لتعزيز ثقتك بنفسك، سواء على المستوى الشخصي أو في الشركة أو المجتمع أو العائلة أو الفريق، ابدأ بفهم العوامل التي تقوّض الثقة. لا طائل من القرارات إذا كنت تفتقر إلى الثقة بالنفس والإيمان بقدراتك على الالتزام بها.
تنشأ الثقة من إيمانك بتحقيق نتيجة إيجابية. هي ليست سمة شخصية، بل تقييم للموقف الذي يحفز الدافع. إذا كنت واثقاً من نفسك، فسيكون لديك حافز أكبر لبذل الجهد واستثمار الوقت والموارد والاستمرار في المثابرة حتى تحقيق أهدافك. مع ذلك، فالثقة بالنفس ليست بحد ذاتها ما يؤدي إلى النجاح، بل الالتزام والعمل الجاد. يمكن أن يسبب الافتقار إلى الثقة الاستسلام مبكراً أو عدم اتخاذ إجراء على الإطلاق، فمشاعر اليأس والقنوط تعوقك عن اتخاذ أي إجراء إيجابي.
لكي تكتسب الثقة اللازمة للسعي نحو تحقيق أهدافك، تجنب هذه المزالق الثمانية:
الافتراضات التي توهن الذات
عندما تقنع نفسك بأنك غير قادر على تحقيق شيء ما، تتقاعس عن العمل أو المحاولة. على سبيل المثال، شعرت عداءة أولمبية بريطانية بالإحباط الشديد عندما ارتكبت خطأ أدى إلى خسارتها المنافسة، ما هز ثقتها بنفسها لدرجة أنها قررت عدم المشاركة في المنافسة التالية. وبالمثل، قد يفترض أفراد فريق الشركة أن قائداً عالمياً مشهوراً يتمتع بمكانة رفيعة جداً تجعل الوصول إليه مستحيلاً، لذلك يحجمون عن دعوته للتحدث في المناسبة التسويقية التي ينظمونها لعملاء الشركة. في بعض الأحيان، تحد النساء الموهوبات من فرصهن المهنية قبل الأوان مفترضات أنهن لن يترقين أو ينجحن بعد أحداث معينة، مثل إنجاب الأطفال، على حد تعبير شيريل ساندبيرغ، لذلك يبدأن التصرف كما لو أنهن سيتركن حياتهن المهنية قبل وقت طويل من تركها فعلياً، ما يحدُّ من فرصهن المستقبلية. هناك فرق بين امتلاك رؤية واقعية لقدراتك وتبنّي عقلية انهزامية قبل مواجهة التحدي.
تحديد أهداف كبيرة جداً أو بعيدة المنال
غالباً ما يعبر القادة مراراً وتكراراً عن رغبتهم في تحقيق أهداف جريئة وكبيرة، لكن التركيز على الأهداف الكبيرة فقط يمكن أن يقوّض الثقة في الواقع، إذ يمكن أن تكون الفجوة بين هذه الأهداف والواقع كبيرة جداً ومحبطة ومثبطة للهمم. في الواقع، تُبنى الثقة من خلال مكاسب صغيرة متسقة تقربك تدريجياً من تحقيق الهدف الأكبر، ولكن يجب تقدير الخطوات الصغيرة واعتبارها أهدافاً بحد ذاتها. يفكر الأفراد الناجحون في الأهداف الصغيرة والكبيرة معاً.
إعلان النجاح قبل الأوان
هذه مشكلة شائعة يواجهها من يتبع حميات غذائية: يخسر أول بضعة كيلوغرامات، ثم يشعر بالإنجاز لدرجة أنه يكافئ نفسه بتناول كعكة كبيرة من الشوكولاتة مثلاً، وعندما يكتسب الوزن مرة أخرى، يشعر بالإحباط الشديد فيتناول مزيداً من الكعك ليرفع معنوياته. لقد رأيت هذا النمط في فريق كرة قدم جامعي بعد أن أنهى سلسلة هزائم استمرت 9 سنوات. بعد الفوز بالمباراة الأولى منذ نحو عقد من الزمن، أعلن أحد أعضاء الفريق على الفور أن فريقه سيفوز بالبطولة الآن. بالطبع، كان عليهم الفوز في المباراة التالية أولاً وهو ما فشلوا في تحقيقه. باختصار، تُبنى الثقة من خلال التقدم المنضبط الذي يُنجز خطوة بخطوة.
محاولة إنجاز كل شيء بنفسك
من المزالق الاعتقاد بأنه يمكنك النجاح بمفردك دون شبكة دعم أو دون مساعدة الآخرين. على سبيل المثال، غالباً ما يكون هناك لاعبون مميزون في الفرق الخاسرة، ولكنهم يركزون على إنجازاتهم الفردية الخاصة، وليس على جودة أداء الفريق بأكمله، ما يخلق التفاوتات ويثير الاستياء والصراعات الداخلية التي تديم النتائج السيئة للفريق. ينطوي بناء الثقة بالنفس على مساعدة الآخرين على تعزيز ثقتهم بأنفسهم أيضاً، ويمكن تحقيق ذلك من خلال إنشاء بيئة تسودها ثقافة تساعد على نجاح الجميع، من خلال اتخاذ إجراءات مثل التوجيه، أو تقدير مواطن قوة الآخرين. يظهر العديد من الدراسات البحثية أن مساعدة الآخرين تعزز السعادة وتقدير الذات، ويمكن أن يزيد تقديم الدعم للآخرين احتمالية الرد بالمثل على هذا الدعم.
إلقاء اللوم على شخص آخر
تعتمد الثقة على تحمل الفرد المسؤولية عن سلوكه، ولدى المرء القدرة على تحديد استجابته حتى في الظروف الصعبة. تؤدي الشكوى من أخطاء الماضي أو الخوض فيها إلى إضعاف ثقة الفرد بقدرته على تحقيق الأهداف المستقبلية. إذا انتشرت ثقافة إلقاء اللوم على الآخرين داخل الشركات، فستؤدي إلى تآكل الثقة لدى المعنيين جميعهم، بمن فيهم أصحاب المصالح الخارجيون. تتعلق الثقة في نهاية المطاف بالقدرة على ترك الماضي وراءك والمضي قُدماً.
التصرف الدفاعي
هناك فرق بين الرد على النقد بعد تلقيه والدفاع عن النفس استباقياً قبل تلقي أي انتقاد. تجنب الدفاع عن النفس غير الضروري عندما لا تتعرض للنقد أو الهجوم. اعتذر عن أخطائك، ولكن تجنب الاعتذار عن هويتك وطبيعتك الشخصية، بل افتخر بأصولك واستفد من مواطن قوتك للتغلب على الانتقادات والتحديات.
التغاضي عن العقبات المحتملة
ترتكز الثقة على الواقعية. لا تعني الثقة التفاؤل الأعمى بأن كل شيء سوف يسير دائماً بسلاسة مهما حدث، والثقة الحقيقية تنبع من إدراك حتمية الأخطاء والتحديات والخسائر الصغيرة في الرحلة نحو تحقيق النجاحات الكبرى، وحتى الفرق الرياضية الفائزة غالباً ما تتأخر في مرحلة ما من المنافسة. تتعزز الثقة عندما تتوقع المشكلات المحتملة وتفكر في حلول بديلة وتشعر بالاستعداد لأي احتمال.
الثقة المفرطة
الثقة هي نقطة التوازن بين اليأس والغرور؛ لا تدع ثقتك بنفسك تتحول إلى غرور. يمكن أن يكون الإفراط في الثقة بالنفس ضاراً في سياقات مختلفة، فالثقة المفرطة هي آفة الأنظمة الاقتصادية (على سبيل المثال، التفاؤل المفرط الذي أدى إلى الأزمة المالية العالمية)، أو قد تكون سمة للقادة الفاسدين -الذين يفترضون أنه لا يمكن الاستغناء عنهم لدرجة أنهم لن يحاسبوا على أفعالهم غير الأخلاقية، مثل التلاعب في حساب النفقات- أو الأفراد الذين يتصرفون بغرور ويشعرون بأنهم يستحقون النجاح دون بذل الجهد. يمكن أن يؤدي الغرور والقناعة بالوضع الراهن إلى إغفال المبادئ الأساسية وتجاهل الانتقادات والتعامي عن قوى التغيير، وهو مزلق يمكن أن يقع به كل من الشركات والأفراد على حد سواء. يقول المثل القديم إن الغرور يودي بصاحبه، ولا شك في أن الانزلاق إلى سلسلة من الخسائر غالباً ما يأتي بعد سلسلة من الانتصارات، وبعبارة أخرى، غالباً ما ينخفض الأداء بعد الثقة المفرطة غير المبررة. يمكن أن يكون القليل من التواضع مفيداً في تحقيق التوازن بين الغرور والحفاظ على مستوى مناسب من الثقة.
تذكّر أنه لا يكفي أن تشعر بالثقة فحسب، بل عليك أن تبذل جهداً. ولكن عندما تؤمن بالنجاح، يمكنك استكشاف الفرص وتكوين شراكات جديدة والإسهام في الإنجازات الجماعية والاستمتاع بالمكاسب الصغيرة التي تقودك تدريجياً نحو أهداف أكبر.