امنح أفراد قوة العمل بأكملهم القدرة على أن يصبحوا مبتكرين.
أقدمت شركة نوفارتس على استثمار مبالغ طائلة في سبيل تحقيق التحول الرقمي. ونظراً لأن شركة الأدوية السويسرية العملاقة نقلت بنيتها التحتية التكنولوجية إلى الأنظمة السحابية واستثمرت في منصات البيانات ودمجها، فقد عيّنت أخصائيين في الذكاء الاصطناعي وعلماء بيانات لبناء نماذج تعلم الآلة ونشرها في مختلف أقسام الشركة. ولكن على الرغم من نمو الفرق التقنية، فإن المدراء من مختلف أقسام الشركة، كالمبيعات وسلسلة التوريد والموارد البشرية والماليات والتسويق، لم يتبنوا المعلومات المتوافرة حديثاً، ولم يفكروا كثيراً في كيفية استغلال البيانات في تعزيز أعمال فرقهم. وفي الوقت نفسه، كان حضور علماء البيانات ضعيفاً في وحدات الأعمال ولم يتمكنوا من دمج البيانات بسهولة في العمليات اليومية. نتيجة لذلك، لم تسفر هذه الاستثمارات سوى عن نجاحات متقطعة هنا وهناك (كما حدث في بعض جوانب عملية البحث والتطوير، مثلاً) بينما تعثر الكثير من المشاريع التجريبية الأخرى.
لكن نجاح المشاريع التجريبية الموجَّهة إلى كلِ من مجالي البحث والتطوير وتخصيص حملات التسويق أثبت القيمة التجارية لهذه الاستثمارات، ومن ثم فقد نجحت في الآونة الأخيرة في جذب انتباه بعض المسؤولين التنفيذيين الأكثر إبداعاً في شركة نوفارتس واستثارة خيالهم. وهكذا ازداد حماسهم بشأن استغلال فرص نشر الذكاء الاصطناعي في مختلف أقسام الشركة وبدأوا دعم هذه الجهود بجدية. (إفصاح: لقد عملنا مع شركة نوفارتس وغيرها من الشركات المذكورة في هذه المقالة بطرق متنوعة، بما في ذلك عضوية مجلس الإدارة والبحث وتقديم الاستشارات). حيث أدركوا أن خبراء التكنولوجيا وعلماء البيانات وحدهم لا يمكنهم إحداث هذا النوع من الابتكار بالقدر الذي تحتاجه أعمال الشركة، ومن ثم بدأوا المزج بين علماء البيانات وموظفي الشركة الذين يمتلكون رؤية ثاقبة تحدّد الجوانب التي تحتاج إلى إدخال بعض التحسينات في الكفاءة والأداء.
وقد استثمرت شركة نوفارتس أيضاً في تدريب موظفيها العاملين في الخطوط الأمامية على استخدام البيانات بأنفسهم لتعزيز الابتكار. واعتمد عدد متزايد من الفرق الأساليب المرنة لاستغلال كافة أنواع الفرص المتاحة. وبالتالي تسارعت وتيرة التحول وازداد تأثيره، ما أدى إلى إعطاء دفعة قوية لعدد من مبادرات الابتكار، بما في ذلك التمكين الرقمي للمبيعات والتنبؤ بأحجامها المتوقَّعة وإعادة النظر في نظام الطلب وسد العجز لعملاء خدمات الرعاية الصحية وتطوير أنظمة صرف الروشتات الطبية وإجراءاتها.
يتطلب التحول الرقمي أن يتكاتف المسؤولون التنفيذيون والمدراء وموظفو الخطوط الأمامية وأن يعملوا معاً لإعادة النظر في كيفية سير كل جوانب العمل.
وأصبح التقدم في التحول الرقمي أمراً لا يُقدر بثمن حينما أقدمت الشركة على التعامل مع الفوضى التي صاحبت الجائحة في بداياتها. وقد تعاونت فرق العمل بشركة نوفارتس مع علماء البيانات لابتكار نماذج لإدارة زعزعة سلسلة التوريد والتنبؤ بالعجز المتوقع في سلسلة توريد المواد الأساسية وتمكين التغيُّرات العاجلة في مزيج المنتجات وسياسات التسعير. كما نجحت أيضاً في تطوير أنظمة التحليلات المحوسبة لتحديد المرضى المعرضين للخطر بسبب تأجيل زيارة أطبائهم المعالجين. وفي ظل استمرار أزمة فيروس كورونا، باتت قيمة الذكاء الاصطناعي واضحة لكافة مدراء الشركة.
قبل هذه الموجة من اعتماد الذكاء الاصطناعي، كانت استثمارات نوفارتس في التكنولوجيا تتألَّف بالكامل تقريباً من حزم تطبيقات البرمجيات المؤسسية التي يتم تنفيذها عادةً من قبل قسم تكنولوجيا المعلومات بتوجيه من المستشارين الخارجيين أو البائعين أو خبراء تكامل الأنظمة. ولكن بناء القدرة الرقمية على مستوى الشركة تحت إشراف الرئيس التنفيذي للتحول الرقمي آنذاك، برتراند بودسون، ad وتعمل الشركة الآن على تدريب الموظفين على كافة المستويات وفي كل التخصُّصات لتحديد الفرص والاستفادة منها لدمج البيانات والتكنولوجيا لتحسين عملهم. وفي عام 2021، حضر مؤتمر نوفارتس السنوي للذكاء الاصطناعي آلاف الموظفين.
ومن المستحيل حساب إمكانات الابتكار الرقمي القائم على الجهود الجماعية للموظفين، ولكن وفقاً لتقرير "توقعات قطاع تكنولوجيا المعلومات على مستوى العالم" لعام 2020 الصادر عن شركة آي دي سي (IDC) لأبحاث السوق، ستحتاج كل الشركات في الاقتصاد العالمي إلى إنشاء ما يقرب من 500 مليون حل رقمي جديد عام 2023، وهو ما يفوق العدد الإجمالي الذي تم إنشاؤه على مدار الأعوام الأربعين الماضية. ولا يمكن تحقيق هذه الغاية من خلال مجموعات صغيرة من خبراء التكنولوجيا وعلماء البيانات الذين يعملون في صوامع مؤسسية منعزلة، بل سيتطلب الأمر مجموعات أكبر وأكثر تنوعاً من الموظفين، بمن في ذلك المسؤولون التنفيذيون والمدراء والعاملون في الخطوط الأمامية، الذين يجب أن يتكاتفوا معاً لإعادة النظر في كيفية سير كل جوانب العمل. ويلقي بحثنا الضوء على كيفية فعل ذلك.
فكرة المقالة باختصار
المشكلة
يجد الكثير من الشركات صعوبة في جني فوائد الاستثمار في التحول الرقمي، بينما يحقق البعض الآخر مكاسب هائلة. ما الذي تفعله الشركات الناجحة بشكل مختلف؟
الرحلة
تستعرض هذه المقالة المراحل الخمس للتحول الرقمي، بدايةً من المرحلة التقليدية، حيث تقتصر الأدوات الرقمية والتكنولوجيا على قسم تكنولوجيا المعلومات فقط، وصولاً إلى مرحلة المنصة الأساسية، حيث تتيح أسس البرمجيات الشاملة سرعة نشر التطبيقات القائمة على الذكاء الاصطناعي.
المرحلة المثالية
تتجسّد المرحلة المثالية في مرحلة التوطين، التي تتمثل أهم سماتها المميزة في البنية التشغيلية المصممة لنشر الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع عبر مجموعة ضخمة وموزعة من التطبيقات، ووجود مجموعة من الخبراء المختصين وتوافر أدوات سهلة الاستخدام ويمكن الوصول إليها بسهولة، والاستثمار في تدريب مجموعات كبيرة من موظفي الشركة وبناء قدراتهم.
عوامل النجاح
عندما بدأنا بحثنا، أردنا أن نفهم لماذا يجد الكثير من الشركات صعوبة في جني فوائد الاستثمار في التحول الرقمي بينما يحقق البعض الآخر مكاسب هائلة. ما الذي تفعله الشركات الناجحة بشكل مختلف؟
درسنا 150 شركة في مجالات التصنيع والرعاية الصحية والمنتجات الاستهلاكية والخدمات المالية والطيران والأدوية والتكنولوجيا الحيوية، وأخذنا عينة تمثيلية من كبرى الشركات في كل قطاع. حيث فشل البعض في إجراء تغيير ملحوظ، لكن الكثيرين حققوا تقدماً كبيراً. وربما كان من المدهش أن نجد أن النتائج لا تعتمد على الحجم النسبي لميزانيات تكنولوجيا المعلومات. كما لم تقتصر قصص النجاح على المؤسسات "ذات الطابع الرقمي منذ نشأتها". فقد تمكنت الشركات العملاقة القديمة، مثل يونيليفر وفيديليتي وستاربكس (حيث يشغل أحدنا، ساتيا، منصب عضو مجلس الإدارة)، فضلاً عن شركة نوفارتس، من خلق عقلية وثقافة تعزّزان الابتكار الرقمي.
وقد أثبت بحثنا أن تمكين التحوّل الرقمي على نطاق واسع يوجب على الشركات خلق حالة من التآزر في 3 مجالات:
القدرات. يستلزم نجاح جهود التحول أن تعمل الشركات على تطوير المهارات الرقمية ومهارات جمع البيانات وتحليلها لدى الموظفين العاملين في تخصصات لا ترتبط بالتكنولوجيا بمفهومها التقليدي. لكن هذه القدرات لا تكفي وحدها لجني ثمار التحوّل الرقمي بكل مزاياه، بل يجب أن تستثمر المؤسسات أيضاً في تطوير مرونة إجراءات العمل، وتستلزم غرس ثقافة تشجّع على التجريب المتكرر على نطاق واسع.
التكنولوجيا. يعد الاستثمار في التقنيات التكنولوجية الصحيحة أمراً مهماً بطبيعة الحال، لا سيما في عناصر رحلة الذكاء الاصطناعي: تكنولوجيا منصة البيانات وهندسة البيانات وخوارزميات تعلم الآلة وتكنولوجيا نشر الخوارزميات. ويجب أن تضمن الشركات سهولة استخدام التكنولوجيا وإتاحتها للكثير من الموظفين غير التقنيين المشاركين في جهود الابتكار.
البنية المؤسسية. يعد الاستثمار في البنية المؤسسية والتكنولوجية أمراً ضرورياً لضمان عمل القدرات البشرية والتكنولوجية بشكل متآزر لتعزيز الابتكار. ويتطلب ذلك توافر بنية مؤسسية لكل من التكنولوجيا والمؤسسة نفسها، بحيث تستطيع دعم مشاركة البيانات ودمجها وتطبيعها (مثل مراعاة الاتساق في تعريفات البيانات وخصائصها) عبر الصوامع المنعزلة بمفهومها التقليدي. هذه هي الطريقة الحقيقية الوحيدة القابلة للتطوير من أجل حشد الأصول التكنولوجية والبيانات الضرورية وإتاحتها لقوة العمل المشتَّتة جغرافياً.
ويحقق الكثير من الشركات الكبيرة تقدماً ملموساً في كلٍّ من هذه المجالات. ولكن حتى إذا نظرنا إلى الشركات الرائدة، فسنجد أنها قد تستخف بأهمية تشجيع الموظفين على إجراء التحوّل الرقمي في تخصصاتهم وعملهم بدلاً من انتظار مجموعات التكنولوجيا المركزية والمستشارين لإجراء التغييرات المنشودة في العمل. وقد دعا إريك فون هيبل من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لسنوات عديدة إلى ضرورة اضطلاع موظفي الخطوط الأمامية بدور مركزي في هذه الجهود والانضمام إلى الفرق المرنة التي تتشكّل وتنحلُّ بصورة ديناميكية استناداً إلى احتياجات العمل، بوصفهم أقرب العاملين في المؤسسات إلى المستخدمين النهائيين وأفضل مَنْ يستطيع تطوير الحلول التي تناسب احتياجاتهم.
التحول الرقمي يؤتي ثماره
تناولت دراستنا 150 شركة في عدد متنوع من القطاعات، ووجدنا أن نمو الإيرادات ومعدل النمو السنوي المركب بين الشركات الرائدة (الواقعة في الربع الأعلى) في كثافة التكنولوجيا كانا يتجاوزان ضعف الموجودة في الشركات المتلكئة (الواقعة في الربع السفلي).
ولكن الشركات تستخف بأهمية تشجيع الموظفين على إجراء التحوّل الرقمي في تخصصاتهم بدلاً من انتظار مجموعات تكنولوجيا المعلومات لإجراء التغييرات المنشودة في العمل.
بناء كثافة التكنولوجيا
يكشف بحثنا عن كيفية عمل القدرات والتكنولوجيا والبنية المؤسسية معاً لبناء ما نسميه "كثافة التكنولوجيا". وهذا المفهوم مشتق من المفهوم الاقتصادي الذي يُطلَق عليه "الهامش المكثف"، أي مقدار استخدام الموارد أو تطبيقها. وتشير كثافة التكنولوجيا إلى مدى استخدام الموظفين للتكنولوجيا لتعزيز الابتكار الرقمي وتحقيق نتائج العمل المنشودة. وقد توصّل بحثنا إلى أن الشركات التي نفّذت استثمارات جيدة في التكنولوجيا وجعلت الأدوات في متناول أكبر عدد ممكن من الموظفين المهرة في مجال البيانات والتكنولوجيا نجحت في تحقيق مستويات أعلى من كثافة التكنولوجيا والأداء. أمّا الشركات التي فشلت في تطوير القدرات المرتبطة بالتكنولوجيا والبيانات لدى موظفيها ولم توفر فرصة الوصول إلى التكنولوجيا سوى لعدد محدود من موظفيها فقد تخلفت عن الركب.
وحينما حاولنا تصنيف كثافة التكنولوجيا لعدد 150 شركة في دراستنا، وجدنا أن الشركات الواقعة في الربع الأعلى من العينة استطاعت تنمية إيراداتها بأكثر من ضعف سرعة الشركات الواقعة في الربع السفلي. (راجع الشكل التوضيحي "التحول الرقمي يؤتي ثماره"). ووجدنا أيضاً أن مؤشرات التكنولوجيا والقدرات والبنية المؤسسية ترتبط بمقاييس الأداء الأخرى، كالإنتاجية والأرباح ونمو قيمة المؤسسة. وباستخدام تقنية الاقتصاد القياسي المعروفة باسم المتغيرات الآلية، وجدنا أيضاً دليلاً على أن العلاقة بين كثافة التكنولوجيا والأداء كانت علاقة سببية: أي أن زيادة الكثافة (خاصة الاستثمارات في البنية التكنولوجية والمؤسسية) أدت إلى زيادة نمو الإيرادات.
تقسيم التحول إلى مراحل محدّدة
يؤكد تحليلنا أن مجرد إنفاق الأموال على التكنولوجيا لا يؤدي إلى مزيد من النمو أو تحسين مستوى الأداء، بل إننا قد وجدنا في واقع الأمر أن هذا قد يضر العمل حرفياً في بعض الحالات إذا زاد من حدة الانقسامات وعدم الاتساق عبر المجموعات. وبدلاً من ذلك، فإن المناهج الهيكلية والإدارية والمؤسسية للتحول هي التي تفسر على أفضل وجه الفوارق الجوهرية والدائمة بين الشركات. ووجدنا أن الشركات تتقدم عادة خلال 5 مراحل في رحلة التحوّل. (راجع الشكل التوضيحي "مراحل النضج الرقمي").
النموذج التقليدي. ليس من المستغرب أن يتبع الكثير من الشركات ما نعتبره نموذجاً تقليدياً للابتكار الرقمي، حيث يتم توجيه كافة الاستثمارات الرقمية والتكنولوجية إلى قسم تكنولوجيا المعلومات (أو غيره من الأقسام التقنية المتخصصة)، ثم تعمل على نشر النتائج المتحققة بين باقي الأقسام، في الغالب بطرق غير متسقة. وتعمل تكنولوجيا المعلومات مع وحدات العمل لتمويل المشاريع وإدارة تنفيذها لنشر أحد تطبيقات البرمجيات المؤسسية أو تكنولوجيا منصة البيانات، مثلاً. ويتم تخصيص المشاريع وعمليات تنفيذها وفقاً للمتطلبات المحددة للصوامع المنعزلة أو وحدات العمل أو التخصصات. ونتيجة لذلك تعكس التكنولوجيا والبنية التحتية للبيانات بمرور الوقت سلوكيات المجموعات الفردية، دون أي اتساق أو تواصل. ويؤدي هذا النوع من النهج غير المتماسك إلى استحالة مشاركة جهود الابتكار أو توسيع نطاقها أو توزيعها عبر المؤسسة.
ولا يزال الكثير من الشركات التي تتبع النموذج التقليدي تنفق مبالغ كبيرة من المال على تكنولوجيا المعلومات. ولك أن تنظر مثلاً إلى إحدى شركات الخدمات المالية التي تناولتها دراستنا، التي تعد ميزانيتها المخصصة للتكنولوجيا والتحليلات المحوسبة من بين أكبر الميزانيات في القطاع، من حيث القيمة المطلقة والقيمة النسبية. حيث أنفقت الشركة مبالغ طائلة على اقتناء آخر صيحات تقنيات منصات البيانات ووظفت الآلاف من خبراء تكنولوجيا المعلومات وعلماء البيانات الذين يجلسون معزولين في مجموعة منفصلة، بينما يشارك القليل من الموظفين (إن وجد) في جهود الابتكار الرقمي للمؤسسة. وبالتالي تفتقر الشركة إلى البنية المؤسسية والقدرات المطلوبة لتعزيز أية كثافة في اعتماد التكنولوجيا. وليس من المستغرب أن تتعطل جهود الشركة في مجال تكنولوجيا المعلومات وعلوم البيانات، وأن تتأثر أعمال الشركة بهذه الجهود بقدر ضئيل للغاية.
ومن أبرز المؤشرات الدالة على أن الشركة لا تزال في المرحلة التقليدية وجود تفاوت كبير في التصورات النظرية حول التأثير المتحقق بين خبراء التكنولوجيا وموظفي الشركة. حيث يرى خبراء التكنولوجيا أن التأثير مرتفع (قياساً بالجهد الذي يبذلونه في عملهم)، بينما يراه موظفو الشركة تأثيراً متدنياً (قياساً بمدى استفادة أنشطتهم اليومية منه).
نموذج الجسر. للتحرر من القيود التقليدية للصوامع المنعزلة على المستوى المؤسسي والبنية التحتية، تبدأ الشركات عادةً بطرح مشاريع تجريبية تربط بين المجموعات المنفصلة وتطوير البيانات القابلة للمشاركة وأصول التكنولوجيا لتمكين الابتكارات الجديدة. وقد تركز أولاً على فرص وظيفية محددة، مثل تحسين الإعلان أو التصنيع أو قدرات سلسلة التوريد. ولا تعمل هذه الشركات على تجربة التكنولوجيا فحسب، بل تعمل أيضاً على تجريب نموذج مختلف تماماً للابتكار حيث يعمل المسؤولون التنفيذيون والمدراء والعاملون في الخطوط الأمامية بالتعاون مع خبراء تكنولوجيا المعلومات وعلماء البيانات. وقد اضطلع فيكتور بولتو، رئيس قسم الصناعات الدوائية في شركة نوفارتس في الولايات المتحدة، بدور أساسي في طرح المشاريع التجريبية المبكرة (مع التركيز على تحديد المرضى الأكثر عرضة للخطر، على سبيل المثال) وساند الكثير من المبادرات إبان انتقال المؤسسة إلى مرحلة الجسر. ويحب لوري بير، الرئيس التنفيذي للمعلومات على مستوى العالم في بنك جيه بي مورغان تشيس، التحدث عن الأثر الواضح لتجربة الذكاء الاصطناعي لتبسيط إعداد تقارير المصروفات واعتمادها، وهو عبارة عن مشروع تجريبي لتحسين إجراءات العمل استقطب الكثير من الموظفين.
مراكز البيانات والقدرات. أثبت المزيد والمزيد من المشاريع التجريبية نجاح النهج الجديد، ومن ثم فقد أقبلت المؤسسات على إنشاء مراكز البيانات والقدرات وراحت تطوّر تدريجياً القدرة على ربط ودمج التخصصات ووحدات العمل الإضافية بحثاً عن اغتنام فرص التحوّل. ومع تقدمها في هذا المسار، يبدأ القادة في إدراك أن مشكلة الابتكار لم تعد ترتبط بالاستثمار في التكنولوجيا بل تتعلق في المقام الأول بالاستثمار في قوة العمل. ويتمثل أهم العوامل المؤثرة في هذه المرحلة في عدد موظفي الشركة الذين يمتلكون القدرة المعرفية وإمكانية الوصول إلى الإمكانات اللازمة لتعزيز الابتكار الرقمي. وبالتالي يتعين على الشركات الاستثمار في تدريب مجموعة أكبر من الموظفين وتوجيههم.
وتسعى شركة فيديليتي جاهدة لتطوير ما تسميه الأبطال الرقميين. فقد بدأت في بناء المراكز من خلال إنشاء أصول البيانات المركزية (مثل إنشاء بحيرة بيانات على مستوى الشركة)، وتعمل الآن على توسيع نطاق التدريب لآلاف موظفي الشركة، ما يمنحهم القدرة على نشر الحلول الممكّنة رقمياً عبر كافة أقسام الشركة. على سبيل المثال، يعمل خبراء الاستثمار المتمرسون رقمياً وخبراء الضرائب من كثب مع علماء البيانات وخبراء التكنولوجيا لإنشاء حلول مبتكرة مع التركيز بشكل خاص على التخصيص وتحقيق الآثار المصمَّمة خصيصاً بما يناسب العملاء. وقد أنشأوا أيضاً تطبيقاً يهدف إلى إعداد المستثمرين الشباب ودمجهم وتطبيقاً آخر لتقديم توصيات مدعومة بالذكاء الاصطناعي إلى مستشاري شركة فيديليتي الماليين، على سبيل المثال لا الحصر.
النضج الرقمي حسب القطاع
درسنا 150 شركة في عدد متنوع من القطاعات ورسمنا متوسط مستويات القدرات التكنولوجية وبنية التكنولوجيا في كل قطاع. على سبيل المثال، تميل الشركات العاملة في مجال السلع الاستهلاكية المغلَّفة إلى العمل انطلاقاً من المرحلة الأولى من رحلة التحول الرقمي، فيما كانت شركات الطيران والرعاية الصحية تعمل انطلاقاً من مرحلة أكثر تقدماً.
ولا تركز ستاربكس أيضاً على التكنولوجيا والبنية المؤسسية فحسب، بل تركز أيضاً على تطوير مهارات الابتكار واسعة النطاق والمرنة لدى موظفيها لتشغيل مراكزها. ويوضح الرئيس التنفيذي للشركة، كيفن جونسون، هذه النقطة قائلاً: "لقد انتقلنا من مرحلة الفرق الكبيرة التي تعمل في صوامع منعزلة إلى مرحلة الفرق الأصغر ومتعددة التخصصات [في كل الأماكن]، ومن مرحلة تقييم كل فكرة في ضوء النجاح والفشل إلى تكرار التنفيذ العاجل". وهكذا أصبحت ستاربكس الآن قوة ابتكار رقمي، مع تنفيذها لتطبيقات متطورة تتيح للعملاء طلب المنتجات عن بُعد وبرامج الولاء وأنظمة الدفع، إلى جانب الأنظمة الداخلية التي تتيح توزيع العمالة وإدارة المخزون استناداً إلى الذكاء الاصطناعي.
نموذج المنصة. مع دخول الشركات مرحلة المنصات، تندمج مراكز البيانات ضمن أسس برمجية شاملة تتيح سرعة نشر التطبيقات القائمة على الذكاء الاصطناعي. وتركز الشركات على بناء قدرات متطورة لهندسة البيانات وتشجيع إعادة استخدام نماذج تعلم الآلة ودمجها. ويتم تطبيق نماذج التنبؤ القائمة على التحليلات المحوسبة في مختلف أقسام الشركة، مع زيادة التركيز على أتمتة المهمات التشغيلية الأساسية. وبدأت المؤسسات إلى حدٍ ما اقتفاء شركات البرمجيات، من حيث تطوير القدرات الشاملة التي تمكنها من إدارة المنتجات والبرامج وسرعة إجراء التجارب.
وقد مرت شركة مايكروسوفت بكل مراحل هذه الرحلة تقريباً على مدى السنوات الخمس الماضية. فكنا منذ سنوات نعمل بعقلية الصومعة مثل معظم الشركات، حيث تَفصِل كل مؤسسة مختصة بمُنتَج معين بين بياناتها وبرمجياتها وقدراتها. وبعد أن ربطنا بين البيانات وعملنا على تطبيعها وتحويلها من التخصصات والمجموعات المختصة بالمنتجات المختلفة، تمكّنا من نشر الحلول المتكاملة في مختلف المجالات، بدايةً من خدمة العملاء إلى إدارة سلسلة التوريد.
لقد دمجنا كل بياناتنا في بحيرة البيانات الموحَّدة على مستوى الشركة، وعملنا على بناء ما نسميه منصة عمليات الشركة، التي توفر مكونات البرمجيات والتحليلات المحوسبة التي تستخدمها الفرق لتمكين الابتكار في مختلف المجالات، بدايةً من تصنيع منصة ألعاب "إكس بوكس" إلى إدارة الإنفاق على الإعلانات. وقد استثمرنا أيضاً في البرامج التدريبية الموجَّهة للموظفين غير التقنيين، وعزّزنا قدرات التعلم المرتكزة على البيانات وتعلم الآلة في مختلف أنحاء المؤسسة.
اعمل على توجيه موظفيك وتدريبهم على فهم إمكانات التكنولوجيا والبيانات، وأطلق العنان للمبتكرين بين الأفراد المنتمين إلى قوة العمل بشركتك.
نموذج التوطين. عملت أكثر الشركات نجاحاً من بين 150 شركة شملتها دراستنا على نشر نوع مختلف تماماً من البنية التشغيلية، تتمحور حول أصول البيانات المدمجة ومكتبات البرمجيات، وصممناها بطريقة تناسب نشر الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع عبر مجموعة ضخمة وموزعة من التطبيقات. ومن أبرز سماتها المميزة وجود مجموعة من الخبراء المختصين وتوافر أدوات سهلة الاستخدام ويمكن الوصول إليها بسهولة على نطاق واسع والاستثمار في تدريب مجموعات كبيرة من موظفي الشركة وبناء قدراتهم. وتستفيد هذه الشركات من القدرات الرقمية للمواطنين، مثل شركة إير بي إن بي وأوبر، التي تم تصميمها خصيصاً لتوسيع نطاق التحليلات المحوسبة على مستوى الشركة والابتكار القائم على البرمجيات. ومن المؤكد أن إير بي إن بي وأوبر ليستا شركتين مثاليتين في هذا الخصوص، لكنهما تقتربان من مثالية نموذج التوطين.
ولا يزال لدينا الكثير لنتعلمه في مايكروسوفت، ولكننا بدأنا في بعض أقسام المؤسسة من الاقتراب من نموذج التوطين. ولم يكن التقدم يسير بوتيرة واحدة، كما هو شائع في أية مؤسسة. فقد تباينت مستويات القدرات من مجموعة لأخرى، لكن النتائج مشجعة بشكل عام، حيث نرى حلولاً مبتكرة بشكل متزايد للمشكلات الداخلية والمشكلات التي تواجه العملاء. والأهم من ذلك أن نهجنا على مستوى الشركة لفهم البيانات وحمايتها والعمل معها قد تقدم بسرعة الضوء.
الضرورة الحتمية للقادة
تخلق ضرورة التحول الرقمي حتمية الرعاية القيادية، بمعنى احتضان التحوّل الرقمي والعمل على استدامته. ضع استراتيجية واضحة واحرص دوماً على نقلها إلى كافة العاملين. أنشئ بنية مؤسسية يمكنك الاعتماد عليها في أثناء اتخاذ عدد لا يحصى من القرارات اليومية التي تحدد استراتيجيتك التكنولوجية. وانشر عملية حقيقية للحوكمة من أجل تتبع الكثير من المشاريع التكنولوجية الجارية وتنسيقها ودمجها كلما أمكن ذلك. واحرص على مراعاة عنصر المرونة في كافة مبادرات الأعمال التي تلمسها وتؤثر فيها. وأخيراً، تحرر من التقاليد. اعمل على توجيه موظفيك وتدريبهم على فهم إمكانات التكنولوجيا والبيانات، وأطلق العنان للمبتكرين بين الأفراد المنتمين إلى قوة العمل بشركتك.
تنطبق هذه النصائح أيضاً على مزوّدي التكنولوجيا. فعلى الرغم من ضخامة الاستثمارات، لا تزال التقنيات التكنولوجية شديدة التعقيد وغالباً ما يكون استخدامها ونشرها صعباً للغاية. ومن ثم فنحن بحاجة إلى أدوات وتكنولوجيا تجعل قيادة التحول أمراً بديهياً للعاملين في الخطوط الأمامية مع الحفاظ على أمان البيانات. ودعونا لا ننسى أن الكثيرين منا كانوا يعتمدون حتى وقت قريب على المتخصصين في لغة برمجة فورتران وكوبول لنمذجة مشاكل الأعمال وحتى لأداء العمليات الحسابية الأساسية. وقد أحدثت جداول البيانات ثورة في النمذجة الرياضية، ونريد من مزودي التكنولوجيا أن يُحدثوا ثورة مماثلة في الذكاء الاصطناعي وجعل استخدام تطبيقات تعلم الآلة في مثل سهولة إنشاء الجدول المحوري.
الزخم آخذ في الازدياد، لكن يجب علينا مواصلة بذل الجهود لضمان قدرة الشركات في جميع المجالات على تخطي الفجوة الرقمية.