كثيراً ما يشجع المدراء على تطوير علاقات عمل جيدة مع الموظفين والحفاظ عليها لأن ذلك من شأنه أن يحثهم على إظهار قدر أكبر من الالتزام وتقديم الدعم والخروج بأداء أفضل، لكن هل يمكن أن تأتي علاقات المدراء الوثيقة بالموظفين بنتائج عكسية؟
نعم، من الممكن ذلك. كان هذا ما خلص إليه بحثنا الذي نُشر مؤخراً في "مجلة علم النفس التطبيقي" (Journal of Applied Psychology). إذا لم يحدد المدراء التوقعات والجداول الزمنية المناسبة، فإن علاقات العمل الجيدة يمكن أن تجعل الموظفين أقل مشاركة واستجابة لهم على المدى القصير.
علاقات المدراء الوثيقة بالموظفين
استندنا في بحثنا إلى ما يسميه علماء الإدارة بـ "نظرية التبادل الاجتماعي" والتي تقترح أن يتفاعل المدراء والموظفون عبر المعاملات المتكررة بينهم ويتبادلون المنافع المرتبطة بالعمل. وتشكل هذه التفاعلات جودة علاقتهم والتي تؤثر في كيفية تصرف كل منهم في التفاعلات المستقبلية، لذا، فإن تبادل المنافع مثل التوجيه والتعليقات، وجهد العمل، والمكافآت يساعد على بناء علاقات قوية بين المدراء والموظفين. ومع مرور الوقت، ترتكز هذه العلاقة أكثر حول الأهداف والمزايا المتبادلة طويلة الأجل بدلاً من الالتزامات التعاقدية قصيرة الأجل.
في الوضع المثالي، عندما يشعر الموظف أن مديره يعطيه المزيد من الإمكانات (كالمهام والتكليفات والتقدير والنصائح الإضافية، وما إلى ذلك)، فإنه سيرد "الجميل" على الفور بأن يزيد من مشاركته وتفاعله ويبذل مجهوداً أكبر. ومع ذلك، فقد افترضنا أنه في حال وجود علاقات إيجابية قوية مع مديره، فقد لا يشعر بالضغط لرد الجميل على الفور، ما قد يتسبب في بعض التحديات غير المتوقعة لدى المدراء.
على سبيل المثال، تخيل أن نوح، الذي يعمل كمساعد للتسويق وتربطه علاقة وثيقة بمديره المباشر، لم يعط الأولوية لمساعدة مديره في الاستعداد لاجتماع الغد كما ينبغي وشعر أنه ليس مجبراً على ذلك وانشغل عنه بمهمة ذات آثر أكبر ألا وهي تطوير خطط استراتيجية لفريقه، فيما شعر مساعد آخر للمدير بأهمية الإعداد للأمر.
اقرأ أيضاً: 6 أخطاء ترتكبها شركات العلاقات العامة وأقسام التواصل المؤسسي في المنطقة العربية.
في دراسة ميدانية، جمعنا بيانات 73 زوجاً من المدراء والموظفين العاملين في إحدى شركات تكنولوجيا المعلومات شمالي الصين. قمنا أولاً باستطلاع آرائهم لتقييم الجودة العامة لعلاقاتهم، ثم تمكنّا من الحصول على 600 تفاعل عمل مباشر بين كل موظف ومديره خلال مدة زمنية تصل إلى 10 أيام عمل، وذلك بعد مطالبتهم باستخدام منصة استطلاع للهاتف المحمول للكتابة عن أي تفاعلات تحدث بينهما وجهاً لوجه وتستمر لأكثر من دقيقتين. (تشمل هذه التفاعلات اجتماعات ترتيبات العمل ومحادثات التعليقات وإعطاء الآراء أو المحادثات العامة). ذكروا في البيانات التي أدخلوها ما صدر عنهم وما لاقوه من الطرف الآخر، وما إذا شعروا بأنهم ملزمون بعمل المزيد من أجله نتيجة فعله، كما ذكروا مستوى مشاركتهم في العمل بعد التفاعل مباشرة. من جانبنا، استطعنا التحكم في تصنيفات العمر والنوع والوقت الذي عملوا فيه معاً، وجودة كل تفاعل من التفاعلات المدخلة (مثل تعبير: "أنا راض عن التفاعل").
اقرأ أيضاً: إلى متى سيبقى التواصل الداخلي تحدياً يواجه المؤسسات؟.
وجدنا في النتائج أن علاقات المدراء الوثيقة بالموظفين، وتناوب المدراء والموظفين على الأخذ والعطاء يؤدي إلى تأرجح في التفاعلات بشكل كبير. عندما أقدم المدراء على بذل المزيد في تفاعل معين، شعر الموظفون عموماً أنهم ملزمون "بالسداد" على الفور عن طريق بذل المزيد من الجهد في العمل وبذل المزيد في التفاعل القادم.
ومع ذلك، لم تكن هذه هي الحال مع الموظفين الذين يتمتعون بعلاقات عمل أقوى مع مدرائهم، فقد شعروا أنهم ملزمين بدرجة أقل برد الجميل على الفور، وبالتالي سيكونون أقل انخراطاً في العمل، وفي كثير من الأحيان "لم يردوا الجميل" عن طريق بذل المزيد في تفاعلهم التالي. وبدا أن الموظفين يستفيدون من العلاقة الجيدة التي تربطهم برؤسائهم ولا يقفون طويلاً عند موازنة الأمور على المدى القصير. تتفق نتائجنا مع الأبحاث السابقة عن الموظفين والمدراء الأميركيين التي وجدت أن علاقات العمل القوية تجعل الموظفين يستغرقون وقتاً أطول لرد الجميل على المدى القصير.
اقرأ أيضاً: العمل من المنزل لا يُضعف الثقافة المؤسسية بالضرورة.
يعني هذا أن المدراء الذين يحافظون على علاقات عمل قوية مع الموظفين قد يواجهون مخاطر غير متوقعة، فالموظفون الأقرب لهم قد يعرقلون كفاءتهم من خلال استغراق وقت أطول لإنجاز الطلبات الفورية. ولكي نكون واضحين، نحن لا نقول أنه ينبغي على المدراء التوقف عن بناء علاقات قوية مع الموظفين فالأمر لا يزال مهماً لتحفيز الموظفين على بذل أفضل ما لديهم، لكن إذا أراد المدراء رؤية المزيد من الجهد والاستجابة، فيجب عليهم أولاً "إعطاء" المزيد من الإمكانات للموظفين، وهو ما يأتي من خلال قدر أكبر من التقدير، وتمكين أقوى، وعمل أكثر جدوى، وتوجيهات مفيدة، على سبيل المثال.
وفي نهاية الحديث عن علاقات المدراء الوثيقة بالموظفين، نخلص إلى أنه ينبغي على القادة أيضاً أن ينظروا في كيفية جعل علاقاتهم القوية بمرؤوسيهم المباشرين أكثر فعالية. واحد من الدروس المستفادة التي خرجنا بها هو تحديد التوقعات الخاصة بمواعيد إكمال المهام بشكل واضح لا لبس فيه. عندما تكون الطلبات عاجلة للغاية، يجب على المدراء التأكد من أن جميع الموظفين على علم بذلك لكي يستطيعوا تحديد أولوياتهم.
اقرأ أيضاً: 4 نصائح لمساعدتك في إدارة التغيير المؤسسي.