أصبح فيروس كورونا الجديد "كوفيد-19" (Covid-19) منتشراً على مستوى العالم. فقد بدأت مجموعات كبيرة من الحالات تظهر خارج الصين في بلدان كثيرة منها كوريا الجنوبية وإيطاليا وإيران وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وفي بلدان عربية أيضاً. ويتوقّع مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) حدوث اضطرابات حادّة داخل الولايات المتحدة. يطرح فيروس كورونا تحدّيات عالمية جديدة أكثر من أيّ وباء حديث. وكجزء من دعمها الذي أعلنت عنه مؤخراً للقاحات والعلاجات والمعدّات الواقية والذي تقدّر قيمته بـ 2.5 مليار دولار أميركي، يجب على الحكومة الأميركية أيضاً أن تولي أولوية كبرى للتطوير السريع لمعدات تشخيصية رخيصة مُقدَّمة في أماكن الرعاية، بغرض استخدامها في العيادات والمنازل، حتى تتمكن المجتمعات من اكتشاف المرض واحتوائه سريعاً.
لا يمكن تطوير اللقاحات بالسرعة الكافية نتيجة لأسباب ناقشناها سابقاً: فهي لن تكون متاحة لعامّة الشعب قبل عام على الأقل وفقاً لفرانسيس كولينز، مدير إدارة "معاهد الصحة الوطنية الأميركية" (National Institutes of Health). وما يزيد الأمور تعقيداً هو أن الجهات المُصنّعة القادرة على إنتاج لقاح لفيروس كورونا بكميات كبيرة لم تلتزم بعد بإنتاج لقاح تُعدّه "معاهد الصحة الوطنية الأميركية" وفقاً لطوني فوشي، مدير إدارة "المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية" National Institute of Allergy and Infectious Diseases.
في الوقت الحالي، يتمثّل أفضل التدابير في فحص المرضى الذين يشكون من الأعراض لمنع انتشار الفيروس، أو إبطاء انتشاره. كما يمكن للفحص أن يحدد بدقة "مراكز النشاط" التي يُمكن فيها أخذ تدابير على نطاق المجتمع من قبيل التباعد الاجتماعي (أي حمل الناس على تجنّب الآخرين من خلال العمل في المنزل مثلاً)، والعزل في المنزل (أي مطالبة الأشخاص المصابين بفيروس "كوفيد-19" بالبقاء في المنزل) بعين الاعتبار. وتُطبّق الصين هذه الاستراتيجية بالفعل.
قد يكون من الضروري إجراء فحوص على نطاق عالمي أوسع رغم ذلك، وقد يستلزم ذلك توافر معدات تشخيصية "سريعة" مقدَّمة في أماكن الرعاية. وقد طرحنا القضية ذاتها لمواجهة أزمات انتشار فيروسيّ إيبولا وزيكا اللذين كانا أقلّ انتشاراً، ولكنهما كانا مأساويين. ولا يمكن لمثل هذه الاختبارات واسعة النطاق أن تعتمد على معدّات متخصّصة وعدد محدود نسبياً من المختبرات المركزية، فيجب أن يُفحص الناس في العيادات، وربما عند أعتاب منازلهم حتى. تشير أحدث نماذجنا إلى أنه من أجل السيطرة على فيروس كورونا في غضون سنة، فسيكون من الضروري أن يُفحص 80% من المرضى الذين يشكون من الأعراض ويُعزلوا خلال يوم من ظهور الأعراض لديهم. ويتسق ذلك مع نمذجتنا التي سبق أن نُشرت حول فيروس إيبولا.
في الوقت الحالي، تُشخّص معظم الأمراض الميالة إلى التفشّي بما فيها فيروس كورونا، بوساطة تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) الذي غالباً ما يتطلّب أجهزة مخبرية خاصة وفنيين حاصلين على تدريب عالٍ لتشغيلها. يصعب توسيع نطاق اختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل عادةً أو إضفاء الطابع اللامركزي عليها. ويشير بيل غيتس إلى ضرورة توزيع الإصدارات القابلة للحمل من آلات التشخيص الجزيئي هذه في جميع أنحاء أفريقيا، لمنع انتشار فيروس كورونا.
رغم ذلك، يتطلب تشغيل آلات الاختبار أيضاً معدات اختبار استهلاكية، وقد تجاوز عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا في الصين سعة الاختبار المخبري فيها بسبب نقص معدات اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل. وبالتالي، اضطرت الصين إلى اللجوء إلى استخدام الأشعة المقطعية كاختبار سريع موجود في المستشفيات لفحص المرضى المصابين بفيروس كورونا متبوعة بالاختبار المخبري للتأكيد. فلا تمتلك العديد من العيادات الآلات المُكلفة اللازمة لإجراء فحص الأشعة المقطعية. وإذا فاق عدد الأشخاص الذين يحتاجون الخضوع للفحوصات في الولايات المتّحدة نسبة مئوية ضئيلة من السكّان، فقد يواجه نظام الرعاية الصحية في الولايات المتّحدة تحدّيات على نطاق مماثل. أثناء حالة الطوارئ الصحية لفيروس زيكا، وُجدت بعض النساء الحوامل في الولايات المتأثرة صعوبات في الخضوع للاختبارات، علماً أنّ النساء الحوامل يُشكّلن حوالي 2% فحسب من سكان الولايات المتحدة.
ردّاً على طلب الكونغرس، طوّر مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها اختباراً لفيروس كورونا قائماً على تفاعل البوليميراز المتسلسل يتطلّب مختبراً، ورخّصت "إدارة الدواء والغذاء (إف دي أيه)" (FDA) معدّات الاختبار هذه لاستخدامها في حالات الطوارئ. لكن من السهل تخيّل سيناريو يتجاوز فيه الطلب على معدات الاختبار المعروض منها بشكل مشابه لما جرى في الصين. ومع ذلك، تُشير الأخبار في الولايات المتّحدة إلى وجود بعض المشاكل المبكرة في التحاليل التي يُجريها مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها، ما يجعل استخدامها غير ممكن إلا في 12 مختبراً من أصل 100 مختبر للصحة العامة في أنحاء الولايات المتحدة.
وإذا ما أُعطيت الأولوية، فمن الممكن تطوير المعدات التشخيصية المقدّمة في مراكز الرعاية الصحية خلال أشهر بتكلفة تبلغ عشرات الملايين من الدولارات. إذ تتسابق شركات عدّة لتطوير معدات من هذا النوع، لكنّها تحتاج إلى المساعدة لتنجح. وتتضمن المعدات: الأدوات التشخيصية الجديدة المحدّدة من قبل "مؤسّسة التقنيات التشخيصية المبتكرة" Foundation for Innovative Diagnostics واختبار الـ 15 دقيقة الذي يُطوّر في المختبرات الصينية واختباراً يُجرى في جامعة "ديوك" Duke يجري توزيعه في سنغافورة، واختبارات تشخيصية باستخدام تقنية "كريسبر" CRISPR. ولا تزال هذه الجهود في حاجة إلى مزيد من تدفق الأموال والمنافسة القوية والتنسيق والإدارة الحكومية المترابطة.
بينما يُعدّ تطوير معدات تشخيصية أقل تعقيداً وكلفة بالمقارنة مع إيجاد لقاحات جديدة، فهو لا يزال يتطلّب الاختبار والمصادقة. لدى إدارة الدواء والغذاء (إف دي أيه) الأميركية مسار معجل للأدوات التشخيصية "اللازمة بشكل عاجل"، لكنه يعتمد على المطوّرين لإرسال نتائج دراسات التحقق السريرية التي يتعيّن على المطورين إجراؤها أو دعمها بأنفسهم.
وكما كانتْ الحال بالنسبة لتطوير معدات تشخيصية مقدّمة في أماكن الرعاية لفيروسي إيبولا وزيكا، قد يواجه مطورو معدات تشخيص فيروس كورونا صعوبات في الحصول على عينات سريرية من مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، ومن هيئات الصحة المحلية. وتعدّ هذه المعدات ضرورية للتحقق من صحة الاختبارات التي يجرونها بغية الحصول على موافقة إدارة الدواء والغذاء (إف دي أيه) الأميركية.
في ظل غياب منهجية موحّدة لإجراء هذه التقييمات بسرعة وثقة باستخدام عدد كافٍ من العيّنات السريرية، قد تشكّك هيئات من قبيل مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها أو منظمة الصحة العالمية (WHO) في الدقة والظروف التي أُحرزت هذه النتائج في ظلها، ما يؤدي إلى تعطيل انتشارها (حتى بعد الحصول على تصريح طارئ من إدارة الدواء والغذاء (إف دي أيه) الأميركية على أساس التقييمات السريرية التي يجريها المطوّر). وهذا هو ما حصل بالضبط أثناء انتشار فيروس إيبولا. إذ لم تحصل معدات تشخيصية سريعة أظهرت نتائج واعدة اعتباراً من شهر أكتوبر/تشرين الأول 2014 على ترخيص من إدارة الدواء والغذاء (إف دي أيه) الأميركية حتى يناير/كانون الثاني 2015، وكان أداؤها غير واضحاً حتى يونيو/حزيران 2015 عندما نُشرت الاختبارات الميدانية. ورغم أنّها كانت سريعة التقدم، إلا أنها لم تُستخدم أبداً في الميدان أثناء ذروة تفشي وباء إيبولا.
ونظراً إلى أنّ الحكومة الأميركية تمتلك الخبرة والميزانية اللازمة لتطوير معدات تشخيصية سريعة مقدمة في أماكن الرعاية، يتوجب عليها أخذ زمام المبادرة في القيام بذلك. فعليها أن تُكلّف وكالة واحدة أو فريق مهمة أو هيكلاً تنفيذياً بقيادة هذه الجهود وإزالة العوائق غير الضرورية، بشكل مماثل لمديرية مكافحة الجائحة التي أوصى رون كلين، "القيصر المكلّف بمكافحة فيروس إيبولا" من قبل الرئيس أوباما بإنشائها داخل "مجلس الأمن القومي" (National Security Council). ويجب أن تُمنح صلاحيات واسعة وتُحاسَب على التتبع السريع والاستباقي لتطوّر المعدات التشخيصية الجديدة.
كما أنّنا نحتاج إلى منح جوائز "للتحديات العظمى" (بقيمة 100 مليون دولار أميركي مثلاً) لنحفز هذه الجهود في القطاع الخاص. إذ سوف يعتبر العديد من المطوّرين والشركات دون حوافز كافية أن الاستثمار اللازم لتطوير معدات تشخيصية يشكّل خطراً مالياً كبيراً.
يستلزم تطوير معدات تشخيصية غير مكلفة مقدَّمة في أماكن الرعاية ومتاحة على نطاق واسع، قيادة قابلة للمساءلة، وحوكمة حاسمة تستند إلى أساس علمي، وتمويلاً كبيراً، وتطبيق البروتوكولات العلمية الموثوقة والقائمة على المبادئ لتحديد الأشخاص الذين يجب فحصهم وكيفية تفسير النتائج وأفضل السبل لعلاج الأشخاص المصابين وحجرهم. ولن يساعد اتخاذ هذه الإجراءات الآن على احتواء تفشّي وباء "كوفيد-19" بدرجة كبيرة فحسب، لكنه سيوجِد أيضاً نظاماً لتطوير أدوات مماثلة لوقف انتشار الأوبئة في المستقبل. ومن خلال اتخاذ زمام المبادرة في إيجاد بنية تحتية مماثلة، تستطيع الولايات المتحدة مساعدة نفسها وبقية العالم.