طريقة جاك ويلش في القيادة

5 دقيقة
جاك ويلش وصيغة القيادة الناجحة

إليك هذا المقال الذي يتحدث عن جاك ويلش وصيغة القيادة الناجحة تحديداً. وُصِف جاك ويلش من قبل الكثيرين بأنه أعظم قائد في عصره، فمنذ توليه منصب الرئيس التنفيذي لشركة "جنرال إلكتريك" في الفترة من عام 1981 إلى عام 2001 استطاع تحويلها من شركة معروفة بصناعة الأجهزة المنزلية والمصابيح الكهربية إلى شركة متعددة الجنسيات تمتد أنشطتها لتشمل الخدمات المالية ووسائل الإعلام إلى جانب المنتجات الصناعية. وُجِّهت إليه في البداية انتقادات حادة لخفض التكاليف وتسريح العمال، حتى لُقِّب بـ "نيوترون جاك"، ولكن مع زيادة إيرادات "جنرال إلكتريك" وارتفاع أسعار أسهمها في السنوات اللاحقة كيلت له عبارات الثناء والمديح، إلا أن الكثيرين شككوا في السنوات الأخيرة في استراتيجيته وأسلوب قيادته وإرثه. هل كان قاسياً؟ هل أدت مساعيه الحثيثة للنمو، وخاصة في "جنرال إلكتريك كابيتال" (GE Capital)، إلى غرس بذور المتاعب التي عانت منها الشركة لاحقاً؟ هل كان بحق رئيساً تنفيذياً يجدر بالآخرين محاكاته؟

جاك ويلش وصيغة القيادة الناجحة

ارتكب جاك أخطاء بكل تأكيد طوال حياته المهنية، وربما ليس هو النموذج المثالي للقيادة في القرن الحادي والعشرين، ومع ذلك، فقد تعلمت منه الكثير من الدروس كشخص يعرفه على المستويين الشخصي والمهني، وأعتقد أن الآخرين لا يزال بإمكانهم التعلم منه أيضاً. فيما يلي ثلاثة من مبادئه التي أعتقد أنها يمكن أن تفيد مدراء اليوم كما أفادته هو من قبل.

احرص على سلامة قرارات التوظيف. أشار بيتر دراكر في مقاله الكلاسيكي المنشور بمجلة "هارفارد بزنس ريفيو" حول هذا الموضوع إلى أن "الوقت الذي يقضيه المسؤولون التنفيذيون في إدارة العنصر البشري واتخاذ قرارات التوظيف يفوق الوقت الذي يقضونه في أي شيء آخر، وهو ما يُفترض أن يكون. إذ لا توجد قرارات أخرى تدوم نتائجها طويلاً أو يصعب اتخاذها كهذه القرارات". ولقد آمن جاك بهذه الفكرة من كل قلبه. وعلى الرغم من أنني أجريت مقابلات مع أكثر من 20,000 قائد خلال مسيرتي المهنية التي استمرت لثلاثة عقود من الزمان كاستشاري متخصص في البحث عن المسؤولين التنفيذيين، فإنني لم ألق مسؤولاً أكثر منه التزاماً وانضباطاً بشأن قرارات التوظيف السديدة، فعندما تحدثت معه في أثناء تأليف كتابي الأول، أكد لي أن التعيين الفاعل "صعب للغاية" ولكنه مهارة أساسية للتطوير. وقدَّر أن نجاحه في هذا الصدد لم يتجاوز نسبة 50% في مستهل مشواره الإداري، ولكن بعد 30 عاماً من الخبرة تحسن مستواه كرئيس تنفيذي بما يكفي لإجراء اختيارات رائعة بواقع أربع مرات من أصل خمس.

خلال سنوات عمله في "جنرال إلكتريك"، ربما قضى جاك أكثر من نصف وقته في وضع الأشخاص المناسبين في الأماكن المناسبة ثم مساعدتهم على الازدهار، حيث كان يتدخل بنفسه في قرارات التعيين التي يسندها معظم الرؤساء التنفيذيين في الشركات العالمية لغيرهم من الموظفين، وحرص على عدم الوقوع في الخطأ المتكرر والمتمثل في تعيين أفضل القادة أو من يُرجَى لهم مستقبل مرموق في أكبر القطاعات أو أضخمها حينذاك، ولم يتردد في إرسال نخبه اللامعة إلى الهند أو الصين حتى عندما كان حضور "جنرال إلكتريك" لا يزال ضئيلاً في هذه الدول، وكان يعرف أيضاً متى وكيف يقيل الموظفين أصحاب الأداء الضعيف أو الذين لا تتناسب مؤهلاتهم مع المناصب التي يتقلدونها.

وُجِّهت بالطبع انتقادات حادة إلى جاك بسبب اختياره جيف إيملت لخلافته في منصب الرئيس التنفيذي لشركة "جنرال إلكتريك" بعد أن خسرت الشركة في عهده مليارات الدولارات من قيمتها، ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أقر بأن كلاً من السلطة التنفيذية والشركة لم تكونا في وضع يسمح لهما بتجاوز الأزمات وعمليات الزعزعة التي شهدها العقد الأول من الألفية الجديدة، وللأسف يمكن اعتبار هذا القرار تحديداً جزءاً من أخطاء جاك البالغة 20% من إجمالي قراراته التوظيفية.

بعد تقاعده من كافة مناصبه كمستثمر وعضو مجلس إدارة ومعلم ومستشار للقيادة في "جنرال إلكتريك"، واصل الدعوة إلى الاعتناء بعمليتي التوظيف والإقالة، علاوة على قياس أداء المدراء وتقييمهم من خلال قرارات التوظيف الصادرة عنهم، حتى أنه اقترح تقييم أي شخص يشارك في تعيين أو ترقية الموظفين بناء على نجاحاتهم وإخفاقاتهم، وهو ما أسماه "متوسط الضرب"، وأشار إلى أن هذا لن يسهم فقط في تقييم مهارات الاختيار المهمة لأحدهم، بل سيحث المدراء أيضاً على دعم الموظفين الجدد أو التراجع عن اختياراتهم السيئة عند الحاجة.

تحدث بصراحة. كانت صراحة جاك الاستثنائية ثاني أهم مميزات منهجه في القيادة، حتى أنه أفرد الفصل الثاني من كتابه "الفوز" (Winning) لهذا الموضوع، وفيه اعتبر عدم الصراحة سلوكاً "مدمراً" لأنه "يقف حجر عثرة أمام الأفكار الذكية وسرعة الحركة، ويحول دون إسهام الموظفين المتميزين بكل ما في جعبتهم"، وما من مرة التقيت فيها جاك، بغض النظر عن عمق علاقتي به، إلا وفاجأني بصراحته وحرصه الشديد على التأكد من ثقتي التامة في الآراء التي أطرحها عليه وحسن اطلاعي على ملابساتها.

يربط الكثيرون بين صراحة جاك وحبه للتمايز (الفصل الثالث في كتاب "الفوز")، الذي يدعو إلى تقسيم الموظفين إلى ثلاث فئات: أعلاهم أداء بنسبة 20%، وأوسطهم أداء بنسبة 70%، وأدناهم أداء بنسبة 10%، ويرى جاك أنه "يجب إقالة هذا الصنف الأخير دون تملّق". واعتبر البعض أن القسوة تغلف هذا النوع من الصراحة المتمثلة في الآراء التقويمية الصريحة أو الإقالة، لكن جاك دافع عنها واعتبرها نوعاً من حسن المعاملة. وقال شيئاً من هذا القبيل لأحد الحضور الذي شكك في منهجه، وذلك خلال مؤتمر تحدثت فيه أنا وجاك: "ماذا سيحدث إذا لم تخبر شخصاً لسنوات وسنوات بأن أداءه دون المستوى، ولم تمنحه الفرصة لمحاولة تحسين مستواه، ومراجعته الرأي للتحقق مما إذا كان بإمكانه أداء دور آخر في الشركة، أو حتى البحث عن مكان آخر يناسب إمكاناته؟ ثم يحل الركود وتضطر إلى إقالة هذا الشخص بعد أن كبر سنه وصار غير مستعد لمواجهة سوق أكثر صرامة؟ أيهما أكثر قسوة؟" ولا يفوتني أن أشير هنا إلى أنه كان يتحرى الصراحة في موضوعات أخرى بخلاف الأداء، فقد شدد على القيم أيضاً، وفي الواقع استخدم مصفوفة "2 × 2" لتقييم الموظفين على كلا المقياسين، بحيث إذا لم يحقق الموظف أعلى الدرجات في كلتا الفئتين، يعرّفه بذلك، وإن لم يتحسن، يقيله.

كن فضولياً للغاية. طرح جاك أسئلة أكثر من أي شخص عرفته على الإطلاق، ليس لاستعراض ذكائه أو مكانته، بل بهدف التعرف على أكبر قدر ممكن من المعلومات. زار الأرجنتين ذات مرة، فدعوته أنا وزوجتي ماريا على العشاء في منزلنا. عندما سألته ما إن كان هناك أشخاص معينون يريدهم أن ينضموا إلينا، أجابني: "كلاوديو، لا تدعو الشخصيات ذات الحيثية. يسرني التعرف على أصدقائك، وعلى حياتهم وطريقة تفكيرهم". لذلك دعونا ثمانية أصدقاء، ولم نلبث أن لاحظنا إحساسهم بالإحباط يتزايد شيئاً فشيئاً بمرور الوقت: كانوا يأكلون مع جاك ويلش ويريدون التعلم من الرجل الحاصل على لقب "قائد القرن" في مجلة "فورتشن" لكنه اكتفى بطرح كافة أنواع الأسئلة. وفي نهاية الأمسية أراد أن يستكشف كيف تُدار الأرجنتين وسألنا جميعاً بأسلوبه الاستفزازي المعتاد: "كيف حاق بكم هذا التضخم اللعين؟ ما توقعاتكم للاستثمارات وما خططكم لجذبها أو حتى لتنفيذها؟ أي حكومة فاسدة هذه التي تتسلط عليكم، وأي رجال أعمال أولئك الذين تنقصهم الشجاعة (استخدم كلمة مختلفة) لمواجهتها؟" أكد لي أحد أصدقائي لاحقاً أنه تعلم شيئاً بعد كل ذلك، قائلاً: "كلاوديو، كان هذا أعظم درس تعلمته في حياتي: لقد أصبح قائد القرن بفضل حب الاستطلاع النهم!".

ربما قاد جاك شركته قبل عقدين من الزمن، لكن رغبته الدائمة في التعلم شيء يحتاجه المسؤولون التنفيذيون في بيئتنا الديناميكية اليوم أكثر من أي وقت مضى. وقد توصلت من خلال بحثي المشار إليه في هذه المقالة إلى أن الفضول هو السمة الأهم لذوي الإمكانات العالية. وعندما درس بوريس غرويسبرغ وتريشيا غريغ خمسة من أبرز قادة الشركات العاملة في قطاع التكنولوجيا (جيف بيزوس من "أمازون"، ولاري بيج وسيرجي برين من "جوجل"، وبيل غيتس من "مايكروسوفت"، والراحل ستيف جوبز من "آبل")، لاحظوا أيضاً أهمية هذه السمة الشخصية لمواكبة التطورات. واستنتجوا ما يلي: "لا يصح أن يملك الرؤساء التنفيذيون مهارات عفا عليها الزمن... بل يجب أن يكونوا نهمين للمعرفة". وكان جاك متفوقاً في هذا الميدان.

لم يكن صديقي الرئيس التنفيذي السابق لشركة "جنرال إلكتريك" قائداً معصوماً من الخطأ، لكن فضوله وصراحته وتركيزه على اتخاذ قرارات التوظيف المناسبة تضمن له أن يظل نموذجاً يحتذى به. هذه ثلاثة جوانب للقيادة الفاعلة التي يجب أن نسعى جميعاً إلى امتلاك ناصيتها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي