لماذا يعدّ وقت الراحة مهماً بقدر أهمية وقت العمل؟

6 دقائق
العمل والحياة الشخصية
shutterstock.com/

ملخص: كيف يمكنك تطوير عادات في وقت مبكر من مسارك المهني تساعدك على خلق توازن جيد بين عملك وحياتك الشخصية وتجنّبك الاحتراق الوظيفي؟

  • حدّد سبب توليك أعمالاً إضافية في المقام الأول. هل تحذو حذو مديرك المدمن على العمل؟ هل تحاول السعي بكامل جهدك معتقداً أن العمل لساعات طويلة سيساعدك على تحقيق النجاح؟ هل تحاول أن تظهر للآخرين أنك عامل مجتهد؟ أم أن الانشغال يعزز فيك الإحساس بالقيمة والأهمية؟
  • كيف يمكنك البدء بتحقيق توازن بين عملك وحياتك الشخصية في ظل الكثير من الأسباب التي تدفعك إلى اختيار العمل بدلاً من الراحة إذاً؟ ابدأ بتعزيز وعيك الذاتي. ما هو شعورك حيال تولي أعمال إضافية؟ تحكّم بعد ذلك في وقتك من خلال وضع الحدود والتواصل مع زملائك والتدرب على رفض أداء المهام الإضافية. قد يكون من المفيد أيضاً إعادة تعريف معنى وقت الفراغ، فهو ليس "وقتاً غير منتج"، بل هو وقت يساعدك على إعادة شحن طاقتك. أخيراً، إذا كنت تشعر أنك لا تستطيع إحراز تقدم وتحقيق التوازن بين عملك وحياتك الشخصية، ففكّر حينها في خيار ترك الوظيفة الحالية والبحث عن وظيفة جديدة.

 

جميعاً ندرك الآثار السلبية للعمل الإضافي على صحتنا وعلاقاتنا وحياتنا الاجتماعية. ومع ذلك، لا يزال الكثير منا يواجه صعوبات في التقليل من مسؤولياته والتمتع بقسط كافٍ من الراحة.

ويوجد الكثير من الأسباب التي نختارها لحثِّ أنفسنا على العمل بجد ولفترات طويلة (أو نُجبَر حتى على ذلك) كالضغوط الاجتماعية، والمدراء المتطلبين، ومتلازمة المحتال. وقد ترغب أحياناً في إثبات مدى تفانيك وقدرتك على تحقيق النجاح في المسار الذي اخترته، خاصة عندما تكون جديداً في سوق العمل.

إخطار: إن "تولي أعمال إضافية اليوم" على أمل جني المكاسب لاحقاً هو نهج فاشل، فقد تستمر العادات التي تتبناها في وقت مبكر من حياتك طوال مسيرتك المهنية، مثل اختلال التوازن بين العمل والحياة الشخصية.

لكن إذا كنت ترغب في تحقيق توازن صحي بين العمل والحياة الشخصية وتجنب الاحتراق الوظيفي على المدى الطويل، فعليك اتخاذ خيارات ذكية اليوم. تتمثل الخطوة الأولى في فهم سبب صعوبة اختيار الراحة بدلاً من العمل.

لماذا نعمل لساعات طويلة؟

لا يمثّل إعطاء الأولوية للعمل بدلاً من الراحة خياراً جيداً دائماً؛ ويوجد بالفعل العديد من العوامل التي تدفعنا إلى العمل لساعات طويلة على الرغم من الأدلة المثبتة بأن الاحتراق الوظيفي مضرّ بصحتنا وعلاقاتنا.

ألقِ نظرة على هذه العبارات. هل خطرت في ذهنك أفكار مماثلة؟

"الجميع يتولى أعمالاً إضافية"

عندما يعمل كل زملائك في المكتب لساعات طويلة، فقد تجد صعوبة في تحدي هذه الثقافة السائدة وتجاوزها. وقد تشعر بضغط اجتماعي لتقليد ذلك السلوك الذي تفاقم نتيجة تطوّر تقنيات الهواتف المحمولة التي تجعلنا دائمي الانشغال في كل مكان وعلى مدار الساعة. قد يطلب منك مديرك عدم الرد على رسائله في وقت متأخر من الليل، لكنك قد تشعر أنك ملزم بالعمل عندما تصلك رسالة منه في ذلك الوقت. ومن الطبيعي أن تشعر بعدم الأمان والقلق حيال التوقف عن العمل عندما تعلم أن مديرك أو زملاءك يعملون حتى وقت متأخر، ما يؤدي غالباً إلى توليك أعمالاً إضافية.

"إن كنت أريد تحقيق النجاح بالفعل، فعليّ بذل مزيد من الجهد"

قد تشعر بداية مسيرتك المهنية بالحاجة إلى العمل لساعات طويلة لإثبات نفسك أو اكتساب مزيد من الخبرات. وفي دراسة حديثة أجراها كل من يوانا لوبو وجوناس روكا حول الشركات المهنية، بما فيها شركات التدقيق والقانون والاستشارات، يعتقد بعض الاستشاريين أن العمل لساعات طويلة و"عدم وجود حياة خارج العمل" يساعدهم في الحصول على ترقية سريعة أو يتيح لهم التقاعد باكراً. وقد أعرب الاستشاريون المبتدئون عن رأيهم في ذلك الصدد بالفعل معتقدين أن العمل بجد لمدة خمس إلى ست سنوات ضروري لاكتساب الخبرة اللازمة للانتقال إلى شركة أخرى ذات عبء عمل أقل، بمعنى أن جعل العمل أولوية سيجعلهم يشعرون بالراحة في المستقبل، لكنه نهج ومفهوم خاطئ.

"يجب أن أثبت للآخرين أنني عامل مجتهد"

ترعرعنا جميعاً معتقدين أن العمل الجاد هو الخيار "الصحيح" الذي علينا اتخاذه، إذ غالباً ما يُعدّ امتلاك وظيفة والنجاح فيها جزءاً ضرورياً من النجاح "كعضو صالح" في المجتمع. ومن المحتمل أنك سمعت مثل تلك العبارات التي يصدح بها كثيرون في جميع أنحاء مكتبك: "عملت طوال عطلة نهاية الأسبوع"، "لم أستغل أي يوم من إجازتي هذا العام"، "واصلت التحقق من بريدي الإلكتروني كل يوم عندما كنت في إجازة". ولعلك صدحت بتلك العبارات أيضاً على أمل تلقّي الثناء أو التقدير من زملائك.

لكن لسوء الحظ، تظهر البحوث أن الكثير من المهنيين، وخاصة الرجال، لا يكشفون عن التزاماتهم الشخصية خارج العمل لزملائهم خوفاً من اعتبارهم أشخاصاً أقل كفاءة أو غير قادرين على إتقان مهامهم في العمل. ولا حرج في الواقع في أن تهتم بعملك أو أن تُبدي شغفك به، لكن التركيز الشديد على كيفية تفسير الآخرين لتفانيك قد يؤدي إلى اختلال التوازن بين عملك وحياتك الشخصية.

"أحب أن أكون دائم الانشغال، فذلك يعزز إحساسي بالقيمة والأهمية"

قد يبدو العمل بالنسبة للبعض مهرباً من أعباء الحياة اليومية، كالأعمال المنزلية الرتيبة، والروتين المملّ، أو النزاعات الشخصية. هل تخشى وجود وقت شاغر في جدول مواعيدك؟ هل جدول مواعيدك مليء بالاجتماعات واللقاءات ورحلات العمل؟ إن هذا السلوك شائع عند أولئك الذين يعتمدون على العمل ليعززوا إحساسهم بالهدف، وهو نهج خطِر.

لنتأمل ما قاله كلينت إيستوود في فيلم مهرّب المخدّرات (The Mule) عندما اقترب من زوجته التي كانت على فراش الموت يشرح لها سبب قضائه كثيراً من الوقت في عمله وقليلاً جداً من وقته في المنزل: "اعتقدت أنه من المهم أن أصبح شخصاً ناجحاً [في العمل] بدلاً من شخص فاشل وبائس في المنزل".

وتظهر الدراسات أيضاً أن اتباع نمط حياة مليء بالضغوط، بدلاً من نمط حياة مريح، أصبح رمزاً للوضع المثالي المرغوب، (أي كلما ازداد انشغالك، علت مكانتك). وعلى الرغم من أن الانشغال قد يجعلك تشعر بالرضا في لحظات معينة، قد يُسفر العمل الإضافي عن آثار سلبية طويلة المدى على حياتك وعلاقاتك.

كيف يمكننا إعطاء الأولوية للراحة؟

سيجعلك العمل الذي لا يترك لك وقتاً للقاء الأصدقاء أو قضاء وقت مع العائلة أو ممارسة الهوايات أو الأنشطة الأخرى غير المتعلقة بالعمل تشعر بالاحتراق الوظيفي، حتى إذا كنت تحب عملك. كيف يمكنك البدء في تحقيق توازن بين عملك وحياتك الشخصية في ظل العديد من الأسباب التي تدفعك إلى اختيار العمل بدلاً من الراحة إذاً؟

عزز وعيك الذاتي

تأمّل حياتك واطرح على نفسك السؤال التالي: ما الذي يدفعني إلى العمل لساعات طويلة؟ هل يمنحني الانشغال إحساساً بالهدف؟ هل عملي الإضافي تقليد للآخرين فقط؟ ما الأثر الذي تخلقه عادات عملي الحالية في سلوكي ومشاعري؟

تُعدّ الانعكاسية العاطفية، أو القدرة على فهم أثر موقف ما عليك عاطفياً، السر وراء تحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة الشخصية. وقد يساعدك تحديد سبب توليك أعمالاً إضافية واستكشاف مشاعرك حيال ذلك على التخطيط للحياة التي تريدها. وليست تلك بعملية ثابتة، بل هي دورة متواصلة. فجميعنا نمر بمراحل حياتية مختلفة تتغير فيها أولوياتنا باستمرار. لذلك، فكر فيما تحتاج إليه اليوم لتشعر بالارتباط والدعم في عملك وفي حياتك الشخصية على حد سواء.

تحكّم في وقتك

ذكّر نفسك أنه حتى لو عمل كل زملائك لساعات طويلة، فذلك لا يعني أنه وضع "طبيعي". من جهة أخرى، قد يكون من الصعب خلق توازن بين العمل والحياة الشخصية عندما تكون الأسباب التي تجعلك تتولى أعمالاً إضافية خارجة عن نطاق سيطرتك.

وإليك بعض الإجراءات البسيطة التي يمكنك اتخاذها في هذا الصدد. حاول إنهاء العمل في الوقت المحدد (أو باكراً!) يومين في الأسبوع لتمارس هواية تحبها. وأخبر مديرك أنك لن تكون متاحاً دائماً للرد على رسائل البريد الإلكتروني بعد ساعات العمل. وتولى فقط المشاريع التي تعرف أنها ستضيف قيمة لك ولعملك؛ ولا تنسَ التدرب على رفض المشاريع التي لا قيمة لها، فتلك مهارة مفيدة للغاية. وقد يكون التحكم بالوقت صعباً في البداية لكنه سيعود عليك بالنفع بعد ذلك.

أعِد تعريف معنى "وقت الفراغ"

يشرح شون آكور هذا المبدأ المهم بالتفصيل في كتابه "ميزة السعادة" (The Happiness Advantage). فبدلاً من أن تصف وقت فراغك بأنه "وقت غير منتج"، ذكّر نفسك بأن الوقت الذي تقضيه في وقت الفراغ ضروري لتُعيد شحن طاقتك وتفسح المجال لعقلك لتوليد أفكار جديدة وإبداعية. وبدلاً من التفاخر بالعمل حتى وقت متأخر أو عدم أخذ إجازة مطلقاً، حاول الاستمتاع باللحظات التي تقضيها للراحة. وتظهر البحوث أن الأنشطة الترفيهية، وخاصة تلك التي تختلف عن عملك، قد يكون لها تأثير إيجابي على الاستدامة المهنية.

تذكير: لا ينطوي الغرض الوحيد من الترفيه على مساعدتك على العمل بجد أكبر. ولا بأس في الاستمتاع بوقت الفراغ، أي الوقت الذي تقضيه في ممارسة الهوايات التي تحبها.

اترك مكان عملك المؤذي 

عندما تفشل في تحقيق تقدّم وكانت مساعيك دون جدوى، قد تدرك حينها أن مكان عملك مؤذ، وأن ثقافة الشركة هي التي تدفعك إلى تولي أعمال إضافية وتجعلك تشعر بالاحتراق الوظيفي، وعليك حينها التفكير في خيار الاستقالة والبحث عن وظيفة أخرى. لكن لا تدع نفسك تغرق في مستنقع التشاؤم معتقداً أنك لن تجد أي وظيفة تمنحك توازناً أفضل بين عملك وحياتك الشخصية، بل يوجد الكثير من بيئات العمل السليمة بالفعل. وعلى الرغم من التجارب السلبية التي خضتها، ستساعدك المواهب والمهارات التي اكتسبتها في وظيفتك الحالية في العثور على وظيفة جديدة.

ومع ذلك، ضع في اعتبارك أنه من الصعب التعرّف على ثقافة مكان أي عمل جديد ما لم تعمل فيه وتختبره بالفعل. وقد تضطر أحياناً إلى إجراء بحث دقيق لتضمن اتخاذك القرار الصحيح. تحقق من مراجعات الشركات التي تهتم بها على غلاس دور (Glassdoor)، واطرح أسئلة في مقابلاتك حول مرونة مكان العمل، وحاول التواصل مع الموظفين السابقين للحصول على وجهات نظرهم. وضع في اعتبارك أنك ستضطر إلى وضع حدود لتحقيق توازن بين عملك وحياتك الشخصية حتى في الشركة الجديدة التي تتمتع بثقافة عمل مثالية.

باختصار، إن التدرب على إعطاء الأولوية للراحة ليس بالأمر السهل.

تذكير: أنت لست بنجامين باتون (شخصية خيالية تصغر مع مرور السنين)، ولن تصبح شخصاً أصغر سناً ومفعماً بالطاقة بمجرد أن تتقاعد، حياتك قرارك، فاستمتع بها قبل هرمك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي