عرّاف الاستثمار الجريء فهد الشارخ: أبحث عن رونالدو بعمر الـ 17

13 دقيقة
فهد الشارخ

في عام 2012 جلس الشاب الكويتي فهد الشارخ مع مجموعة من المستثمرين الكبار في دول الخليج العربي. وفي هذه الجلسة راهن فهد على شركة أميركية ناشئة كانت قيمتها 3 مليارات دولار، وتوقع بأن تبلغ قيمتها 50 مليار خلال عشر سنوات.

وعلى الرغم من التقدير الذي يكنّه الحاضرون لفهد الشارخ بن محمد الشارخ، الرجل الذي أسس شركة "صخر" أول شركة عربية تقوم بتعريب الكمبيوتر وتهتم بتعريب منتجات التكنولوجيا وكانت تعتبر من أكبر موزعي المنتجات الإلكترونية في منطقة الخليج، فإن 80% من الحاضرين كما يقول فهد "اتهموني بالجنون"، بينما اقتنع بأفكاره من الحاضرين 10% فقط، وقرروا منحه المال ليشاركوه في أول صندوق استثماري كان يخطط لإنشائه. بعد هذه الجلسة التي كان فيها فهد يقوم بإقناع أصحاب رؤوس الأموال بأن الدخول في صناديق الاستثمار هو أمر لا بد منه لتنويع سلالهم الاستثمارية، خرج بأول تعهد مباشر من الحاضرين القلة الذين آمنوا به بضخ 20 مليون دولار.

كانت هذه الشركة الصغيرة الصاعدة التي راهن عليها الشارخ هي "أوبر"، والتي ربما لم يكن الكثيرون قد سمعوا عنها من قبل في تلك الفترة، بمن فيهم بعض الحاضرين لهذه الجلسة. هذه المعلومة التي تحتوي توقعات خبير يحسب قراءاته لتوجهات السوق بالأرقام، كانت بمثابة ورقة لعبها فهد الشارخ أمام هذا الوفد من أشخاص لديهم وصول إلى الثروات والصناديق السيادية والشركات العائلية والاستثمارية، ممن يُطلق عليهم (Capital Allocators). لقد كانت هذه الورقة التي رماها الشارخ أمام الحضور قد لفتت أنظار 10% من الحاضرين إليه باعتباره محترفاً في لعبة مهمة، وهي الاستثمار الجريء.

لم يكن فهد عرّافاً تقليدياً في لعبة توقع مستقبل الشركات الناشئة، لكنه يمتلك مهارة بناها عبر تربية عائلية جعلته من "المتبنين الأوائل للتكنولوجيا"، وقادراً عبر الخبرة العلمية والعملية على التقاط توجهات المستقبل ومسارات الوصول إلى أصحاب القرار. ليصبح لاحقاً الرجل الذي تطلق عليه منصة "إنفورميشن" التي تغطي أخبار وادي السيليكون ومستثمريه لقب صانع الصفقات (Dealmaker). فقد قاد فهد الشارخ أول صناديقه الاستثمارية الذي بدأه بالعشرين مليون التي أقنع بها مجموعة من المستثمرين الخليجيين، ثم انتقل إلى عقد صفقته الثانية ثم الثالثة وصولاً إلى عام 2015 عندما أسس شركة "تك إنفست" التي جمع فيها خبرته من أخطائه ونجاحاته، حتى وصل مجموع صفقات تك إنفست إلى أكثر من 750 مليون دولار تستثمر في مراحل التمويل الأولي لشركات ناشئة متنوعة.

ثم برز اسم هذا الرجل الذي يقود صندوقاً استثمارياً آخر عرف باسم جيداي (JEDI) متخصصاً في اقتناص الاستثمارات المربحة ضمن الشركات الصاعدة في وادي السيليكون. هذا الصندوق الذي بدأ بمحفظة 50 مليون دولار، استطاع الاستثمار في عشرات الشركات المليارية "يونيكورن" والتي يصعب الوصول إليها أو التعرف إليها مبكراً. كما اتبع فلسفة خاصة بالاستثمار في صناديق استثمارية جريئة يديرها مدراء صاعدون جدد في وادي السيليكون، وهي فلسفة يلخصها فهد الشارخ بعبارة بسيطة، بأنها "تشبه الاستثمار في رونالدوا عندما كان عمره 17 عاماً". فما قصة مسيرة هذا الرجل؟ وفلسفة الاستثمار في رونالدو الصغير؟ وماذا نتج عنها؟ وكيف يحضّر فهد الشارخ الآن لصندوق جيداي 2؟ وما هي توجهاته؟

في جلستي المطولة مع فهد الشارخ، ذلك الشاب الذي درس التمويل في جامعة نورث إيسترن الأميركية، وعمل مباشرة بعدها في وول ستريت عام 1994، في الوقت الذي حدث فيه صعود شركات مثل نتسكيب وياهو، ومن ثم حدوث ما يسمى فقاعة "الدوت كوم". عاصر فهد الشارخ في الولايات المتحدة الأميركية الطرح الأولي لكبريات شركات التكنولوجيا في البورصات، وتعلم آنذاك المخاطرة والاستثمار ومواصفات الشركة المؤهلة للنجاح، وبدأ يطبق تلك الخوارزمية على شركات صغيرة صاعدة، لكي يعرف دون نبوءات أو تكنهات بأنها ستكون رابحة أو خاسرة في المستقبل. يقول فهد إنه عندما كان في أميركا في تلك الأوقات، وكانت الإنترنت في بداياتها، كان الناس يبحثون في جريدة نيورك تايمز عن مواعيد الأفلام السينمائية والمباريات الرياضية، بينما كان فهد يفاجئهم بأن يعطيهم الجواب "بكبسة زر" عبر البحث على ياهو ونتسكيب. في ذلك الوقت كان معظم الناس، حتى في الولايات المتحدة الأميركية، متأخرين في تبني التكنولوجيا، لكن فهد يقول: "تعلمنا من الوالد أن نكون من القلة الأوائل الذين يتبنون التكنولوجيا (Early Adopters)".

عندما تتحدث إلى فهد الشارخ مدة ساعتين، كما حصل معي في هذه الجلسة، فإن أكثر الكلمات التي تتكرر على لسان هذا الرجل، الذي يتكلم عربية سليمة مع إنجليزية أميركية واثقة حينما يشرح المصطلحات، هي: واقع (Fact) وعلم (Science). وكثيراً ما تجد فهد يتوقف ليقول بكل صرامة: "ما أتحدث عنه هنا (Science)، علم، وليس (Art)، أي فن". تدلّك لغة الرجل وأسلوبه في الحديث عن إيمان مطلق بما يقوله، وثقة ربما ساعدته في إقناع من يمنحه الأموال ليستثمر بها، كما ساعدته هذه الثقة في إقناع من يتلقى استثماراته من أصحاب الصناديق الناشئة التي تقع في عرين الشركات الناشئة "وادي السيليكون". باختصار، عندما تستمع لما يعرضه فهد عن أعماله وطريقته في الاستثمار الجريء، فإنك تتذكر كتاب "عقلية المغامر" (The Venture Mindset) للبروفسيور في جامعة ستانفورد، إيليا ستريبولاييف، الذي يبين فيه أن التفكير الفريد لأصحاب رؤوس الأموال الجريئة يتضمن القدرة على التكيف والابتكار ونهج التفكير المستقبلي.

تكونت عقلية التفكير المستقبلي المستند للعلم والوقائع لدى فهد الشارخ من امتزاج التربية العائلية مع التعليم والخبرة العملية في معقل الاستثمار الجريء والابتكار، لذلك كان فهد قد خرج من الكويت فتىً تدرّب في مدرسة الشارخ العائلية؛ فقد فتح عينيه على الدنيا -كما يقول- وهو يرى والده يعمل عشرين ساعة في اليوم، وكان يجد نفسه دوماً محاطاً بالأوراق والأقلام، قبل انتشار الكمبيوتر. ويضيف: "كان الوالد يكرر على مسامعنا: عندك طاقة، اشتغل، عندك مخ، اشتغل". وفوق ذلك، فقد كان فهد يخضع لاختبارات من والده من ضمنها اختبارات تجريبية للنسخ الجديدة من كمبيوترات صخر، إذ كانت مهمته البحث عن الأخطاء وتجارب الاستخدام السيئة فيها منذ كان عمره 9 سنوات، فكان عليه أن يختبر الجهاز، ويقدم تقريراً دقيقاً يبذل فيه جهداً كبيراً كما يقول "خوفاً من الوالد" الذي كان يحب الجدية في أداء المهام. في مثل هذه الأجواء تربى الطفل فهد الشارخ إلى جوار والده وعائلته التي كان يغلب على أفرادها العمل المصرفي والمالي، فقد أسس الوالد محمد الشارخ البنك الصناعي الكويتي ومثّل الكويت في البنك الدولي، وكان إلى جانب ذلك مهووساً في التكنولوجيا وتعريبها عبر صخر، لدرجة أنه لفت أنظار كبار قادة التكنولوجيا. ولهذا فقد شهدت بعض محطات حياة الطفل فهد الشارخ جلسات لوالده مع شخصيات عالمية مثل بيل غيتس وغيره.

وعندما عاد فهد إلي الكويت من رحلة الدراسة والعمل في الولايات المتحدة الأميركية، أوكل إليه والده عام 2005 رئاسة "المجموعة العالمية" باعتباره الابن الأكبر. كانت الشركة العالمية التي أسسها محمد الشارخ أواخر الستينيات من القرن العشرين تضم مجموعة من الشركات المتخصصة بالأدوات المكتبية والتكنولوجيا، مثل وكالات حواسيب ديل وإيسر في الكويت والسعودية، إضافة إلى "العالمية للتدريب" التي تدرب فيها أجيال كثر في السعودية والكويت ومعظم دول الخليج العربي. لكن عقل فهد الشارخ، الذي يحمل مزيج الخبرة العالمية وتربية الشارخ، بدأت قرون الاستشعار الخاصة به تعمل، وبعد عام واحد فقط من توليه رئاسة الشركة خلفاً لوالده الذي تفرغ لإدارة "مؤسسة صخر" باعتبارها مؤسسة ثقافية غير ربحية، قرر فهد دمج الشركات الربحية المتبقية جميعها، والتي يديرها تحت اسم "المجموعة العالمية"، وخطط في عام 2006 لطرحها في بورصة الكويت بهدف واحد هو "التخارج منها لاحقاً". لماذا؟

سألت فهد الشارخ، عن السبب الذي دعاه بسرعة لدمج أعمال الشركة والتخطيط للتخارج منها أو بيعها عبر إدراجها في البورصة؛ يقول فهد إنه ليس منجماً، لكن تراكم الخبرة جعله يشعر بأن الوقت قد حان لتغيير الأعمال في جميع أنحاء العالم، وأن قطاع الأعمال المكتبية والأجهزة الإلكترونية التي يعمل بها بدأ يشهد تحولاً كبيراً، ويقول: "من جهة، بدأت أرى أن الجهاز الإلكتروني الذي يبلغ سعره 2000 دولار، بدأت الصين تنتجه وتبيعه بـ 200 دولار"، ومن جهة أخرى: "رأيت أن الأجهزة الإلكترونية تتحول إلى أجهزة ذكية أصغر حجماً"، كما رأى أيضاً أن "التجارة الإلكترونية ستغزو كل شيء، وفي كل الدول، وأن كثيراً من أعمال الشركة ستصبح خارج الزمن، فقد كانت أمازون قد تحولت من بيع الكتب إلى بيع كل شيء عبر الإنترنت". وكان فهد الشارخ قد عاصر ولادة أمازون في أميركا ونموها وتبشيرها بدخول العالم عصر التجارة الإلكترونية.

كانت تلك الأحداث واقعاً عشناه جميعاً، لكن من ينتبه لتلك الخيوط كلها ويجمعها ويرسم معها صورة للمستقبل؟ لا يفعل ذلك سوى قلة من الناس منهم فهد الشارخ. يقول إنه عندما تحدث عن رؤيته لتلك الصورة التي تتشكل للمستقبل حول التجارة الإلكترونية والأجهزة الذكية، وعن أن كثيراً من الشركات في تلك الفترة ستندثر إن لم تتأقلم، "قال الكثيرون لي إنني مخطئ". لكن فهد الشارخ كان واثقاً، يقول: "أدرجت الشركة في البورصة وتخارجت منها بربح معقول".

وعندما سألته، كيف طوّر مهارة قراءة إشارات المستقبل في الوقت الذي يفشل فيه كثيرون بالتنبؤ بما سيحدث من حولهم بسبب الغرق في حالة "التحيز" للأمر الواقع؟ أجابني هذا الرجل الذي يتذكر العلم في كل خطوة وقرار، بأن لديه عبرة قرأها في كتاب ألّفه الرئيس التنفيذي السابق لشركة إنتل، العبقري آندي غروف، بعنوان "المصابون بالارتياب هم فقط الناجون"، (Only The Paranoid Survive)؛ ففي هذا الكتاب جملة شهيرة يتذكرها فهد باستمرار، يقول أندرو غروف: "النجاح يولد الرضا عن النفس، والرضا عن النفس يولد الفشل. والمصابون بجنون الارتياب هم فقط الذين تكتب لهم النجاة". هذه الجملة تتضمن نصيحة يتذكرها فهد باستمرار، ويعتقد أن على كل مستثمر أن يتذكرها، ويقول بأن شركة إنتل نفسها لم تطبق هذه النصيحة بعد رحيل آندي غروف، ما تسبب في انزياح الشركة من السوق لصالح شركة إنفيديا التي سيطرت على حصتها مؤخراً.

لم يكن قرار فهد بالتخارج وبيع المجموعة العالمية بالقرار التاريخي الذي استبق التحول التكنولوجي في العالم فحسب، بل كان في اللحظة الحاسمة التي سبقت الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2007، والتي كانت إيذاناً حقيقياً بأن العالم يحتاج لتصحيح نماذج الأعمال والتفكير في طرق جديدة. يقول فهد إنه ليس متكهناً، لكنه يذكر أن بيعه المجموعة العالمية صادف مع صدور كتاب أصبح شهيراً لاحقاً، وهو كتاب "البجعة السوداء" للمفكر وخبير الأسواق نسيم طالب، والذي تنبأ فيه بأن حالة الاستقرار الاقتصادي التي يعيشها العالم قد تجعله يتجاهل الأزمات الطارئة التي ينهار معها كل شيء. لقد تزامن صدور هذا الكتاب مع انهيار اقتصادي عالمي استمر قرابة العامين، وهو ما يعرف اليوم بالأزمة الاقتصادية العالمية 2007-2008. كانت هذه الأزمة تنبيهاً لكل من يعيش مطمئناً في منطقة راحته، بأن عليك أن تتغير أو تتوقع الانهيار. ويكرر فهد الشارخ بالإنجليزية والعربية، اقتباسه من كتاب آندي غروف: "النجاح يولد الرضا عن النفس والرضا عن النفس يولد الفشل، ولن ينجو سوى المرتابون دائماً" (Success breeds complacency, complacency breeds failure).

وخلال المرحلة التي واكبت الأزمة الاقتصادية لعام 2008 وتلتها، كان فهد الشارخ قد تعلم الكثير عبر حضوره المؤتمرات الدولية، مثل المنتدى الاقتصادي العالمي، واحتكاكه مع خبراء الاستثمار الجريء في العالم. وكان مما تعلمه الشارخ من عقلية المستثمر الجريء، جاء من التطورات التي شهدتها قصة شركة الوالد التي بقيت قيد العمل بطريقة غير ربحية، تسعى للاكتفاء الذاتي من العوائد المالية. فماذا حصل مع شركة صخر في هذه الأثناء؟ لمعت "صخر" باعتبارها النسخة العربية من التقنيات الحديثة، فإذا كنت تريد مخاطبة الجمهور العربي، عليك استخدام تكنولوجيا صخر في التعريب والترجمة والاستفادة من الأرشيف الضخم من المعاجم والمفردات التي راكمها الوالد محمد الشارخ عبر سنوات طويلة في مؤسسته غير الربحية. كانت الحكومة الأميركية، التي اهتمت بشراء التقنيات العربية ومخاطبة العرب بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، هي الزبون الأبرز لصخر، لكنها تراجعت تدريجياً عن هذا الاهتمام بعد عام 2011، عندما قرر أوباما تدريجياً الخروج من الاهتمامات الخارجية بعد القضاء على بن لادن. ثم تراجعت مبيعات وأعمال صخر بعد ذلك تراجعاً كبيراً. ولكن ما الذي تعلمه فهد من تجربة صخر؟ لفت نظر فهد أن بعض التقنيات التي عملت صخر على تطويرها، مثل تقنيات الترجمة والتعريب واستخلاص النصوص من ملفات البي دي إف (OCR) باللغتين العربية والإنجليزية، كانت وحدها أساساً لشركات ناشئة مربحة في وادي السيليكون تمكنت من جذب ملايين الدولارات من التمويل. ولم يكن من أسسوا هذه الشركات أو استثمروا فيها أكثر ذكاء منا كما يقول، لكنهم كانوا مبادرين ويعرفون كيف يقرؤون المستقبل وتوجهاته. "قلت في نفسي، هذا هو ميدان عملي المستقبلي". وهكذا بدأ فهد يفكر بصناديق الاستثمار في الشركات الناشئة، وبدأ يكوّن المعايير للشركات التي يستثمر بها مع تراكم خبرته.

وعندما طرح فهد الشارخ لأول مرة فكرة صندوقه الاستثماري الأول بمراهنته على شركة أوبر أمام عدد من أصحاب القرار في الثروات العربية، كان قد بدأ يرسم معاييره التي شكلت عقليته لاحقاً بما يشبه عرّاف الاستثمار الجريء، لكنه نوع خاص من العرافين؛ إنه العرّاف الذي يستند إلى العلم. يقول فهد: "عالم الأعمال مبني بنسبة 70% على العلم، لكن لتصل إلى نسبة الـ 100% فأنت بحاجة إلى فن صناعة الاتفاقات (The art of the deals)". بالنسبة له فإن الخبرة جعلته يقرر بلمحة عين، فيما إذا كان سيذهب للاستثمار في شركة ما أو يتوقف. وهذا هو الفن الذي ذكره مالكوم غلادويل في كتابه "طرفة عين"، وفيه يصف الخبير الذي يستطيع بنظرة واحدة تمييز اللوحة المزيفة من الحقيقية. يقول فهد الشارخ: "عندما رأيت أن لاري بيج أحد مؤسسي جوجل يستثمر في شركة أوبر مبكراً، عرفت أنها ستصبح شركة مليارية كبيرة". بالنسبة لفهد الشارخ، فإن مثل هذه المؤشرات قد تبدو بديهية، لكنها تفوت الكثيرين.

يستند فهد الشارخ في معرفة توجهات السوق بطريقة العرّاف الذي يستند إلى العلم والخبرة إلى ثلاث قواعد:

  1. المعلومات: وتشمل معرفتك بما يجري في الأسواق من استثمارات وابتكارات في الشركات الناشئة.
  2. القدرة على الوصول (Access): وهذا فن يبرع فيه فهد الشارخ في الجهتين؛ فهو يمتلك من المعارف والخبرة في مقر الابتكار العالمي "وادي السيليكون" والولايات المتحدة الأميركية ما يمكّنه من رسم خارطة للوصول إلى أي شركة أو صاحب قرار في الأعمال، ولديه السمعة والتاريخ العائلي والعلاقات في دول الخليج العربي، والتي تمكّنه من الوصول إلى معظم أصحاب القرار الاقتصادي ومدراء الثروات والاستثمارات في الشركات.
  3. المحاكمة العقلية (Judgement): والتي تمكّنك من اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، لتقرر الاستثمار في هذه الشركة أو تلك، أو تحجم عن القرار.

هذه القواعد الثلاث التي يكررها فهد الشارخ، يقول إنها: "تجعلك إذا أتقنتها تعرف توجهات السوق أو الـ (Trends) قبل حدوثها، وإذا أردت أن تكون مستثمراً جريئاً ناجحاً فعليك أن تلتقط هذه التوجهات قبل حدوثها بخمس سنوات على الأقل".

بعد تجارب صناديقه الاستثمارية الأولية، أدرك فهد الشارخ نقاط قوته وضعفه، فقد أدرك أن مهارة قراءة توجهات السوق وبناء العلاقات للوصول إلى أصحاب القرار كانت ميزته التنافسية، لكنه كان بحاجة لمدير فعلي لصندوق الاستثمار الذي نضجت فكرته بعد "تك إنفست"، يقول: "عندها تواصلت مع أحد أصدقائي، وليد القمحاوي، والذي كان يعمل لدى شركة إدارة الاستثمارات البديلة العالمية "بلاكستون"، وعرضت عليه العمل معي في إدارة الصندوق"، وهكذا أصبح وليد القمحاوي يدير الصندوق بينما تفرغ فهد للعمل في المجال الذي يتقنه، والذي هو البحث عن الشركات الناشئة التي سترسم ملامح المستقبل، واكتشاف طرق الوصول إلى أصحاب القرار في هذه الشركات، وفي صناديق الاستثمار الجريئة في وادي السيليكون.

بدأ فهد الشارخ يلفت أنظار مدراء الثروات وأصحاب القرارات الاستثمارية في الخليج العربي بسبب قوة ميزته التنافسية في الوصول إلى الشركات العالمية وصناديق الاستثمار أو الـ (Access)، لدرجة أنه كان يمازح بعض أصحاب النفوذ المالي في منطقة الخليج قائلاً: "أنت من عائلة مالكة أو أنت من أصحاب المليارات، لكن هل يستطيع مديرك الاستثماري، ولو كان بنكاً عالمياً مشهوراً مثل جيه بي مورغان وغولدمان ساكس، أن يجعلك تحصل على أسهم في شركة كذا؟ لن يستطيع، لكنني أستطيع". أصبح فهد معروفاً في أوساط الاستثمار الجريء بأنه المفتاح لمثل هذه الأسئلة؟ هل يمكنني مثلاً الحصول على سهم في شركة تيسلا قبل إدراجها في البورصة؟ أو شركة أخرى لم تدرج بعد؟ الجواب عند فهد، يقول: "أصبحت لدي الخبرة برسم المسار للوصول إلى الرجل الذي يهمس في أذن إيلون ماسك على سبيل المثال". ثم أصبحت ميزة فهد الشارخ في الوصول والتوصيل مهمة لكلا الجانبين، فقد يحتاج أحد المستثمرين في العالم الاجتماع مع شركة أو شخصية مفتاحية في إحدى الشركات الخليجية، وهنا إذا عرف هذا المستثمر العرّاف فهد الشارخ، فإنه سيرسم المسار الذي يوصله للهدف.

كانت قمة نضج تجربة فهد الشارخ في إدارة صناديق الاستثمار ودوره صانع صفقات وعرافاً ومعرّفاً، حين التقى مع شركة كامكو التي هي أكبر شركات إدارة الأصول في الكويت ومن أكبرها عربياً، حيث كان فهد الشارخ على علاقة وطيدة بهذه الشركة عندما استثمرت في صندوقه فاند 3.0 (3.0 Fund)، وعندها أصبح فهد عضواً في مجلس إدارة كامكو السعودية، ومن ثم نائب رئيس مجلس الإدارة عام 2019.

وعندما قرر مجلس إدارة كامكو في عام 2019 التحول نحو الاستثمار البديل (Alternative Investment)، مثل الاستثمار في صناديق التحوط والأسهم الخاصة والاستثمار الجريء؛ دخل فهد الشارخ في شراكة مع كامكو لتأسيس صندوق الاستثمار جيداي (JEDI)، وهو الاسم الذي يجمع الأحرف الأولى من (The Joint Emerging Managers & Direct Investments Program) أي "صندوق الاستثمار المشترك مع مدراء الاستثمار الصاعدين والاستثمارات المباشرة". لقد كان هذا الاسم "جيداي" يمتلك وقعاً في الأذن يذكّر بفرسان جيداي الذين اشتهروا بقوتهم وسرعتهم ومبادرتهم في المسلسل الشهير "ستار وورز".

حسناً، ما هي فكرة صندوق جيداي؟ من التجربة السابقة التي خاضها فهد في صناديق الاستثمار الجريئة، بأن "مشاركة مدراء صناديق الاستثمار الجريئة في وادي السيليكون، هي أفضل من أن تكون دلّالاً يدل على المشاريع التي يقترحونها" كما يقول، اكتشف فهد بأن مدراء صناديق الاستثمار الجريئة الكبرى سيحرصون على تقديم الفرص الذهبية لعملائهم الكبار فقط، ولن يكشفوا لك كل أوراقهم الرابحة، إضافة إلى أنهم لن يطلعوك على كل المعلومات التي يعرفونها؛ لذلك فإن استثماراتك معهم ما لم تكن "كبيراً" ستكون دوماً على الفُتات أو (Second Hand). وهنا كان نضج الفلسفة الجريئة التي قرر فهد تطبيقها بدءاً من صندوقه الاستثماري الجديد "جيداي" عام 2021، والتي يصفها بقوله: "بدأنا نبحث عن مدراء صناديق الاستثمار الجريء الناشئة (EMVC)، وهم المدراء الجدد الذين خرجوا من شركات ناشئة أو صناديق استثمار كبرى، وقرروا بدء صناديقهم الخاصة". كان صندوق جيداي يدخل بالشراكة معهم ويدعمهم منذ البداية. يقول فهد عن هذه الفلسفة الجديدة: "كانت طريقتنا تشبه الاستثمار في رونالدو عندما كان عمره 17 عاماً، بدلاً من الاستثمار به بعد احترافه بمبلغ 700 مليون دولار".

كانت مشاركة مدراء الصناديق الجريئة الناشئة استثماراً حقيقياً في المستقبل، فقد كان هؤلاء المدراء ذوو الصناديق الصغيرة حجماً يعملون عن قرب مع شركات المستقبل التي سترسم ملامح العصر القادم. وكان هؤلاء المستثمرون الناشئون ممتنين لدعم "جيداي" وشراكته منذ البداية. فقد دعم صندوق جيداي واستثمر مع 16 مدير صندوق ناشئ هم من أفضل العقول الواعدة في إدارة صناديق الاستثمار الجريء والذين بدؤوا بدورهم يستثمرون في شركات ناشئة يعرفونها ولديهم الخبرة في مسارها المستقبلي. وهو الأمر الذي جعل جيداي يستثمر على نحو مباشر وغير مباشر بحوالي 600 شركة ناشئة عن طريق هؤلاء الشركاء. ثم كان يختار من هذه الشركات أكثرها نجاحاً ليستثمر بها بصورة مباشرة ويضاعف استثماراته.

يقول فهد وهو يكمل نظرية الاستثمار في رونالدو الصغير: "عندما تستثمر في هذا العدد الكبير من الشركات الناشئة فلا خوف على وقوع حالات من الفشل، فأنت عندما تتعاقد مع رونالدو، يجب أن لا تحاسبه على الأهداف الضائعة، بل على النتائج النهائية".

استثمر صندوق جيداي حتى الآن حوالي 50 مليون دولار على نحو مباشر وغير مباشر في هذه الشركات، والتي برزت العشرات منها ضمن تصنيف الشركات المليارية خلال وقت قصير، ومنها: ميركوري (Mercury)، وهي من أبرز بنوك الإنترنت في العالم، وشركة ديل (Deel)، وهي من أقوى شركات إدارة مدفوعات الموظفين الافتراضية على مستوى العالم، وكذلك شركة توك ديسك (Talkdesk)، وهي شركة برمجيات ناشئة قوية في مجال الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية للأعمال، وشركة آمبل (Ample)، وهي من أبرز الشركات البارزة في تقديم حلول ذكية لشحن السيارات الكهربائية، وشركات أخرى مليارية مثل كوبايلوت (Copilot) وأثينا (Athena). ويمكن لمن يلقي نظرة على أسماء المستثمرين الآخرين لهذه الشركات إلي جانب جيداي، أن يعرف حكماً أنها استثمارات في رونالدو ذي الـ 17 عاماً بالفعل؛ لأن الكبار يتسابقون للاستثمار فيها منذ البداية.

وبينما يستعد فهد الشارخ لصندوق "جيداي 2"، سألته عن توجهات الصندوق الجديد، فأجاب بأنه سيتجه للاستثمار المباشر والحصاد في "شركات ساهمنا في تمويلها التأسيسي عبر شركائنا في صناديق الاستثمار، وسنتجه لضخ المزيد في الشركات المميزة منها". ولكن لماذا يركّز الشارخ جهوده في سيليكون فالي؟ يقول إن الابتكارات التي تقود المستقبل مازالت هناك، حيث تتجه نخبة عقول وابتكارات واستثمارات العالم. وهذا هو المكان الذي يفهم فهد كل ما يدور فيه، بمقدار فهمه لما يدور في عقول أصحاب الأموال في الشركات العربية.

ماذا يقول فهد بعد مسيرته مدة عشر سنوات في صناديق الاستثمار الجريئة على هذا المستوى العالمي؟ هل تغيرت نسبة الـ 10% الذين آمنوا بأفكاره أول مرة في دول الخليج العربي؟ يجيب بأنها ارتفعت بلا شك، لكن الكثير من العقول التي تدير الأموال في المنطقة العربية بحاجة للتفكير خارج منطقة راحتها، وعليها أن تعرف أن الاستثمارات الجريئة يجب أن تشكل الثلث على الأقل من سلة أي مستثمر، ويضيف: "حتى جامعة ييل العريقة تستثمر حوالي 27% من وقف أموالها في الاستثمار الجريء". ومن يتجاهل هذه الحقيقة التي يسميها فهد (Fact) و(Science) أي علم وواقع، فإنه سيصبح خارج اللعبة.

معظم الناس ومن بينهم كثير من المستثمرين، حسب رأي فهد الشارخ "عادوا بعد انتهاء جائحة كوفيد-19 إلى "الرضا عن النفس" (Complacency)، ونسوا ما تعلمناه من تجربة فترة الجائحة. لكن العالم تغيّر ولن يعود كما كان، والذي يستطيع رؤية الإشارات لتغيّر العالم، سيكون من القلة المرتابة التي تنجو في النهاية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي