ملخص: غالباً ما تواجه الشركات صعوبة في إعلام الزبائن بأسعار منتجاتها وخدماتها، لأن السعر غالباً ما يكون عقبة في طريق البيع. وهو ما يقود بعضها إلى استخدام حيل التسعير التي تخفي التكلفة الحقيقية أو تضلل الزبائن بطرق أخرى. لكن هذا خطأ كبير. وتقدم هذه المقالة مبادئ توجيهية يجب على الشركات اتباعها في أثناء إعادة التفكير في استراتيجيات التسعير، لا سيّما في وقت ارتفعت فيه نسبة التضخم.
تمثل الأسعار عادة عقبة أمام شراء المنتج أو الخدمة المرغوبة، وهو ما يجعل مسعى الشركات لتقليل "الاحتكاك" في المعاملات ضرورة مشروعة تحققه من خلال تطبيق مجموعة من الحيل غير المحدودة، بدءاً من تلك الخفية إلى الماكرة.
على سبيل المثال، تعدّل بعض الشركات نهايات الأسعار لتشويه التصورات أو للإشارة إلى صفقة ما، وذلك بالاستناد إلى البحوث التي تظهر أن 9.99 دولاراً تبدو أقل من 10 دولارات بمقدار دولار واحد بدلاً من سنت واحد فقط. وتضيف شركات أخرى إلى أسعارها تلميحات معقدة أو مريبة تستحضر في أذهان الزبائن نقطة مرجعية مواتية. ويتمثل الخيار الثالث في تقسيم النفقات إلى مجموعة من رسوم المكونات على أمل أن يقلل المتسوقون من قيمة المبلغ الإجمالي في عقولهم أو بهدف جعلهم يواجهون صعوبة في المقارنة بين العروض المتنافسة. واجهت كل من شركات "تيكت ماستر" (Ticketmaster) و"أوفرستوك" (Overstock) و"إنتويت" (Intuit) عدة انتقادات لقدرتها على تضليل الزبائن حول مقدار تكلفة منتجاتها وخدماتها. وعززت نسبة التضخم الحالية ممارساتها تلك.
والتحدي الذي يعترض المؤسسات الموجهة بالهدف وقادتها واضح إذاً: هل يمكن أن تتصف الشركات بالشفافية والصدق في اللحظات التي تطلب فيها من الزبائن الدفع؟ بشكل عام، تواجه الشركات التي تعتبر أخلاقية وتبدي اهتمامها بالزبائن ضغوطاً تنافسية أو إغراءً تجارياً لجعل الأسعار تبدو أقل أهمية مما هي عليه في الواقع.
ووجدنا من خلال تجربتنا في مساعدة المؤسسات على تحسين كيفية عرض الأسعار لمنتجاتها أن نقطة الانطلاق المفيدة تتمثّل في اعتبار العلاقات مع الزبائن حواراً قائماً على التكرار تسهم فيه الشركات بتقديم المعلومات، بما فيها السعر، لتحقيق الهدف المنشود.
قد يبدو ذلك بديهياً، لكن بحثنا يظهر وجود انفصال مثير للقلق بين المشترين والبائعين حول نظرتهم للأسعار في علاقتهم. وعندما طلبنا من أكثر من 300 مستهلك إدراج الأدوات أو الأنشطة التي يعتقدون أنها شائعة الاستخدام عند الحديث عن علامة تجارية أو منتج ما، وجدنا أن النقاش حول السعر كان مذكوراً في 24% من الحالات. في الواقع، صُنّف السعر على أنه الأداة أو النشاط الأكثر فاعلية في نصف تلك الحالات. ومع ذلك، عندما طرحنا السؤال نفسه على مجموعة من المدراء التنفيذيين من مختلف القطاعات، بدا من الواضح أن الإعلان التقليدي والرقمي كانا في المقدمة (أكثر من 60% من الحالات)، بينما لم يُذكر السعر حتى.
وبمجرد أن تتقبل شركة ما فكرة أن السعر جزء لا يتجزأ من حوارها مع الزبائن، تصبح الخطوة التالية اكتشاف أفضل طريقة لعرضه. وننتقل هنا إلى مجال علم اللغة، ما يميّز الحوار الهادف في اللغويات هو افتراض أن المشاركين يحاولون اتباع 4 قواعد أساسية وتوقعهم أن الآخرين يتبعونها أيضاً:
- قاعدة الجودة: لا يقول المشاركون في محادثة ما سوى ما يعتقدون أنه صحيح ودقيق.
- قاعدة الأسلوب: يتجنبون التعبيرات الشديدة الغموض أو المعقدة أو التبسيطية.
- قاعدة الصلة: يسهمون بالمعلومات المتعلقة بالموضوع فقط.
- قاعدة الكمية: يوفرون القدر المناسب من المعلومات، لا أكثر ولا أقل من المطلوب.
وتم بالفعل تطبيق المعايير اللغوية على مجموعة متنوعة من سياقات التواصل، بما فيها الإعلان ووصف المنتجات أو التقييمات وإعلانات الشركة. وتعكس هذه القواعد الأربعة ما يمكن أن نطلق عليه "التعاون الحواري" الذي يمكن أن يوجه الشركات حول كيفية عرض الأسعار دون إثارة أي صدمات. ونورد فيما يلي 3 توصيات أولية ترتبط بالقواعد الأربع، إلى جانب أمثلة توضيحية تساعد في تبسيط أسلوب تطبيق كل توصية.
اجعل السعر تجسيداً لقيمك
ينطوي اقتراحنا الأول على جعل السعر عنصراً من عناصر النوايا المسؤولة والأخلاقية للشركة. وخير مثال على ذلك هو شركة "ساوث ويست أيرلاينز" (Southwest Airlines) التي عززت طوال تاريخها سمعتها في التركيز المنقطع النظير على الزبائن، وأدرجت الإنصاف في الأسعار في نهجها بالخدمة: تصف شركة الطيران الأميركية في موقعها على الويب نهج "الشفافية في الأسعار" بـ "النهج الذي يجري معاملة الزبائن فيه بأمانة وإنصاف، وتبقى فيه الأسعار المنخفضة منخفضة بالفعل؛ أي لا توجد رسوم غير متوقعة للحقائب أو رسوم على تغيير الرحلات أو أي رسوم خفية". وينطوي المثال الثاني على شركة "جون لويس" (John Lewis)، وهي سلسلة المتاجر الكبرى في المملكة المتحدة، التي ادّعت أنها "لم تخفض أسعارها لأي من زبائنها منذ عام 1925 باستثناء "الأسعار المنخفضة دائماً" لتأكيد التزامها بخدمة العملاء. وبالمثل، فإن استخدام التواصل البسيط والشفاف للأسعار يصب في صميم مبدأ شركة "إيكيا" القائم على "التصميم الديمقراطي" وتفاني شركة "هيونداي" في نهج "ضمان التسوق".
من وجهة نظر علم اللغة، يطبق هذا الاقتراح قاعدة الصلة: أنت تعبّر عن أخلاقيات الشركة، وتربط السعر بتلك الرسالة، وتأمل أن يكوّن الزبائن أيضاً رابطاً بين الاثنين. لكن يكمن الخطر في أن تبدو تلك الإيماءة انتهازية، بدلاً من أن تمثّل دليلاً حقيقياً على أن الشركة مستعدة لمواءمة مصالحها مع مصالح الزبائن. وكان ذلك بالتأكيد هو تصور المتفرجين حول تحوّل ملعب "ستاب هاب" (StubHub) فجأة (وبشكل غير مكلل بالنجاح) إلى التسعير "الشامل"، بعد أن تعرّض للنقد بسبب إغضابه الزبائن نتيجة فصله الرسوم والتكاليف الإضافية عن أسعار التذاكر. وبالتالي، يُعتبر الصدق بشأن دور السعر في دعم قيمة الشركة الأساسية أمراً بالغ الأهمية.
اشرح السعر
يتساءل الزبائن عادة عن سبب تحديد السعر برقم معين، أو عن سبب تغييره مؤخراً. تعرضت شركة اللياقة البدنية الناشئة الشهيرة "كلاس باس" (ClassPass) لانتقادات مؤخراً بسبب فرضها "رسوماً باهظة على الاستوديوهات" بمساعدة تقنية التسعير الديناميكية التي جعلت الأسعار غامضة وغير واضحة، إذ لم يكن من الواضح وقت تقلّب الأسعار وسبب تقلبها. وهو ما أزعج العديد من الزبائن ودفعهم إلى مغادرة المنصة.
ويتمثّل اقتراحنا الثاني لعملية عرض الأسعار في تطبيق قاعدة الأسلوب من خلال زيادة الوضوح، فقد يساعد "تبديد الغموض" حول كيفية تحديد الأسعار أو تغييرها في بناء علاقة قائمة على الثقة مع الزبائن. وعلى وجه التحديد، يمكن للشركات شرح أسبابها المنطقية وراء الأسعار أو الكشف عن مكونات السعر لمنتج أو خدمة ما. على سبيل المثال، توفر شركة الأثاث "نيبتون" (Neptune) تفاصيل شاملة لمنطقها الأساسي للتسعير، بينما تخصص شركة تطوير البرمجيات "بافر" (Buffer) تكلفة الاشتراك الشهري بخدماتها لبنود التكلفة (الرواتب، الإيجار، رسوم الوسطاء وغير ذلك) والأرباح. وقررت شركة "تيسلا" أن تشرح للمستهلكين الصينيين سبب تسعير السيارة موديل "إس" (S) بسعر أقل بكثير من أسعار الشركات المنافسة عندما تم طرحها لأول مرة في السوق. كما نشر دانيال أوداي، الرئيس التنفيذي لشركة "غلياد ساينسيز" (Gilead Sciences)، خطاباً عاماً يشرح الأهداف النهائية وراء تسعير عقار "ريمديسفير" (Remdesivir) الذي يكافح عدوى "كوفيد-19". أخيراً، يوجد توجه حديث في البيع بالتجزئة عبر الإنترنت يضيف شرحاً للأوضاع المالية للشركة على موقعها الإلكتروني، مثل شركة "زوك دوك" (ZocDoc) التي أضافت صفحة تحمل اسم "كيف نحصّل أموالنا".
انتهك أي قاعدة، لكن اجعل انتهاكك لها صارخاً
يمكنك انتهاك أي من تلك القواعد الأربع شرط أن تفعل ذلك بطريقة واضحة. في الواقع، ينتهك الأفراد تلك القواعد طوال الوقت، ولسبب وجيه: الانتهاكات الصارخة تشجع التفكير فيما يتجاوز المعاني الحرفية المباشرة، وهو ما يعزز سعة الخيال ويضيف جوانب إبداعية تُغني قيمة المحادثة.
ونقترح أن تستخدم الشركات أساليب التواصل التي تخرق عن قصد وبشكل واضح قاعدة أو أكثر لتوضيح أسعارها. على سبيل المثال، استبدلت شركة "إيكيا" في المملكة العربية السعودية القيم النقدية المطبوعة على بطاقات الأسعار والإعلانات بصور لأكواب القهوة والبيتزا والموز وغيرها من العناصر اليومية غير المكلفة نسبياً لجعل العملاء يدركون أنهم يستطيعون اقتناء الأثاث الذي تصنعه. لا أحد يستطيع حرفياً استبدال فناجين القهوة أو البيتزا بالأثاث في "إيكيا"، لكن يستنتج الزبائن أن الأثاث متوفر بأسعار معقولة تماماً مثل هذه السلع الشائعة. وبهذه الطريقة، تنتهك "إيكيا" بشكل صارخ قاعدة الصلة في عرض الأسعار لأنها تقدم معلومات غير ذات صلة في الإعلان. لكنها في الواقع طريقة أكثر تعاوناً للإشارة إلى القدرة على اقتناء منتجات الشركة.
وينطوي المثال الآخر على شعار وحملات شركة "دانتان" (Dantan) الحائزة على جوائز حول "أسعارها المرتفعة بشكل مطمئن". حاولت شركة العصائر هذه الإشارة إلى جودة منتجاتها الفائقة من خلال جعل سعرها المرتفع نسبياً بارزاً. وفي إحدى الحالات، أظهر أحد الإعلانات قسيمة تؤدي ظاهرياً إلى زيادة سعر المنتج بدلاً من خفضه عند استخدامها. وبالتالي، انتهكت الشركة قاعدة السلوك بشكل صارخ لأنها قدمت "صفقة" مربكة وغير منطقية. في المقابل، من المتوقع أن يستنتج العملاء أن هدف الشركة هو تسليط الضوء على الطعم المميز للعصير، وليس السعر نفسه.
أخيراً، قدمت ماركة الآيس كريم اليابانية "أكاغي" (Akagi) اعتذاراً مؤخراً بعد رفعها أسعار بعض منتجاتها بنسبة 12 سنتاً بعد 25 عاماً دون تغيير. قد يُعتبر هذا الاعتذار العلني المبالغ فيه عن زيادة بعض السنتات من الدولار انتهاكاً لقاعدة الكمية. لكن الشركة استخدمت هذا الانتهاك الواضح لقواعد المحادثة كوسيلة لتعزيز سمعتها.
نادراً ما تستند القرارات المتعلقة بالتسعير في المؤسسات إلى معلومات من أولئك الذين يصممون التفاعلات مع الزبائن ويطبقونها بالفعل (من خلال الإعلانات ومواقع الويب وما إلى ذلك). في الواقع، كشف استقصاء أجري مؤخراً على الرؤساء التنفيذيين للتسويق أن وظيفة التسويق تتحكم في مهمة الترويج للعلامات التجارية في 90% من الحالات، ولها دور مهم في قرارات الإعلان والتموضع، لكنها تقود التسعير في 21% فقط من الحالات. تتطلب مهمة دمج تحديد الأسعار مع أسلوب عرض الأسعار أن تعتبر المؤسسات العنصرين نتيجتين مترابطتين لعملية اتخاذ القرار نفسها. لا يعتبر القرار بشأن ما إذا كان السعر "مثالياً" أمراً رياضياً بحتاً، لكنه يمثّل أيضاً دلالة على أثر أسلوب عرض السعر في تصورات الزبائن عن نوايا الشركة.