ثمة قصة يذكرها وزير الاتصالات وتقنية المعلومات في السعودية، عبد الله بن عامر السواحة، عن طفولته. يقول فيها، إنه ذات مرة عندما كان في الثالثة عشرة من عمره، كان يسير مع والده وبعض أفراد عائلته في أحد المراكز التجارية، صادف أنهم رأوا آلة يطبع الناس عليها بطاقات العمل "بزنس كارد" على الفور. كان عبد الله طفلاً يافعاً يومها، استوقفته هذه الآلة، فطلب من والده أن يسمح له بطباعة بطاقة عمل. وكانت الحقول التي يحتاج إلى ملئها في البطاقة باللغتين الإنجليزية والعربية، فسأل عبد الله والدَه عمّ سيكتب في حقل المنصب، فأجابه: "CEO رئيس تنفيذي". شعر عبد الله بالسعادة، فطبع البطاقة، وبدأ يتفحصها بفخر وهو يقول: "أتمنى أن أصبح رئيساً تنفيذياً عندما أكبر". ثم عاد عبد الله مع بطاقات العمل، وبدأ يوزعها على أبناء عمومته وأفراد عائلته. لكن أحد أقاربه فاجأه وخيّب أمله عندما أمسك البطاقة، وبدأ يتفحصها وينظر إلى وجه عبد الله قائلاً باستغراب وسخرية: "رئيس تنفيذي؟ اذهب وبلّط البحر".
لم يفهم عبد الله معنى هذه العبارة كما ذكر في مقابلة تلفزيونية، فذهب إلى والده ليسأله عن معنى "بلّط البحر". سأله الوالد عن الشخص الذي قال له هذه العبارة، ولماذا؟ وعندما عرف القصة، ربت الوالد على كتفي عبد الله وقال له: "لا تقلق ولا تستمع إلى من يثبّط عزيمتك. فلتكن ثقتك في الله كبيرة، وثقتك في نفسك بلا حدود، ثم ستصبح إن شاء الله رئيساً تنفيذياً وأكثر".
وبالفعل، استطاع عبد الله السواحة أن يصبح رئيساً تنفيذياً لواحدة من الشركات العالمية الكبرى، سيسكو، في المملكة العربية السعودية. ولم يكن ذلك مصادفة، بل كان السواحة يسير نحو هذا الهدف بخطة وئيدة بدأت منذ دراسته، ثم عزز ذلك بما حصل عليه من التدريب والتأهيل. وخلال هذه الرحلة، واجه تحديات تستحق التوقف عندها والتعلم منها. ثم أصبح "أكثر" من رئيس تنفيذي كما تمنى له والده، فقد أصبح وزيراً في حكومة المملكة العربية السعودية منذ عام 2017، وما زال نجمه يسطع كل يوم، مع كل مهمة ومسؤولية جديدة تضافان إلى جعبته باستمرار مثل رئاسة مجلس إدارة مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، ورئاسة مجلس إدارة هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار، ثم رئاسة مجلس إدارة وكالة الفضاء السعودية.
الأهداف والحظ
لم يكن للحظ دور بارز في قصة صعود عبد الله السواحة، فقد كانت مسيرة الرجل حالة تدرّس في العزيمة ورسم الأهداف والاستثمار في النفس للوصول إلى أهدافه. كان يرسم غاياته بوضوح، ويسير على مبادئ ثابتة تعلمها من قصص الناجحين والفاشلين، فهو متعلم شغوف، لم يتعلم من والده فقط، بل هو قارئ نهم يقرأ الكتب التي ألّفها الخبراء ويهضمها، ويطبّق مبادئها بحرفية عالية، لدرجة أنك تشعر بأنه يسير وفقاً لدليل عمل ممنهج في كل خطوة يخطوها أو كلمة يقولها. ويندر أن تستمع إليه وهو يتحدث، دون أن تجده يستشهد بمقولة مكتوبة في كتاب أو نظرية علمية. وعندما تتابع أخباره وأحاديثه، تجد السواحة قد اختار لنفسه منهجاً في الحياة يعتمد السير على أهداف مركّزة، فهو لا يؤمن بمؤشرات أو أهداف عامة، بل يسعى إلى أهداف صغيرة تخدم هدفه الكبير في النجاح المهني. لذلك فمن يتعمق في قصة السواحة، يجد أنه تعلّم منذ الصغر في مدرسة والده أن يركّز على أهدافه ولا يلتفت إلى المحبطين، وهذا ما يسميه السواحة بلغة الإدارة الأهداف والمؤشرات الرئيسية، التي بات يحاضر فيها ويتحدث عنها ويفرّق فيها بين مؤشرات الأداء (KPIs) والأهداف والنتائج الرئيسية (OKRs)، ففي إحدى محاضراته القصيرة التي نشرها في سناب شات، يشرح أنه يفضّل الأهداف والنتائج الرئيسية بدلاً من مؤشرات الأداء العامة، لأن الأهداف والنتائج الرئيسية هي التي تجعل كل خطوة نقوم بها تصبّ في النتائج والأهداف الرئيسية التي نسعى إليها.
