عدم المساواة في الدخل يجعل الجميع أقل سعادة

2 دقائق

يركز معظم الحديث عن عدم المساواة في الدخل على مشاكل الفئة الأفقر، أو الآثار الاجتماعية والاقتصادية الأوسع نطاقاً لتزايد عدم المساواة، أما الأمر الذي لا ينال نصيبه من الاهتمام هو أن عدم المساواة في الدخل يجعلنا جميعاً أقل سعادة في حياتنا، حتى لو كنا في وضع مادي جيد نسبياً.

عاينّا بيانات من استطلاع أجرته مؤسسة "غالوب وورلد" (Gallup World) وقاعدة بيانات الدخل الأعلى في العالم (World Top Incomes)، ووجدنا أنه كلما زاد تركُّز الدخل في أيدي قلّة، زاد احتمال ذكر الأفراد مستويات أقل من الرضا عن حياتهم، وتجارب شعورية يومية أكثر سلبية. أي أنه كلما ارتفعتْ حصة أغنى 1% من السكان من الدخل القومي، انخفض الرفاه العام للسكان عموماً. وعلى وجه التحديد، وجدنا أن كل زيادة نسبتها 1% في حصة الدخل لدى أغنى 1% من السكان تؤثر سلباً على الرضا عن الحياة بنسبة 1.4% في معدل البطالة على المستوى القطري.

وإليكم تفسيرنا المتصوّر لسبب ما سبق: حينما يزداد الأغنياء ثراءً، فإنهم يوسعون نطاق توزيع الدخل، بمعنى عملي، يعني هذا أنه حتى لو كنت عضواً في الطبقة المتوسطة الميسورة نسبياً، ستبدأ أسعار بعض الأشياء بالارتفاع بشكل يجعلها بعيدة عن متناول يدك، من قبيل المدارس الخاصة والمنازل في الأحياء الراقية. كما قد يكون هناك أيضاً سبب نفسي للتأثُّر: يمكن أن تُسبب الزيادة في حصة الدخل التي يحتفظ بها أغنى 1% في أن تجعلك تشعر كما لو أن فرصتك في صعود سلم الغنى وزيادة ثرائك تزداد بُعداً عنك.

ويعتمد هذا البحث على بعض الأبحاث المبكرة السابقة حول مقدار الأموال التي نحتاج إليها لنكون سعداء. ففي ورقة بحثية نُشرت في عام 2010 أعدها الحائزان على جائزة نوبل: عالم النفس دانييل كانيمان والخبير الاقتصادي أنغوس ديتون، وجدت أن المبلغ الكفيل بالحصول على السعادة اليومية [لسكان الولايات المتحدة] يقارب 75 ألف دولار في السنة، لتقف بعده السعادة عند ذاك الحد، ولا تزداد مع ازدياد الدخل. (جُمعت تلك البيانات في عام 2009. وفي تلك السنة كان متوسط دخل الأسرة في الولايات المتحدة 49,777 دولاراً، والمتوسط الحسابي 67,976 دولاراً). أكدت هذه الدراسة أيضاً وجود تمييز مهم بين الرضا عن الحياة (كيف نقيِّم حياتنا بشكل عام) ومشاعرنا كل يوم بيومه (كيف نرى حياتنا في لحظة محددة). ووجدت أن مقياس الرضا عن الحياة كان حساساً للعوامل الاجتماعية والاقتصادية، مثل مستوى دخل الشخص، وإن كان موظفاً أم لا. في حين أن تدابير الرفاه العاطفي كانت أكثر حساسية لكيفية قضاء الناس لوقتهم، مثل التنقل إلى العمل أو رعاية الآخرين.

وتتبعنا الفروق نفسها في دراستنا لعدم المساواة في الدخل ووجدنا أمراً مثيراً للاهتمام، فبينما كان الرضا عن الحياة يتناسب عكساً مع عدم المساواة في الدخل، لم نجد علاقة بين الرفاه العاطفي الإيجابي وعدم المساواة في الفئة الأعلى دخلاً. ربما يرجع السبب في ذلك إلى أن الأشياء التي تُشكل تجارب عاطفية إيجابية ليس لها علاقة بالدخل والمكانة الاجتماعية.

لكن الجانب الآخر من التجارب العاطفية الإيجابية اليومية هي تجارب عاطفية سلبية، وقد وجدنا أن هذه الزيادة ترتفع مع المدخول الذي يحصل عليه أغنى 1%. ففي المجتمعات التي يحتفظ فيها الأغنى بأغلبية دخل البلاد، كان الناس أكثر عرضة للإبلاغ عن شعورهم "بالتوتر" أو "القلق" أو "الغضب" في اليوم السابق للمسح.

لذا، إجمالاً، ومع ابتعاد المسافة بين دخل أغنى 1% من السكان ودخل البقية، يكون الرضا العام للناس عن حياتهم أقل وتجاربهم العاطفية السلبية اليومية أكبر. وثمّة آثار عديدة لهذا، إذ أظهرت أبحاث أخرى أن العمال التعساء يميلون إلى أن يكونوا أقل إنتاجية، كما وجدت الدراسات أيضاً أن من المرجح أن يأخذ العمال غير السعداء إجازات مرضية أطول، إضافة إلى ازدياد معدل الاستقالة من العمل.

وبما أن الأدلة التي لدينا هي على المستوى القُطري، فهناك آثار واضحة هنا يجب على الاقتصاديين وصانعي السياسات النظر إليها. لكن يجب على قادة الشركات أيضاً أن ينظروا إلى الآثار المحتملة لسياسات الأجور والتعويضات في نماذج مصغرة لمؤسساتهم، فتبلغ الرواتب التنفيذية الآن 200 ضعف ما يكسبه العمال المتوسطون.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي