الأطباء يشعرون بإقصائهم من عمليات تطوير قطاع الرعاية الصحية

4 دقائق
إقصاء الأطباء من عمليات تطوير قطاع الصحة

جرّبت المستشفيات الأميركية ومجموعات الرعاية الصحية على مدار العقد الماضي هياكل إدارية جديدة ونماذج سداد بديلة لتوفير الرعاية الصحية عالية الجودة بتكلفة منخفضة. بَيْد أن الأطباء تأخروا في تبنيهم لتلك الهياكل والنماذج، ويعود هذا إلى جملة من الأسباب، السبب الرئيس من بينها، كما تُظهر البحوث التي أجريناها، هو أن الأطباء يشعرون بالإقصاء من تلك الإجراءات. فما هو سبب إقصاء الأطباء من عمليات تطوير قطاع الصحة؟

إقصاء الأطباء من عمليات تطوير قطاع الصحة

الطريقة العملية الوحيدة لتحويل الرعاية المعتمدة على القيمة إلى حقيقة مفادها أن تُعيد مؤسسات الرعاية الصحية الأطباء مجدداً إلى عملية صنع القرار. بعد سنوات من التجارب، يريد الأطباء دليلاً واضحاً على أن النماذج الجديدة لإدارة الرعاية الصحية واسترداد مبالغ التكاليف والسياسات، كل ذلك سيحسّن النتائج الإكلينيكية تجاه المرضى بشكل فعلي. وبدون ذلك الدليل، فإن الأطباء لا يرون ما يستدعي تغيير الوضع الراهن. وتلك عقبة أساسية يجري تجاهلها، في حين أنها تعوق طريق التقدم. وهو ما يشير إلى الأسباب التي تكمن وراء المقاومة التي تواجهها المؤسسات التي تقودها الإدارات، تلك التي لم تأبه لآراء الأطباء وتأخذها في حساباتها.

اقرأ أيضاً: تطوير الأفكار الإبداعية لتحسين الرعاية الصحية من بيانات الحياة اليومية للأفراد

وربما يبدو غريباً أن نشير إلى أن الأطباء تعرضوا للإهمال والإغفال في هذا المجال، في الوقت الذي يجري فيه إعادة صياغة نظام الرعاية الصحية. لكن هذه هي نظرة الأطباء إلى هذا الأمر. أجرينا مؤخراً بالتعاون مع زملائنا في شركة الاستشارات "باين آند كومباني" (Bain & Company) استبانة رأي شملت 980 طبيباً أميركياً في 8 تخصصات، وكذلك 100 موظف مالي من العاملين في المنظومة الصحية، بالإضافة إلى 100 موظف مشتريات من العاملين في المنظومة نفسها، وهم المسؤولون عن شراء المستلزمات التي تحتاجها المستشفيات. وجاءت النتائج التي توصلنا إليها مذهلة: ذلك أن الأطباء يفهمون بكل وضوح التحدي الذي يشكله ارتفاع تكاليف الرعاية الإكلينيكية والعقاقير التي توصف للمرضى، ولكن الكثيرين لا يشعرون بأن في مقدورهم المساعدة في السيطرة على تلك التكاليف المتصاعدة. فهم لا يشعرون بأنهم يشاركون بدرجة كافية في صنع القرارات الهامة التي تتعلق بالرقابة على التكاليف، وتحسين الأداء، وتبني نماذج جديدة لاسترداد المبالغ والتكاليف المدفوعة. في الواقع، يشعر الكثير من الأطباء بحجب آرائهم، إذ إن المستشفيات والمؤسسات الصحية التي تقودها الإدارات راحت تحدد الاختصاصات والتكليفات لهم وليس بالاشتراك معهم.

التبعات الخطيرة لإقصاء الأطباء من عمليات التطوير

بتهميش الأطباء، فإن قطاع الرعاية الصحية يكون قد أغفل مبدأ أساسياً من مبادئ إدارة التغيير، وقوّض الجهود التي تُبذل في هذا الإطار. فالأطباء غير المتوافقين مع مؤسساتهم وغير المنخرطين فيها لديهم أكثر من سبب لمقاومة الأنظمة الجديدة، مثل نماذج السداد المستندة إلى القيمة. على النقيض من ذلك، فإن الأطباء المنخرطين في عملية صنع القرار يكونون أكثر رضاً بكثير عن بيئة العمل وأكثر استعداداً لقيادة التغيير. تظهر بحوثنا وتجاربنا أن مؤسسات الرعاية الصحية التي تعطي الأطباء فرصة إبداء آرائهم في قرارات الإدارة تتمكن من خلق المزيد من الحراك تجاه التغيير.

