ملخص: قد يكون من الصعب رفض طلبات الآخرين، خصوصاً إذا كنت قد بدأت مسارك المهني للتو أو شغوفاً بعملك وتجد معنى فيما تفعله. لكن الأبحاث تُظهر أن الانخراط في عمل قائم على الغاية يمكن أن يؤثر سلباً على كل من صحتك النفسية والجسدية ما لم تحافظ على توازن صحي بين العمل وحياتك الشخصية.
- للحفاظ على فعاليتك ورفاهتك بمرور الوقت، من الضروري تعلّم كيفية رفض الطلبات أو المهام.
- أولاً، غيّر عقليتك. من الصعب رفض الطلبات أو المهام عندما يعتقد الإنسان أن وظيفته أهم جانب في حياته، لذا فكر في الجوانب الأخرى المهمة والهادفة من حياتك؛ فإذا لم يكن لديك ما تفعله سوى العمل، فسيكون من الصعب عليك أن ترفض الطلبات أو المهام بقناعة تامة.
- بعد ذلك، حدد تكلفة الفرصة البديلة لرفض الطلب؛ إذا وافقت على تولي مشروع جديد مثلاً، فما الذي ستضحي به بالضرورة؟ هل سيكلفك ذلك قضاء الوقت بعيداً عن عائلتك أو يمنعك من ممارسة هوايتك، أم أنه سيؤثر على نظام نومك؟
- أخيراً، تقبّل رفض الطلبات. ابدأ بالتدرب في مواقف منخفضة المخاطر وابحث عن صديق يحمّلك المسؤولية؛ شخص يمكنه دعم رفاهتك عموماً ومساعدتك في الحفاظ على حافزك.
لعل كلمة "لا" أقوى كلمة في جميع اللغات. مع ذلك، قد يكون استخدامها صعباً جداً، لا سيما في بيئة العمل.
إذا رفضت طلباً ما، فقد تخيّب أمل زميلك أو مديرك، وقد تجد نفسك وحيداً في الدفاع عن مبادئك. بالإضافة إلى ذلك، قد يعني الرفض التخلي عن فرصة مثيرة للاهتمام، وإذا كنت جديداً في مؤسسة ورفضت طلباً ما، فقد تخشى أن يظن الآخرون أنك لا تتمتع بروح الجماعة.
ويصبح رفض الطلبات أصعب في الواقع عندما تجد المعنى والسعادة فيما تفعله؛ فإذا كنت تعشق وظيفتك حقاً، فقد تخشى من ضياع فرصة ذات مغزى في كل مرة تحتاج فيها إلى وضع حدود صحية أو رفض طلبات معينة.
في الواقع، يواجه الموظفون الشغوفون بعملهم خطورة أكبر للإصابة بالاحتراق الوظيفي بسبب ذلك تحديداً. تظهر الأبحاث الحديثة التي أجرتها جامعة ديوك أن البعض يعتقدون بمشروعية الاستفادة من الموظفين الشغوفين بعملهم أكثر من أولئك الذين ليسوا كذلك. من المرجح أن يُطلب من الموظفين الشغوفين أداء عمل دون أجر والعمل في عطلات نهاية الأسبوع والتعامل مع مهام مهينة لا علاقة لها بأدوارهم الأصلية. ينبع هذا الاتجاه من اعتقادين: الأول هو أن الموظفين الشغوفين ربما تطوعوا لأداء هذا العمل الإضافي بطيب خاطر على أي حال، والثاني أن العمل الإضافي بحد ذاته هو مكافأة للموظف الشغوف بوظيفته.
يكون رفض الطلبات أو المهام أصعب بالنسبة لمن ينضمون إلى قوة العمل حديثاً ويهدفون إلى بناء سمعة جيدة. ففي حين أنه قد يكون من المرضي العثور على وظيفة تتوافق مع قيمك وأهدافك، فإن الانخراط في عمل قائم على الغاية يمكن أن يؤثر سلباً على صحتيك النفسية والجسدية ما لم تحافظ على توازن صحي بين العمل وحياتك الشخصية.
يؤسفني أني شهدت الموقف التالي: كان عميلي، محمد، شغوفاً جداً بعمله في خدمات المرضى في شركة رائدة للتكنولوجيا الحيوية تركز على تطوير علاجات مبتكرة للسرطان. ولأنه كان يحب عمله كثيراً، فقد كان على استعداد لتحمل المزيد من المسؤوليات والمهام، ولكن مع مرور الوقت، أدت هذه العقلية به إلى العمل ساعات طويلة مرهقة مع أيام راحة محدودة. نتيجة لذلك، يشعر محمد الآن بالإرهاق والتشوش الذهني وخيبة الأمل.
هل مررت بمثل هذا الموقف من قبل؟
للحفاظ على فعاليتك ورفاهتك بمرور الوقت، من الضروري تعلّم كيفية رفض الطلبات أو المهام. فيما يلي 3 استراتيجيات أثبتت فعاليتها وتساعدك في تحديد الوقت المناسب لرفض طلب ما وسببه، حتى لو كنت تحب ما تفعله حقاً. ستمنحك هذه الخطوات مع ممارستها الثقة التي تحتاج إليها لتشعر بالرضا عن قراراتك، بما فيها رفضك تولي عمل لا يجلب لك أي فوائد.
1. غيّر عقليتك
من الصعب رفض الطلبات أو المهام عندما يعتقد الإنسان أن وظيفته أهم جانب في حياته، وتتمثل الخطوة الأولى لتحقيق توازن صحي بين العمل والحياة في تغيير هذه العقلية. إليك الطريقة.
أولاً، أعِد تقييم قيمك وأولوياتك
قد يكون عملك أولوية قصوى بالنسبة لك، ولكن ما الجوانب الأخرى المهمة والهادفة في حياتك؟ إذا لم تكن متأكداً من قيمك وكيف تريد قضاء وقتك خارج العمل، فسيصعب عليك رفض الطلبات أو المهام بقناعة تامة.
اسأل نفسك: كيف سأقضي وقتي إذا كان لدي يوم أو حتى أسبوع كامل خالٍ تماماً من أي التزامات أو مهام؟ هل هناك أنشطة أو هوايات كنت أستمتع بها في الماضي ولم أعد أمارسها الآن بسبب انشغالي الشديد؟ هل هناك أشخاص أرغب بشدة في قضاء وقت أكبر معهم؟
من خلال التفكير في هذه الأسئلة، ستدرك كمية الأنشطة والعلاقات التي كانت مُرضية سابقاً وأهملتها بمرور الوقت. عندما تفكر فيها بوعي، قد تشعر بدافع أكبر لتخصيص الوقت لها في حياتك مرة أخرى. حتى لو وجدت عملك بعد الانتهاء من هذا التمرين مرضياً أكثر من هواياتك واهتماماتك الشخصية، لا يزال من المهم أخذ فترات راحة من العمل لأداء أفضل ما لديك. إذا كان هذا ينطبق عليك، فعليك تحدي نفسك لإعطاء الأولوية لحياتك الشخصية بالقدر نفسه، وسيكون لذلك فوائد إيجابية.
الخطوة التالية هي ترتيب هذه الأولويات في جدول مواعيدك
تعرض التقويمات الرقمية مثل آوتلوك وجوجل مساحة كبيرة مكونة من 24 ساعة كل يوم من أيام الأسبوع، ما يترك لديك انطباعاً خاطئاً بأن لديك وقت فراغ كبير. لكن هذه التقويمات لا تعرض بوضوح الوقت الذي تحتاج إليه للنوم والعناية بنفسك والاهتمام بعلاقاتك الهادفة. بعبارة أخرى، يخدعك التقويم بطريقة ما.
لضمان مواءمة وقتك بفعالية أكبر مع أولوياتك كلها والحصول على صورة أكثر واقعية للوقت المتاح لديك، يجب إضافة جميع التزاماتك، الشخصية والمهنية، إلى جدول مواعيدك. قد يشمل ذلك نشاطات مثل دروس اليوغا أو العناية بحيوانك الأليف أو العشاء مع العائلة أو الأصدقاء، بالإضافة إلى بضع ساعات للعمل المركّز دون انقطاع على مهام العمل الرئيسية. أوصي شخصياً بإضافة ساعات نومك إلى جدول مواعيدك أيضاً.
ستتكون لديك صورة أوضح لوقت الفراغ المتاح لديك ما يساعدك في تقييم قدرتك على تولي عمل إضافي بدقة.
2. حدد تكلفة الفرصة البديلة لقبول الطلبات أو المهام
غالباً ما نوافق على طلبات أو مهام دون التفكير ملياً فيما نوافق عليه وما سيكلفنا من وقت وطاقة. إليك كيفية معرفة ذلك.
اسأل نفسك 3 أسئلة:
ما الفائدة التي سأجنيها؟ بدلاً من الموافقة فوراً على الطلب أو الفرصة التالية التي تظهر، اطرح أسئلة لضمان فهمك الكامل للالتزام المطلوب. على سبيل المثال، إذا طلب منك مديرك أن تتولى مشروعاً آخر في الوقت الذي تعمل فيه على الكثير من المهام، ففكر ملياً فيما إذا كانت الموافقة ستعود عليك بالفائدة حقاً. هل يمكن أن تساعدك هذه المهمة في تطوير معرفتك أو مهاراتك وتعزيز حياتك المهنية، ويجب ألا تفوّتها؟ وهل يمكن أن تساعدك في إظهار مهاراتك المكتسبة حديثاً أو التي ربما لم يلاحظها مديرك؟
هل أملك القدرة أو الوقت للتعامل مع المهمة؟ غالباً ما نقدّر المدة التي سيستغرقها إنجاز المهام التي نأخذها على عاتقنا بأقل مما يجب، يُعرف هذا الميل باسم مغالطة التخطيط، وهو تحيز معرفي يدفعنا باستمرار لتقليل الوقت الذي سيستغرقه تنفيذ شيء ما حتى لو كنا نعلم من التجارب السابقة أن المهام المماثلة تستغرق وقتاً أطول. ينبع هذا التحيز في التنبؤ من إحساسنا بالتفاؤل واعتقادنا أن الأمور ستسير بسلاسة، ولكن الأحداث تسير بصورة مخالفة لتوقعاتنا، وغالباً ما نواجه عقبات وتأخيرات وانقطاعات غير متوقعة تعوق تقدمنا. لتخفيف آثار مغالطة التخطيط، أقترح إضافة وقت احتياطي بنسبة 20% إلى الوقت الذي تقدّر أنه سيكون مطلوباً لإكمال المهمة. إذا رأيت أن المشروع مهم جداً ويجب أن تشارك فيه، فاسأل مديرك عما إذا كان بمقدوره تعديل أولوياتك الأخرى أو تفويضها إلى شخص آخر لتوفير الوقت الذي ستحتاج إليه لتلبية طلبه.
ما الذي يجب أن أتخلى عنه لأتولى هذا؟ على الرغم من جهودنا لتحمل المزيد من المسؤوليات دون إنقاص شيء من مسؤولياتنا السابقة، فنحن نتحمل تكلفة الفرصة البديلة دوماً. إذا وافقت على الانضمام إلى لجنة جديدة، فما التضحية المقابِلة؟ على سبيل المثال، هل ستضطر إلى التغيب عن التمرين الرياضي المسائي لأن اجتماعات الفريق مجدولة في نفس الوقت؟ أو هل ستحتاج إلى حضور اجتماعات في وقت متأخر من الليل يمكن أن تعرقل نظام نومك؟ من خلال الفهم الواضح لما تتطلبه الموافقة على الطلب والسماح ببعض المرونة في جدول مواعيدك، ستكون لديك قدرة أكبر لاتخاذ قرارات مستنيرة بشأن المقايضات.
أنشئ قائمة مراجعة
بصفتي مدربة تنفيذية تحب وظيفتها، يمكنني فهم سهولة الانغماس في عملك. بالإضافة إلى التفكير في تكاليف الفرصة البديلة للموافقة على طلب ما، أستخدم قائمة مراجعة من الأسئلة لتقييم الطلبات والفرص التي أتلقاها بعناية أكبر والتحكم في ميولي للموافقة دون مراعاة الآثار المترتبة عليها.
