فتح انتشار الإنترنت آفاقاً جديدة للتواصل، بدءاً من الرسائل والتدوينات الإلكترونية إلى محادثات الفيديو عبر الهاتف الجوّال وتبادل الصور المتحركة عبر تطبيقات المراسلة الفورية. ولكن لا يقتصر هذا التحول الرقمي على مجال التواصل مع المستهلكين، ذلك لأن معظم الشركات التجارية حالياً تتواصل مع عملائها عبر قنوات شتى على الإنترنت، وتستثمر في البرمجيات لتتبُّع كل خطوة من خطوات رحلة العميل الرقمية وتحسينها وتخصيصها لكل عميل على حدة، فما هي أفضل طريقة للتواصل مع العملاء في العصر الحالي؟
أفضل طريقة للتواصل مع العملاء
بشكل عام، يتحدث البشر بمعدل 125 إلى 175 كلمة في الدقيقة، في حين يستطيعون الاستماع بمعدل يصل إلى 450 كلمة في الدقيقة. من ناحية أخرى، يكتب مُدخل البيانات ما متوسطه بين 38 إلى 40 كلمة في الدقيقة، مع الأخذ في الحسبان أن هذه الإحصائيات خاصة بمدخلي البيانات من خلال لوحة مفاتيح كاملة، وليس من خلال الكتابة على الهواتف الجوّالة. كما أن المستهلكين عادةً ما يفضّلون المراسلة النصية عندما يضعون خططهم مع أصدقائهم، أو عندما يطلبون البيتزا عبر الإنترنت، ولكن أظهرت الدراسات أن هذا التفضيل يتغير عندما يتعلق الأمر بإجراء عملية شراء معقدة، ذلك أن معظم المستهلكين يميلون إلى استشارة شخص خبير متمرس عندما يفكرون في اتخاذ قرار مهم، مثل طلب الحصول على قرض عقاري لأول مرة أو إعادة تصميم حمام المنزل. ووفقاً لدراسة أجرتها شركة "جوجل"، يتصل 61% من مستخدمي الهاتف الجوّال بالشركة المعنية قُبيل اتخاذ قرار الشراء، الذي يمثل إحدى مراحل دورة الشراء. وتشير الدراسة إلى أن غالبية المشاركين فضلوا الاتصال الهاتفي على التواصل عبر الإنترنت لأنهم أرادوا الحصول على إجابة سريعة (59% من الذين شملتهم الدراسة) أو التحدث إلى شخص حقيقي (57% من الذين شملتهم الدراسة). واستنتجت الدراسة أيضاً أن احتمالية اتصال المستهلك بالشركة هاتفياً تزداد عندما تجري عملية الشراء في أسواق ذات قيمة عالية مثل سوق السيارات أو الخدمات المالية أو خدمات السفر والسياحة.
اقرأ أيضاً: ما الأمور الصغيرة التي تؤثر في علاقات العمل لدينا؟
كما أن تفضيل الاتصال الهاتفي أو التواصل مع شخص حقيقي مدعوم باتجاهات سلوك المستهلك، فقد سجلت الاتصالات الهاتفية بالشركات زيادة ملحوظة نتيجة لازدياد عدد البشر الذين يستخدمون الهواتف الجوّالة، ذلك لأن ملء استمارة إلكترونية على شاشة بحجم 5 بوصات تجربة غير عملية مقارنة بالاتصال بالشركة من خلال الحصول على رقم الهاتف الخاص بها بعد البحث على الإنترنت أو رؤيته على أحد إعلانات الشركة في "فيسبوك". ووفقاً لمؤسسة "بي آي أيه/كيلسي" (BIA/Kelsey) الاستشارية في مجال الإعلان والتسويق، من المتوقع أن تحقق الاتصالات الهاتفية بالشركات قيمة سوقية تناهز 169 مليار سنوياً بحلول عام 2020، كما أن هذه المكالمات أكثر احتمالاً لإتمام عملية البيع، أو نجاحها في الإبقاء على العميل من استخدام الاستمارات الرقمية بمعدل من 10 – 15 مرة، الأمر الذي يعني أن المكالمات الهاتفية أكثر فاعلية في توليد الإيرادات.
يُعدّ الصوت البشري عنصراً أساسياً في عملية التواصل، وبما أنه لا يمكننا اعتباره قناة تواصل رقميّة بالكامل، فإنه يمثل تحدياً أمام الشركات والعلامات التجارية التي تعتبر التحول الرقمي مجرد الحصول على نقرات لإعلاناتها وزيارات لمواقعها الإلكترونية. فضلاً عن ذلك، يزداد هذا التحديّ صعوبةً لدى الشركات التي تعمل في بعض القطاعات المعينة مثل التأمينات، وخدمات القروض، والسياحة، والرعاية الصحية. فالعملاء، عندما يريدون اتخاذ قرار "شراء مدروس" أي أن يتخذوه بعد بحث وتفكير، عادةً ما يتصلون بالشركة بعد إجراء بحث أولي عن الموضوع عبر الإنترنت، ما يجعلهم مؤهلين لإتمام الصفقة.
اقرأ أيضاً: هل عليك التستر على أخطاء صديق في العمل؟
وفي حين يمكن تتبع كل خطوة من خطوات رحلة العميل الرقمية، فإن أثر العميل يختفي حالما يدخل إلى أحد المحال أو يلتقط هاتفه لإجراء مكالمة، فإذا كان خلق تجربة أفضل للعملاء وتحسين عملية التسويق يعني فهم العملاء وتوقّع احتياجاتهم، فإن اختفاء أثر العميل يُعدّ مشكلة حقيقية تواجه الشركات، ما يعني أيضاً أن الشركات عاجزة عن الوصول إلى محادثات هاتفية تولّد أعمالاً تجارية تفوق بشكل إجمالي التريليون دولار.
وهذه الفجوة الواضحة ستتفاقم أكثر فأكثر عندما تُستخدم التقنيات الصوتية القائمة على الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع. يتواصل العملاء مع الشركات عبر المساعِدات الصوتية الذكية مثل "أليكسا" (Alexa) و"سيري" (Siri) و"جوجل أسيستانت" (Google Assistant)، التي تجعل التواصل الصوتي يتجاوز الهواتف الجوّالة ليشمل تقنيات داخل المنازل. ومنذ عهد قريب، أجرت كل من "جوجل" و"أمازون" و"آبل" تحديثاً على مساعِداتها الصوتية لتجعلها قادرةً على إجراء المدفوعات القائمة على أصوات العملاء، ما يؤذن بظهور التجارة الصوتية في مراحلها الأولى.
وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي أصبح جزءاً لا يتجزأ من المعاملات اليومية، فإن المحادثة البشرية تبقى هي الطريقة الأساسية التي يتّبعها الأفراد عند تنفيذ عمليات شراء معقدة أو عند اتخاذ قرارات عاطفية.
وقد استنتجت دراسة حديثة شملت استطلاع آراء 2,046 شخصاً بالغاً أميركياً أجرتها شركتنا "إنفوكا" (Invoca) أن 33% من أصحاب الهواتف الذكية يستخدمونها أكثر من 5 مرات في اليوم لإجراء مكالمات مع الشركات والأصدقاء والأسرة، في حين لم يُشر سوى 20% من المشاركين في الاستطلاع إلى أنهم يستخدمون هواتفهم بالمعدل نفسه لإرسال بريد إلكتروني وإجراء تحديث على وسائل التواصل الاجتماعي. كما كانت نسبة الذين استخدموا هواتفهم أكثر من 5 مرات في اليوم لالتقاط الصور ومشاهدة مقاطع الفيديو 15%. في حين أكد 49% من المشاركين في الاستطلاع، أنهم يستخدمون هواتفهم لإرسال 5 رسائل نصية أو أكثر يومياً.
ومع تطور المساعدات الصوتية، ستيسّر هذه العناصر الذكية المحادثات الفردية بين المستهلكين ومندوبي المبيعات أو ممثلي خدمة العملاء بدلاً من مجرد أن تكون بديلاً عن التفاعل البشري.
تربط الشركات المبتكرة مبادراتها الرقمية بالتجارب الصوتية، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يستنبط تلقائياً الرؤى الثاقبة من المحادثات الصوتية، ما يمكّن الشركات من الربط بين مبادرات التسويق الرقمي والصوتي. فعلى سبيل المثال، إذا ذكر المستهلك منتجاً إضافياً في أثناء محادثة هاتفية، فيمكن للشركة أن تكيّف الاتصالات المستقبلية وفقاً لذلك، وهو ما قد يشتمل على بريد للمتابعة الإلكترونية مع معلومات مرتبطة بالمنتَج واتخاذ القرار المستهدَف.
من الضروري أن تحتل الاتصالات الصوتية مكانة بين أولويات الشركة، لا سيما في ظل تنافس نحو 90% من الشركات على أساس تجربة العملاء. فالشركات تضيّعُ فرصاً لإيرادات محتملة جرّاء عدم استغلال المحادثات الهاتفية، ما يحول دون التحدث مباشرة مع الشخص المعني، أو يؤدي إلى تقديم تجربة محبطة عندما يلجأ المستهلكون إلى الاتصال عبر الإنترنت. وقد توصّل القائمون على الاستطلاع الذي أجرته "إنفوكا" إلى أن 74% من الأفراد الذين لديهم تجربة سيئة عن المساعدة الهاتفية، من المرجح أن يختاروا شركة أخرى في المرة القادمة التي يطلبون فيها المنتج نفسه أو الخدمة نفسها.
اقرأ أيضاً: ما الذي ينبغي على الحكومات أن تتعلمه من التواصل الفعال في الشركات الخاصة؟
ويمكن أن تفشل الحملات التسويقية، ولو كانت من الأكثر تطوراً، إذا أهملت الشركات المكالمات الهاتفية والتجارب الصوتية، خاصة إذا كانت تستثمر جزءاً كبيراً من ميزانية الإعلانات التجارية في القنوات الرقمية. وقد أضاف عمالقة الإعلان مثل "فيسبوك" و"جوجل" بالفعل ميزات "النقر للاتصال" التي تيسّر على المستهلك الاتصال بالشركة للحصول على مزيد من المعلومات أو إجراء عملية الشراء، لذلك ستكتسب ميزة "اتصل الآن" أهميةً أكبر عندما تتطور الخدمات الصوتية لتصبح الطريقة السائدة التي يستهلك بها الأفراد المعلومات ويتفاعلون بواسطتها مع الشركات، كما سيحتاج المسوِّقون إلى إمكانية تتبُّع هذه المكالمات بالطريقة نفسها التي يتتبعون بها أي نشاط آخر عبر الإنترنت. إنها الطريقة الوحيدة لاستحقاق هذه الإيرادات، وتحسين الإعلانات الأكثر فاعلية، وخلق تجارب ذات طابع شخصي للعملاء (مثل تحديد هوية العميل حالما يتصل، أو عرض خدمات مكمِّلة باستخدام بريد متابعة إلكتروني بناءً على ما جرت مناقشته).
لنستعرض هذا المثال: استثمرت سلسلة فنادق كبرى بكثافة في الإعلانات التابعة لمحركات البحث في الإنترنت، واستهدفت أحد منتجعاتها، الذي يضم ملعباً معروفاً لممارسة الغولف. كشفت التحليلات أن نسبة النقر على الإعلان في أثناء ظهوره مرتفعة، إلا أنها لم تحقق سوى القليل من الحجوزات الفندقية الفعلية، لذا قررت الشركة سحب الإعلان. لكن قُبيل تنفيذ ذلك، أجرى فريق التسويق اختباراً لتمييز الفرق بين الإعلانات والمكالمات الهاتفية التي أُجريت مباشرة مع الفندق، وكشف أن الأفراد لن يحجزوا غرفة ما لم يتمكنوا من الحصول على توقيت انطلاق جولة الغولف، وهو الأمر الذي يمكن الحصول عليه عبر الهاتف. كما كان أداء الإعلانات جيّداً جداً، لكنّ الشركة كانت تفتقر إلى رؤية واضحة حول المكالمات التي نتجت عنها.
وفي نهاية الحديث عن موضوع أفضل طريقة للتواصل مع العملاء حول العالم، إن جهود التحول الرقمي تبقى غير مكتملة ما لم تتضمن الاتصالات الصوتية. فمع تزايد الاهتمام والابتكار في الأجهزة الصوتية، أصبح "اقتصاد المحادثة" بيئة خصبة لنمو الشركات. ويحتاج المسؤولون التنفيذيون المعنيون بالتسويق وتجربة العملاء إلى التفكير في هذه الفرصة التي تشهد نمواً سريعاً، وذلك بهدف ضمان أفضل استغلال ممكن للاستثمارات المخصصة للمبادرات الرقمية وعدم التفريط في الأرباح الناتجة عنها.
اقرأ أيضاً: هل تبنين علاقات الصداقة في العمل مع من يشبهونكِ فقط؟