وينتاب الأطباء شيء من التردد على وجه الخصوص فيما يتصل بتبني الأنظمة الجديدة عندما تكون الآثار الإكلينيكية والعوائد على الاستثمار غير مثبتة، وعندما تكون الأعباء الإدارية كبيرة. تكشف مقارنة نتائج استبانتنا لعامَي 2015 و2017 عن تباطؤ ملحوظ في تبني نماذج السداد المعتمدة على القيمة. ومنذ عامين، توقع الكثير من الأطباء انتشاراً واسع النطاق للرعاية المعتمدة على القيمة يقابله انخفاض في الممارسات التي تستخدم النموذج التقليدي للخدمة مقابل الرسوم بشكل حصري. ولكن مزودي الخدمة تباطؤوا في تبني الرعاية المعتمدة على القيمة، مرددين بعض المخاوف حول التنفيذ، وعدم وجود أدلة على أن الرعاية المعتمدة على القيمة سيترتب عليها نتائج أفضل.

أخبرنا أكثر من 70% من الأطباء أنهم يفضلون نموذج الخدمة مقابل الرسوم، مبدين بعض دواعي القلق حول تعقيد وجودة الرعاية المرتبطة بنماذج السداد المعتمدة على القيمة. وذكر 53% من الأطباء أن رسم التأمين الصحي الفردي الموحد يقلل من جودة الرعاية المقدمة، وأن معظمهم أيضاً لا يرى سوى ميزة ضئيلة من نماذج الأداء مقابل الدفع. علاوة على ذلك، يرى الكثيرون أن مؤسساتهم ليست مجهزة بالشكل الكافي للتحول إلى الرعاية المعتمدة على القيمة.

اقرأ أيضاً: إشراك الرئيس التنفيذي يحسن من مستوى الرعاية الصحية في شركتك

من النقاط المضيئة في هذا الأمر هو الدور المتطور للأطباء في شراء التجهيزات الطبية، فهو يسلط الضوء على النهج التعاوني في عملية صناعة القرار، وهو ما يمكن أن يساعد في خلق مناخ أكثر دعماً للرعاية المعتمدة على القيمة. قبل 10 سنوات من الآن، حولت المستشفيات عملية صناعة القرار من الجرّاحين باتجاه مسؤولي المشتريات الذين كان اختيارهم للمنتجات على أساس السعر فحسب، وهو ما وضع المجموعتين في موضع الخلاف. ومنذ ذلك الحين، لجأت الكثير من المستشفيات في الولايات المتحدة إلى عكس مسار العملية، ذلك أنها منحت الجراحين دوراً أكبر في عملية شراء التجهيزات الطبية، وهو ما أدى إلى تحول في المواقف والتوجهات. أخبرنا أكثر من 80% من الجرّاحين ومسؤولي المشتريات أنهم الآن يعملون في شراكات تعاونية لشراء التجهيزات الطبية، ولموازنة القيمة الإكلينيكيّة والاقتصادية معاً، ويتمتع هذا الترتيب بدعم واسع وكبير من جانب الجرّاحين.

وقد أوجد التعاون أجواء إيجابية. ذلك أنه لما اضطلع الجراحون بسلطة أكبر في صناعة القرار، فإن قراراتهم فيما يتصل بعمليات المشتريات أصبحت تتسم بالمزيد من التطور والدقة، فقد لجأوا إلى الموازنة بين كل من البيانات الإكلينيكية والمالية عند اختيارهم للأجهزة والمعدات التي يشترونها. يرى 43% من الجراحين في الوقت الحالي أن قسم المشتريات لديهم يحسّن تكاليف وجودة الرعاية. كما أن الجراحين المنخرطين في عملية صناعة القرار من الأرجح أن يعززوا ويطوروا مؤسساتهم وأن يكونوا أكثر توافقاً مع مهماتها.

اقرأ أيضاً: أكثر ابتكار يحتاجه قطاع الرعاية الصحية: مساعدة المرضى على إدارة صحتهم بأنفسهم

يُعد منح الجرّاحين دوراً أكبر سبباً في زيادة التزامهم بالتغيير. فعندما سألنا الأطباء إذا كانوا سيزكّون مؤسساتهم للآخرين كمكان للعمل والممارسة، وجدنا اختلافاً قدره 108 نقاط (+47% مقابل -61%) بين أولئك الذين قالوا إنهم مشاركون بصورة كبيرة في صناعة القرار وأولئك الذين لم يكونوا مشاركين في صناعة القرار.

تستطيع مؤسسات الرعاية الصحية خلق المزيد من الدعم للرعاية المعتمدة على القيمة من خلال العمل الوثيق مع الأطباء فيها لصياغة هذه النماذج والتصدي لمخاوف الأطباء بشأن التنفيذ والنتائج. سوف يستغرق تطوير الأدلة الإكلينيكية والاقتصادية بعض الوقت، وهو ما يعني أن وتيرة التغيير ستظل بطيئة. ولكن هذا سيساعد صناعة الرعاية الصحية في التحرك باتجاه حلول أفضل من أجل تجنب إقصاء الأطباء من عمليات تطوير قطاع الصحة.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي