ملخص: يمكن أن تؤدي عملية إعداد الموظفين الجدد الرديئة إلى إضعاف ثقة الموظفين بأنفسهم في أدوارهم وتراجع مستويات اندماجهم في العمل وازدياد خطورة الانتقال إلى شركات أخرى تتيح لهم مناصب جديدة ومثيرة للاهتمام أكثر. من الناحية الأخرى، يمكن أن تشهد الشركات التي تنفذ برامج مخصصة لإعداد الموظفين الجدد زيادة بنسبة 50% في معدلات استبقائهم وزيادة بنسبة 62% في إنتاجيتهم. وبما أن عملية إعداد الموظفين الجدد تحدد طبيعة تجربتهم، يمكن للمدراء اتخاذ الخطوات الآتية لضمان أن يعدّوا موظفيهم الجدد للنجاح: 1) وضّح الأهداف ومقاييس النجاح، 2) أنشئ فريقاً لإعداد الموظفين الجدد يشمل عدة أطراف ضمن الشركة، 3) قدّم الدعم طوال رحلة الإعداد.
على الرغم من أن غالبية الخطابات المتعلقة بموجة الاستقالة الكبرى تركز على الموظفين الأميركيين في الوظائف المكتبية، فنقص العمالة يتفاقم على نطاق واسع يشمل العديد من القطاعات والأدوار على اختلافها في العالم أجمع، كما تشهد أميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية وآسيا اضطراباً كبيراً في سوق العمل فيما يتعلق بما يسمى "العمالة الماهرة" و"العمالة غير الماهرة". ومع استمرار التغيرات في سوق العمل العالمي تكون الشركة التي تستثمر في عملية إعداد الموظفين الجدد هي التي ستتمكن من استبقاء أصحاب أهم المواهب والاستثمار في قوتها العاملة.
يجب أن يتمثل الهدف من عملية إعداد الموظفين الجدد في تهيئتهم للنجاح وتقليل الوقت الذي يلزمهم ليألفوا أدوارهم الجديدة، ولن يتحقق ذلك إلا إذا صُممت العملية على نحو استراتيجي هادف. لكن عملية إعداد الموظفين الجدد أصبحت أصعب من ذي قبل مع ظهور العمل الهجين والعمل عن بُعد؛ في دراسة استقصائية أجرتها منصة "ووركابل" (Workable) في عام 2020، ذكر المشاركون من مسؤولي الموارد البشرية أن عملية إعداد الموظفين الجدد أو تدريبهم عن بُعد هي أكبر تحد يواجهونه في عملية التوظيف في أثناء الجائحة، وما زالت الشركات تواجهه حتى اليوم.
حتى قبل النقلة إلى الفضاء الافتراضي، كان أكثر من ثلث الشركات يفتقر إلى عملية مدروسة لإعداد الموظفين سواء كانت عن بُعد أو لا، بالإضافة إلى أن مؤسسات كثيرة تحطّ من شأن المدة الزمنية التي يستغرقها الموظف ليكتسب الكفاءة في دوره. يستمر برنامج الإعداد العادي 90 يوماً، ولكن وفقاً لتقرير "إنشاء رحلة استثنائية لإعداد الموظفين الجدد" (Creating an Exceptional Onboarding Journey for New Employees) الذي تصدره شركة "غالوب" (Gallup)، يحتاج الموظف الجديد إلى 12 شهراً ليتمكن من تأدية عمله بالإمكانات الكاملة في وظيفته الجديدة.
لا تقوم العلاقات القوية على أسس ضعيفة، وإذا رغبت في تحسين معدلات استبقاء أصحاب المواهب فاحرص على أن تحسّن تجربة إعداد الموظفين الجدد في شركتك. تقول شركة "غالوب" إن 12% فقط من الموظفين يشعرون بأن شركاتهم تقدم تجربة إعداد جيدة لأفراد الفرق الجدد، ما يعني أن 88% من الموظفين يفتقرون إلى هذه التجربة الجيدة. وفي دراسة استقصائية أجرتها شركة "برنسبلز" (Principles) في عام 2021، قال 94% من أخصائيي الموارد البشرية المشاركين إن الموظفين الذين تم تعيينهم في أثناء الجائحة لم يتعاملوا مع الشركة إلا عبر الإنترنت، وقال 31% منهم إن الموظفين يواجهون صعوبة في التواصل مع زملائهم، في حين أن 10% من المشاركين لم يروا أن الموظفين الجدد قادرين على التأقلم.
بما أن عملية إعداد الموظفين الجدد الرديئة تؤدي إلى إضعاف ثقة الموظفين بأنفسهم في أدوارهم وتقويض مستويات اندماجهم في العمل وزيادة خطورة انتقالهم إلى وظائف أخرى في شركات تتيح لهم مناصب جديدة ومثيرة للاهتمام أكثر، فهذه الإحصاءات تثير القلق لا سيما بالنسبة للشركات التي تعيّن موظفيها الجدد عن بُعد.
من الناحية الأخرى، يمكن أن تشهد الشركات التي تنفذ برامج مخصصة لإعداد الموظفين الجدد زيادة بنسبة 50% في معدلات استبقائهم وزيادة بنسبة 62% في إنتاجيتهم. بالإضافة إلى ذلك، وفقاً لتقرير شركة "غالوب" حول إعداد الموظفين الجدد، يشهد الموظفون الذين خضعوا إلى تجربة إعداد إيجابية زيادة بمقدار 3 أضعاف في شعورهم بأنهم مستعدون للعمل ويحظون بالدعم في أدوارهم الجديدة، ما يعزز ثقتهم ويحسن قدرتهم على أداء أدوارهم على نحو جيد.
أسرار نجاح عملية إعداد الموظفين الجدد
برنامج إعداد الموظفين الجدد القصير ليس وحده ما يضرّ تجربة موظفيك الجدد، فهم بحاجة إلى فرص تتيح لهم بناء علاقات مع مدرائهم وأقرانهم وأهم أصحاب المصلحة في مكان العمل. في الحقيقة، يكشف تقرير شركة "غالوب" أيضاً أن الموظفين يرون أنهم خضعوا لتجربة إعداد استثنائية أكثر بثلاث مرات إذا أدى مدراؤهم أدواراً فعالة في العملية. ولكن كثيراً من المدراء لا يملكون القدرة على دعم برامج إعداد الموظفين الجدد أو تنفيذها. كما أن غالبية الشركات الصغيرة (وبعض الشركات الكبيرة) لا تقدم برامج الإرشاد والتوجيه، وعدم تقديم فرص الإرشاد والتوجيه لموظفيك الجدد يسلبهم فرصة تطوير العلاقات اللازمة لنجاحهم في بيئة عملهم الجديدة.
وبصفتك مديراً، يقع على عاتقك ضمان أن يحظى كل موظف جديد بتجربة إيجابية في مكان العمل، ولكن قد تصعب معرفة الخطوات التي يجب أن تتخذها لوضع خطة فعالة لإعداد الموظفين الجدد. يمكن أن تساعد الخطوات الثلاث الآتية المدراء على إنشاء عملية استراتيجية لإعداد الموظفين الجدد تمهد لنجاحهم وتحسن معدلات استبقائهم.
1. وضّح الأهداف ومقاييس النجاح.
قبل تأسيس برنامج جديد لإعداد الموظفين الجدد يجب أن تبدأ بمراجعة أهدافه، وعند مراجعة الأهداف احرص على أن تنطوي على المبادئ الأربعة: الامتثال للقوانين والتوضيح والثقافة والتواصل. إليك بعض الأسئلة التي يتعين عليك طرحها:
هل حددت بالفعل القوانين والسياسات والإجراءات التي يجب على الموظفين التزامها ووضحتها لهم؟
هل وضعت توقعات وظيفية واضحة وربطتها بمقاييس ملموسة مقيدة بجدول زمني محدد؟
بعد إنهاء البرنامج، هل سيتوصل موظفوك إلى فهم كامل لثقافة شركتك ويحصلون على الدعم اللازم لبناء جميع العلاقات ذات الأهمية الحيوية لنجاحهم؟
ما هي القدرات التي تحتاج إلى تحسين في شركتك من أجل تنفيذ هذا البرنامج الجديد؟
بعد إنهاء برنامج إعداد الموظفين الجدد، كيف ستعمل على تحسين التوازن بين حياة الموظفين الجدد وعملهم والحفاظ عليه باستمرار؟
ما إن تنشئ مجموعة الأهداف التي تعالج المبادئ الأربعة يكون الوقت مناسباً لتحديد طرق قياس النجاح، ويجب أن ترتبط هذه المقاييس بأهدافك مباشرة، وأن تشمل مقاييس كمية (كالنسبة المئوية للموظفين الجدد المستمرين بالعمل في شركتك بعد عام) ومقاييس نوعية (مثل تقييمات الموظفين الجدد لتجربة إعدادهم). يتطلب تحقيق هذه الأهداف والوفاء بهذه المقاييس مساهمة أصحاب المصالح في جميع أقسام المؤسسة، لذلك احرص على أن تخصص وقتاً للاجتماع بقادة الشركة قبل متابعة بناء البرنامج.
2. أنشئ فريقاً لإعداد الموظفين الجدد يشمل عدة أقسام في الشركة.
إن رغبت في تحسين تجربة الموظف في مكان العمل فيتعين عليك إنشاء عملية لإعداد الموظفين الجدد تتعدى نطاق قسم الموارد البشرية لتشمل مشاركة أطراف أخرى في الشركة؛ مثل الفرق المعنية وأهم أصحاب المصالح والرئيس التنفيذي.
كلما سارع المدير في تقديم الموظف الجديد لفريقه كان أفضل، لكن قبل تقديمه احرص على أن يعرف فريقك سبب تعيينه والأدوار التي سيؤديها في الفريق أو المؤسسة. على الرغم من أن تيسير بناء العلاقات القوية ضمن الفريق يتطلب استثمار وقت كبير في البداية، فهو يساعد على تعزيز إنتاجية الموظف وأدائه.
من الضروري أن تتذكر أن الموظف الجديد سيتعامل مع أصحاب المصلحة خارج نطاق فريقه، ولكن أفضل الطرق للعمل أو التواصل معهم ليست واضحة دوماً بالنسبة له، ويمكن للمدير مساعدته على بناء هذه العلاقات عن طريق وضع قائمة بأسماء أصحاب المصلحة هؤلاء مع ملاحظات حول هوياتهم وسبب أهميتهم للشركة. وبصفتك مديراً، يقع على عاتقك ضمان أن يجري هذا التواصل بسلاسة، لذلك احرص على أن تحدد وقتاً على جدول أعمالك لتفقد أحوال أصحاب المصلحة وضمان أن يكون الموظف الجديد قادراً على بناء العلاقات معهم.
يغفل المدراء عادة عن تقديم الموظف الجديد للرئيس التنفيذي على الرغم من ضرورته، إن كانت مؤسستك صغيرة إلى حد ما، فاعمل على تحديد موعد ليلتقي الموظف أو الموظفون الجدد قائد الشركة لاحتساء القهوة والتعارف، وإن لم يكن ذلك ممكناً بسبب حجم الشركة أو موقعها أو بسبب ضيق الوقت، فحاول أن تعقد اجتماعاً عاماً أو حفلاً خاصاً بحضور الموظفين الجدد والفريق التنفيذي والرئيس التنفيذي. ستتمكن عن طريق وصل الموظفين الجدد بالرئيس التنفيذي من منحهم الشعور بالاندماج في الشركة وترسيخ أهمية النمو الذي يمثلونه للشركة.
أضف إلى ذلك أن اجتماع الموظفين الجدد مع الرئيس التنفيذي سيمنحهم نظرة واضحة مباشرة إلى ثقافة الشركة ونوع تجربة الموظف التي يمكن أن يتوقعوها، فالاجتماع الأول الرائع مع الرئيس التنفيذي سيبقى في ذاكرة الموظف مدة طويلة ويوقِع أثراً إيجابياً على إحساسه بالانتماء والالتزام، ما يؤدي بدوره إلى تحفيز معدلات استبقاء أعلى وأداء أفضل.
3. قدّم الدعم طوال رحلة الإعداد.
في أثناء عملية إعداد الموظفين الجدد يجب أن يركز المدراء على تخفيض الوقت الذي يقضونه على واجبات الموظف الجديد الإدارية وزيادة الوقت الذي يقضونه على تدريبات الأداء وبناء العلاقات. ومن الناحية المثالية، يجب أن يكون قسم الموارد البشرية قد زوّد المدير بمنصة تكنولوجية تتولى هذه المهام الأساسية، وباستخدام هذه الأدوات ستتمكن من تنفيذ أفضل ممارسات إعداد الموظفين الجدد وتتبعها فورياً خطوة بخطوة كالتالي:
قبل أن يبدأ الموظف الجديد العمل يمكنك أن تطلب منه التسجيل في الموقع الإلكتروني المخصص لبرنامج إعداد الموظفين الجدد كي يتمكن من مشاهدة تسجيل الفيديو الترحيبي واستكمال وثائقه الرسمية الأولية وتلقي برنامج يومه الأول في العمل والحصول على برنامج الإعداد الكلي المخصص. يمكنك أيضاً التحقق من إعلام جميع أصحاب المصلحة المعنيين بموعد وصول الموظف الجديد.
وفي يومه الأول يمكنك مراقبة إتمامه لمهامه المحددة في الجدول، وهي تشكل تقديمه لأهم أصحاب المصلحة واستقراره في مكان عمله وتلقيه أدوات العمل وإنهاء برنامج اليوم الأول التعليمي. كما يمكنك الحصول على تقييمات الموظفين لتجربتهم في اليوم الأول، ما يتيح لك اتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة.
وبالنسبة لما تبقى من برنامج الإعداد، يمكنك التحقق من أن الموظف الجديد قد قرأ معلومات الشركة المهمة ومراقبة معدلات إكماله لنماذج التعلم الإلكتروني ونسب نجاحه فيها وقياس تأثير تجربة الإعداد في إنجاز أهدافها الأساسية على المستوى الفردي والجماعي.
وعندما يصل برنامج الإعداد إلى نهايته ستكون قد حصلت على لوحة متابعة شاملة توضح مستوى الإنجازات لكل هدف من أهداف عملية الإعداد كي تتمكن من رؤية ما يجدي من الإجراءات وما يحتاج إلى تحسين.
وأخيراً، يجب أن تتأكد من تكامل هذه الأدوات التكنولوجية مع نظام إدارة الموارد البشرية الشامل، بهذه الطريقة ستتمكن من تتبع تأثير برنامج إعداد الموظفين الجدد في أداء الموظف الجديد الفعلي ومستوى رضاه في عمله.
في زمن تعاني الشركات صعوبات كبيرة في استبقاء أصحاب المواهب، لا بد من إنشاء عملية قوية لإعداد الموظفين الجدد، وبتنفيذ برنامج إعداد استراتيجي سيتمكن المدراء من بناء ثقة الموظف الجديد في نفسه وزيادة اندماجه في العمل وخلق بيئة قادرة على استبقاء المواهب على مدى أعوام كثيرة.