إذا كنت من الكثيرين الذين التحقوا بأول وظيفة في مسيرتهم المهنية مؤخراً، فربما يساورك القلق بشأن كيفية إدارة علاقاتك في مكان العمل الافتراضي. نحن نعلم أن أفضل الطرق التي تمكّن المهنيين الشباب من بناء شبكات علاقاتهم وتنميتها تتلخص في التجارب الشخصية: جلسات إعداد الموظفين الجدد أو العمل جنباً إلى جنب مع الزملاء أو المشاركة في المناسبات الاجتماعية، مثل تناول الغداء بصحبة الفريق وساعات المرح المعروفة باسم "الساعة السعيدة".
كيف تفعل ذلك إذا كنت تعمل عن بُعد؟ إنه سؤال يستحق التفكير الجاد.
كان 54% من قادة الشركات في الولايات المتحدة يخططون لمواصلة تطبيق سياسة العمل عن بُعد بعد جائحة كورونا، وفق استقصاء نبض الشركة الموجَّه إلى الرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية (CFO Pulse)، الذي أجرته شركة برايس ووتر هاوس كوبرز (PwC) عام 2021، كما قال ثلث المسؤولين التنفيذيين البالغ عددهم 330 مسؤولاً شملهم استقصاء أجرته مؤسسة الكونفرانس بورد العالمية (The Conference Board) في العام نفسه إنهم على استعداد لتعيين موظفين يعملون عن بُعد بنسبة 100%، سواء كانوا يعيشون في الولايات المتحدة أو في أي دولة أخرى. وهذا يعني أن أي موظف يلتحق بوظيفة جديدة سيخضع لجلسات إعداد الموظفين الجدد افتراضياً وربما يعمل مع زملاء قد لا يقابلهم شخصياً على الإطلاق.
على الرغم من المزايا العديدة للعمل عن بُعد، فقد يواجه الموظف صعوبات كبيرة خاصة إذا كان حديث التعيين في الشركة؛ إذ عليه أن يبذل جهداً أكبر من معظم زملائه لبناء علاقات بنّاءة وتكوين شبكة علاقات وطيدة.
ما يدعو للتفاؤل أننا نشهد ازدياد إقبال قادة الشركات على مساعدة فرقهم العاملة عن بُعد على التواصل والتعاون، وقد أصبح دعم العمل عن بُعد على رأس أولويات الشركات. وبالاستفادة من دعم مديرك، يمكنك خوض تجارب عمل غنية ومثمرة تشبه التجربة في بيئة العمل المكتبية التقليدية.
اغتنم اجتماعات الفريق الافتراضية باعتبارها فرصاً للتعارف
يمكن الخروج بنتائج مثمرة من التواصل عبر الوسائل الافتراضية، وأسهل طريقة لفعل ذلك هي الاستفادة من اجتماعات فريقك. حاول الانضمام إلى الاجتماع الافتراضي قبل بدئه ببضع دقائق؛ فقد تصادف زملاء آخرين انضموا أيضاً قبل بدئه رسمياً. هذه طريقة سهلة وعفوية لخوض محادثات ودية مع زملائك، وهي الخطوة الأولى نحو تكوين علاقات جديدة.
بمجرد بدء الاجتماع، أصغ بعناية لإظهار اهتمامك بالموضوع، واعتبر الفضول إحدى أقوى أدواتك. لا تخجل من طرح الأسئلة على مديرك وزملائك، فقد لا تتاح لك الفرصة لمصافحة أيّ منهم شخصياً؛ لذلك عليك أن تعمل على إظهار نفسك بفعالية.
بعد ذلك، خصِّص بعض الوقت لإرسال رسالة إلى زميل وجدت أفكاره مثيرة للاهتمام أو محفّزة للتفكير؛ قد تكون هذه أفضل فرصة للتواصل مع نظير لمساعدتك على التأقلم وفهم تفاصيل دوره.
ابحث عن موجهين أو مدربين
العلاقة مع الموجه هي إحدى أهم العلاقات التي يمكن لأي شخص بناؤها في بداية مسيرته المهنية. ومع تعلمك كيفية التعامل مع دورك الجديد وبناء مسيرتك المهنية عموماً، يمكن للموجه توضيح أولوياتك ويقدم لك ملاحظات بنّاءة وخبرات معرفية جديدة ويعرّفك على رؤى وتصورات مختلفة.
ربما يكون مديرك هو أقدم موظف يمكنك التواصل معه مباشرة باعتبارك موظفاً حديث التعيين يعمل عن بُعد، ومع ذلك قد لا يكون أنسب شخص لتوجيهك؛ إذ يتمتع مديرك بسلطة مباشرة على مسارك الوظيفي، وقد تجد صعوبة في التحدث إليه صراحةً بشأن أهم الصعوبات التي تواجهها وأكبر طموحاتك، إذ قد تكون لبعض الصعوبات علاقة بتعليماته، وقد تتعارض بعض طموحاتك مع مصالحه (حتى إذا كانت تصب في مصلحتك الشخصية).
للعثور على موجه في مؤسستك الحالية، استعلم من مديرك أو مسؤول الموارد البشرية عن تقديم الشركة برنامجاً توجيهياً للموظفين المبتدئين، وإذا لم يتوافر مثل هذا البرنامج، فاعلم أن هناك العديد من الأماكن الأخرى التي يمكنك العثور فيها على موجه.
