إنهم أشخاص ذوو رؤوس يابسة. إنهم عنيدون للغاية ويتشبثون برأيهم دائماً. بالتأكيد تعرف هذا النوع من الناس الذين يتصفون بالعناد الشديد. صحيح أنه من السهولة بمكان أن يوجه المرء أصابع الاتهام إلى الآخرين الذين يظهرون هذا السلوك، لكن من الصعب عليك أن تدرك وجود هذه الخصلة لديك شخصياً. وفيما يلي بعض العلامات التي تنبئ بأنك شخص غير مرن:
- تظل مصراً على فكرة أو خطة معينة، أو تصر على طرح وجهة نظرك، حتى عندما تعلم بأنك مخطئ.
- تفعل شيئاً تريد أن تفعله حتى لو لم يكن هناك أي شخص آخر يريد أن يفعله.
- عندما يعرض الآخرون فكرة ما، فإنك تميل إلى إبداء كل الأسباب التي تثبت بأنها لن تكون ناجحة.
- ظاهرياً، تشعر بالغضب والإحباط ونفاد الصبر عندما يحاول الآخرون إقناعك بشيء تختلف معه.
- توافق على طلبات الآخرين أو تلتزم بهذه الطلبات بحماسة فاترة، عندما تعلم على طول الخط بأنك ستفعل شيئاً مختلفاً بالكامل.
العناد هو الوجه البشع للمثابرة. فمن يظهرون هذه الخصلة يتشبثون بفكرة أنهم شغوفون وحاسمون وأصحاب قناعة راسخة وقادرون على الثبات في مواقفهم – وكل هذه صفات قيادية مثيرة للإعجاب. فليس من السيئ دائماً أن يكون المرء عنيداً، ولكن إذا كنت ثابتاً في موقفك للأسباب الخطأ، فهل تفعل الشيء الصحيح حقاً؟
لنأخذ جلال، وهو أحد المدراء التنفيذيين الذين يشغلون موقعاً رفيعاً وكنت قد عملت مرشداً له من قبل. اشتهر جلال بحضوره الآسر وقدرته على تحقيق النتائج الممتازة في الشركة. كما أن حزمه وقدرته على التركيز على القضايا والحلول الرئيسية جعلته أحد العناصر الأساسية التي تفخر شركته بامتلاكها. لكن قدرات جلال كانت في بعض الأوقات الأخرى تعمي بصيرته وتجعله غير قادر على رؤية الطرق الأخرى الممكنة لإنجاز الأمور، والتي تحقق المصلحة القصوى للشركة وجميع المعنيين الأساسيين فيها. وبعد أن استمر جلال في خططه الرامية إلى إعادة هيكلة القسم على الرغم من التحذيرات التي تلقاها من مديره ومن مجلس الإدارة بعدم القيام بذلك، فإن مديره وصف الوضع ببراعة على النحو التالي: "يركز جلال بدقة كبيرة على ما يريده كما لو أنه شعاع من الليزر المركز إلى حد أنه لا يدرك بأنه يربح المعركة، لكنه يخسر الحرب".
وكما هو حال جلال، فإن الشخص المفرط في عناده غالباً ما يكون ضحية لنصر باهظ التكلفة هو أقرب إلى الهزيمة، فصحيح أنه يحصل على ما يريده، لكن الأضرار التي يسببها في غضون ذلك تطغى على أي خير كان يمكن أن ينجم عنه.
وبالتالي، ما الذي بوسعك فعله لضمان ألا يصبح ثباتك على موقفك بمثابة حجر عثرة في طريقك؟ فيما يلي 4 استراتيجيات:
حاول أن تتفهم الآخرين: ببساطة، حاول أن تصغي إلى الشخص الآخر أمامك. وبدلاً من العمل على إسكاته وإنهاء المحادثة تلقائياً، حاول أن تفهم فكرته ومنطقه. فالعديد من الناس لا يصغون إلى الآخرين لأنهم يخشون أنهم إذا اصغوا، فقد يبدو أنهم على اتفاق مع الطرف الآخر. وهذا ليس سبباً وجيهاً لعدم الإصغاء. فمجرد فهمك لشخص ما لا يعني بأن تتفق معه في الرأي. لكن ستكون لديك فرصة أفضل لتعبر عن موقفك إذا كنت قادراً على أن تظهر بأنك على الأقل تمتلك تصوراً للسياق الأوسع. ومن يدري، ربما تغيّر موقفك عندما تتضح لك الصورة بأكملها.
اظهر انفتاحك تجاه مختلف الاحتمالات: غالباً ما يعتقد الأشخاص المفرطون في عنادهم أن هناك طريقاً واحداً مجدياً فقط للتصرف. ونتيجة لذلك، فإنهم يستمرون في التشبث بمواقفهم. لكن مقاربتك لوضع معين بقدر من الانفتاح، على الأقل لتستكشف البدائل الأخرى، تجعلك تبدي شيئاً من المرونة – حتى لو انتهى بك المطاف في المكان الذي بدأت منه. فعندما يحاول شخص ما إقناعك بأمر معين تعارضه بشدة، اطرح على نفسك السؤال التالي: "ما هي الظروف التي يجب أن تكون متوفرة لأقتنع بهذه الفكرة؟" من خلال التدقيق في افتراضاتك الذاتية، قد تجد نفسك قادراً على التفكير في احتمالات أخرى لم تكن واردة في حسبانك أصلاً.
اعترف بخطئك عندما تكون مخطئاً: أن تكون مقتنعاً بأنك على حق فهذا شيء. لكن التشبث برأيك عندما تعلم بأنك مخطئ فذلك أمر آخر لا يمكن تبريره. وفي هذه الحالة تحديداً، يتعين عليك أن تقر بخطئك وتحاسب نفسك على قراراتك وتصرفاتك. فهذا سيمنحك قدراً أكبر من المصداقية على المدى البعيد مقارنة مع التمسك بخطتك الأصلية.
قرر ما هي الأشياء التي يمكنك التعايش معها: الإفراط في العناد يمكن أن يتحول إلى عادة. وصحيح أن تمسكك بموقفك أمر مثير للإعجاب، لكن ليس كل موقف يستدعي هذا النوع من القناعة الراسخة. فعوضاً عن محاولة فرض فكرتك أو قرارك أو خطتك باستمرار، حاول معرفة متى يكون مقبولاً بالنسبة لك الموافقة على قرار معين بوسعك التعايش معه حتى لو لم يكن خيارك الأول. قد يكون هناك المزيد من الأشياء التي يمكنك كسبها على المدى الطويل إذا تمكنت من إثبات أنك شخص يمكن إقناعه على المدى القصير.
يكمن السبب الرئيس لكل حالات العناد في الخوف من أن يتخلى المرء عن أفكاره وقناعاته وقراراته، وأحياناً هويته، ولكن كما قال المؤلف الشهير جيمس بالدوين وبكل بلاغة يوماً: "أي تغيير حقيقي يعني ضمناً تحطم العالم كما كان الإنسان يعرفه دائماً.. ومع ذلك فإن الإنسان لن يتحرر إلا عندما يكون قادراً، ودون مرارة أو شفقة على الذات، بأن يتخلى عن حلم راوده منذ أمد بعيد أو عن ميزة لطالما امتلكها... فساعتها فقط سيتحرر هذا الإنسان وينطلق نحو أحلام أرفع، ونحو مزايا أعظم". وفي بعض الأحيان، يمكن للتخلي عن موقف مفرط في رسوخه أن يقود إلى قيمة أعظم مما تخيلته أصلاً.