ما الذي يمكن تعلمه من طريقة فيكتور هوغو في التغلب على التسويف؟

3 دقيقة
أدوات الالتزام
shutterstock.com/sebos

في عام 1829، اتفق الروائي الفرنسي الشهير فيكتور هوغو مع دار نشر على كتابة رواية في ظرف سنة واحدة أو نحو ذلك، لكن بعد قُرب انقضاء المدة المُتفق عليها، وتحديداً في صيف 1830، لم يُنجز هوغو أي تقدُّم يُذكر في روايته بسبب التسويف والمماطلة والاهتمام بأمور أخرى أقل أهمية، فأرسلت له دار النشر موعداً نهائياً شبه مستحيل لإرسال روايته مكتملة حدَّدته بتاريخ فبراير/شباط 1831؛ أي لديه فقط 6 أشهر ليُكمل روايته، فلجأ هوغو إلى حل غريب للتخلص من التشتت والتسويف: جمع الملابس التي في حوزته كلها، ووضعها في خزانة بعيداً عن غُرفته وأغلق عليها بإحكام، ولم يستثنِ منها إلا ثوباً واحداً يغطي به جسمه، فلم يعد يَخرج من المنزل نظراً لعدم وجود ملابس مناسبة، وانكب على الخيار الوحيد المتبقي له ألا وهو الكتابة، وبالفعل بعد أن أمضى فصلي الخريف والشتاء في المنزل، نجح في إنهاء روايته الشهيرة "أحدب نوتردام" قبل أسبوعين من الموعد النهائي. إحدى المقولات الجميلة من هذه الرواية التي قد تعكس شيئاً من دوافع هذه الخطة التي اتبعها هوغو: "مدَّ يده إلى جيبه، فلم يجد فيها إلا الواقع…لا شيء يجعل المرء مغامراً مثل جيب فارغة".

لن نخوض في أسباب التسويف والحلول المعتادة بما أننا نشرنا في هارفارد بزنس ريفيو العربية ما هو كافٍ لتشخيص الداء ووصف الدواء، لكن باختصار شديد، أهم سبب علمي للتأجيل هو الآلية التي يعمل وفقها الدماغ البشري، والتي تُفضل المكافآت الفورية، ولو كانت ضئيلة، على منافع مستقبلية ولو كانت قيمتها أكثر بكثير، أو بعبارة أخرى جامعة مانعة: "الإنسان يُحبّ العاجلة ويذَر الآخرة".

أدوات الالتزام

بعد أكثر من قرن على إصدار رواية "أحدب نوتردام"، وتحديداً عام 1955، نشر الباحث روبرت ستروتز مقالاً يتحدث فيه عن التفسير العلمي للخطة التي اتبعها هوغو؛ أي فرض قيود ذاتية لتحقيق هدف مستقبلي أكبر، وتوصّل إلى أن هذه القيود شائعة بأوجه مختلفة، مثل توفير الأموال في حساب لا يُمكن فتحه إلا مرة واحدة في السنة، أو حتى الزواج بهدف محاربة تعدد العلاقات والاستقرار في علاقة عاطفية متزنة (تذكروا، هذا كان عام 1955!). لاحقاً أطلق الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد ريتشارد ثالر مصطلح "أدوات الالتزام" (Commitment Devices) على هذه القيود الذاتية، وبيّن أنه على عكس الاعتقاد السائد لدى الاقتصاديين أن الإنسان يُفضل دائماً الحرية المُطلقة في الاختيار واتخاذ القرار، فإنه قد يرغب أيضاً في أن يكون مُقيداً لأنه يعلم أن ذلك سيساعده على تجنب الإغراءات الآنية. أي سلوك يحدّ من حريتك في سبيل تحقيق هدف أسمى يُعدّ أداة التزام: قد يكون ذلك في شكل حصالة النقود، أو وعد من موظف لمديره بإتمام المهمة في ظرف شهر واحد، أو اقتناء صحون ذات حجم أقل للالتزام بالحمية الغذائية، أو حتى مجرد تطبيق إلكتروني يُغلق هاتفك الذكي كلما تجاوزت الوقت المسموح به في سبيل تخلصك من إدمان الهاتف. طبعاً توجد قيود أخرى منتشرة في حياتنا مثل منع استخدام الهاتف في أثناء القيادة وحظر التدخين في الأماكن العامة، لكنها مفروضة من طرف خارجي سواء الحكومة أو غيرها، أما أدوات الالتزام فهي بمبادرات شخصية لتقييد نفسك دون تدخل أي طرف خارجي.

خبيرة العلوم السلوكية كاتي ميلكمان في كتابها "كيف تتغيّر؟" ذكرت العديد من الأمثلة العلمية على نجاح أدوات الالتزام في تحقيق نجاح باهر، كان أشهرها حالة غرين بانك (Green Bank) في الفلبين، الذي كان يعاني مع بداية الألفية نقصاً حاداً من الموارد المالية التي يُحصّلها في العادة من العملاء الأفراد الذين يفتحون حسابات للتوفير، لذلك اقترح مسؤلووا البنك على العملاء بعد استشارة خبراء العلوم السلوكية خيار تقييد الوصول لحساباتهم؛ أي عدم قدرتهم على الوصول إلى أموالهم إلا في فترات محددة بعد أشهر، وكانت النتيجة غير متوقعة إذ اختار 28% منهم تقييد الوصول إلى حساباتهم وترك أموالهم لفترات طويلة في البنك، وهي نسبة لافتة جداً خاصة أن مسؤولي البنك كانوا يتوقعون أن لا أحد سيُقيد نفسه، كما أن هذه الفئة التي اختارت الحسابات المُقفلة ادخرت 80% أكثر خلال العام التالي.

نصائح عملية لاستخدام أدوات الالتزام

ليس عليك أن تتبع خطة هوغو نفسها لتنفيذ مهامك، لكن توجد مجموعة من التوصيات التي تساعدك في استخدام أدوات الالتزام: 

  • يختلف نوع أداة الالتزام بحسب ما تضعه على المحك، فيمكن أن تُجبر نفسك على دفع أموال كلما لم تلتزم بالقيد الذي وضعته، أو يمكن أن يكون مجرد إعطاء وعد للآخرين والالتزام العلني أمامهم حافزاً كافياً لتحقيق هدفك. اعتمد الأداة الأكثر مُلاءمة لشخصيتك.
  • لا تجعل الخسائر كبيرة جداً في حال عدم تقيّدك، كأن ترهن شيئاً ثميناً دفعة واحدة، ولكن اجعلها على أقساط صغيرة، وكن على وعي تام أنها ستكون كبيرة ومؤثرة مع مرور الوقت. مثلاً، إذا التزمت دفع 5 دولارات على كل يوم تأخر في تسليم مهمتك، فهذا يساوي 1,825 دولاراً في السنة.
  • احذر الوقوع في انحياز التفاؤل، والمبالغة في تقدير قوة الإرادة لديك بحيث تقول: "لستُ بحاجة إلى أي أداة التزام".
  • الانحياز الآني أخطر عامل في مسألة التسويف، لذلك وازن دائماً بين المنفعة المستقبلية الكبيرة والإغراءات الآنية التي تضر غالباً أكثر مما تنفع. 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي