ملخص: يتخطى القادة الشجعان مخاوفهم تجاه التكنولوجيا الناشئة أو المصطلحات غير المألوفة في اجتماعات مجلس الإدارة أو التعديلات على أسلوبهم في القيادة، فيتبنون عقلية موجهة نحو الفرص عن طريق فهم قدرة علوم القيادة الحاسوبية على تعزيز أدائهم. هذا لا يعني أن عليك كتابة شيفرة برمجية بلغة "بايثون"، وإنما أن تكون لديك معرفة رقمية ولو بسيطة.
تتيح علوم القيادة الحاسوبية للشركات توقع موجات الزعزعة التي ستتعرض لها في الأشهر أو الأعوام المقبلة ومعالجتها وحتى الاستفادة منها. يناقش هذا المقال 3 أمثلة على القيمة التي تقدمها علوم القيادة الحاسوبية على المديين المنظور والبعيد.
لطالما اعتُبرت القيادة مهارة شخصية (ناعمة) حدسية، في حين اعتبرت الإدارة علماً عملياً، ولكن هذه الخطوط الفاصلة لم تعد واضحة، وولت أيام القرارات الحدسية الصرفة. يتبنى كثير من القادة بالفعل نهجاً هجيناً لما يسمى "الحدس المتبصّر" ببناء قراراتهم الحدسية على البيانات، خذ مثلاً شركة "نتفليكس" التي تمزج بين تحليلات المشاهدين المتقدمة مع خبرتها الطويلة الممتدة عبر السنين لاستكشاف المنتجات الجديدة.
أصبح من الضروري في عالم الأعمال اتباع هذه الطرق لاستخدام العلم الاجتماعي الحاسوبي، أي استخدام أدوات معالجة البيانات وعلومها في تحليل المعلومات المتعلقة بالأشخاص والعلاقات. يساعد نبع الابتكار هذا في تحسين الأرباح وتسهيل العمليات وتحسين صناعة القرار في مختلف أقسام الشركة ووظائفها بدءاً من التسويق وسلاسل التوريد وصولاً إلى صناعة القرارات الاستراتيجية والامتثال.
علوم القيادة الحاسوبية (Computational leadership science - CLS) هي الثورة المقبلة، وهي مصممة أساساً لتحسين القيادة عن طريق المحاكاة وتحليل الشبكات والذكاء الاصطناعي وغيرها من الأساليب الحاسوبية، وهي تمثل تقاطع العلوم الرائدة والتكنولوجيا المبتكرة وأبحاث القيادة المثبتة والمعارف الثمينة المكتسبة من الممارسة.
يتمعن هذا المقال في دور علوم القيادة الحاسوبية في مؤسستك وطرق استخدامها في خلق القيمة التجارية والطرق التي تتبعها شركة "آي بي إم" (IBM) في استخدامها اليوم.
علوم القيادة الحاسوبية والقيادة
تتيح علوم القيادة الحاسوبية للشركات توقع موجات الزعزعة التي ستتعرض لها في الأشهر أو الأعوام المقبلة ومعالجتها وحتى الاستفادة منها. فيما يلي 3 أمثلة عن القيمة التي تقدمها علوم القيادة الحاسوبية على المديين المنظور والبعيد.
المعنويات والاندماج: في دراسة استقصائية جديدة على 1,500 رئيس تنفيذي توصل الباحثون إلى أن المعنويات كانت أهم تحد يواجهه القادة، ولحسن الطالع تتوفر موارد علوم القيادة الحاسوبية التي تساعدك في التشارك مع موظفيك في إنشاء الحلول. يمكن أن تستخدم أسئلة الاستطلاع المفتوحة القائمة على "معالجة اللغة الطبيعية" من أجل التوصل إلى فهم أعمق للمواضيع الأساسية المرتبطة بالمعنويات في مؤسستك ولنظرة موظفيك إلى معالجتك لها. ثم يمكنك استخدام تكنولوجيا "الذكاء الجماعي" لابتكار حلول تعزز المعنويات، فهذا النوع من صنع القرار الجماعي يزيد اندماج موظفيك ويرفع قيمتك بوصفك قائداً.
مراقبة الموظفين وتحفيزهم: يتمثل واحد من المخاوف في العمل عن بعد وتتبع الإنتاجية، وفي هذا الصدد يساعد تزايد ذكاء علوم القيادة الحاسوبية في تخفيض القرارات المتسرعة مثل تطبيق أنظمة صارمة لمراقبة الموظفين. ستتعلم أن تكنولوجيا المراقبة خطيرة ويجب التعامل معها بحذر شديد، ويتمثل البديل الصحي الذي توفره علوم القيادة الحاسوبية في تحويل البيئات الافتراضية إلى مساحات مثمرة لتحفيز موظفيك.
مثلاً، أشارك في إنشاء نظام قائم على الذكاء الاصطناعي يؤدي وظيفتين؛ 1) وضع خطط مرئية للموظفين وما يجيده كل منهم وشركاؤه في العمل ضمن المؤسسة، و2) تعيين الشخص المناسب في المكان المناسب بسرعة. تساعد الوظيفة الأولى في توضيح صورة العلاقات القائمة وطريقة قيادة بناء مجتمع متماسك غير مقسم في حين أن الوظيفة الثانية تساعد على توزيع المهام بما يتوافق مع كفاءات الموظفين، الأمر الذي أثبت قدرته على زيادة الدافعية. يساعد ذلك في الحدّ من استياء الموظفين وزيادة الثقة والالتزام والنتائج الأخرى التي تدل على القيادة الرائعة.
التنوع والمساواة والشمول: تواجه شركات كثيرة مشكلات التنوع والمساواة والشمول في سياسات التوظيف والاستبقاء والترقيات، إذ يتمتع بعض الأشخاص بالقدرة على الحصول على الوظائف أكثر من غيرهم، فثمة تحيز ضد الانطوائيين حتى وإن كانت لديهم القدرة على إضافة قيمة أكبر، كما يختار القادة في كثير من الأحيان الأشخاص الذين يريدونهم بدلاً من الأشخاص الذين يحتاجون إليهم، إذ ينتقون من يشبهونهم بناء على عوامل مثل الانتماء العرقي والتعليم والخلفية الاجتماعية الاقتصادية. ما يزيد الأمور سوءاً هو أن غالبية الشركات تلجأ في أداء عمليات مثل التوظيف إلى الاستعانة بأدوات "لا معنى لها على الإطلاق" مثل مؤشر ماير بريغز للأنماط أو الخوارزميات المتحيزة.
تتيح لك علوم القيادة الحاسوبية إظهار هذه التحيزات وإزالتها باستخدام أحدث الحلول التكنولوجية. خذ مثلاً فريقي الذي يعمل على دمج "التحليل الموحد" (نهج للحد من الخداع في التقييمات) مع "التعلم المعزز" (نهج قائم على الذكاء الاصطناعي يعمل على تحسين القرارات مع مرور الوقت) من أجل تحقيق توافق أفضل بين ميزات المتقدم الحقيقية وليس ميزاته التي صرح بها فقط، واحتياجات المؤسسة وليس رغباتها فقط. تتمثل النتيجة في نظام اختيار واضح ونزيه ويتحسن باستمرار قائم على مبادئ التنوع والمساواة والشمول والأداء.
قيادة فرق علوم القيادة الحاسوبية
يجب أن تصبح علوم القيادة الحاسوبية جزءاً من ممارساتك القيادية اليومية. وإلى جانب أسئلة القيادة اليومية الستة التي حددها زميلي إريك ماكنالتي، يجب أن تطرح باستمرار سؤال: "كيف يمكن لعلوم القيادة الحاسوبية مد هذا القرار بالمعلومات اللازمة وكيف يمكنني زيادة اندماج فريق علوم القيادة الحاسوبية؟" تتوفر كمية كبيرة جداً من البيانات والقوة الحاسوبية والمواهب التحليلية تعيق إحداث نقلة نوعية وتمنعك من طرح هذه الأسئلة، وسيكون لعلوم القيادة الحاسوبية أثراً هائلاً على أسلوبك في القيادة، بدءاً من إدارة العلاقات الشخصية وصولاً إلى صناعة القرارات الاستراتيجية.
والفريق الذي تبنيه ويضم باحثين ومستشارين في مجال القيادة إلى جانب علماء البيانات والكمبيوتر سيساعد في تحقيق فوائد علوم القيادة الحاسوبية. لهذا الفريق دور جوهري في عملية التحول، ولذلك يتعين عليك العثور على مستشار في علوم القيادة الحاسوبية قادر على مساعدتك في بنائه وزيادة اندماج أفراده. هذا المستشار مختص في القضاء على الجزر المنعزلة وإدارة موارد علوم القيادة الحاسوبية، يمكنك تشبيهه بمساعد لاعب الغولف الذي يعرف مسار الكرة والعصا المناسبة التي يجب أن تستخدمها في كل ضربة.
مثلاً، بمشاركتي في المبادرة الوطنية لقيادة التأهب في كلية هارفارد وعلى اعتباري شريكاً مؤسِساً لشركة "آتش إس سي أناليتكس" (HSC Analytics)، يتمثل جزء من عملي في فهم الطرق التي يمكن للقادة اتباعها في استخدام الأدوات القائمة على الذكاء الاصطناعي من أجل 1) الحد من تحيزات مكان العمل و2) زيادة سرعة عملية حل المشكلات الجماعي وقوتها. ثم يتعين علينا العمل مع فريق علوم القيادة الحاسوبية في استكشاف مسار العمل والمشاركة في خلق القيمة.
كما يساعد المستشارون في مشكلات قابلية التفسير والخصوصية. تظهر المشكلات عندما يصنع القادة القرارات التي يمليها الكمبيوتر مدفوعين بحاجتهم إلى السرعة والكفاءة ومتأثرين بالضجة حول الذكاء الاصطناعي، هذا النهج المتمركز على الذكاء الاصطناعي يخلق بيئة غامضة تملؤها الحكايات التحذيرية. ولذلك يُبذل جهد كبير في إنشاء الذكاء الاصطناعي القابل للتفسير من أجل تحديد المشكلات والحدّ منها، وذلك سيمنحك صورة متعمقة واضحة لتحمي نفسك من القرارات العمياء التي يحتمل أن تكون كارثية مع الاحتفاظ بقيمة الرؤى القائمة على علوم القيادة الحاسوبية.
الخصوصية أساسية أيضاً؛ ثمة ضغط كبير باتجاه التكنولوجيا التي تحافظ على الخصوصية، ومن يتعامل مع هذه التكنولوجيا سيؤدي دوراً مهماً في خلق مجتمع آمن بدرجة أكبر. هذه فرصة رائعة لك كي تؤسس نفسك على اعتبارك قائداً يتبنى علوم القيادة الحاسوبية ويتمتع بالفعالية وجديراً بالثقة.
يكمن السر لاكتساب هذه الميزات الحاسمة في اعتماد تحول القيادة الرقمي. يقول مؤلف كتاب "الرحلة إلى ما وراء الخوف" (The Journey Beyond Fear)، جون هيغل الثالث، بناء على عقود قضاها في التعامل الوثيق مع القادة إن الخوف يمنع صناع القرار من إدراك كامل إمكاناتهم. في حين أن القادة الشجعان يتخطون مخاوفهم تجاه التكنولوجيا الناشئة أو المصطلحات غير المألوفة في اجتماعات مجلس الإدارة أو التعديلات على أسلوبهم في القيادة، فيتبنون عقلية موجهة نحو الفرص عن طريق فهم قدرة علوم القيادة الحاسوبية على تعزيز أدائهم. هذا لا يعني أن عليك كتابة شيفرة برمجية بلغة "بايثون"، وإنما أن تكون لديك معرفة رقمية ولو بسيطة.
علوم القيادة الحاسوبية في شركة "آي بي إم"
على الرغم من أن الدمج المنهجي لعلوم القيادة الحاسوبية في مواجهة جميع تحديات القيادة هو مفهوم ناشئ، فقد بدأت شركة "آي بي إم" فعلاً باتخاذ إجراءات للاستفادة من العلوم الحاسوبية. فهي مثل الكثير من الشركات الأخرى تدرك قيمة تحديد إمكانات الموظفين ثم إنشاء مسارات لتطويرهم وترقيتهم بناء عليها. لكن للأسف تواجه شركة "آي بي إم" مثل الكثير من الشركات الأخرى صعوبة في التوصل إلى طرق لخلق أفضل درجة من التلاؤم بين الإمكانات العالية والفرص المستقبلية. تنطوي العملية على مخاوف كثيرة وتكاليف كبيرة، فمن الصعوبة بمكان التنبؤ بقدرة مهندس برمجيات بارع على قيادة فريق المهندسين بكفاءة، وإساءة فهم هذه التوقعات سيعود بالضرر على جميع أصحاب العلاقة بدءاً من الشخص الذي حصل على الترقية وصولاً لمرؤوسيه ومن كانوا مكلفين باختياره.
وعندما لاحظت شركة "آي بي إم" فرصة الابتكار هذه، بدأت بإجراء تحويل رقمي كبير على عملية التقييم الشاملة، تعبر مديرة قسم تطوير القدرات القيادية في الشركة، صوفيا لاموراغليا، عن ذلك بقولها: "يكون التوظيف الداخلي عادة أكثر كفاءة من ناحية التكلفة مقارنة بإحضار الموظفين الجدد من خارج المؤسسة لأن عمليتي تدريبهم وإعدادهم أقصر بكثير، وإلى جانب تقييم القادة من أجل الشواغر المتاحة بصورة فورية كنا حريصين على بناء "مسار" قوي من أصحاب المواهب (يشار إليه أيضاً باسم "خط أنابيب إدارة المواهب" (talent pipeline) من خلال توفير تقديم مورد أساسي للفرص المستقبلية على المستوى الإداري إلى مجتمع الموارد البشرية لدينا.
عمل قسم تطوير القدرات القيادية في شركة "آي بي إم" على دمج المقاييس النفسية والسلوكية الأساسية للقيادة الفعالة مع ميله للتفكير الحاسوبي، ونتج عن ذلك منصة رقمية لتقييم القدرات القيادية على مستوى شامل إلى جانب الخدمات الآلية للتدريب والتعلم المصغر (micro-learning) المصممة وفق مهارات المرشحين للأدوار القيادية وسلوكياتهم وشخصياتهم. تشير نتائج شركة "آي بي إم" الأولية إلى أن المنصة قادرة على التنبؤ بأداء القادة، والأفضل هو أن تكلفتها أقل بكثير من تكلفة التقييمات التقليدية التي تتم وجهاً لوجه.
ولكن تقييم القادة وتطوير قدراتهم ما هو إلا غيض من فيض استخدامات علوم القيادة الحاسوبية في الشركة، ومع اقترابها من تطبيق هذه التكنولوجيا تعمل على اكتشاف متى يمكن للحوسبة الكمية رفع قدرات صناعة القرار لدى القائد بدرجة أكبر بكثير من قدرة الحوسبة التقليدية، وهو ما يسمى "الميزة الكمية" (quantum advantage). في أيامها الأولى تبدأ حالات الاستخدام بالظهور فيما يتعلق بالتحولات الكمية في القيادة وعملية صنع القرارات المعقدة. مثلاً، تعمل شركة "آي بي إم" بالتشارك مع شركة "جيه بي مورغان تشيس" (JPMorgan Chase) على إجراء التجارب على الحوسبة الكمية من أجل منح قادة الشؤون المالية ميزة في المجالات المعقدة للغاية مثل استراتيجيات الاستثمار وتحليل المخاطر. يُقدّر أن القيادة في شركة "جيه بي مورغان تشيس" على اعتبارها من المتبنين الأوائل للحوسبة الكمية ستولد مليارات الدولارات لعملائها ومساهميها قبل أن تتمكن الشركات المنافسة من اللحاق بها.