ابحث داخل الشركة عن مجموعات دعم الموظفين أو الفعاليات الترفيهية أو الجلسات التعليمية التي تُعقد في أثناء فترة الغداء. سيمنحك كلٌّ من هذه الأنشطة فرصة أكبر للتفاعل المباشر مع الزملاء الذين حرمتك البيئة الافتراضية فرصة لقائهم، والعثور على أشخاص يشاركونك قيمك واهتماماتك. على سبيل المثال، إذا كنت تحضُر جلسة تعليمية في أثناء فترة الغداء وسمعت شخصاً يطرح نقطة تثير فضولك، فتواصل معه بعد الفعالية، ولبدء تواصلك معه أرسل رسالة إلكترونية توضح ما لفت انتباهك وأسباب رغبتك في معرفة المزيد.
وللتعارف خارج إطار مؤسستك، ابحث في شبكة خريجي جامعتك أو اشترك في ورش عمل تتعلق بمجالات اهتمامك. ليس من الضروري أن يكون الموجه أو المدرب شخصاً تعمل معه فعلياً، فقد تجد أشخاصاً يلهمونك على نحو غير متوقع خارج "مقر العمل" الافتراضي.
تذكّر أن هذه التفاعلات ليست أنشطة تنفذها مرة واحدة وينتهي الأمر، بل لا بد فيها من الاستمرارية؛ فالعلاقات تتطور بمرور الوقت، ولا يصح أن تقول في أول محادثة: "هل يمكن أن تكون موجّهي؟" تذكر أيضاً أنه بمقدورك الحصول على التوجيه من شبكة علاقاتك الخارجية وأنه من المفيد أن تستمر في التواصل مع موجهك في شركتك حتى إن غادرتها (أو غادرها هو) للعمل في مكان آخر.
خذ زمام المبادرة
إذا لم يكن مكان عملك ينظم الكثير من الفعاليات الافتراضية التي تساعدك على تكوين علاقات جديدة، ففكر في كيفية بناء هذه العلاقات بنفسك. هناك طريقتان لتحقيق هذه الغاية.
تتمثل إحداهما في التواصل مع مديرك ومعرفة مدى قبوله لفكرة توليك إدارة إحدى الفعاليات بنفسك. ليس من الضروري أن تعتمد على أفكار تدور حول العمل نفسه، بل يمكنك تنظيم نادٍ للكتب أو استراحة غداء افتراضية مع الموظفين الجدد أو لقاء لتناول فنجان قهوة ومناقشة الهوايات أو الاهتمامات المشتركة. يدرك الكثير من قادة الشركات التحديات التي تواجهها فِرقهم في العمل عن بعد وهم حريصون على تقديم يد العون، وقد تُفاجأ بمدى ترحيبهم باقتراحاتك.
تتمثل الطريقة الثانية في تقديم المساعدة لأعضاء فريقك (الذين التقيتهم عندما حضرت مبكراً إلى الاجتماع). على سبيل المثال، إذا كنت تتقن استخدام الأدوات الرقمية، فهل يمكنك مساعدة زميل لا يجيد استخدامها مثلك؟ هل أنت بارع في إعداد العروض التقديمية؟ اسأل مديرك عما إذا كان بإمكانك مساعدته على إعداد عرضه التقديمي التالي. ولا تتوقف عند المهارات التقنية، بل قدّم رأيك أو ملاحظاتك بأسلوب مهذب يراعي مشاعره كلما سنحت الفرصة. هل يحتاج أي شخص إلى مراجعة تقريره أو المساعدة في توليد أفكار مبتكرة للتفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي؟
قاوم الرغبة في التراجع؛ فقد استند قرار تعيينك في الأساس على مواهبك الفريدة، لذلك احرص على استخدامها لصالحك.
رحِّب بالمهام الإنمائية
يقدم بعض المدراء لأعضاء فرقهم فرصاً للعمل في أقسام أخرى فترة زمنية محددة. يُشار إلى هذه المشاريع الخاصة أحياناً باسم المهام "الإنمائية"؛ لأنها تتطلب تنفيذ مهام قد تكون خبرتك فيها ضئيلة ولكنها تمنحك الفرصة للتعلم واكتساب مهارات جديدة خارج نطاق خبراتك الحالية. على سبيل المثال، قد تتضمن المهمة الإنمائية تنظيم فعالية مهمة للشركة أو قيادة اجتماع روتيني لصقل مهاراتك في إدارة المشاريع. تتيح لك هذه المهام أيضاً توسيع شبكة علاقاتك وتكوين علاقات أفضل عند مقابلة أشخاص جدد أو التعاون مع زملائك بأساليب مختلفة.
كيف تحصل على مهمة إنمائية؟ بمجرد أن تستقر في دورك الجديد، فكر في مواطن قوتك وضعفك. ما هي المهارات التي تمتلكها ولكنك تريد تحسينها وتطويرها؟ ما هي المهارات التي تريد تعلمها؟ بمجرد أن تجيب عن هذين السؤالين، اسأل مديرك عن إمكانية مشاركتك بمشاريع ضمن فريقك أو في أقسام أخرى لصقل هذه المهارات أو تعلمها. إذا كنت مهتماً بالعمل في قسم آخر، فعليك توضيح الفوائد العائدة عليك وعلى الشركة من هذه الفرصة؛ استفد من علاقاتك القوية وقدِّم أدلة من أفضل الأعمال التي أنجزتها في دورك الحالي لإقناعه بوجهة نظرك.
على الرغم من صعوبة تكوين علاقات وطيدة في بيئة افتراضية خالية من التفاعلات الشخصية، فلا تزال هناك فرص للتعلم والنمو المهني وبناء شبكة علاقات إذا كنت تعرف الوسائل والطرق التي تتيح لك بناء هذه العلاقات. ساعد مديرك أو قائد فريقك على فهم ما تحتاج إليه، واتخذ زمام المبادرة للنمو.