تتضمن الأسئلة التي أطرحها على نفسي ما يلي:
- هل أنا الوحيد القادر على إكمال هذه المهمة أو هذا المشروع؟
- هل ستساعدني الموافقة على هذا المشروع في تحقيق أهم أولوياتي وأهدافي البعيدة الأجل؟
- إذا رفضت هذه الفرصة، فهل سيكون لذلك أي تأثير مهم على المدى القصير أو الطويل؟
إذا أجبت عن أي من هذه الأسئلة بالنفي، فأنا أعلم أنه ربما من مصلحتي أن أرفض الطلب أو الفرصة.
3. كن مرتاحاً لقول "لا"
الآن بعد أن أصبحت لديك أدوات لمساعدتك في تحديد الوقت المناسب لرفض الطلب وسببه، يجب أن تركز على تعلم كيفية الرفض بطريقة استراتيجية وفعالة. في حين أن تعلم الرفض قد يمثل تحدياً مستمراً، لكنه مهارة يمكن تحسينها بالممارسة وستصبح أسهل بمرور الوقت.
ابدأ بالتمرين؛ "لا"
ابدأ بالتدرب على الرفض في المواقف غير المهمة أو ليست بذات أهمية عاطفية لك. على سبيل المثال، ارفض عندما يطلب منك شخص ما التوقيع على عريضة، أو عندما تتلقى دعوة لمناسبة اجتماعية لست متحمساً لها. انظر إلى نفسك في المرآة وقل بصوت عالٍ "لا" عدة مرات. قد يبدو الأمر سخيفاً، لكن هذه الممارسة ستساعدك على تنمية الثقة والقدرة على الرفض في المواقف الأصعب.
افترض أن شخصاً آخر غير مديرك طلب منك تنفيذ مشروع جديد. قد ترفض بأدب بالقول: "شكراً لك للتفكير بي في هذا المشروع المثير للاهتمام، لكن للأسف لا أستطيع حالياً تولي أي عمل إضافي بسبب التزاماتي الأخرى". أو إذا طلب منك مديرك تولي مهمة موعدها النهائي غير واقعي، فيمكنك الرد بالقول: "يسعدني تقديم المساعدة ولكن لدي التزامات أخرى في العمل حالياً، لذلك لن يكون بمقدوري البدء بالعمل في هذا المشروع حتى الأسبوع المقبل. هل يناسبك ذلك؟ إذا لم يناسبك، فكيف يمكننا إعادة ترتيب أولوياتي الأخرى؟".
ابحث عن رفيق لمساءلتك
لدى المسؤولين التنفيذيين المتميزين الذين يشعرون بالرضا أفراد في شبكات معارفهم يشجعونهم على تعزيز التوازن بين العمل والحياة وتحميلهم المسؤولية عن الأنشطة التي تعزز صحتهم؛ ابحث عن صديق أو زميل يمكنه مساءلتك حول التزامك بذلك. يمكن أن يساعد الحصول على هذا الدعم الاجتماعي في ضمان تخصيص وقت للأنشطة التي تدعم رفاهتك العامة، مثل الرياضة أو الهوايات أو الموسيقى أو العمل التطوعي.
شارك أهدافك المحددة مع صديق المساءلة وضع جدولاً زمنياً منتظماً للقاء به، كل أسبوعين في البداية على سبيل المثال. عند لقائك به، ناقش معه تقدمك نحو تحقيق أهدافك وأي تحديات واجهتها. تحدث عن المواقف التي كان الرفض فيها أسهل عليك والمجالات التي تحتاج فيها إلى المزيد من التحفيز. يمكن لصديق المساءلة أن يشجعك عندما تشعر بالتردد أو الرغبة في الموافقة مرة أخرى، ويمكنه أيضاً مساعدتك في التدرب على الرفض استعداداً لأي مواقف مستقبلية قد يتعين عليك فيها رفض طلب أو فرصة.
باستخدام هذه الاستراتيجيات، ستعزز قدرتك على الرفض وستحمي صحتك النفسية وفعاليتك وقدرتك على إحداث تأثير إيجابي على المدى الطويل.