قبل سنوات، دُعيت أنا وزملائي للتنبؤ بنتائج مسابقة "ستارت أب" (Start up) للمشاريع الناشئة التي أقيمت في فيينا، حيث تنافس 2,500 متخصص في التكنولوجيا من أجل الفوز بجائزة تقدر بآلاف الدولارات. وبدلاً من الاهتمام بالأفكار التي عرضها أصحاب المشاريع، انشغلت أنا وزملائي بمراقبة لغة الجسد والإيماءات الثانوية للحكام في أثناء متابعتهم للعروض التقديمية. ثم أعطينا توقعاتنا عن الفائزين قبل إعلان أسمائهم، ولكن سرعان ما أدركنا نحن والجمهور أننا أفسدنا مفاجأة إعلان أسماء الفائزين. فما هي خطوات إنجاز عرض تقديمي ناجح؟
وقمنا بتقييم كل ريادي منهم عن طريق مقياس يبدأ من الـ 0 إلى 15. وتم منح نقطة لكل علامة لغة جسد إيجابية، أو إشارة تدل على الثقة مثل التبسم أو الحفاظ على الاتصال البصري أو الإيماءات التي توحي بالإقناع. كما خسر كل منهم نقطة لكل إشارة سلبية مثل إشارات التململ، وحركات اليد الشديدة وفقدان الاتصال البصري. وفي نهاية التقييم وجدنا أن المتسابقين الذين صُنفوا ضمن الثمانية الأوائل من قبل حكام المسابقة بلغ متوسط درجاتهم على سلم لغة الجسد الخاص بنا 8.3، أما أولئك الذين لم يبلغوا مرحلة الفائزين الثمانية كان متوسط درجاتهم هو 5.5. ما يدل على ارتباط لغة الجسد الإيجابية ارتباطاً وثيقاً بحالات النجاح.
والأمر مشابه تماماً في مجال السياسة، إذ أجرينا خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2012، دراسة عبر الإنترنت عُرض فيها مقاطع فيديو لمدة دقيقتين لكل من باراك أوباما وميت رومني ضمن فعاليات ذات محتوى محايد وعاطفي على ألف من المشاركين الديمقراطيين والجمهوريين، حيث سجلت "الويب كام" تعابير الوجه للمشاهدين. حلّل فريقنا ستة مشاعر رئيسية حُددت وفقاً لأبحاث علم النفس: سعيد، مندهش، خائف، مشمئز، غاضب، حزين، ثم رمّزنا مضمون العاطفة برمز إيجابي أو سلبي حسب قوة التعبير عنها. وأظهر التحليل أن أوباما أثار ردود فعل عاطفية أقوى وأقل سلبية، لدرجة أن عدداً كبيراً من الجمهوريين ونسبتهم 16% تجاوبوا سلباً مع رومني، وعندما حللنا لغة جسد المرشحين، وجدنا أن إيماءات أوباما كانت شبيهة بإيماءات أولئك الفائزين في مسابقة المشاريع الناشئة، إذ كانت لغة جسده منفتحة، وإيجابية، وواثقة وومتوافقة مع خطابه. وعلى النقيض من ذلك، عرض رومني إيماءات سلبية إضافة إلى تعابير وجه وحركات مشتتة في كثير من الأحيان، ما قلل من قيمة رسالته.
وبطبيعة الحال، لم تتوقف الانتخابات على لغة الجسد، وكذلك الحال بالنسبة لمنافسات المشاريع الناشئة، ولكن استخدام الأنواع الصحيحة من التواصل غير اللفظي ارتبط بالنجاح في التجربتين.
اقرأ أيضاً: كيف تبدو واثقاً بمظهرك وصوتك خلال العروض التقديمية؟
خطوات إنجاز عرض تقديمي ناجح
وهنا نواجه سؤالاً مهماً: كيف يمكنك إرسال نفس الإشارات من أجل الوصول إلى النجاح؟ درسنا في مشروعنا "مركز لغة الجسد" (Center for Body Language)، القادة الناجحين خلال مجموعة من المجالات، وحددنا العديد من الوضعيات التي كانت مؤشراً على إيماءات لغة جسد فعالة ومقنعة.
إيماءة الصندوق
تعطي متابعها إحساساً بالثقة والصدق. إذ كان بيل كلينتون رئيس الولايات المتحدة الأسبق في المرحلة الأولى من حياته السياسية يومئ في أثناء خطابات بحركات كثيرة وواسعة جداً ما جعله يبدو غير جدير بالثقة. وتعلم الرئيس كلينتون كيف يضبط لغة جسده على يد مستشاريه، عندما علموه أن يتخيل صندوقاً أمام صدره وبطنه، وأنّ عليه المحافظة على حركات يديه داخل هذا الصندوق. ومنذ ذلك الحين أصبح "صندوق كلينتون" مصطلحاً معروفاً في هذا المجال.
الإمساك بالكرة
تشبه هذه الإيماءة كما لو أنك تمسك بكرة سلة بين يديك، وهي مؤشر على الثقة والقدرة على التحكم، وكأنك تمتلك الحقائق في متناول يديك وعند نهايات أصابعك، وقد استخدم المخترع ستيف جوبز هذه الإيماءة كثيراً في خطبه.
إيماءة البرج
وهي إيماءة المطمئن ذاتياً، أو المستريح. كثيراً ما يحرك الأشخاص أيديهم بسرعة ويخفّقون بها يمنة ويسرة عندما يغضبون، أما عندما يمتلكون الثقة بأنفسهم فإنهم يتميزون بالسكون. وإحدى الطرق لنقل هذا الإيحاء هو إطباق راحتي اليدين والأصابع على بعضها بطريقة مسترخية وكأنك تشكل برجاً، حيث يستخدم العديد من المدراء ورجال الأعمال هذه الإيماءة، ولكن يجب الحذر من الإفراط في استخدامها أو إشراكها مع علامات الوجه الدالة على العجرفة والاستبداد، إذ المطلوب أن تظهر بمظهر المسترخي وليس المتعجرف.
الوقوف المتين
تعطي هيئة وقوف الأشخاص مؤشراً قوياً على طريقة تفكيرهم، عندما تقف بهذه الوضعية القوية والثابتة، جاعلاً المسافة بين قدميك بعرض أكتافك تقريباً، ستعطي الانطباع بأنك المسيطر على الموقف.
راحتي الكفين المكشوفتين
تشير هذه الإيماءة إلى الانفتاح والنزاهة، وتستخدمها أوبرا وينفري بقوة خلال خطبها، حيث تعتبر أوبرا شخصية قوية ومؤثرة، وتستعمل هذه الحركة لإظهار استعدادها للتواصل بنزاهة مع الأشخاص الذين تخاطبهم، سواء كان شخصاً واحداً أو حشداً كبيراً.
راحتا الكفين للأسفل
وهي دليل القوة والحزم. استخدمها باراك أوباما كثيراً من أجل تهدئة الجموع بعد لحظات التصفيق والحماس الشديدين.
أخيراً، وبالاستناد إلى هذه الحالات عن استخدام لغة الجسد، حاول أن تسجل عرضك التقديمي القادم، ثم راجع الفيديو من دون أصوات، وركز على مراقبة لغة جسدك فقط. كيف تقف؟ وكيف تومئ؟ هل استخدمت أياً من هذه الوضعيات؟ إن لم تستخدمها، ففكر كيف يمكنك القيام بذلك في المرة القادمة التي ستقف فيها أمام الجمهور، أو حتى لمجرد التحدث مع رئيسك أو عميل مهم. تدرب على ذلك قبالة المرآة، ثم مع الأصدقاء، حتى تتقنها وتمارسها بشكل طبيعي.
إن التواصل غير اللفظي باستخدام لغة الجسد لن يصنع منك بالضرورة قائداً، لكن يمكن أن يساعدك على تحقيق نجاحات أكبر في مختلف مجالات الحياة، ولا سيما في تحديد خطوات إنجاز عرض تقديمي مميز.
اقرأ أيضاً: