تصرف الشركات قدراً لا حصر له من الجهد والطاقة في بناء ثقافتها من خلال تحديد قيمها وتحديث مساحات مكاتبها وتنظيم حفلات الإجازات ونزهات طوعية لمن يرغب. ومع ذلك، يبدو أن العديد من المدراء لا يدركون أنه رغم صعوبة بناء ثقافة الشركة، فإنه من السهل للغاية تدميرها. وكثيرون هم أولئك الذين يدمرونها عن غير قصد، وفي مجرد خطوتين لا غير فإنهم لا يستطيعون ضبط إرسال بريد إلكتروني في أثناء الإجازة في الشركات.
الخطوة الأولى: اذهب في إجازة.
الخطوة الثانية: تابع العمل وكأنك ما زلت في مكتبك.
إرسال بريد إلكتروني في أثناء الإجازة
إنها ممارسة شائعة داوم عليها مدراء الشركات الأميركيون. يُبيِّن بحثنا الأخير "تايم أوف" (Time Off)، أن 14% فقط من المدراء ينفصلون تماماً عن كل ما يربطهم بالعمل عندما يذهبون في إجازة. أما في المراتب القيادية العليا، فلا يفعل ذلك سوى 7%. إذ يتابع غالبية المدراء، أو يتواصلون مع مرؤوسيهم في الشركة على الأقل مرة في اليوم.
إذا كنتم تنتمون إلى هذا الفريق، فالأرجح أنكم تفكرون في الحفاظ على راحة بالكم سواء في فترة غيابكم عن المؤسسة (ماذا لو حدث شيء على درجة كبيرة من الأهمية؟)، أو لدى عودتكم (إذا لم تتواصلوا فعلياً، فكيف ستبقون على اطلاع على كل ما يستجد؟ هل ستدعون الأمور تفوتكم؟). ولكن قبل أن تضغطوا زر "الإرسال"، فكروا. ليست كل رسائل البريد الإلكتروني متساوية، وعندما تكونون في إجازة، فأنتم ترسلون رسائل أكثر مما يمكن أن تحتويه ملاحظة توجهونها لموظفيكم.
اقرأ أيضاً: عزيزي المدير: لماذا لا تذهب في إجازة؟
يدل كل بريد إلكتروني يُرسله موظف في أثناء الإجازة على حدوث بعض التآكل الثقافي: إنه إشارة إلى الموظفين الآخرين بأن الإجازة ليست كذلك في الحقيقة. عند الجمع بين هذه التآكلات البسيطة تصبح مهمة، لأنها ترسل إشارات مثل "لا أثق أنكم تؤدون العمل على أكمل وجه في غيابي" أو "لست منظماً بما يكفي للاهتمام بالتفاصيل كلها وترتيبها قبل الذهاب في إجازة". وفي الحالتين، يؤثر ذلك سلباً على صورتكم أمام الآخرين، وعلى كفاءتكم.
وفي حين يمكن لجميع الموظفين المساهمة في هذه المشكلة، فإن تأثير هذه السلوكيات يتضخم عندما يكون الفاعل أحد المدراء، ولسوء الحظ، لا يدرك الكثيرون عواقب ذلك سوى بعد حدوث الضرر. ويكون موظفو تلك الشركات التي لا تدعم ثقافاتها الانفصال التام عن العمل خلال فترة الإجازة أقل التزاماً وأقل ولاء للمؤسسة، بالمقارنة مع موظفي الشركات ذات الثقافات الداعمة للانفصال التام فترة الإجازة، يشعر قلة من هؤلاء الموظفين أن شركتهم تكّن لهم التقدير (من 69% إلى 50%) وتهتم لشأنهم الشخصي (من 64% إلى 43%). وهم في المقابل أكثر ميلاً من غيرهم للبحث عن عمل آخر. إذ يبحث أربعة من بين كل عشرة موظفين يعملون في شركات لا تدعم ثقافة الانفصال عن العمل في أثناء الإجازة عن وظيفة جديدة، أو يفكرون في البحث العام المقبل، أي ما يقرب من ضعف الموظفين البالغة نسبتهم 21% في الثقافات الداعمة.
اقرأ أيضاً: كيف تتجنب الإجهاد الذي يسبق الإجازة؟
ولقد تغير حماسهم للعمل على نحو كبير منذ آخر مرة كانوا فيها في سوق العمل. ولدى سؤالهم لماذا تركوا وظيفتهم السابقة، كان يمكن توقع أهم الأسباب التي كانت الدافع وراء قرارهم: الحصول على راتب أعلى، وفرصة للتقدم مهنياً، أو سهولة الوصول إلى العمل. والآن، وبعد أن قرروا البحث مجدداً عن عمل، فقد تراجعت تلك الأسباب بالنسبة لهم. ما عادوا يفكرون في ترك العمل بحثاً عن أمر إيجابي، إنهم يتركونه هرباً من أمر سلبي. يقول هؤلاء الموظفون، الذين يعملون في شركات لا تدعم ثقافاتها الانفصال عن العمل في أثناء الإجازة، إنهم يغادرونها لأنهم لا يشعرون بتقدير الشركة لهم، ولأنهم يعانون من أعباء العمل المجهد، أو لديهم علاقة سلبية مع مدرائهم.
المدير هو المؤثر الرئيسي على إدارة وقت الموظف، حتى أكثر من عائلة الموظف نفسه. قد لا تكون قوة هذا التأثير واضحة للمدراء تماماً كما قد لا تكون العواقب المترتبة على البقاء على اتصال بالعمل في أثناء الإجازة مقصودة، إلا أن بقاءهم على ارتباط وتواصل مع العمل في أثناء الإجازة يُعد مؤشراً لمدى دعمهم واحترامهم لوقت إجازة موظفيهم. يقول أكثر من ثلث (35%) المدراء الذين يتصلون بصورة متكررة بمكتبهم خلال إجازتهم، إن ضغط الشركة يمنعهم من الموافقة على طلبات الإجازات، مقارنة مع 20% فقط من المدراء الذين يتواصلون من حين لآخر بالشركة، أو 17% من أولئك الذين ينفصلون تماماً.
إن عواقب ثقافة الإجازات الباهظة صارخة، ولكنها توفر أيضاً فرصة رائعة للشركات التي ترى قيمة حقيقية في أخذ موظفيها فترة استراحة فعلية. تعتبر العطلة مهمة للموظفين، فهي الثانية في الأهمية بعد الرعاية الصحية، ولكنها تأتي قبل خطط معاشات التقاعد والمكافآت والمرونة، وينبغي اعتبارها فرصة لتحسين ثقافة الشركة.
ذهب جيم موفات، الرئيس التنفيذي لشركة "ديلويت للاستشارات" (Deloitte Consulting)، في إجازة عيد الغطاس بعد إرساله لبريد إلكتروني إلى موظفيه. أشار في رسالته، قبل توجهه لقضاء إجازته في أسكتلندا، إلى العمل الذي يتعين عليهم أداؤه في غيابه، وأنهاها بملاحظة فاترة "ارتاحوا قليلاً قبل عيد العمال، إذا أمكنكم ذلك". وهو اليوم يعترف أنه بقوله "إذا أمكنكم"، كان بوسعه أيضاً أن يقول "لا تجربوا حتى".
اقرأ أيضاً: كيف تقلّل التوتر قبل الإجازة وفي أثنائها وبعدها؟
لقد أدرك الأمر بعد أن رد زميل وصديق على بريده الإلكتروني مع ملاحظة نصحه فيها أن يثق في أنه وظف الفريق المناسب، وأعطاهم التوجيه الاستراتيجي المناسب، وألا حاجة به لإرسال رسائل إلكترونية في أثناء إجازته. لو أن فريقه لم يكن كذلك، لما كانت بضع رسائل إلكترونية كافية لتصحيح أي خطأ.
دعونا نلقي نظرة أخرى على خطتنا المؤلفة من خطوتين، التي تؤدي إلى تقويض ثقافة الشركة، ونرى إذا كان بإمكاننا مراجعتها. ماذا لو فعلنا ما يلي عوضاً عن ذلك؟
الخطوة 1: اذهب في إجازة.
الخطوة 2: ثق في موظفيك وفي أنهم سوف يُحسنون أداء العمل في أثناء غيابك.
يمكن أن يؤدي اتباع هذا النهج إلى إدراك أن موظفيك لديهم قدرات ومواهب جديدة، وإلى تطوير مهاراتهم، وفي نهاية المطاف تنمية أعمال الشركة.
وفي نهاية الحديث عن إرسال بريد إلكتروني في أثناء الإجازة في الشركات، العمل والتكنولوجيا مرتبطان تماماً. وفهم قوة الإجازة وقيمة وقتها، إلى جانب خلق بيئة يشعر الموظفون فيها بالدعم للانفصال عن العمل خلال فترة راحتهم، سوف يبني في النهاية قوة عاملة ملتزمة، تشعر بالقيمة والحافز والالتزام، وذلك كله له تأثير دائم.