عزّز المعرفة العميقة في مؤسستك وحافظ عليها

4 دقائق

يدرك أفضل القادة أن نجاح أعمالهم الحالية وأي نشاط ابتكاري في المستقبل يعتمدان على سعة المعرفة والإبداع التي يمتلكها موظفّوهم، وعلى المعرفة المهمة في مجال الأعمال المبنية على الخبرة التي يمتلكها هؤلاء الموظفين.

إنّ القادة ممن يمتلكون شغفاً في تطوير مهارات موظّفيهم، والقادة الذين يفهمون الحاجة إلى انتقال المعرفة من جيل إلى جيل بين الموظفين، يعلمون جميعهم مدى أهميّة الربط بين المعرفة المكتسبة من التعليم الداخلي وبين التخطيط الاستراتيجي.

خذ مثلاً شركة إي واي بي (EYP) المختصّة بالهندسة والعمارة. ليلى كمال نائبة الرئيس في مجال الخبرة والتصميم ليست مرؤوسة من المدير التنفيذي فقط، بل هي عضو في مجلس الإدارة. تجلب ليلى بصفتها مهندسة معمارية قدراً كبيراً من الموثوقية للبرامج التعليمية وبرامج التبادل المعرفي وتزيد من ظهورها.

انخرط 16 مهندساً معمارياً في أحد برامج التعليم الداخلي الذي يُدعى A16، واستمر لمدّة 16 أسبوعاً من التدريب المكثّف، وكان يخضع للإرشاد المعرفي من قِبل مهندسين معماريين واسعي الخبرة.

تطوّر المفهوم التعليمي الذي بُني في ذلك البرنامج ليصبح برنامجاً تعليمياً أكبر يُدعى "جامعة EYP"، التي تقدّم بدورها ما معدّله 20 دورة تدريبية في السنة للمعماريين والمهندسين ومزيجاً منهما معاً.

جمع المدرّسون في طريقة التعليم بين المحاضرات التقليدية والأنشطة العملية (التطبيقية)، التي تشمل إشراك المنتسبين في تحديات عن طريق إعطائهم مشاكل صعبة لحلّها قبل أن يطلعونهم على الحلول.

هذا الأسلوب في التعليم يتجلّى فيما أطلق عليه الباحث في مجال التعليم روبرت بورك اسم "الصعوبة المرغوبة"، حيث يُلزم المشتركين بالانخراط الذهني الكليّ في المشاكل ليكتشفوا الحلول غير الجليّة بها.

يجب على القادة من روّاد الفكر الأعلى مرتبة والذين يعملون كمرشدين في جامعة EYP أن يقدّموا خطة تعليمية لطلابهم ويصفون فيها الأهداف المطلوبة ويشرحون لهم المهام المحددة التي ينبغي للمتدربين أن يؤدّونها، مثل تقديم العروض التقديمية للعملاء.

ويقيّم المتدرّبون بدورهم أداء مرشديهم ومدربيهم على صعيد مهاراتهم التوجيهية والإرشادية أو قدراتهم في التعليم ومشاركة المعرفة من خلال منهاج EYP U.

إضافة إلى ذلك، يتبادل المبتدئون وذوو الخبرة الأدوار في الإرشاد والتعليم. فعلى سبيل المثال، يمتلك الموظّفون الجدد معرفة حول نمذجة معلومات البناء التي حصلوا عليها من تعليمهم الأكاديمي، ويمكنهم نقل هذه المعرفة إلى الخبراء من المصممين والمعماريين حتّى يتمكّنوا من إدراج معرفتهم العملية في البرمجيات.

تقدّم EYP الدعم للمشاريع البحثية الداخلية التي يقدّمها الموظّفون بعد أن يجري اختيارها ضمن عملية تنافسية. يحصل ذلك على الرغم من حجم الشركة الصغير نسبيّاً، إذ يبلغ عدد موظّفيها 600 موظّف.

تسعى مشاريع توليد المعرفة هذه، التي تهدف دائماً لإيجاد حل لتحدٍّ ما يواجه العملاء، إلى مساعدة شركة EYP على التميّز عن منافسيها.

فعلى سبيل المثال، يركّز أحد هذه المشاريع على العلاقة التفاعلية بين الخصائص الوظيفية للمبنى ومدى الرفاه المعيشي ومستوى الإنتاجية لقاطنيه.

يهدف مشروع آخر إلى خلق بيئة مرنة يمكن تعديلها كاستجابة للمعلومات المجمعة بواسطة الحسّاسات المثبّتة حول المبنى المخصّص لتسجيل كيفية  استخدام الناس لمساحة محدّدة. على سبيل المثال، يمكن رفعها درجة حرارة الغرفة وإضاءتها أو خفضها حسب عدد الأشخاص الموجودين بها وحسب النشاط الذي يقومون به، مثلاً هل يحضرون عرضاً تقديمياً لعرضه أو هل يقرؤون وهكذا.

هناك مثال نقيض للمثال المذكور، وهو خاص بمؤسسة يقول أحد المدراء فيها: "أعتقد أنّنا جيّدون جدّاً في إدارة المعلومات، ولكننا لسنا جيدين جدّاً في إدارة المعرفة". ملاحظته هذه ذكية جداً، لأن المعرفة تختلف عن المعلومات، فالمعرفة تعتمد ولو جزئيّاً على الخبرة.

تركّز المؤسسات النشطة في مجال تدفّق المعرفة وتناقلها على مجموعة متعددة من المكونات التي قد تكون رئيسة في النجاح المستقبلي مثل:

الحفاظ على نهج يعتمد على الخبرة في معرفة كيفية تأدية الأعمال. لا يقتصر ذلك على المعرفة التقنية بل يتضمن كذلك ما يعرف بالمهارات الشخصية، مثل إدارة المشاريع والحفاظ على العلاقات المهمّة سواء داخل المؤسسة أم خارجها، وهي علاقات بُنيت على مدى سنوات ولم تنشأ بين ليلة وضحاها. على سبيل المثال، العديد من أفضل العاملين في مجال المبيعات يعرفون العملاء شخصيّاً، والخبراء المختصون يعرفون آخرين في مجالهم. تسهّل مثل هذه العلاقات المبنية على الثقة التواصل وتسرّع عمليّة اتّخاذ القرارات.

مساعدة المدرّبين والمرشدين على نقل خبراتهم بطريقة أكثر فاعلية ومساعدة المتدرّبين على التعلّم بكفاءة أعلى. المدرّبون والمرشدون قادرون على التعليم من خلال طرح المشاكل وأساليب التشخيص العملية بدلاً من أسلوب المحاضرات والعروض التقديمية. كما يمكن للموظّفين الجدد التعلم بكفاءة أعلى من خلال حفظ "سجلّات التعلم" التي توثق ما اكتسبوه من خبرات بحيث تكون مرتبة زمنياً، وعن طريق جلسات التقويم مع مدرّبيهم ومرشديهم.

تشجيع الإرشاد والتدريب المعاكس من الموظفين الجدد إلى الموظّفين الأقدم. مثل أن يعلّم الموظفون الجدد زملاءهم الأكثر خبرة كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

خلق معرفة جديدة. من خلال إجراء البحوث والمعايير القياسية المرجعية أو تعيين فنانين وعلماء مقيمين، حيث يساعد تفاعلهم مع الموظّفين على تحفيز الإبداع.

يعد الاهتمام بمعرفة كيفية تأدية الأعمال أمراً أساسياً في الحفاظ على قدرات الشركة الرئيسة، فهذه الابتكارات الفريدة من نوعها في مجالات التسويق والعمليات والمالية والتكنولوجيا أو المجالات الأخرى، ليس من السهل على المنافسين محاكاتها وتقليدها.

إن الموظّفين الرئيسين في مختلف المستويات داخل المؤسسة هم المسؤولون عن مثل هذه القدرات، كما أنّهم يمتلكون أكبر قدر من معرفة كيفية تأدية الأعمال. ولهذا السبب يمكن أن تمثّل إدارة المعرفة تحدّياً أكبر من إدارة المعلومات.

أمّا العائق الأكبر الذي يقف أمام إدارة المعرفة فهو قلّة الوقت. فكلّما كانت معرفة كيفية تأدية الأعمال تشغل حيّزاً في ذهن الخبير أو المدير صاحب الخبرة أكثر، يقل الوقت المخصص لنقل هذه المعرفة إلى مرؤوسيهم والمرشحين لشغل مكانهم في المستقبل.

مثل هؤلاء الأفراد أصحاب القيمة للمؤسسة كثيراً ما يُدفعون للاشتراك في كل اجتماع مع عميل مهم، أو جلسة لحل مشكلة ما، أو مشروع ابتكاري.

الطريق الوحيد أمام القادة للحفاظ على الأفراد الأكثر ذكاء وإبداعاً هو تحديد هذا العائق وإدراكه. وهذا يتطلب من القادة تحديداً إلى:

  • الحفاظ على ربط معرفة كيفية تأدية الأعمال الرئيسة باستراتيجية الشركة.
  • التصرّف وكأن تطوير المعرفة والحفاظ عليها مهمة بالفعل. فالقادة الذين يمضون وقتاً في التدريس في البرامج التعليمية أو حتّى يطلقونها يقدّمون دليلاً ملموساً على الجديّة في إدراك أهمية المعرفة.
  • دعم الحوافز ضمن المؤسسة. وهي حوافز تأخذ بعين الاعتبار الخبرات الحالية وتشجع مشاركتها في الوقت نفسه.

إذا لم يُظهر القادة أن تطوير المعرفة والحفاظ عليها هي أولوية بالنسبة لهم، فلا يمكنهم أن يتوقّعوا من المدراء الأدنى درجة منهم أن يقدّموا الحوافز والوقت والموارد المخصصة لمشاركة المعرفة، وبالتالي الحفاظ عليها عبر أجيال الموظّفين في الشركة، وفي مختلف المواقع الجغرافية التابعة لها، ومشاركتها أيضاً مع الصوامع المنعزلة بالشركة (الموظفين الذين لا يتشاركون المعرفة مع زملائهم).

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي