كيف تتخلص من إدمان الهاتف وتُركز على عملك؟

7 دقيقة
عصرنا الرقمي
ميوريل دي سيز/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: في عصرنا الرقمي وما انفرد به من تسارع في التطور والابتكار، يُنظر إلى الهاتف الذكي على أنه سلاح ذو حدين، فهو مصدر غني بالمعلومات، ولكنه يجرفنا نحو الإدمان عليه دون أن ندري. يضر الاستخدام غير الرشيد للهاتف بصحتنا النفسية ويقوض قدراتنا المهنية ويحدث خللاً في أعز علاقاتنا الإنسانية. ولكن إدراكنا لحالة إدمان الهاتف التي تتسلل إلينا هو الخطوة الأولى لاستدراك الأمور ووضع حدود مدروسة أكثر لاستخدامه. ولا يقتصر الأمر على تقليل الوقت الذي نقضيه في النظر إلى شاشته، بل يتعلق باستعادة تجربتنا الإنسانية وإعادة اكتشاف متعة لحظات التركيز من دون تشتيت وإقامة روابط أوثق وأعمق في حياتنا الشخصية والمهنية.

أجرينا تجربة بسيطة في برنامج تنفيذي نظمناه مؤخراً. وافق المشاركون في التجربة على التخلي عن هواتفهم الجوالة مساء يوم واحد واستعادتها في الصباح التالي، وتأمل المشاركون تصرفاتهم وأحاسيسهم وأفكارهم الشخصية في أثناء هذا الوقت، وشهد الصباح التالي مناقشات كثيرة؛ فمنهم من لاحظ أنه يمد يده إلى هاتفه لا إرادياً فيفزع حين لا يجده، ومنهم من شعر بالغضب أو السخط لعدم قدرته على استخدام الهاتف في تفقد ما يحتاج إليه؛ ومنهم من شعر بقلق من التجوال في شوارع المدينة دون الاستعانة بنظام تحديد المواقع، بينما وضع بعضهم مسوغات منطقية لحاجتهم الشديدة إلى استخدام هواتفهم أو خوفهم الشديد من أن تفوتهم أحداث مهمة. وفي المقابل، شعر كثير من المشاركين بالحرية، إذ تمكنوا من ملاحظة ما يدور حولهم وتخلصوا من عبء تفقد رسائل العمل الإلكترونية خلال ساعات المساء، وتعلم أغلبهم أموراً لم يعرفوها عن أنفسهم.

يمتلك أكثر من نصف سكان العالم هواتف ذكية، إذ تحولت هذه الأجهزة بسرعة كبيرة من رفاهية إلى ضرورة حياتية لجميع الناس دون استثناء. وفي سياق المجال المهني، تعد هواتفنا أدوات اتصال أساسية، وملاذاً للوصول إلى المعلومات والتعلُّم والتطوير وتنفيذ العمليات التجارية وإتمام إجراءات السفر وإدارة العلاقات مع العملاء. ما من شك في أن الهواتف الجوالة لها فوائد كثيرة في عملنا وحياتنا الشخصية، إذ أصبح الهاتف الذكي بوابتنا إلى التواصل الاجتماعي والترفيه ومواكبة أخبار العالم والسفر، بالإضافة إلى إتاحة وفرة هائلة من المحتوى الرقمي الذي يتكيف مع احتياجاتنا واهتماماتنا. لكننا نتابع هذا العدد المتنامي من الدراسات العلمية التي تدق أجراس الحذر من فرط الاعتماد على الهاتف الذكي، لما يمكن أن يولده من مخاطر اختلال السلوك والاستخدام المفرط والإدمان، وما ينجم عنه من تبعات بالغة الضرر على صحتنا وعلاقاتنا وإنتاجيتنا؛ عندئذ، يتحول استعمال الهاتف من نعمة إلى نقمة.

مؤشرات تدل على إدمانك الهاتف

نقدم نظرة شاملة للمؤشرات والدلالات نستخلصها من نتائج الأبحاث الأكاديمية في علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الأعصاب التي تشير إلى خلل في استخدامك هاتفك، فعليك أن تفكر ملياً في علاقتك بهاتفك عندما يتبين لك أن سلبيات هذه العلاقة تفوق إيجابياتها.

تمعن أولاً في سلوكيات استعمالك للهاتف:

فقدان السيطرة

هل تجد نفسك مدفوعاً إلى استخدام الهاتف قسراً؟ هل تتفقد شاشته على الدوام دون هدفٍ محدد؟ هل تشعر أنك عاجز عن التحكم في استخدامك له، مهما عزمت أو حاولت تغييره؟ تعرف أنك تقترب من إدمان الهاتف عندما تعتاد يدك التقاطه بصورة متكررة وتلقائية ودون اعتبار لمكان أو زمان، أو خلال أي فترة توقف عن العمل أو حين تشعر بالملل في أثناء الانتظار في الطابور أو في لحظة صمت في منتصف الحوار مثلاً. فإذا شعرت برغبة قوية ومسيطرة في تفقد شاشة هاتفك حتى وأنت تعلم ألا جديد ولا رسائل مهمة، فهذه إشارة تحذير تستدعي الانتباه.

الإدمان

هل تشعر أنك تائه من دون هاتفك؟ هل تعاني القلق أو التوتر أو الانزعاج إذا اضطررت لإيقاف تشغيله فترة من الزمن؟ هل تنشغل باحتمالات أن تفوتك مكالمات أو رسائل؟ مؤشر الخطر هنا أن تشعر بالقلق أو التوتر الملحوظ لمجرد التفكير في الابتعاد عن هاتفك، ويتضح إدمانك هاتفك في حال شعرت بحاجة ملحة إليه في جميع أنشطتك اليومية، أو إن أصابك القلق أو الفزع ما أن تبتعد عنه، أو إن عجزت عن صرف انتباهك عن رسالة نصية أو إلكترونية حين لا تستطيع الرد عليها فوراً.

التأقلم العاطفي

هل تشعر أن الهاتف ملاذك الوحيد للتأقلم مع المشاعر السلبية في حياتك، مثل الملل أو الإحباط أو التوتر؟ هل تجد فيه مهرباً من التجارب المزعجة، مثل الرهاب الاجتماعي؟ ربما يساعدك الانشغال بالهاتف على تخفيف التوتر مؤقتاً، ولكنه يتحول إلى مشكلة عندما تلجأ إليه للتأقلم مع الضغوط فيمنعك من تطوير طرق أخرى للتعامل مع مشاعرك. عندئذ تجد نفسك في حلقة مفرغة، لأن استخدام الهاتف الجوال يمنحك شعوراً مؤقتاً بالارتياح ولكنه يثير في المقابل مزيداً من القلق ومشاعر الوحدة والخوف من أن يفوتك أمر أو حدث ما، وهو ما صار يعرف اختصاراً بمصطلح “فومو” (FOMO).

تتحول سلوكيات الإدمان هذه إلى مشكلة عندما تعوق حياتك اليومية، لذلك تنبّه لتأثير استخدام هاتفك السلبي على مشاعرك وأدائك الإدراكي وعلاقاتك الاجتماعية.

المشاعر السلبية

سَل نفسك ببساطة، هل تنتابك مشاعر مزعجة عند الانشغال بالهاتف؟ هل تشعر بدرجة عالية من التوتر والقلق أو يزداد شعورك بالوحدة بعد ترك الهاتف؟ هل تتجنب أن يراك الآخرون تستخدمه أو تشعر بالخزي أو الذنب للانشغال به؟ هل ينتابك القلق أو تشعر أنك تحمل أعباء لا طاقة لك بها بعد مرور بضع دقائق على بدء استخدامك للهاتف؟ من الشائع تولّد مشاعر سلبية وتعكر المزاج بعد استخدام أدوات التكنولوجيا؛ وثمة أبحاث علمية ربطت إدمان الهاتف الذكي بتزايد الوحدة والاكتئاب، بالإضافة إلى تقويض الرفاهة عموماً. وبالتالي، انتبه لمشاعرك بعد تفقد هاتفك، فقد تكون مؤشراً واضحاً على تحول هذه العادة إلى مشكلة.

تدهور الأداء والتركيز

هل يعيقك هاتفك عن إتمام أمور مهمة؟ هل هو مصدر تشتيت مستمر؟ هل يحد من قدرتك على التفكير بذهن صاف؟ مع أن الغرض من الهاتف الذكي هو تعزيز القدرات الإدراكية للإنسان، إلا أن مجرد وجود هاتفك (ولو لم تستخدمه) يستنفد مواردك الإدراكية التي تساعدك على التفكير بوضوح وشحذ تركيزك وصنع قرارات مستنيرة وضبط عواطفك. ويتجلى تأثير الهاتف بوصفه مصدر تشتيت للانتباه (خاصة التنبيهات الصوتية المزعجة الصادرة عنه)، في تراجع القدرة على التركيز المتواصل، ما يؤدي إلى تقويض الكفاءة وارتكاب الأخطاء والتأخر عن مواعيد تسليم المهام، ويزيد احتمالية التورط في مواقف خطرة. علاوة على ذلك، فالانشغال بالهاتف مساءً، أي بعد ساعات العمل المعتادة، يعطل التعافي الذهني والنفسي من ضغوط يوم العمل، فيزداد إجهادك النفسي مع مرور الوقت.

تضرر العلاقات الاجتماعية

هل يحد انشغالك بالهاتف قدرتك على الاستماع إلى من يحاورك وفهم ما يقول والرد عليه والتفاعل معه؟ هل يشعر المقربون منك بأنك تهملهم وتنشغل بهاتفك عنهم؟ يوقع اهتمامك الدائم بهاتفك على حساب المحيطين بك أثراً سلبياً على علاقاتك في عالمك الواقعي، وهذا مؤشر على استخدام غير منضبط للهاتف. ومن مؤشرات ذلك تفقدك المستمر لشاشة الهاتف خلال الوقت المخصص للعائلة أو في مناسبة اجتماعية أو شخصية مهمة. عندئذ، يمنع الهاتف تواصلك الهادف مع الآخرين ويقلص حجم الدعم الاجتماعي الذي تحصل عليه منهم، وهو أحد أهم الموارد للتعامل مع التوتر والحفاظ على الرفاهة.

لست وحدك

لا تجزع إن وجدت أن ما سبق من شرح ووصف ينطبق عليك، واعلم أنك لست وحدك في هذه المشكلة. أجرينا دراسة استعنا فيها بمقياس معمول به ومؤشرات موضوعية (مثل عدد مرات التقاط الهاتف)، على 160 موظفاً من مختلف المستويات الوظيفية (بدءاً من المستوى المبتدئ وصولاً إلى الإدارة الوسطى والعليا أو المستوى التنفيذي) لاستكشاف درجة انتشار استخدام الهاتف الجوال وتقدير طبيعة المشكلة.

وكانت النتائج الأولية تسترعي الانتباه. أولاً، تبين لنا هو أن الهاتف يقاطعنا خلال ساعات صحونا كل 13 دقيقة تقريباً؛ وكان المشارك في الدراسة يتلقى يومياً ما متوسطه 65 إشعاراً هاتفياً ويلتقط هاتفه نحو 72 مرة في المتوسط يومياً، بينما يقاطع الهاتف صغار الموظفين بوتيرة أكبر، كل 9.5 دقيقة.

ثانياً، لم تكن النتائج السلبية مثل التوتر ذات صلة كبيرة بالوقت الفعلي لانشغال الموظف بالهاتف، بل ارتبطت بالإدمان والهاجس القسري وما يصاحبهما من مشاعر سلبية. بالإضافة إلى ذلك، صنفنا 50% من المشاركين في فئة “مستخدم معرض للخطر” أو “مستخدم في مشكلة”، وفقاً لمعايير الإدمان السيبراني المعتمدة في هذا المقياس، أي أن استخدام الهاتف بطريقة تسبب مشاكل سلوك شائع ويحتاج إلى تنظيم لتفادي العواقب المترتبة على الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية.

السبيل إلى استعادة بعض السيطرة

عليك بفهم هذه العلامات والاعتراف بها كي تتعامل على نحو أفضل مع التحديات التي تفرضها هذه الأجهزة الرقمية الضرورية في حياتك، فتضمن أن تخدمك لا أن تتحكم بك.

الوعي الذاتي

أولاً، عليك أن تتعرف على مؤشرات الانشغال المفرط بالهاتف وأن تكون صادقاً مع ذاتك في هذا الصدد، وقد يتعيّن عليك التحدث مع زملائك وأصدقائك وأفراد عائلتك لمعرفة ما لاحظوه عليك من أنماط السلوك التي عرضناها فيما سبق. ومن ثم، اعتزم التغيير. لك أن تبدأ ببعض التجارب، على غرار تلك التجربة التي أجريناها في البرنامج التنفيذي، وانتبه لتفكيرك وشعورك وسلوكك حين تكون بعيداً عن هاتفك.

ضبط الذات

يمثل وضع حدود واضحة خطوة حاسمة في تقليل الاستخدام غير السليم للهاتف، وهو يشمل تحديد فترات زمنية لا تستخدم الهاتف خلالها، مثل وقت تناول الطعام أو التجمعات العائلية أو قبل أن تخلد للنوم. أبعد هاتفك عن مكتبك أو مائدة العشاء أو الفراش، وأوقف إشعاراته خلال فترة العمل لضمان عدم انقطاعك عن المهمة التي تتطلب اهتمامك وتركيزك. كما يمكنك تقييد تطبيقات الهاتف أو أنماط استخدامه، أو حتى قفله.

ولتفادي الوقوع في فخ فرط استهلاك المحتوى، على سبيل المثال، يمكنك أن تحدد أوقاتاً خلال اليوم لتفقد رسائل البريد الإلكتروني، أو تقييد استخدام منصات التواصل الاجتماعي بفترة زمنية محددة. يساعد فرض هذه القيود في تحقيق توازن صحي بين الاستفادة من خصائص هاتفك ومراعاة الجوانب المهمة الأخرى من حياتك. وكما تعلم، فالتخلص من أي عادة يقتضي الصبر والتكرار ويستغرق وقتاً، والبداية البسيطة التدريجية أفضل وأسهل في التطبيق.استراتيجيات تأقلم مرنة

بدلاً من التهرب من المشاعر الصعبة، طبق استراتيجيات بديلة لتنظيمها والتعامل مع الضغط النفسي، ولا تسمح لهاتفك أن يكون سبباً في تدهور موارد التعافي لديك، وبخاصة قدرتك على الانفصال نفسياً عن أجواء العمل عقب انتهاء ساعاته، ونقصد بالموارد هنا الالتزام بأنشطة مثل التمارين الرياضية أو التأمل أو ممارسة الهوايات أو توطيد العلاقات الإنسانية أو قضاء الوقت في الطبيعة.

الاستعانة بمختص

في الحالات التي يتحول فيها استخدام الهاتف إلى سلوك قهري للغاية أو إلى نمط يوقع أثراً سلبياً كبيراً في حياتك الشخصية والمهنية، فقد يكون من الضروري طلب مساعدة مختص، وقد يشمل ذلك الالتحاق ببرنامج علاج سلوكي معرفي تحت إشراف مختص في الصحة النفسية متمرس في علاج الإدمان الرقمي، وسوف يساعدك باستراتيجيات مدروسة ويدعمك لمعالجة أسباب سوء استخدام الهاتف. كما تعتبر الورش ومجموعات الدعم، التي تركز على مخاطر سوء استهلاك المحتوى الرقمي، أدوات ذات قيمة وتتيح مساندة النظراء.

في عصرنا الرقمي وما انفرد به من تسارع في التطور والابتكار، يُنظر إلى الهاتف الذكي على أنه سلاح ذو حدين، فهو مصدر غني بالمعلومات، ولكنه يجرفنا نحو الإدمان عليه دون أن ندري. يضر الاستخدام غير الرشيد للهاتف بصحتنا النفسية ويقوض قدراتنا المهنية ويحدث خللاً في أعز علاقاتنا الإنسانية. ولكن إدراكنا لحالة إدمان الهاتف التي تتسلل إلينا هو الخطوة الأولى لاستدراك الأمور ووضع حدود مدروسة أكثر لاستخدامه. ولا يقتصر الأمر على تقليل الوقت الذي نقضيه في النظر إلى شاشته، بل يتعلق باستعادة تجربتنا الإنسانية وإعادة اكتشاف متعة لحظات التركيز من دون تشتيت وإقامة روابط أوثق وأعمق في حياتنا الشخصية والمهنية. ليس علينا أن نكون مجرد مسافرين في الفضاء الرقمي، وبيدنا أن نجعل رحلتنا فيه بنّاءة تضمن لنا حياة متوازنة ومُرضية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .