قبل بضع سنوات، توصلنا إلى فكرة جديدة في مجال تنمية المهارات القيادية. فالأبحاث التي تحدثت عن عادات تؤدي لقرارات سيئة أخبرتنا أن الأشخاص الذين شاركوا في برنامج لتطوير الذات، سجلوا تزايداً كبيراً في نجاحاتهم عندما كانوا يتلقون تشجيعاً لاحقاً. وقد طورنا تطبيقاً إلكترونياً هدفه تقديم هذا النوع من التشجيع. فالناس الذين يستخدمون هذا التطبيق يدخلون أهدافهم الخاصة بتطوير ذاتهم ضمن البرنامج الذي يرسل لاحقاً رسائل تذكيرية كل أسبوع أو شهر ليسألهم عن حالهم ومدى التقدم الذي أحرزوه بغية تحفيزهم. وقد استثمرنا الكثير من الجهد والمال في هذا المنتج.
اقرأ أيضاً: لكي تحقق إنجازات عظيمة عليك أن تبدأ بعادات صغيرة
ولكن ما اتضح لنا هو أن الناس لم يحبوا تلقي الرسائل الإلكترونية، ووجدوها أكثر إزعاجاً من التحفيز الذي قدمته. وقد أطلق بعض مستخدمي هذا البرنامج عليه اسماً مضحكاً هو "البرنامج النقّاق". ومن نافل القول بأن هذا التطبيق لم يصل البتّة إلى المستوى الذي كنا قد ارتأينا أنه سيصل إليه. وقد قادنا تفكيرنا في القرارات التي اتخذناها وأوصلتنا إلى هذه النتيجة المخيبة للآمال إلى طرح السؤال التالي: "ما الذي يجعل الناس ذوي النوايا الحسنة يتخذون قرارات سيئة؟".
عادات تؤدي لقرارات سيئة
لكننا أردنا إجابة موضوعية. وبغية فهم الجذور الحقيقية لآلية اتخاذ القرارات السيئة، راجعنا بيانات تخصّ أكثر من 5 آلاف قيادي وقارنا سلوك الأشخاص الذين نُظر إليهم على أنهم يتّخذون قرارات سيئة وسلوك الأشخاص الذين نظر إليهم على أنهم يتخذون قرارات جيدة. وقد أجرينا تحليلاً إحصائياً (هو تحليل العامل) للسلوكيات التي ميّزت بين أسوأ أصحاب القرارات وأفضلهم. وظهرت لدينا تسعة عوامل باعتبارها أكثر المسارات شيوعاً نحو القرارات السيئة. وفيما يلي هذه العوامل التسعة مرتبة من الأكثر إلى الأقل أهمية:
1- الكسل:
وقد تجلى ذلك في الإخفاق في التحقق من الحقائق، أو أخذ زمام المبادرة، أو التثبّت من الافتراضات، أو جمع المزيد من البيانات. ببساطة ، يُنظر إلى هؤلاء الأشخاص على أنهم مائعون في أداء عملهم. لقد اعتمدوا على التجارب السابقة وتوقعوا ببساطة أن تكون النتائج امتداداً لما حدث سابقاً.
2- عدم توقع الأحداث غير المتوقعة:
من المحبط لعزيمتنا نحن البشر أن نأخذ بعين الاعتبار إمكانية حصول أحداث سلبية في حياتنا، لذلك، فإن معظم الناس يفترضون أن الأسوأ لن يحصل. ولكن لسوء الحظ، الناس يفارقون الحياة، أو ينفصلون عن أزواجهم، أو يتعرضون لحوادث. ويمكن للأسواق أن تنهار، وأسعار المنازل أن تهبط، ويمكن أن نكتشف أن بعض أصدقائنا لا يُعول عليهم. وثمة أبحاث ممتازة تُظهر بأنه لو خصص الناس بعض الوقت ليتمعنوا في الأمور التي يمكن أن تسير على ما لا يرام، فسيكونون جيدين جداً في توقع المشاكل. لكن العديد من الناس يشعرون بإثارة كبيرة تجاه قرار معين بحيث أنهم لا يخصصون وقتاً لدراسة المشاكل التي قد تحصل.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن لهاتفك أن يساعدك على اكتساب عادات أفضل؟
3- التردد في اتخاذ القرارات:
عندما يواجه المرء قراراً معقداً يستند إلى مجموعة بيانات دائمة التغيّر، فمن السهل أن يستمر في طلب تقرير إضافي واحد أو يجري تحليلاً إضافياً آخر فقط قبل اتخاذ القرار. وعندما تستغرق عملية جمع المعلومات وقتاً أطول من المتوقع، فإن الأشخاص المعتادين على اتخاذ القرارات السيئة يتأخرون، وبالتالي يخسرون الفرصة. فالنظر في البيانات، ودراسة العواقب، وثم المضي قدماً هي أمور بحاجة إلى شجاعة. وغالباً ما يكون التردّد في اتخاذ القرار أسوأ من اتخاذ قرار خاطئ. والأشخاص الذين أكثر ما يشلّهم الخوف هم الذين يعتقدون بأن خطأ واحداً كفيل بوضع حدّ لحياتهم المهنية وهم الذين يتحاشون أي مجازفة على الإطلاق.
4- عدم الخروج من الماضي:
يتخذ بعض الناس قرارات سيئة لأنهم معتادون على استعمال نفس البيانات أو العمليات التي استعملوها دائماً. فهم يعتادون على المقاربات التي نجحت في الماضي ويميلون إلى عدم البحث عن أي شيء أفضل. ولكن ما يحصل غالباً هو أنه عندما يأخذهم القرار في الاتجاه الخاطئ، فإن السبب هو أن العملية القديمة تستند إلى افتراضات لم تعد صحيحة. فأصحاب القرارات السيئة يخفقون في إبقاء هذه الافتراضات الأساسية في ذهنهم عند تطبيقهم لطرقهم التي يعتبرونها مجربة وصحيحة.
5- عدم وجود تناسق استراتيجي:
تنبع القرارات السيئة في بعض الأحيان من الفشل في ربط المشكلة بالاستراتيجية الإجمالية. ففي غياب استراتيجية واضحة تمثّل سياقاً عاماً، فإن العديد من الحلول تبدو منطقية. ولكن عندما تُربط باستراتيجية واضحة، تظهر حلول أفضل بسرعة.
6- الإفراط في الاتكال على الآخرين:
بعض القرارات لا تُتخذ البتّة لأن هناك شخصاً ما ينتظر شخصاً آخر، والذي بدوره ينتظر قراراً أو معطيات من شخص ثالث. أما أصحاب القرارات الفعالون فيجدون طريقة للتصرف باستقلالية عندما تقتضي الضرورة.
7- العزلة:
ينتظر بعض القادة المعطيات لأنهم لم يتخذوا الخطوات للحصول عليها في الوقت المناسب أو لأنهم لم يوطدوا العلاقات التي تسمح لهم بالاستفادة من خبرات الآخرين عندما يحتاجون إلى ذلك. وتقرّ كل أبحاثنا التي أجريناها (إضافة إلى الأبحاث التي أجراها الآخرون) حول اتخاذ القرارات بفعالية، بأن إشراك الآخرين الذين لديهم المعارف والخبرات والتجارب المطلوبة يحسّن جودة القرارات المتخذة.
اقرأ أيضاً: ولاء المستهلك مُبالغٌ في تقديره ركِّز على العادات بدلاً من الولاء
8- غياب العمق التقني:
تعتبر المنظمات القائمة هذه الأيام معقّدة للغاية، وحتى أفضل القادة لا يمتلكون دائماً ما يكفي من المعارف التقنية العميقة التي تؤهلهم لفهم القضايا المتعددة الأوجه تماماً. ولكن عندما يتكّل أصحاب القرارات على معارف الآخرين وخبراتهم دون أن يكون لديهم هم أنفسهم أي منظور تجاه المسائل المطروحة، فإنهم سيجدون صعوبة في الاستفادة من تلك المعلومات لاتخاذ قرارات فعالة. وعندما يفتقرون حتى إلى المعارف والخبرات الأساسية، فإنهم لن يتمكنوا بأي طريقة من الطرق من معرفة ما إذا كان القرار رائعاً أم مريعاً. وما زلنا نجد بأن أفضل المدراء التنفيذيين يمتلكون خبرات عميقة. وحتى عندما يفتقرون إلى العمق التقني لفهم تبعات القرارات التي يُواجهون بها، فإنهم يبذلون جهدهم لإيجاد الأشخاص الموهوبين الذين يحتاجون إلى مساعدتهم في هذا الصدد.
9- الفشل في التواصل:
تتحول بعض القرارات الجيدة إلى قرارات سيئة لأن الناس لا يفهمونها أو حتى لا يعرفون بوجودها. إن الوصول إلى الآخرين بشأن قرار معين لإبلاغهم بالدوافع وراء القرار وعواقبه أمر ضروري للغاية لنجاحه.
اقرأ أيضاً: من الصّعب التخلّص من العادات القديمة... لكنها تزول في نهاية المطاف
وفي نهاية الحديث عن عادات تؤدي لقرارات سيئة في حياتنا، الانتظار لوقت أطول من المطلوب للحصول على المعطيات من الآخرين. الإخفاق في الحصول على المعطيات الصحيحة في الوقت الصحيح. عدم فهم تلك المعطيات. الفشل في فهم أن شيئاً معيناً نجح في الماضي لن يكون مفيداً الآن. عدم معرفة متى يُتّخذ قرار دون توفر جميع المعلومات الصحيحة ومتى يجب الانتظار للحصول على المزيد من النصائح. لا عجب في أن الأشخاص الجيّدين يتخذون قرارات سيئة. فالمسار إلى اتخاذ القرارات الجيدة ضيّق، وبعيد من أن يكون مستقيماً. لكن إبقاء العيوب التي سلّطنا الضوء عليها في الذهن يمكن أن يجعل أي قائد صاحب قرار أكثر فعالية في قراراته.
اقرأ أيضاً: ماذا تعلمت من ستيفن كوفي مؤلف كتاب العادات السبع؟