل المطبَّق في المؤسسة المستهدفة ومدى الملاءمة الوظيفية بين البرمجيات ونموذج العمل أمراً بالغ الأهمية. كما أن عملية البيع للمؤسسات يتطلب أيضاً اتباع طرق مختلفة لإثبات العائد على الاستثمار، والقدرة على متابعة الحسابات الكبيرة خلال عملية الشراء، والاستعانة بمندوبي مبيعات مدربين على أنشطة ما بعد عملية البيع. لاحظ أن هذه التغييرات في نموذج المبيعات مدفوعة بتغيير متطلبات العملاء وليس بتحديثات المنتج.
معظم نماذج المبيعات عبارة عن حصاد تراكمي لسنوات من القرارات التفاعلية التي اتخذها الكثير من المدراء في إطار سعيهم لتحقيق أهداف مختلفة.
ويعتبر وضوح الاستراتيجية ركيزة أساسية في حسن اختيار الشريحة المستهدفة من العملاء لأنه لا يمكن الاستعاضة عن نماذج العمل غير الملائمة بأي نموذج مبيعات مهما كان. يجب على كبار المسؤولين التنفيذيين بعدئذٍ التأكد من قدرة فريق المبيعات على استخدام معايير تأهيل العملاء المحتملين بصورة تتوافق مع الأولويات الاستراتيجية. ويجب عليهم التحدث مع مدراء المبيعات بشأن المبادئ التوجيهية المتبعة في البحث عن العملاء المرتقبين وتحديد الحسابات أو المناطق التي يجب البحث فيها وتخصيص الحوافز، ويجب عليهم مناقشة هذه المعايير في اجتماعات فريق الإدارة العليا بانتظام لأن تحديد الجهة التي تبيع لها يؤثر على الوجهة الاستثمارية للشركة ويتسبب فيما يعرف بتأثير الدومينو حول طريقة توزيع موارد الشركة.
مراعاة الوضوح بشأن القطاع المستهدف من العملاء وعملية الشراء المتبعة لديهم
إذا بدا لك أن كل العملاء متشابهون ولا فرق بين عميل وآخر، فأنصحك بأن تجد لك عملاً آخر غير المبيعات تكسب منه قوت يومك. فكل عميل يريد من المنتج شيئاً يختلف كلياً وجزئياً عما يريده الباقون. ولك أن تنظر مثلاً إلى شركة "أوفرسايت سيستمز" (Oversight Systems) المتخصصة في بيع برمجيات مراقبة الإنفاق في الشركات من خلال بطاقات الشراء والسفر والمصروفات النقدية. حيث يُقدَّر أن موظفاً واحداً من بين كل 5 موظفين يقدم بنداً واحداً على الأقل من بنود النفقات المشكوك في صحتها سنوياً، علاوة على ارتكاب الكثيرين منهم أخطاء روتينية في مصروفاتهم. ولأن معظم الشركات تواجه هذه المشكلة، فقد يرى مندوبو المبيعات أن فرص نجاح مبيعاتهم متساوية مع كل عملائهم المرتقبين، لكنها ليست كذلك في الحقيقة. يغطي منتج "أوفرسايت سيستمز" مجموعة متنوعة من دواعي الاستخدام، حتى داخل المؤسسة نفسها. فعلى سبيل المثال، قد تبدي مسؤولة المراجعة المالية في الشركة اهتمامها بالأداة بسبب تخوفها من المخاطر التي قد تلحق بسمعة الشركة وإمكانية اتهامها بعدم الامتثال للوائح. وقد يسعى مدير تكاليف السفر والمصروفات النقدية إلى تعيين موظفين على أعلى درجات الكفاءة للتعامل مع هذا الحجم اليومي الهائل من الحركات المالية ذات الصلة باسترداد المبالغ المنصرفة. العملاء هنا ليسوا مجرد "شركات تنفق الكثير على تكاليف السفر والمصروفات النقدية". حيث تحدد "أوفرسايت سيستمز" المشكلات التي يتطلع العملاء المحتملون إلى حلها، ثم تدخل التعديلات الملائمة على منتجها، وتكيف محادثاتها مع العميل ومبيعاتها له وفقاً لذلك. فقد أعدت مجموعة من الوحدات تحت شعار "رؤى ثاقبة تحت الطلب"، بحيث يركز كل منها على استخدام معين (تكاليف السفر والمصروفات النقدية حسب المنطقة أو الوظيفة، والامتثال لقوانين مكافحة الممارسات الفاسدة الأجنبية، ومراقبة المصروفات المكررة.. إلخ). يسمح هذا الأسلوب لمندوبي المبيعات بالاستجابة بشكل أفضل والتأثير على مجموعة متنوعة من المشترين المختلفين.
يختلف العملاء أيضاً في كيفية استجابتهم للأساليب الترويجية. فقد اكتسب التسويق بالعمولة أهمية أكبر في الكثير من الشركات، خاصة مع انخفاض معدلات مشاهدة التلفزيون وزيادة انتشار برامج حظر الإعلانات، ويُقصد بالتسويق بالعمولة هنا الإحالات أو المنشورات التي تُقدّم برعاية المدونين أو صانعي المحتوى الذين يتلقون عمولة على المبيعات التي يحققونها. كان الإنفاق على التسويق بالعمولة في الولايات المتحدة ينمو بوتيرة أسرع من مبيعات التجارة الإلكترونية قبل الجائحة. ويقال إن شركة "إستي لودر" (Estée Lauder) لمستحضرات التجميل تنفق 75% من ميزانية التسويق الرقمي على المؤثرين المشهورين، مثل جاكلين هيل وجيفري ستار، الذين تضم حساباتهم مئات الآلاف من المتابعين عبر مواقع "إنستغرام" و"فيسبوك" و"يوتيوب". لكن يتعرض الكثير من هذا الإنفاق للضياع في العديد من نماذج المبيعات نتيجة استهداف العملاء المرتقبين في الوقت الخطأ. فعلى سبيل المثال، لا يزال البريد الإلكتروني وسيلة ميسورة التكلفة لتوصيل رسائل مخصصة في النقطة المناسبة من رحلة الشراء، ولكن المندوبين يرسلون رسائل البريد الإلكتروني بصورة عشوائية في الكثير من نماذج المبيعات، وهو ما يؤدي في الواقع إلى تعويد العملاء المرتقبين على تجاهل رسائلهم واعتبارها رسائل غير مرغوب فيها (سبام).
ويحاول الكثير من المسؤولين التنفيذيين تعويض نقص المعرفة بالعملاء بمخاطبتهم عبر جرعات غير مركزة من "البيانات الضخمة" و"الذكاء الاصطناعي". لكن لا يمكن بحال من الأحوال اعتبار البيانات والتكنولوجيا بديلاً عن الممارسات الإدارية الجيدة. ولن يستفيد أصحاب المناصب التنفيذية العليا شيئاً من الأدوات الرقمية إلا إذا طرحوا الأسئلة الصحيحة قبل استخدامها. وللتعرف على العملاء عن كثب، يجب على المسؤولين التنفيذيين طرح الأسئلة التالية على فريق المبيعات: كيف يصف عملاؤنا المستهدفون المشكلات التي تحاول شركتنا حلها أو الفرص التي نحاول استغلالها من خلال منتجاتنا وخدماتنا؟ ما المعايير التي يستخدمها العملاء المرتقبون لتقييم البائعين؟ من يشارك في اتخاذ قرارات الشراء، وهل تختلف معايير اختيار هذه الأطراف؟ لا يمكن الحصول على هذه المعلومات إلا من خلال مراجعات الحسابات، وإذا افتقرت هذه المراجعات إلى الدقة، فسيتعرض التدفق الحيوي للمعلومات للتشويه. ويجب على كبار المسؤولين التنفيذيين إدارة هذا النشاط إذا أرادوا أن يكون "التركيز على العملاء" حقيقة مؤسسية، وليس مجرد شعار زائف.
اقتصاديات طرح المنتج في الأسواق ومقاييسه
يعتبر الوقت الذي يقضيه مندوبو المبيعات في مختلف الأنشطة والمصروفات التي ينفقونها عليها من أهم العوامل المؤثرة في نمو شركتك. إذ تعتبر "المكاسب" المقياس الأكثر شيوعاً لتتبع أداء البيع، ولكن يمكن أن تُعزى المكاسب (والخسائر) إلى عدد من العوامل الأخرى في نموذج المبيعات كالمنتج نفسه وسياسة التسعير ومعايير الاختيار وطريقة توزيع المبيعات والحوافز، وما إلى ذلك. كما تعتبر المكاسب أيضاً مؤشراً غير آني للنمو، في حين أن سهم الوقت يشير إلى الأمام فقط في الأعمال التجارية. ويمكن أن تسهم التحليلات المحوسبة لمعدلات التحويل في الكشف عن المؤشرات الرائدة التي يمكنك استخدامها لتحسين نموذج مبيعاتك، في مجالين على وجه الخصوص.
وقت البيع
يقضي معظم مندوبي المبيعات أقل من ثلث وقتهم في التفاعل مع العملاء. يمثل هذا في حد ذاته فرصة كبيرة، لأنك إذا عدّلت نموذج المبيعات بحيث يتم توزيع مندوبي المبيعات على الجوانب التي يستطيعون فيها تحقيق أكبر الأثر، فقد تنجح في زيادة وقت البيع بنسبة 10% إلى 20%. كما أن هذا الإجراء يؤدي في معظم الشركات إلى توسيع نطاق السوق الكلي المتاح.
فعندما درست "مايكروسوفت" تفاعلات فرق المبيعات مع عملائها، لاحظت أن الوقت الذي تقضيه هذه الفِرَق في التفاعل مع كبار العملاء يبلغ ضعف الوقت الذي تقضيه مع صغار العملاء، وهو ما يسري أيضاً على عدد الأطراف المعنية الذين تتواصل معهم في كلتا الجهتين. حللت الشركة العلاقة بين نشاط المبيعات والإيرادات على أساس هذا الاكتشاف، وطرحت على نفسها السؤال التالي: هل حققت حسابات العملاء نمواً أعلى لأن مندوبي المبيعات قضوا معها وقتاً أطول، أم أنهم اختاروا قضاء المزيد من الوقت معهم لمجرد أنهم من كبار العملاء؟ أظهرت بيانات معدل تحويل العملاء المحتملين إلى مشترين أنه كلما زاد الوقت الذي يخصصه مندوبو المبيعات للعملاء، وكلما زاد اهتمامهم بهم، حتى لو كان هؤلاء العملاء يُصنَّفون ضمن فئة صغار العملاء، كانت النتائج أفضل. بعبارة أخرى، كانت العوامل المؤثرة في الإيرادات تتمثل في عملية البيع وجهود إدارة حسابات العملاء. شجّع هذا الاكتشاف شركة "مايكروسوفت" على تعديل نموذج مبيعاتها وتقليل عدد حسابات العملاء المخصصة لكل مندوب مبيعات حتى تفسح أمام كل منهم مزيداً من وقت المقابلة المباشرة في محفظة حساباته.
عادة ما يقضي مندوبو المبيعات أقل من ثلث وقتهم في التفاعل مع العملاء. يمثل هذا في حد ذاته فرصة كبيرة.
مزيج يجمع بين عملية البيع الشخصي وعملية البيع عبر الإنترنت
لا بد أيضاً من تحليل معدل التحويل لفهم العائد على الاستثمار في الأنشطة الشخصية والرقمية. فعلى سبيل المثال، عادةً ما تقيس المؤسسات معدلات زيارة العملاء لمواقعها الإلكترونية وتتبع عدد مشاهدات صفحتها، وتستخدم هذه المقاييس كمؤشرات على مدى إيجابية التفاعل مع أنشطتها. ولكن قد يتأثر معدل زيارة الموقع الإلكتروني بسوء تصميم الموقع أو بطء التحميل، وقد تزداد أعداد الزوار الجدد بشكل مصطنع بسبب انتشار الأجهزة بين العملاء الحاليين. كما أن الكثير من نماذج المبيعات تنسب فضل الشراء إلى "النقرة الأخيرة"، سواءً تم تحفيز عملية البيع من خلال البريد الإلكتروني أو الإعلان عبر الإنترنت أو صفحة الموقع الإلكتروني، في حين أن عمليات الشراء عادة ما تتأثر بسلسلة من التفاعلات طوال رحلة المشتري. وإذا أخطأت مؤسسات المبيعات في تحديد النشاط الذي أدى إلى الشراء، فقد يتسبب هذا في سوء توزيع مواردها.
أما أنجح نماذج المبيعات فهي تلك التي تحدد الأنشطة الشخصية أو الإلكترونية المناسبة لمختلف مراحل عملية الشراء لدى العميل. فقد لا يكون العميل مستعداً للشراء في البداية، وبالتالي فقد تكون الطريقة المثلى لاستغلال الموارد في هذه الحالة أن نسوّق له المحتوى، بدلاً من الاتصال به وإجراء مكالمة مبيعات. وقد يسعى العميل في مراحل لاحقة إلى التواصل المستمر مع مندوب مبيعات على دراية جيدة بالمنتج. وحتى إذا كان البيع الشخصي مطلوباً، فيمكن أن تؤدي اجتماعات الفيديو أو غيرها من التفاعلات الإلكترونية عبر الإنترنت الكثير من المهمات مع تقليل الوقت وخفض تكاليف السفر، على نحو ما جرى خلال الجائحة.
ولكي تضمن قدرتك على تحقيق أقصى استفادة ممكنة من أنشطة المبيعات الشخصية والإلكترونية، انظر إلى نموذج مبيعاتك من زاوية جديدة. هل تستخدم موارد غير مناسبة أو باهظة الثمن دون مبرر لتنفيذ أنشطة مثل جذب العملاء المحتملين وإعداد عروض تقديمية؟ هل تستغل موارد المبيعات الداخلية لخفض التكاليف وتفريغ مندوبي المبيعات الأكثر تمرساً وخبرة؟ ثمة افتراض شائع بأن طريقة توزيع الموارد تتحدد وفق حجم حساب العميل، أي الاستعانة بمندوبي المبيعات المتمرسين للتعامل مع الحسابات الكبيرة وتخصيص مندوبي المبيعات الداخليين للحسابات الأصغر. لكن ثمة نهجاً أفضل يقتضي توزيع الموارد وفقاً لاحتياجات العميل خلال رحلة الشراء. وأخيراً، عليك أن تراعي التفاعلات بين متطلبات الشراء وسياسة التسعير وطرق البيع، ذلك أن دورة المبيعات يمكن أن تُختصَر عندما تنتقل إلى التسعير القائم على النتائج، كما فعلت بعض الشركات إبان الأزمة. لكن التغيير يسري أيضاً على كلٍّ من المشتري والقيمة التعاقدية للمنتجات ذات الصلة ومحادثات المبيعات.
يقول الباحث في الشؤون المؤسسية، جيمس مارش: "تستلزم القيادة الإلمام بالحرف اليدوية إلى جانب تذوق الشعر"، وهذا يعني أن القائد مهما فعل أو قال لإلهام موظفيه يجب عليه أيضاً أن يشمر عن ساعديه ليعينهم في أي ملمّات قد تواجههم. يجب على كل المسؤولين التنفيذيين إدراك الآثار المترتبة على إنتاجية المبيعات في بيئة الاقتصاديات الخدمية. وهو عين ما أشار إليه بيتر دراكر بحكمته المعهودة قبل ثلاثين عاماً في مقالته بمجلة "هارفارد بزنس ريفيو"، حينما قال إن "رفع إنتاجية العمل الخدمي هو التحدي الاجتماعي الأكثر إلحاحاً الذي ستواجهه الدول المتقدمة. وما لم تتصدى لهذا التحدي بالشكل المطلوب، سيتعرض العالم المتقدم لموجة متصاعدة من التوترات الاجتماعية تشهد ازدياد حدة الاستقطاب وتفشي التطرف، بل وربما تؤدي إلى نشوب حرب طبقية". استدّل دراكر بالمبيعات كمثال على نظريته تلك، مشيراً إلى أن مندوبي المبيعات "يقضون الآن الكثير من الوقت في خدمة أجهزة الكمبيوتر [و]ملء التقارير بدلاً من الاتصال بالعملاء... ولا يعد هذا بحال من الأحوال إثراءً لوظيفة المبيعات، بل هو إفقار لها. كما أنه يدمر الإنتاجية". ومنذ أن كتب هذه الكلمات، ازداد الوضع سوءاً. وستكون قدرة الشركات على زيادة إنتاجية المبيعات أمراً بالغ الأهمية في مواجهة الانكماش العالمي والجائحة، ولتحقيق النجاح يجب على كبار القادة صياغة نماذج مبيعات تستند إلى السلوك الحقيقي للمشترين على أرض الواقع.
وقد وثّق الخبير الاقتصادي بنيامين فريدمان الفوائد الأخلاقية للنمو الاقتصادي، أي ارتفاع مستوى المعيشة، وأثره على التنوع والحراك الاجتماعي والإنصاف وفرص التقدم والتطور الاجتماعي والقيم الديموقراطية. ويجب على الرؤساء التنفيذيين الذين يتحدثون عن خدمة أصحاب المصلحة أن يلتفتوا إلى هذه المحددات. فالبيع ليس مجرد نشاط أساسي لتحقيق الربح، ولا هو مجال يدعو إلى الشعور بالخجل (فمعظم الأرباح يُعاد استثمارها في الاقتصاد، ما يؤدي إلى فوائد مجتمعية كصناعة منتجات نظيفة وخلق فرص عمل تسهم في علاج مشكلات عدم المساواة)، كما أن عملية البيع ليست مجرد عمل تتقاضى أجراً عالياً مقابل تطويره، بل البيع عنصر أساسي يسهم في نمو الشركة ورفع قيمتها وتعزيز مشاركتها في المجتمع المدني. أضف إلى ذلك أن إيجاد طرق لمساعدة مؤسساتهم على زيادة مبيعاتها هو في الواقع مسؤولية اجتماعية أساسية للإدارة.