تابع أخبار كوفيد-19 لمدة 10 دقائق على تويتر وستجد أرقاماً محدثة ونقاشات صاخبة (وغاضبة أحياناً) حول ما تعنيه كل البيانات التي نصادفها، خاصة مع ثبوت صعوبة تحديد مدى تفشي عدوى الفيروس ومعدل الوفيات نتيجة الإصابة به ومدى فاعلية مختلف جهود التخفيف من تداعياته ولماذا تختلف أنماط العدوى والوفيات وتكرار ظهورها من منطقة لأخرى.
لا يمكن اعتبار الافتقار إلى اليقين بهذه الصورة أمراً مفاجئاً على الإطلاق، فهو مرض جديد على كل حال وما زلنا في طور التعرف عليه في ظل ظروف مفعمة بالضغوط الرهيبة، علاوة على ذلك، تتباين قدرات الفحص الطبي وأنظمة الرعاية الصحية تبايناً جذرياً من منطقة لأخرى، ويمكن لهذه العوامل وحدها أن تفسر الكثير من التفاوت الذي نشهده.
وعلى الرغم من ذلك فإن علماء الأوبئة وغيرهم من الخبراء يواجهون القضايا نفسها التي تعتري أي مشكلة تخص التحليلات المحوسبة للبيانات، والحق أن جمع البيانات وتحليلها ليس بالمسألة البسيطة في أغلب الأحوال لأنك ستحتاج إلى اتخاذ قرارات تقديرية صعبة في كل مرحلة، والقرارات التي تتخذها بشأن ثلاثة عوامل، متمثلة في الأطراف التي يجب تضمينها في قاعدة بياناتك والوزن النسبي الذي يجب إعطاؤه لمختلف العوامل عند تمحيص السلاسل السببية وكيفية الإبلاغ عن النتائج، سيكون لها أبلغ الأثر على النتائج التي تتوصل إليها، وباتخاذ القرارات الصحيحة يمكن إنقاذ الأرواح في أزمة الرعاية الصحية الحالية وتحسين مستوى الأداء في أوساط العمل الأقل قسوة.
من يجب إخضاعه للفحص الطبي؟
قد يتم الاكتفاء بإجراء الفحوصات الطبية للمرضى ذوي الحالات الخطيرة أو حتى هؤلاء الذين قضوا نحبهم بالفعل، وهذا هو أسهل الحلول في حالة الإصابة بأمراض غير معروفة. (وقد لا يكون هناك أي خيار آخر في المناطق التي لا تتوافر بها أجهزة فحص كافية)، وفي حين أن هذا أسهل نهج فإنه يزيد للأسف من معدل الوفيات المتوقعة. لنفترض أن هناك 10 مرضى ذوي حالات خطيرة وسيقع من بينهم مريض واحد ضحية للمرض، فسوف نسجل عندئذ معدل وفيات بنسبة 10%، ولكن إذا كان لدينا 100 مصاب وكان 90 منهم يعانون من أعراض خفيفة (أو لم تظهر عليهم الأعراض على الإطلاق)، فإن معدل الوفيات الفعلي سيكون 1%، لكنك لن تعرف هذه المعلومة ما لم تجر فحوصات طبية على نطاق أوسع، وبالتالي فإن الدرس المستفاد هو: الاكتفاء بدراسة الحالات الأكثر وضوحاً يجعل الفيروس يبدو أسوأ مما هو عليه في الحقيقة، ويطلق الإحصائيون على هذه الظاهرة "تحيز الاختيار في أخذ العينات".
قد ترتكب الشركات الخطأ ذاته بسهولة، لنفترض مثلاً أن إحدى المؤسسات تريد معرفة السبب وراء زيادة المبيعات، فيرى مدير التسويق أن الفضل يرجع إلى الحملة الإعلانية الجديدة، من المغري في هذه الحالة التركيز على النتائج التي يسهل قياسها باسم الكفاءة، ولكن لنفترض أننا إذ نحاول دراسة كل العملاء الجدد الذين يفدون إلى متجرنا أو يزورون موقعنا الإلكتروني اكتشفنا أن نصفهم شاهدوا إعلاننا قبل الشراء منا، وبالتالي فقد نستنتج الآن أن معدل التحويل لإعلاننا يبلغ 50%.
لكن ماذا عن جميع الأشخاص الذين شاهدوا الإعلان ولم يأتوا إلى متجرنا أو يزوروا موقعنا الإلكتروني؟ إذا احتسبنا هؤلاء، فسيكون معدل تحويل العملاء أقل بكثير. وهكذا، لم يتضمن تحليلنا هؤلاء الأشخاص كمرشحين للاختبار لأن تضمينهم كان أكثر تكلفة وأكثر صعوبة، غير أن تداعيات الخطأ في معدل التحويل هائلة على مخصصات الميزانية ومن ثم العائد على الاستثمار، تماماً كما أن فهم كلّ من معدلات الإصابة بمرض كوفيد-19 والوفيات الناجمة عنه له تداعيات هائلة على السياسات المرتبطة بالصحة العامة في المستقبل.
الحل: لا تكتف بأخذ العينات المريحة وبناء النتائج على أساسها، واعمل على توسيع نطاق الدراسة بحيث تشمل مجموعة أكثر تمثيلاً، وإن كان هذا يعتمد بطبيعة الحال على التكاليف والموارد المتاحة.
ما مقدار الوزن الذي يجب أن نعطيه للعوامل المختلفة عند تفسير البيانات؟
يكمن التحدي الثاني في تحديد الأثر النسبي لأحد العوامل على النتيجة النهائية. لنفترض مثلاً أن مسؤولي الصحة العامة يحاولون فهم العوامل الأكثر تأثيراً على نتائج فحوصات المرضى في الوباء الحالي، لكن تحديد هذه العوامل ليس بالأمر السهل أو الهين نظراً لوجود العديد من العوامل المساهمة المحتملة: كالعمر، والإصابة بأمراض مزمنة كأمراض القلب أو السكري، وقوة الجهاز المناعي، وتوقيت التدخل، والوضع العام لمقدمي الرعاية الصحية وما إن كانوا مصابين بالإرهاق من عدمه، على سبيل المثال لا الحصر. يصعب الإجابة عن هذه الأسئلة، حيث لا يمكن ملاحظة أو قياس أثر العديد من العوامل الحاسمة وتفاعلاتها بصورة مباشرة.
وتواجه الشركات معضلات مماثلة طوال الوقت، فإذا عدنا إلى المثال السابق الذي يتحدث عن ارتفاع كبير في المبيعات، فقد يرى مدير التسويق أن الفضل يرجع إلى الحملة الإعلانية الجديدة التي دافع عنها باستماتة، ولكن ربما تحقق هذا الارتفاع في المبيعات بسبب التعديلات الأخيرة على تصميم الموقع الإلكتروني أو بسبب تغيير الأسعار أو وجود موهبة جديدة في فريق المبيعات أو لأن أحد المنافسين الرئيسيين ارتكب خطأ فادحاً، أو بسبب مزيج من هذه العوامل (وهو الاحتمال الأرجح)، وهكذا يستحيل معرفة الحقيقة على وجه اليقين.
الحل: نحتاج إلى أسلوب علمي يميز بين إسهام العوامل الفردية ويعزلها على النحو المتبع في التجارب المنضبطة باستخدام عينات عشوائية (التجارب)، ويمكن عادة استخدام التجارب التي تختبر أهمية التغييرات الصغيرة المستقلة في أوساط العمل، بيد أن ذلك لن يكون ممكناً في حالة الأوبئة (على الرغم من ظهور تجارب بصورة طبيعية مع تباين منهجيات إدارة الأزمة من دولة لأخرى).
كيف يمكن الإبلاغ عن النتائج؟
بعد الانتهاء من جميع الحسابات والتقديرات، يحتاج المحللون إلى تحديد كيفية الإبلاغ عن نتائجهم، وغالباً ما تؤثر أساليب الإبلاغ عن النتائج على التصورات المرتبطة بمدى سوء أو جودة الموقف.
فقد عرض العديد من أصحاب المصلحة أرقام الإصابة بالوباء بطرق متباينة أشد التباين، ورأينا الكثير من وسائل الإعلام تبلغ عن إجمالي حالات الإصابة وتقارن منحنيات نمو الفيروس بطريقة توحي بأن بعض الأساليب أنجع من غيرها أو لانتقاد سياسات الحكومة. ولكن هل من العدل مقارنة ظهور 100 إصابة في الولايات المتحدة مع 100 إصابة في سنغافورة؟ إذ يبلغ عدد سكان الولايات المتحدة أكثر من 320 مليون نسمة في حين أن عدد سكان سنغافورة لا يتجاوز 5.6 مليون نسمة، لذا يجب دائماً رؤية الأرقام المطلقة في سياقها الحقيقي، وبمجرد تعديل حالات الإصابة بمرض كوفيد-19 لعدد السكان ستبدو الأرقام مختلفة تماماً، وفي الوقت نفسه، يمكن أن يكون الاكتفاء بعرض الزيادات النسبية مضللاً، فالزيادة بنسبة 50% في الأرقام له دلالة مختلفة جداً على بلد يعاني من وجود حالتي عدوى مقارنة بدولة بها 10,000 حالة معروفة.
يمكن عرض نتائج الأعمال بصورة مختلفة اعتماداً على التقارير أيضاً. تخيل أن لديك فرصة للاستثمار في شركتين مختلفتين تسجل إحداهما نمواً في الإيرادات بنسبة 20% بينما سجلت الشركة الأخرى نمواً بنسبة 10% فقط، وكما هو الحال مع مثال أرقام العدوى يمكننا أن نرى كيف يمكن أن يكون معدل النمو مضللاً إذا لم يُؤخذ إجمالي عدد المنتجات المباعة بعين الاعتبار، ذلك فإن زيادة المبيعات بنسبة 10% أسهل كثيراً إذا كنت تبيع 10 منتجات فقط مقارنة ببيع 10,000 منتج في الشهر (مع تساوي العوامل الأخرى)، وبالمثل، فإن الإبلاغ عن أرقام إجمالي المبيعات وحده (بدون نقطة مرجعية) قد لا يوفر مقارنة عادلة أيضاً.
الحل: اعمل دائماً على تقديم مقاييس متعددة، أو طلبها، خاصة الأرقام المطلقة والنسبية لفهم السياق الكامل للموقف، يمكن أن تتمثل هذه المقاييس في "إجمالي زيادة المبيعات" و"زيادة النسبة المئوية" والمقارنات الإقليمية عاماً بعد عام