والفرق بين الناس ممن ينجزون ما يخططون له وأولئك الذين لا ينجزون، بحسب ما يقول عبد الله السواحة، هو أن المنجزين وغير المنجزين يشتركون جميعاً في وضع "أهداف" لما يخططون له، لكن الفرق بينهم، هو أن المنجزين يضعون "نظاماً للتنفيذ"، في حين يعيش غير المنجزين في أحلام اليقظة. وما يحتاج إليه الشخص لينجح في حياته -كما يقول السواحة- 3 أمور: الذكاء العقلي (IQ) والذكاء العاطفي (EQ) والذكاء السياسي أو الاجتماعي (PQ). فالذكاء العقلي -كما يقول- يساعدك في إدارة نفسك والحصول على الوظيفة والمحافظة عليها. وينبّه السواحة على أن الذكاء العقلي وحده لن يوصلك إلى دور قيادي، في حين أن الذكاء العاطفي يساعدك على التأثير في الآخرين وتولي الأدوار القيادية، ويستشهد بمقولة مهمة: "قُد نفسك بعقلك، والآخرين بقلبك". لأن الذكاء العقلاني يدغدغ الأفكار فقط، أما الذكاء العاطفي فيدغدغ المشاعر ويؤثر في الآخرين ويقودهم إلى اتخاذ خطوات عملية. ثم يأتي دور الذكاء السياسي أو الاجتماعي -كما يقول- ليوسع حلقة تأثيرك في المجتمع والآخرين، ويزيد من أدوارك.
من المهم -كما يقول السواحة- أن تتدرّج في النمو والتطور ولكن على نحو ثابت وغير متردد، تبدأ بالذكاء العقلي ثم العاطفي ثم السياسي، ومن الخطأ أن تبدأ بالعكس. فمن أبرز السقطات التي يقع بها مَن يحاول النجاح بطريقة التسلّق، هو أن يحاول اكتساب دور اجتماعي وسياسي قبل أن يثبت نفسه عبر الذكاء العقلي ثم العاطفي في دوره القيادي. ويطبّق عبد الله السواحة هذه المبادئ على نفسه منذ أن كان صغيراً يحلم بأن يكون رئيساً تنفيذياً و"أكبر من ذلك" كما تمنى له والده. فهو يلتزم بصرامة بالأهداف والنتائج الرئيسية التي وضعها لنفسه، ويطبق مراحل الذكاء الثلاث بصرامة وتدرّج، دون أن يلتفت إلى الخلف أو يقفز فوق المراحل، فكل شيء يفعله هو في خدمة أهدافه الرئيسية المحددة، بما فيها أعماله التطوعية وفيديوهاته التعليمية وإنجازاته القيادية. يتمسك عبد الله السواحة بمبدأ يكرره باستمرار، ويطلق عليه: "الرسائل والضوضاء". هذا المبدأ ورثه -كما يقول- عن والده، ثم تعلمه لاحقاً بعمق عندما درس الهندسة. هل تذكرون العبارة التي قالها والده له رداً على عبارة "بلّط البحر" عندما كان طفلاً يافعاً؟ قال له يومها، بأن عليه أن يتجاهل كلام من يثبط عزيمته، ويعزز ثقته بالله وفي نفسه ليصل إلى هدفه. يقول عبد الله السواحة إنه تعلم هذه الفكرة على أصولها عندما درس الهندسة، ويشرح ذلك في مقابلته التلفزيونية السالفة الذكر، بأن المهندسين لديهم معادلة بسيطة، مفادها أن هناك شيئاً اسمه "الرسائل"، وشيئاً اسمه "الضوضاء أو الضجيج". وخلاصة الفكرة، أن عليك أن تجعل رسائلك؛ أي أهدافك واضحة وأعلى من الضوضاء، وهذا ما يسمى "نسبة الإشارة إلى الضوضاء". ما عليك إلا أن تحدد هدفك وتسير دون التفات إلى الوراء، ودون الاستماع إلى مَن يحاول أن يثبط همتك. ركّز على الرسائل وانسَ الضوضاء. ويعبّر السواحة عن ذلك في أحاديثه بقوله إن خير تعبير عن هذا المبدأ الذي يؤمن به عن الرسائل والضجيج، هو ما ورد في الآية الكريمة: "فأما الزبد فيذهب جفاءً، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".
الزَبَد والزبدة
والثقة التي يتحدث عنها عبد الله السواحة في النفس، ليست تلك الثقة العمياء، أو الثقة التي قد تنحاز فيها لذاتك، فقد يثق بعض الناس في أنفسهم، لكنهم يكونون على خطأ، ما يجعلهم عُمياً عن الحقيقة، وهي حالة مَن لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، التي تسمى في علم النفس "تأثير دانينغ كروغر". تعلّم عبد الله السواحة -كما يقول- من أين تأتي الثقة الحقيقية، إنها تأتي من المعرفة. فقد تعلم من والده أن رحلة النجاح تعتمد على 3 مبادئ: "المعرفة، والثقة والمخاطرة". فالمعرفة الدقيقة، هي التي تجعلك واثقاً من خطواتك وقراراتك، والمخاطرة بعدها تكون مخاطرة الخبير العارف الواثق، وليست تهوراً من شخص غير ناضج تنقصه الخبرة.
يتذكر عبد الله كيف كان والده يبني فيه أسس المعرفة الدقيقة الواثقة عندما كان طفلاً. فقد كان يطلب منه حل مسائل حسابية، ثم يطلب منه كتابة الجواب. وعندما كان يكتب جوابه وهو متردد، كان الوالد يسأله، إن كان متأكداً من الجواب أو لا. ثم يكرر: "إن كنت متأكداً من الإجابة، فاكتبها بوضوح وثقة، وإن لم تكن متأكداً، فاذهب وتدرب مجدداً على حل المسائل الرياضية، ومن ثم يمكنك البدء من جديد لتكتب جوابك الواثق حينها".
وهكذا، فقد كانت المعرفة بالنسبة لعبد الله تعني التأكد مما تعلمه والتحقق منه، وهذا ما غرس فيه ثقافة الدقة والتحقق في اكتساب المعرفة الواثقة. لذلك يمكن لمن يستمع إلى عبد الله السواحة في كلماته أو يشاهد في بعض فيديوهاته التعليمية على يوتيوب أن يجده محدداً دقيقاً، يشدد على الكلمات ويفرّق بين المصطلحات، ويتبع أسلوب المدرّس في الشرح والتفصيل، ويحرص دوماً على استخدام السبورة أو لوح الشرح لرسم المخططات وكتابة الأفكار التي يتحدث عنها. إضافة إلى أن نشأته على سؤال والده المُلح: "هل أنت متأكد من الإجابة؟ وإذا كنت متأكداً فاكتبها بوضوح"، جعلته يحرص على التأكد من معلوماته وأفكاره، لذا فهو يتحدث بوضوح وثقة لا يهتز معها صوته أو قلمه، فالرجل واثق مما يقول ويفعل على نحو لافت. كما أن كلامه الواثق هو غالباً في الصميم، فهو يبتعد عن الإنشاء والعموميات أو ما يسمى "الزَبَد"، وهذا ما يذكّرنا بالفكرة التي يكررها السواحة من هذه الآية القرآنية "فأما الزبد فيذهب جفاءً، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض". ويقول بأنه تعلم من والده في صغره أن يركز على "الزبدة" والكلام المفيد، ويتجاهل العموميات و"الزَبَد". فقد كان والده يجالسه وهو طفل بعد صلاة الجمعة، ويشرب معه كأس الشاي وهو يتصفح الصحيفة. كان عبد الله يراقب والده وهو يمسك القلم ويرسم دوائر صغيرة على بعض العبارات في صفحات الصحيفة. كان عبد الله يتلقف الصحيفة بعد أن يلقيها والده من يده ليجد أن الدوائر التي رسمها والده، تحيط بالمعلومات المفيدة والخلاصات من المقالات الطويلة، فهي تحدد مثلاً معلومات مفيدة عن بعض المنتجات المحلية، وبعض المعلومات الاستثمارية والأرقام المفيدة. وهذا ما جعله يتعلم التركيز على جوهر الأشياء وذكر المعلومات المفيدة وعدم الخوض كثيراً في الإنشاء والكلام في العموميات.
رحلة العلم وحدث 11 سبتمبر/أيلول
ويمكننا تخيّل نتائج البيئة التي ينمو فيها طفل بهذه العقلية المتعطشة إلى المعرفة "المؤكدة والمحددة" دون اهتمام أو خوض في العموميات والمهاترات. ومن ثم فإن صاحب هذه العقلية ستكون لديه الثقة بالنفس بعد امتلاك هذه المعرفة. سيولّد هذا المنهج بلا شك انضباطاً في مسيرة الشخص الذي يمتلك هذه العقلية. كان السواحة يعرف بأنه يبتغي المعرفة القوية والتسلح بتعلم اللغة الإنجليزية لأنها من المهارات الرئيسية المطلوبة للنجاح في كل من المستقبل القريب والبعيد، فحدد هدف الدراسة في إحدى الجامعات الأميركية. وعندما لم تتح له فرصة الحصول على بعثة دراسية، ذهب للدراسة على نفقته الخاصة، وأراد أن يستثمر فرصة وجوده في أميركا لجني أكبر قدر من المعرفة عبر دراسة تخصص مزدوج، لذا فقد درس اختصاصين معاً هما؛ هندسة الكهرباء وهندسة الكمبيوتر.
تفوق السواحة في دراسته مستفيداً من شغفه وذكائه الحاد بنوعيه العقلي والعاطفي. ولأنه كذلك، فقد كان مدركاً أن الشهادات من الجامعات العالمية تعتبر رافعة مساعدة لمن أراد القيادة في الصف الأول. وعندما وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة الأميركية، اضطر كثير من الطلبة السعوديين للعودة إلى بلدهم، ومنهم عبد الله السواحة قبل أن يكملوا دراستهم وينالوا شهاداتهم من الجامعات الأميركية. وعلى الرغم من أن الحكومة السعودية قبلت الطلبة جميعهم في الجامعات المحلية آنذاك لاستكمال دراستهم، فإن السواحة كان محظوظاً بقبوله لإكمال شهادته الهندسية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وهي جامعة مرموقة وذات ترتيب عالمي بارز، لكن الحصول على شهادات من جامعات عالمية في السيرة الذاتية كان ضرورياً بحسب ما فهم ذكاء عبد الله السواحة العاطفي والاجتماعي. لذا فإنه استعاض عن توقف دراسته في جامعة واشنطن، باتباع دورات تنفيذية والحصول على شهادات في هذه التخصصات، ومنها شهادة في القيادة من جامعة ديوك وشهادة في التحليل الاقتصادي من جامعة هارفارد الأميركيتين.
حصل السواحة على هذه الدورات التدريبية في 2013 و2015 في الوقت الذي دلّه كل من ذكائه العقلي والعاطفي والاجتماعي على أنه بحاجة إلى خبرة عملية في شركة عالمية لكي يبني سيرة ذاتية مهنية تؤهله ليكون القيادي الذي يطمح إليه. لذلك فقد سعى بعد تخرجه بكل جهده للعمل ولو متدرباً في أحد فروع الشركات العالمية في السعودية، وسعى تحديداً لشركات مثل مايكروسوفت وآي بي إم وسيسكو وهواوي وغيرها. وقد كان له ما سعى؛ فقد حصل بعد جهد ومتابعة على وظيفة متدرب في شركة سيسكو من خلال فرعها في السعودية.
قاعدة كيف يمكنني أن أصنع يومك؟
وبالتزامن مع عمله تحت التمرين في هذه الشركة العالمية، كان يسافر إلى جامعتي هارفارد وديوك للحصول على الدورات التنفيذية، لدرجة أن بعض زملائه ممن يصفهم السواحة بـ "صوت الضوضاء"، سألوه عن جدوى الدورات التدريبية التي يجريها في هاتين الجامعتين العالميتين، واقترحوا عليه ألا يجريها حتى توافق شركة سيسكو على تغطية تكاليف هذه الدورات بدلاً من أن يدفعها من جيبه، لكن السواحة كان يركّز كما يقول على "الرسائل" ويتجاهل "الضوضاء"، فهو يعرف أنه يستثمر في نفسه، ولم يكن لينتظر أن تتبنى الشركة تكاليف هذه الدورات حتى يقوم بها. فقد كان الرجل الذي يؤمن بمبدأ الأهداف والمبادئ الرئيسية يعرف كيف يبني سيرته الذاتية التي تؤهله لدور قيادي مستقبلي. وكان يعرف أهدافه الصغيرة التي تصب في الهدف الكبير ولا يتردد ولا يتأخر في الوصول إليها. لذلك، عندما بدأ العمل مع سيسكو، كان هدفه هو اكتساب خبرة عالمية في أماكن أخرى من العالم مع الشركة، لذلك وضع هذا الهدف الصغير من ضمن أهدافه الكبرى، واجتهد وطالب وتابع حتى حصل من شركة سيسكو على إيفاد للعمل في فرع الشركة الأوروبي بالعاصمة الهولندية أمستردام.
في هولندا، كانت قصة عبد الله السواحة مع مدير سامّ متحيز حاول عرقلة جهوده في النمو ودفعه للاستقالة والعودة إلى بلده. ويعلّق عبد الله بأنه وصل مع هذا المدير لمرحلة كاد ييأس فيها، لكنه تذكّر مبدأ "الرسائل والضوضاء" واعتبر ما يحدث مجرّد ضوضاء وضجيج، وقال في نفسه: "لن أدع هذا المدير يدمر مسيرتي المهنية" لذلك، تابع وصبر وتحمّل، وعمل بمهنية، حتى جاءته الفرصة يوماً ما عندما زارت مسؤولة كبيرة من المقر الرئيسي للشركة في الولايات المتحدة الأميركية فرع الشركة في هولندا، وهناك تحدثت إلى عدد من الموظفين ومنهم عبد الله السواحة، فأعجبت بعمله ومثابرته خاصة عندما علمت أنه من السعودية، فسألته في نهاية الحديث: (?How can I make your day)؛ أي "كيف يمكنني أن أصنع يومك؟". عندها جاءت فرصة عبد الله، فسألها أن تنقله إلى مدير آخر بدلاً من هذا المدير الذي يترصده ويكسّر أجنحته. وفعلاً حصل على مراده وانتقل إلى مدير آخر، ثم انتقل بعدها إلى العمل في مقر الشركة الرئيس في الولايات المتحدة الأميركية لعدة أشهر، قبل أن يعود إلى السعودية لتبدأ أدواره القيادية.
الجواب الذي رفعه إلى منصب الرئيس التنفيذي
تعلّم السواحة في حياته أن يسعى بيقين إلى الأهداف التي قد تبدو للبعض مبالغاً فيها. كان طموحه عالياً لكنه كان يعدّ له العدة. وذات مرة سأله مديره في مقر الشركة في الولايات المتحدة عن الدور الذي يطمح إليه عند عودته إلى السعودية، فأخبره بأنه يريد أن يكون مديراً إقليمياً للشركة. وعلى الرغم من أنه كان طلباً طموحاً لشخص مستجد في الوظيفة، فقد أخبره مديره بأن عليه إثبات نفسه وإمكاناته، وسيحصل على هذا المنصب إن استحقه. عمل السواحة بمثابرة في السعودية، وتابع تطوير ذاته والنجاح في مشاريعه. وعندما علم أن متطلبات الدور القيادي في مثل هذه الشركات العالمية تتطلب الشهادات العالمية والتدريب والتأهيل العالي، استهدف الحصول على الشهادات والدورات التنفيذية من جامعتي ديوك وهارفارد.
كانت قيادة شركة سيسكو تتابع باهتمام التطور اللافت والإصرار اللذين يبديهما المهندس السواحة، فأولته الاهتمام الذي يستحقه لمساعدته في تطوير مهاراته وصقلها. وخلال إحدى زيارات رئيس مجلس إدارة شركة سيسكو إلى السعودية سأل السواحة عن أعماله ومؤهلاته، فأخبره عن الدورات التنفيذية في هارفارد وديوك وغيرهما. فسأله رئيس مجلس الإدارة مستغرباً؛ كيف حصل على هذه الدورات، لأن شركة سيسكو تقدم مثل هذه الدورات للتنفيذيين الكبار فقط، فهل حصل عليها قبل عمله في سيسكو؟ كان جواب السواحة بأنها درسها على نفقته الخاصة خلال عمله في الشركة، وقد درسها ليؤهل نفسه لأدوار قيادية مستقبلية. تحمّس رئيس مجلس الإدارة لهذا القيادي الطامح الذي استثمر في نفسه دون انتظار للمساعدة، فأخبره بأن الشركة ستغطي تكاليف هذه الدورات التي أجراها كلها على حسابه الخاص. ثم سأله تحديداً عن خطته القيادية للتأثير؟ فكّر عبد الله بما كان والده يكرره من حديث نبوي يفيد معنى التأثير الذي يجب أن يسعى إليه كل إنسان، وهو أن الإنسان إذا ما توفي، فإن عمله ينقطع إلاّ من ثلاث، "علم ينتفع به وولد صالح يدعو له وصدقة جارية"، وربط ذلك بما تعلمه وما تأثر به من كتاب "التحفيز" (Drive) للكاتب دانيال بينك، الذي يركّز على أن القيادة هي القدرة على التأثير. ومن هذه الخلاصة أجاب السواحة بأن دوره بصفته قائداً بعد اكتساب المعرفة هو نقلها للآخرين "علم ينتفع به"، والحرص على بناء جيل جديد من القادة "ولد صالح يدعو له"، وبناء مؤسسات مستدامة في العطاء تهدف إلى غاية سامية وليس فقط للربح "صدقة جارية". كان هذا الجواب كافياً لتقرر إدارة سيسكو وضع السواحة على مسار التطور ليصبح الرئيس التنفيذي للشركة في السعودية بعد مدة قريبة.
رائد الأعمال وقوة الندم
ومع كل هذا الإنجاز وتحديد المسار الواضح نحو إمكانية تعيينه رئيساً تنفيذياً لشركة سيسكو، هل يكتفي شخص مثل السواحة بهذا الوعد المستقبلي على الرغم من جديته؟ هل يكتفي من محاولات استكشاف نفسه وفرص نجاحه؟ هل يضع كل البيض في سلة واحدة؟ بالطبع لا. ما الذي عمله عبد الله السواحة على الرغم من صعوده الصاروخي في شركة سيسكو، وتعيينه مديراً ووضعه على مسار التطور ليصبح الرئيس التنفيذي؟ لقد قرر خوض تجربة ريادة الأعمال. نعم، فقد ينجح في بناء شركته الريادية الخاصة التي قد تُحدث تغييراً في المنطقة والعالم. عندها قدّم السواحة طلباً إلى شركة سيسكو، وهي شركة تتيح للموظفين تقديم طلب يُسمى "عدم تضارب المصالح"، يبين فيه الموظف رغبته في خوض عمل جانبي آخر لا يتعارض مع عمل الشركة الأساسية، ويخضع ذلك الطلب للموافقة أو الرفض من الإدارة العليا لشركة سيسكو. حصل على الموافقة للعمل على مشروعه الجانبي، فأسس 3 شركات ريادية، فشلت منها اثنتان ونجحت واحدة، ويقول تعقيباً على ذلك، إن ما تعلمه من العمل في شركاته الريادية لا يقل عما اكتسبه من خبرة في العمل مع الشركات العالمية، لأنك في الشركة الريادية تمارس الأدوار المختلفة، فأنت الرئيس والمسوّق وصانع المنتج والدعم الفني في آن معاً.
والآن يفتخر السواحة بأن هذه الشركة التي أسسها على الرغم من تخارجه منها، شكّلت النواة لأهم نظام معتمد الآن في الرعاية الصحية عن بُعد في المملكة العربية السعودية. وهذا برأيه ما يحقق هدفه بالتأثير المستمر. فالتأثير بالنسبة للسواحة، هو العلم الذي ينتفع به والولد الصالح الذي يدعو له والصدقة الجارية. لذلك وعلى الرغم من هدفه المركّز على النجاح والسعي لمنصب يليق بجهده وجدارته، فهو يخطط في الوقت نفسه لتتذكره الأجيال كما تتذكر الراحل الوزير الأديب غازي القصيبي. وكما قرأ السواحة كتاب القصيبي "حياة في الإدارة"، فقد قرأ الكتاب الجديد للكاتب الذي يتابعه دانيال بينك بعنوان "قوة الندم" (The Power of Regret)، وبسبب هذا الكتاب يعزز السواحة قناعاته -كما يقول- في إحدى محاضراته، فيتذكر قصة مخترع الديناميت، الذي فتح الجريدة ذات يوم ليجد خبر وفاته منتشراً. وعند قراءة الخبر وجد أن الصحيفة قد خلطت بين وفاة شقيقه وبينه هو. ولكن الذي فاجأه لم يكن فقط هذا الخطأ الذي استبدلت فيه الصحيفة خبر وفاة شقيقه به شخصياً، ولكن ما فاجأه كان سيل المعلومات والتعليقات في الخبر لأنه تحدّث عنه سلباً باعتباره الرجل الذي اخترع "الديناميت" الذي تسبب وسيتسبب بقتل أكبر عدد ممكن من البشر. سبّب هذا الخبر ومحتوياته صدمة للعالِم الذي اخترع الديناميت، ومنحته فرصة للندم المستقبلي الذي سيحصل بعد وفاته، فقرر أن يسعى عاجلاً لبناء سمعة جيدة. عندها قرر تسخير حياته وأمواله كلها لخدمة البشرية وللسلام، وأسس جائزة نوبل لتكون مبادرة منه لتخليد ذكرى حسنة عنه عند وفاته. ما حصل في هذه القصة، يسمّيه السواحة "الندم المستقبلي"؛ أي أن تتصور حياتك مستقبلاً وتتخيل ما يمكن أن تندم عليه، فتفعله الآن.
كيف تصبح قائداً لا يصطدم بالجدار؟
ولأنه يسعى إلى تقليل الندم في مستقبله، فإن السواحة يكرر باستمرار حاجته للتعلم، ولا يقبل بأن تصفه بالقائد، بل دائماً ما تجده يعترض على وصفه بهذا الوصف، حتى بعد أن أصبح وزيراً، ليقول لك إنه (Aspiring Leader)؛ أي طامح للقيادة، وإنه ما يزال يتعلم القيادة. ومن الأشياء التي تعلمها السواحة، ثم بات يعلمها للآخرين في محاضراته وأحاديثه، أن للقيادة أنواع مختلفة تتنوع باختلاف الظروف والبشر الذين تقودهم. ويكرر دوماً القصة التي جعلته يتعلم هذا الدرس، والتي يلخصها بحديث جانبي مع مديرته الإقليمية في سيسكو، عندما زارته في السعودية ولاحظت طريقة عمله وإدارته، فأخبرته بأن طريقته في الإدارة، قد تؤدي إلى اصطدامه بالجدار يوماً ما. وعندما سألها مستغرباً لماذا؟ أجابته بأنها لاحظت أن طريقته في الإدارة تعتمد على أسلوبين فقط؛ هما "التحفيز" و"احتواء الناس". وأخبرته بأن المدير لا يمكن أن يكتفي بأسلوبين فقط، فأنت بصفتك قائداً ومديراً مُطالب في بعض الحالات باعتماد الحزم والتصميم، ولا يمكن أن تسير أمور الإدارة دوماً بالتحفيز أو الاحتواء. وأن للإدارة 6 أوجه على الأقل، على القائد أن يتنقّل بينها بحسب الظروف التي تتطلبها كل حالة، وألّا يكتفي بأسلوب واحد وإلاّ اصطدم بالجدار.
بعد ذلك تعلم السواحة أنك لا تستطيع أن تكون في كل الأوقات ليّناً فتعُصر أو صلباً فتُكسر. تعلَّم أساليب الإدارة الستة الشهيرة، وأصبح يطبقها ويحاضر فيها، ويلخصها بستة أنماط:
- القائد المسيطر (Commanding).
- قائد الرؤية (Visionary).
- القائد العطوف (Affiliative).
- القائد الديمقراطي (Democratic).
- القائد الذي يسرّع وتيرة العمل (Pacemaking).
- القائد المرشد (Coaching).
تعلّم عبد الله السواحة، أن القائد يجب أن يتنقّل بين هذه الأنماط الستة بحسب الظروف التي يتعامل معها، فهو القائد المسيطر في الأزمات، وكذلك في القرارات التي تحتاج إلى تغيير في استراتيجيات المؤسسة. وهو قائد الرؤية الذي يحلم بالأهداف الكبيرة ويقود فريقه نحوها، وهو القائد العطوف الرحيم الذي يتعامل بمنطق العائلة مع فريق العمل عندما تتطلب بعض الظروف التعاطف مع الفريق أو أحد أفراده. والقائد الديمقراطي والمسرّع والمرشد في الحالات التي تتطلبها بعض ظروف العمل. وقد تسير شخصيات القائد الستة جنباً إلى جنب في اليوم الواحد خلال العمل، حيث يظهر الوجه الآخر للقائد بحسب طبيعة الظروف والشخصيات التي يتعامل معها.
وعندما أصبح عبد الله السواحة الرئيس التنفيذي في سيسكو السعودية، تعلّم الجمع بين هذه الشخصيات، كما صنع خليطاً من الخبرة الإدارية العالمية، وواءمها مع الثقافتين المحلية والإسلامية اللتين تربى عليهما، فقد أصبحت أنواع القيادة بالنسبة له، والتحفيز الذي يقرأ عنه في كتب دانيال بينك، والنظريات التي تعلمها في جامعة هارفارد ذات جذور في تعليمات والده أو في الثقافة الإسلامية، كما وجد رابطاً بين توصيات والده بالإصرار والتصميم وعدم الالتفات لمن يثبّط عزيمته مع مبدأ "الرسالة والضوضاء" الذي درسه علمياً في الهندسة. وكذلك عندما ربط فكرته بالتأثير بالحديث النبوي "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلّا من ثلاث". ولو استمعت إلى السواحة وهو يشرح معنى "صدقة جارية" بأنها تساوي بين مفهوم الإدارة والقيادي الغربي (Give back) لعلمت أن الرجل قد خلق لنفسه منظومة فكرية وعقلية قابلة للتطبيق والتدريس.
على خطى القصيبي
اكتمل مسار "الأهداف والنتائج الرئيسية" الذي اختطه السواحة لنفسه، بأن أصبح وزيراً في المملكة العربية السعودية، ليرتقي إلى ما هو أعلى من منصب رئيس تنفيذي. وهذا ربما يذكّره بحلم والده الذي أخبره به عندما جاءه مكسور الخاطر من عبارة "بلّط البحر" التي تلقاها من أحد أقاربه، فحفّزه والده بأن تنبأ له بأنه سيصبح رئيساً تنفيذياً وأكبر من ذلك. أصبح السواحة الوزير بعدما بدأت فرصته للترقي عندما التقى الأمير محمد بن سلمان الذي كان آنذاك ولياً لولي العهد خلال زيارته لوادي السيليكون في عام 2016. عندها كان السواحة رئيساً تنفيذياً لسيسكو السعودية، وكان مقر الشركة الأم في وادي السيليكون إحدى محطات زيارة ولي ولي العهد السعودي آنذاك. كان السواحة في هذا النمو يستخدم كلاً من الذكاء العقلي والعاطفي والاجتماعي، فلم يكتفِ بذكائه العقلي وفي جودة عمله، بل كان يبادر من خلال ذكائه العاطفي في تحقيق التأثير في الأشخاص حوله. فلم يكن الرجل ذكياً ينتظر الحظ، بل كان يسعى إليه ويخطط له بناءً على امتلاك الجدارة والتأهيل الذي يستحقه.
ولأن عبد الله السواحة مرّ بمعظم التجارب خلال صعوده، اكتشف خلالها أن التخطيط ليس كافياً للنجاح، وأنك ستحتاج إلى مَن يساعدك في طريقك عندما تواجهك العراقيل. إن السواحة صاحب الأهداف والمبادئ الرئيسية المركّزة، يعلم أن أي مجتهد قد يواجه في حياته مديراً سيئاً يعوق تقدمه، مثل المدير الذي عمل معه في هولندا والذي كاد يحبطه ويعوق تطوره المهني، لولا ضربة الحظ التي جاءت بتلك المديرة الأميركية التي سألته: "كيف أصنع يومك؟" أدرك عبد الله السواحة من هذه التجربة، أن ثمة مجتهدين كثر في كل زمان ومكان يعوقهم مدير سيئ عن الظهور والنجاح، وتعلم -كما يقول- أن يستخدم تقنية "كيف أصنع يومك؟"، إذ يحاول باستمرار اللقاء مع الموظفين في كل الأمكنة من وزارته ومؤسساتها، ويتجاذب معهم أطراف الحديث ليسأل بعدها: "كيف يمكنني أن أصنع يومك؟" أو "كيف يمكنني أن أصنع سنتك؟".
لقد أصبح السواحة وزيراً طموحاً مؤمناً بالعلم، يسير وفي ذهنه طريق واضح، يخطط من خلاله لكيفية توسيع دائرة تأثيره، ويسعى لترك الأثر الذي يحلم بأن يخلد ذكراه. فهو على خطى غازي القصيبي افتتح عهده بزيارة لبعض مراكز وزارة الاتصالات، وأشرك الناس في بناء خطته عندما تفاعل مع هاشتاغ انتشر عبر منصات التواصل الاجتماعي عند توليه المنصب "#لوكنت_وزير_الاتصالات". فهو يعرف كيف يتواصل مع عموم الناس ويخاطبهم عبر منصاتهم مثل سناب شات التي تعتبر المنصة الأولى في السعودية، والتي لجأ إليها السواحة ليقدم أفكاره ومحاضراته.
يؤمن السواحة بأن قانون انتشار الأفكار ينص على أن تأثير الأفكار يبدأ مع فئة قليلة لا تتجاوز 2.5% من الناس، ثم يتوسع للتأثير في 13.5% ثم إلى 34% من المجتمع الذي يستقبل الرسالة. هذا القانون هو مبدأ علمي آخر يذكره السواحة في أحاديثه، ويعرف أن إحدى مهماته بصفته قائداً هي تكرار رسائله وأفكاره وتجنّب أن تضلل الضوضاء حقيقة رسائله. فهو يؤمن بأن التكرار والتوضيح هما الطريق الوحيد للتأكد من وصول التأثير. ويذكر في إحدى محاضراته بأنه يؤمن بهذه المقولة التي ملخصها "القيادة، وهي القدرة على جعل الأهداف واضحة، ومن ثم المبالغة في التكرار لتوضيح هذه الأهداف أكثر".
أشياء يفعلها الأقوياء عقلياً وينصح بها السواحة
وعلى الرغم من أن السواحة يعمل أكثر من 10 ساعات في اليوم كما يقول في مقابلة معه، فإنه ينضم إلى قائمة مَن ندموا على المبالغة في عدد ساعات العمل، ويتمنى لو خصص وقتاً أكثر لعائلته. لكنه في الوقت نفسه يحض الشباب في مرحلة نموهم المهني على العمل بعدد ساعات كبير، مع التأكيد ألا يقع الإنسان ضحية لضغوط العمل. وينصح في حديث له عن طرق التعامل مع هذه الضغوط الناتجة عن العمل، من خلال اتباع نصائح وردت في كتاب "13 شيئاً لا يفعلها الأشخاص الأقوياء عقلياً"، أول شيء، ألا تلعب دور الضحية عندما تشعر بالضغط في العمل، بل اشعر بالامتنان. ولا ينسى السواحة ربط هذه الفكرة مع الآية الكريمة "لئن شكرتم لأزيدنكم"، وثاني شيء، هو ألا تمنح صلاحية القوة إلاّ لمن يستحقها، وثالث شيء، هو التأكد أن التغيير يحتاج إلى التدرج، والشيء الرابع هو أن تميز بين الأمور التي تستطيع السيطرة عليها وتلك التي هي خارج إرادتك، والشيء الخامس هو أنك لن تستطيع جعل الناس جميعهم سعداء.
يصف عبد الله السواحة نفسه بأنه "طامح للقيادة" (Aspiring Leader) ويكرر أنه ما يزال يتعلم كل يوم، ويقول: "إن القائد الذي يظن أن رحلة التعلم لديه انتهت عليه أن يتقاعد". ومن طرق التعلم التي يتلقاها السواحة ويعتبرها مصدراً للتعلم، هي الملاحظات والانتقادات التي يتلقاها بخصوص عمله، وهو كعادته في تتبع العلم ينصح باتباع مبدأ يسمى (3Ps) و(3Vs) في التعامل مع الملاحظات، فالأولى (3Ps) تشمل التساؤل عن مصدر هذه الملاحظة أو النقد، هل المصدر شخصي (Personal)؟ هل هو متكرر ومنتشر (Pervasive)؟ هل المصدر دائم للأبد (Permanent)؟ وبعد أن تتساءل عن مصدر الملاحظة وفقاً لهذه المعايير التي سمّاها (3Ps)، ينصح السواحة بالانتقال إلى (3Vs) وعندها تتساءل عن محتوى الملاحظة أو النقد، هل المحتوى صحيح (Valid)؟ ثم هل يمكن التحقق منه (Verifiable)؟ وأخيراً هل المحتوى قيّم (Valuable)؟ وعندما تنتهي من التحقق رحِّب، وقل كما يكرر السواحة: "رحم الله امرأ أهدى إليّ عيوبي".
لسنا بصدد تقييم كفاءة عبد الله السواحة بوصفه وزيراً، لكن قصته التي رسم عبرها مساراته من طفل سخر أحدهم منه عندما كتب على بطاقته بأنه سيصبح رئيساً تنفيذياً، وتحداه بأن يبلّط البحر، إلى شخص تعلّم منذ الصغر أن العلم الواثق وترك الزبد يذهب جفاءً، والتركيز على الرسائل بدل الضوضاء، جعلت السواحة يبلّط بحر مسيرته المهنية فعلياً بأسس متينة أوصلته إلى هدفه عبر عقلية تستحق أن نتعلم من تجربتها.