اعتمد عقلية النمو حتى تنجح في تعلُّم الذكاء الاصطناعي

5 دقيقة
‎الرسوم التوضيحية: إيدي غاي

ملخص: تثير فترات التقدم والتحولات التكنولوجية الكبيرة المخاوف والقلق، تماماً كما هي حال ثورة الذكاء الاصطناعي الحالية، وغالباً ما تدفع القادة إلى التمسك بغرورهم والتركيز على خبراتهم، ما يؤدي إلى عدم تقبلهم وجهات النظر الأخرى ويؤثر سلباً في فرقهم ومؤسساتهم. بدلاً من ذلك، يجب على القادة تبنّي عقلية المبتدئ التي تتسم بالانفتاح والفضول، وذلك ليس سهلاً في الواقع؛ فكلما زادت خبرتنا تشبثنا أكثر بطرقنا في التفكير وإنجاز المهام، لكنه ممكن بل يصبح ضرورياً مع وصول التوتر بين الموظفين إلى مستويات قياسية. تظهر الأبحاث أن الانفتاح الذي تتسم به عقلية المبتدئين عامل حاسم في تحقيق نتائج أفضل. في هذا الصدد، ثمة أسئلة بسيطة يمكنك طرحها على نفسك لتقييم أسلوب قيادتك ومعرفة إذا ما كنت تتمتع بعقلية المبتدئ.

تتصدر مخاوف الذكاء الاصطناعي (AI) عناوين الأخبار يومياً: فقدان الوظائف وإساءة استخدام الملكية الفكرية واختراق البيانات الشخصية وانتشار التحيزات.

تكمن وراء هذه المخاوف المتعلقة بالذكاء الاصطناعي مخاوف أعمّ غالباً ما تطفو على السطح خلال الفترات التي تشهد تقدماً تكنولوجياً، ومنها الخوف من عدم استيعاب المفاهيم الجديدة أو من التخلف عن ركب الأفراد "الأذكى" منا، أو من أن نبدو جاهلين أو متخلفين في نظر من نقودهم. ربما تتذكر الشعور نفسه حين ظهرت الحوسبة السحابية أو العملات الرقمية أول مرة؟

تتغير التكنولوجيا باستمرار، لكن خلال الفترات التي تشهد تقدماً وتغييراً كبيرين، مثل ثورة الذكاء الاصطناعي الحالية، يجب أن نتنبه نحن القادة إلى المخاوف التي تنشأ والنزعة البشرية لحماية الأنا، التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتصورنا لخبرتنا. قد يبدو التخلي عن عقلية "الخبير" وتبني عقلية "المبتدئ" منافياً لتصورنا عن القيادة القوية، لكن وفقاً لبحث أجرته شركة بوتينشال بروجيكت (Potential Project)، فعقلية المبتدئ تعزز قيادتك ورفاهة فريقك والتزامه بنسبة 25% أو أكثر.

ماذا يعني أن تكون مبتدئاً؟

يقدم لنا كل من العلم والحكمة التقليدية رؤى قيمة لفهم معنى أن تكون مبتدئاً؛ ففي تقاليد زن (Zen) البوذية مثلاً، نجد مفهوم "شوشين" (Shoshin) الذي يعني التعامل مع كل شيء في الحياة بعقلية المبتدئ؛ أي ألا تسمح لمعتقداتك السابقة أو تجاربك الماضية بتوجيه طريقة تعاملك مع موقف جديد. كما تتضمن عقلية المبتدئ الاستعاضة عن الافتراضات أو التصورات المسبّقة بالفضول وحب الاستطلاع؛ أي أن تبدّل رغبتك في امتلاك الإجابات بالرغبة في التعلم والتعرف على طرق جديدة للتفكير والعمل.

من الناحية العلمية، تقترب هذه العقلية من مفهوم المرونة المعرفية الذي يشير عموماً إلى قدرتنا على التكيف بمرونة مع بيئتنا المتغيرة باستمرار، تظهر المرونة المعرفية عندما نتنقّل بين المهام أو المفاهيم أو الاستراتيجيات المختلفة، فتساعدنا على التعامل مع مواقف جديدة أو تغيير المسار واتخاذ خيارات مختلفة عندما لا يسير العمل مثلما هو مخطط له. يصف الأساتذة في جامعة كامبريدج المرونة المعرفية بأنها "تتعلق في الأساس بتعلم كيفية التعلم وأن تتحلى بالمرونة في أساليب التعلم التي تتبعها".

في وقتنا الحالي، ومع استمرار احتمال أن يحدث الذكاء الاصطناعي تغييرات جذرية في طرق عملنا، سيكون القائد الناجح هو القادر على التخلي عن مخاوفه والانخراط في البيئة الجديدة بفضول ومرونة. ولكن الكثير منا فقدوا للأسف قدرتهم على تبني عقلية المبتدئ منذ سنوات.

معوقات تبني عقلية المبتدئ

نسعى طوال مسيرتنا المهنية إلى اكتساب خبرة تتيح لنا فرص الترقية والحصول على وظائف أفضل وأجور أعلى، ولكن هذه الخبرة سيف ذو حدين بكل ما للكلمة من معنى، فهي تقوّض مرونتنا المعرفية وتدفعنا نحو منطقة غير محبذة تُدعى "التحصين المعرفي". ببساطة، كلما اكتسبنا ذكاءً وخبرة أكبر ازداد تشبثنا بطرق تفكيرنا وعملنا، لدرجة أننا نبحث عن الحقائق والبيانات التي تدعم وجهة نظرنا ونتجاهل كل ما يتعارض معها، وهذا ما يدعوه علماء الأعصاب "الانحياز التأكيدي" (Confirmation Bias).

وحتى لو لم تقف خبراتنا عائقاً في طريق تبني الأشياء الجديدة، فقد يعوقنا الكسل المعرفي العام؛ فأدمغتنا بارعة في الحفاظ على الطاقة، إذ تغتنم كل فرصة للانتقال إلى الوضع التلقائي وتقليل التفكير الواعي قدر الإمكان، وفي حين يسمح لنا ذلك بالتعامل مع محيطنا بذكاء وكفاءة فهو يعوقنا عن تبني طرق جديدة للتعامل مع الموقف أو حل المشكلة بطريقة مختلفة.

العائق الرئيسي الأخير أمام تبني عقلية المبتدئ هو سوء الفهم؛ فالبشر، والقادة خصوصاً، لا نستطيع تقييم سلوكنا بدقة ونفترض خطأً أننا نتبنى عقلية المبتدئ فعلاً. أجرت بوتينشال بروجيكت دراسة استقصائية طلبنا فيها من 85 قائداً تقييم أنفسهم في جوانب الخبرة والانفتاح، وطلبنا من 250 موظفاً تقييم قادتهم في كلا الجانبين. فيما يتعلق بجانب الخبرة، كان تقييم القادة لأنفسهم أعلى بنسبة 3% من تقييم موظفيهم لهم؛ وفيما يتعلق بجانب الانفتاح، كان تقييم القادة لأنفسهم أعلى بنسبة 14% من تقييم موظفيهم لهم.

ما هو المغزى من ذلك؟ علينا جميعاً أن نعمل لنكون قادة منفتحين وفضوليين لا يسمحون للمخاوف أو الأنا بإعاقتهم عن النجاح في التعامل مع التغييرات الهائلة، فالموظفون يراقبون سلوك القائد والأهم هو أن عقليته تؤثر بشدة في رفاهتهم وإنتاجيتهم.

ما هي المخاطر؟

وفقاً لمؤسسة غالوب، بلغت مستويات التوتر بين الموظفين أعلى مستوياتها على الإطلاق على مستوى العالم، والمحرك الرئيسي لهذا القلق حالياً هو الذكاء الاصطناعي؛ يقول نحو 25% من الموظفين إنهم قلقون من فقدان وظائفهم قيمتها بسبب التكنولوجيا، علماً أن نسبتهم كانت 15% في عام 2021. ثمة طرق عديدة يمكن للقادة اتباعها للمساعدة، ومنها تنفيذ استراتيجيات تحسين المهارات واكتساب المهارات الجديدة.

لكن العامل الحاسم في تبني الموظفين للذكاء الاصطناعي واستعدادهم له سيكون تقبّل القائد نفسه للتغييرات الجوهرية القادمة، ليس بصفته خبيراً لديه الأجوبة كلها بل بصفته متعلماً يبدي تواضعاً فكرياً وفضولاً.

للتحقق من أهمية ذلك، طلبنا من الموظفين تقييم قادتهم على جانبي الخبرة والانفتاح المذكورين سابقاً، ثم ربطنا بين تصوراتهم عن قادتهم بنتائج مختلفة مثل النية في الاستقالة والاحتراق الوظيفي والرضا الوظيفي.

أظهر الموظفون الذين يرون أن قائدهم يعتمد على خبرته ولكنه منفتح أيضاً نتائج أفضل بكثير من الذين يرون أن قائدهم يفتقر إلى كلا الجانبين.

يبدو أن المتغير المتعلق بالانفتاح هو سر تحقيق نتائج أفضل، متفوقاً على المتغير المتعلق بالخبرة، فالموظفون الذين ينظرون إلى قائدهم على أنه على درجة عالية من الخبرة ولكنه يفتقر إلى الانفتاح لديهم أعلى نية للاستقالة عموماً ويظهرون مستوى الاحتراق الوظيفي نفسه الذي يظهره الموظفون الذين يرون أن قائدهم يفتقر إلى كلا الجانبين.

قيّم عقلية المبتدئ لديك

وبعد توضيح أهمية عقلية المبتدئ للنجاح في التعامل مع الذكاء الاصطناعي، كيف تقيّم نفسك في هذه المهارة القيادية الأساسية؟  إليك بعض الأسئلة ذات الصلة للتفكير في أسلوبك القيادي:

  • هل أفكر في خيارات متعددة قبل اتخاذ القرار؟
  • هل أحاول الحفاظ على عقلية منفتحة على المعارف الجديدة ووجهات النظر الجديدة حتى في المواقف المألوفة؟
  • هل أجيد وضع نفسي مكان الآخرين؟
  • هل أؤمن دائماً بأن هناك شيء جديد يمكن أن أتعلمه دائماً حتى في المجالات التي أعتبر نفسي خبيراً فيها؟
  • هل أشعر بالراحة عند الاعتراف بأن معلوماتي حول موضوع معين غير كافية وأبدي استعداداً للتعلم من الآخرين؟
  • هل سبق لي أن غيرت آراءً مهمة بالنسبة لي عندما أثبت لي أحد ما أني مخطئ؟

ابدأ بخطوات صغيرة إذا وجدت مجالات للتحسين؛ ربما يمكنك أن تتذكر البهجة التي تصاحب تعلم شيء جديد أول مرة وتتذكر روعة ذلك الشعور، أو ربما يمكنك تجربة الانخراط في نشاط إبداعي. وجد الباحثون في دراساتهم أن المبدعين في مجالاتهم، مثل الحاصلين على جائزة نوبل، تزداد احتمالات انخراطهم في أنشطة إبداعية مثل الغناء أو الرقص أو كتابة الشعر أو الأدب أو الفنون البصرية.

حان الوقت لتحضير نفسك وفريقك للتعامل مع فرص الذكاء الاصطناعي وتحدياته، ابدأ بالتحقق من عقليتك. يُعرف عن الحكيم شونريا سوزوكي قوله: "ترى عقلية المبتدئ فرصاً كثيرة، ولكن الفرص في عقلية الخبير محدودة".

ملاحظة من المؤلفات: نجري حالياً استقصاءً لفهم تفضيلات الموظفين فيما يتعلق بأساليب القيادة، والتحقق من مشاعرهم تجاه القيادة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وجمع رؤى قيّمة حول ديناميكيات العمل وتفاعلات الفريق. إذا كنت مهتماً بالمشاركة، فيرجى زيارة هذا الرابط.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .