5 أسئلة تساعدك في تحديد أنسب أداة ذكاء اصطناعي لحل مشكلتك

10 دقيقة
طريقة الذكاء الاصطناعي
الرسم التوضيحي: أغنس جوناس
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يتطور الذكاء الاصطناعي بوتيرة متسارعة لا يضاهيها إيقاع التغيير في الشركات، وما أثبت جدواه تجريبياً قد لا يكون الحل الصائب لشركتك في الوقت الراهن. ولكنك إن عرفت الأسئلة التي عليك طرحها فستصنع قرارات أفضل بعيداً عن إيقاع تطور التكنولوجيا السريع وستتمكن من التعاون مع خبرائك التقنيين لاستخدام الأداة المناسبة لتنفيذ العمل المطلوب، ومن ثم سوف يتحول كل ابتكار اليوم إلى أساس لمزيد من الابتكارات في الغد. ولكن البداية السليمة لتجربتك تعتمد على التحديد الصائب للأسئلة التي عليك طرحها.

يطرح قادة الشركات سؤالاً وجيهاً عن طرق استفادة شركاتهم من الذكاء الاصطناعي التوليدي، وعلى الرغم مما أثاره الذكاء الاصطناعي التوليدي من إعجاب، فهو واحدة من تقنيات علم البيانات والتحليلات المحوسبة المتقدمة الكثيرة، ليس إلا. وفي حين انصب تركيز العالم على الذكاء الاصطناعي التوليدي، فأنسب نهج تتبعه هو فهم كيفية الاستفادة من مجموعة أدوات التحليلات المحوسبة المتاحة لتلبية احتياجات شركتك. فما أداة التحليلات المحوسبة الأنسب لحل مشكلتك؟ وكيف تتجنب الخطأ في اختيارها؟ لا تحتاج هنا إلى إلمام عميقٍ بتفاصيل الأدوات التحليلية التي تتوافر لك كلها، بل يلزمك فقط معرفة ما يكفي لتتصور الإمكانات وتطرح الأسئلة الملائمة على الخبراء التقنيين.

ابدأ بالمشكلة لا بالتكنولوجيا، وإياك وأن تتناول كل مشكلة من منطلق أن حلها يكمن في الذكاء الاصطناعي التوليدي، وركز على ما ترغب في تحقيقه بدلاً من التساؤل عن كيفية تطبيق الذكاء الاصطناعي التوليدي في شركتك. لا شك في قدرة الذكاء الاصطناعي على الاستكشاف والتوقع والتحسين والتوجيه، ولكن من غير المنطقي أن يكون الحل الوحيد لكل مشكلة. “لست بحاجة إلى استراتيجية ذكاء اصطناعي توليدي. أنا بحاجة إلى استراتيجية أتمتة”، هكذا قال مدير المعلومات والرقمنة في شركة سيسكو، توم بك. “فمن الممكن حل مشكلات كثيرة من خلال إمكانات الأتمتة الأساسية أو التقليدية”. عندما تركز على المشكلة ستتمكن من تحديد الأداة التي تحتاج إليها بالفعل.

تستخدم شركة الطيران الهولندية كيه إل إم (KLM) الذكاء الاصطناعي في توقع الركاب أصحاب أعلى احتمالات التخلف عن الرحلات، بغرض الحد من تأخير إقلاع الرحلات بوضع حقائب هؤلاء الركاب في مكان يتيح إخراجها من الطائرة بسهولة. ولكن الشركة لم تتوقف عن استخدام تقنيات التحسين التحليلية التقليدية في حل العديد من مشكلات إدارة الإيرادات، وتخطيط عمل طاقمها الأرضي، وجدولة الرحلات الجوية، وتخطيط عمل طاقمها الجوي، وصيانة المحركات. تستخدم شركة بوينغ الذكاء الاصطناعي في تحسين مسارات الرحلات الواصلة إلى المطارات أو المغادرة منها. ولكن على الرغم من التقدم الكبير الذي تحقق في مجال التعرف على الكلام، فشركة بوينغ ما تزال تعتمد على وسائل الاتصال الصوتية التقليدية بين المراقبين الجويين والطيارين لأنه لا مجال لتحمل أي خطأ في هذا السياق والحلول الأخرى تقتضي إنشاء منظومة شاملة للقطاع بأكمله. والأهم هو أن بوينغ أدركت أنه ليس كل تجربة تجريها على تطبيقات الذكاء الاصطناعي يمكن اعتبارها حلاً فورياً للمشكلات القائمة، وأن بعضها يمهد لحلول ناجحة في المستقبل.

تسعى شركة إيرباص المنافسة لبوينغ إلى تصنيع طائرات من طراز (A350) بسرعة لا مثيل لها، لذلك طورت نظاماً يعتمد على الذكاء الاصطناعي لاقتراح حلول لنسبة تصل إلى 70% من إجمالي مشكلات عمليات الإنتاج، ما يترك نسبة 30% منها فقط ليعمل البشر على تشخيصها. وعلاوة على تسجيل المشكلات واقتراح الحلول، فالمطابقة الضبابية وخوارزمية التعلم الذاتي تحددان الأنماط التي تساعد على منع المشكلات قبل حدوثها مستقبلاً. وبالتالي، أنشأت شركة إيرباص عملية تعلم مؤسسي تستند إلى تعلم الآلة، بدلاً من تدريب نموذج لتعلم الآلة فحسب.

لم تنطلق إيرباص من السؤال عن كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في العملية الإنتاجية، بل بدأت من تصنيف التحديات الإنتاجية إلى فئات ثم تحديد الأسلوب الأمثل للتعامل مع كل تحدٍّ، وكان الذكاء الاصطناعي الحل الأمثل لهذه المشكلة فقط، وليس لكل المشكلات. وفي حفل إطلاق المنتج لطائرة (A350)، أعرب نائب الرئيس للتحول الرقمي، ماثيو إيفانز، عن استيائه من مفهوم البدء بالتكنولوجيا وقال: “نحن لا نستثمر في الذكاء الاصطناعي، وهذا قول فصل، لا نستثمر في معالجة اللغة الطبيعية، لا نستثمر في التحليلات المحوسبة للصور، بل نستثمر دوماً في حل مشكلة من مشكلات الشركة“. درست إيرباص عدة خيارات، قبل أن تحدد تطبيق ذكاء اصطناعي بعينه ليكون الحل الأنسب لها.

الفئات الأربع للتحليلات المحوسبة المتقدمة

يتوافر عدد كبير من تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحليلات المحوسبة المتقدمة ويزداد باطراد، ولكننا عندما سألنا الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في سلسلة مراكز اللياقة البدنية أورانج ثيوري (OrangeTheory)، أمين كازروني، عن أبرز ما يفتخر به في استخدام تعلم الآلة، أجابنا: “استخدامنا الانحدار الخطي لحل المشكلة“. أي أن الفريق اختار الأداة التحليلية المناسبة لحل المشكلة لا الأداة الأكثر تطوراً تكنولوجياً. لا يستلزم دورك القيادي أن تحيط بجميع التعقيدات المتعلقة بكل أسلوب تحليلي، يوجد خبراء تقنيون متخصصون في هذا المجال، ولكن استيعاب الفئات الأربع يعزز قدرتك على التمييز بينها وتوجيه الأسئلة المناسبة واكتساب الثقة اللازمة.

الذكاء الاصطناعي التوليدي

ينشئ الذكاء الاصطناعي التوليدي البيانات أو الصور أو مقاطع الفيديو أو النصوص أو الأصوات الجديدة، بحيث تكون مشابهة لبيانات موجودة ولكنها ليست متطابقة معها. يُعد تشات جي بي تي نموذجاً على ذلك، وكذلك ميدجورني (Midjourney) (في إنشاء الصور)، وسينثيزيا (Synthesia) (في إعداد فيديو من نص)، وكريستا (Cresta) (في التدريب اللحظي لموظفي مركز الاتصال)، كما أن الشركات المصنعة لمنتجات مثل أدوبي وشوبيفاي (Shopify) وكانفا (Canva) وأوتوديسك (Autodesk) تدرج خصائص الذكاء الاصطناعي الإبداعية في منتجاتها حالياً. تؤدي هذه الخوارزميات مهمات مثل تلخيص المواد أو الإجابة عن الأسئلة أو كتابة مقالات كاملة، وتستفيد منها أقسام الاتصالات التسويقية وخدمة العملاء. بالإضافة إلى ذلك، تمكن هذه الأدوات الأفراد من استيعاب ما يتوالى عليهم سريعاً من المستندات الجديدة، مثل اللوائح القانونية والتقارير المالية والأبحاث الطبية، ولكنها ليست بعيدة عن الوقوع في فخ إنتاج بيانات متحيزة أو متدنية الجودة (ما يسمى بـ “الهلوسة”)، كما أنها تتطلب قدرة حاسوبية ضخمة وكماً هائلاً من البيانات.

التعلم العميق التقليدي

تستوعب تقنيات التعلم العميق أحجاماً كبيرة من البيانات المعقدة لغرض تعلم الأنماط والعلاقات، ويمكنها تصنيف الخيارات مثل خيارات الشراء، أو تحديد القروض الآمنة أو المحفوفة بالمخاطر، أو تمييز طبيعة الأنسجة ما بين سرطانية أو حميدة. كما تتمتع بالقدرة على التحسين، مثل ضبط كفاءة خطوط الإنتاج أو تقليل استهلاك الطاقة. ولكن تعلمها يقتضي أيضاً بيانات يتوافر لها التصنيف الصحيح، وإلى جانب ذلك يتعذر تفسير نتائج النماذج بسهولة، ما يعني عجز الشركات عن تفسير توقعاتها لعملائها أو للجهات التنظيمية.

الاقتصاد القياسي

عند مقارنة الأساليب الإحصائية التقليدية بصعوبات تعلم الآلة وتكلفته العالية نجد أنها أحياناً تحقق نتائج متميزة وبتكلفة أقل بكثير، ويمنحنا التاريخ العميق للاقتصاد القياسي أدوات فعالة لاختبار الآليات النظرية وفهم الارتباطات السببية من بيانات الملاحظة أو من التجارب. فيمكن لمدير أن يحدد أثر كل متغير في النتيجة وأن يحيط بحجم العلاقات السببية القائمة، كما أن النماذج قابلة للتكرار بدرجة كبيرة وتعطي الإجابات نفسها عند توحيد المعطيات، ومع ذلك تستدعي نماذج الاقتصاد القياسي عموماً فرضيات حول العلاقات والتوزيعات الإحصائية الكامنة وراءها.

الأتمتة القائمة على القواعد

كانت بواكير نماذج الذكاء الاصطناعي قائمة على قواعد العلاقة بين السبب والنتيجة، وهي ما زالت سائدة وذات قيمة وتتميز بالوضوح وسهولة الفهم والتفسير والشفافية، وهي تناسب المشكلات المفهومة جيداً، مثل تنفيذ المبادئ التوجيهية المعمول بها (قوانين الضرائب مثلاً). ولكن تصميمها يستلزم قدراً كبيراً من الخبرة في المجال، كما قد تفتقر إلى المرونة والقدرة على التكيف مع تغير السياق، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى عجزها عن تقديم حلول لسيناريوهات لم يتوقعها المصممون في البداية.

كل أسلوب من هذه الأساليب نافع في سياقات مختلفة غالباً ما تكون مجتمعة، والمهارة هنا هي أن تعرف متى تستخدم كلاً منها، ومتى تقرر عدم اللجوء إليها.

السبيل إلى الاختيار الأمثل: 5 أسئلة يتعين عليك طرحها

إن كل عملية وقرار هو موضوع ممكن لأساليب التحليلات المحوسبة المتقدمة، لكن السياق مهم. نقدم في هذا القسم 5 أسئلة يمكنك طرحها حول حدود الذكاء الاصطناعي.

تتفاوت الشركات إلى حد كبير في إمكاناتها وفي الصلاحيات التي تمنحها إياها الجهات التنظيمية أو العملاء، أما داخل أقسام الشركة نفسها فتختلف هذه الحدود باختلاف المشكلة. يقول نائب الرئيس التنفيذي ورئيس قسم مخاطر النماذج المؤسسية في بنك ويلز فارغو، أغوس سودجانتو: “يجب بلا شك أن تتمتع النماذج بدرجة عالية من الشفافية، وأن تراجعها الجهات التنظيمية طوال الوقت. وعندما نفضل عدم استخدام تعلم الآلة بوصفه النموذج النهائي فذلك بسبب المتطلبات التنظيمية التي غالباً ما تشترط شفافية الحلول بالقدر الذي يسهل على الجهة التنظيمية مراجعته. ولكننا نستخدم خوارزميات تعلم الآلة لتقييم بنية النموذج غير الخطية والمتغيرات والميزات المدرجة، ونستخدمها معياراً لتقييم أداء النموذج التقليدي”. ومع أن هذه العمليات تستفيد من الرؤى التي يقدمها تعلم الآلة، فالقوانين تقيّد ما يمكن للبنك إنتاجه.

1. ما تكلفة الخطأ؟

يجيد الذكاء الاصطناعي التوليدي تقديم المسودات الأولى والإجابات التي تقارب الصواب. فمثلاً، يستخدم بنك عالمي الذكاء الاصطناعي لتقدير وضعه الاستراتيجي في السوق فور أن يعلن كل بنك من منافسيه عن أرباحه ونتائج أعماله، وتستعين شركات أخرى بالذكاء الاصطناعي لتحديد مواقف قد تمثل إشكالية لسلاسل التوريد الخاصة بها، أو للتعرف على عقود الموردين التي تفتقر إلى جوانب حماية قانونية بعينها. كما تحسّن هذه التطبيقات العمليات المرتكزة على البشر التي لا تنجم عنها تكاليف مالية عالية نتيجة ارتكاب أخطاء بين حين وآخر. ومع ذلك، لا يكون الاقتراب بدرجة كبيرة من الصواب ضمانة آمنة عند وصف الأدوية أو التحكم في حركة الطيران أو قيادة السيارة وسط حركة المرور، فهل يمكنك التعامل مع المشكلة بدقة أقل من الممتازة؟ أم أن تكلفة الخطأ تحتم عليك تبني نهج مختلف؟ أم بوسعك الاعتماد على نهج هجين، مثل أن يحدد الكمبيوتر تشخيصاً طبياً ممكناً أو أهدافاً عسكرية محتملة، ولكن العنصر البشري هو من يبت في القرار النهائي؟

2. هل تحتاج إلى شرح القرارات التي يصنعها النموذج الذي تستعين به؟

عندما تقدم قرضاً مصرفياً أو تختار المرشحين لوظيفة ما، يجب أن تكون على دراية وافية بالعوامل التي تحدد قرارك، وربما لا تحتاج سياقات أخرى إلى هذا القدر من التوضيح والتفسير، مثل تحسين سرعات خطوط الإنتاج، أو فرز المنتجات المعيبة على خط الإنتاج، أو إرسال الإعلانات. لكن القدرة التفسيرية تبقى مجدية حتى وإن لم تكن مطالباً بتفسير القرارات للجهات التنظيمية أو العملاء، فمثلاً، يمكن للشركات أن تعزز مبيعاتها من خلال فهم أثر خصائص محددة في الصور المدرجة ضمن قوائم إير بي إن بي، أو من خلال فهم كيف يتأثر سلوك المستهلكين بعبارات محددة في وصف المنتج.

ومع أن خوارزميات تعلم الآلة ولا سيما القائمة على التعلم العميق تقدم إجابات دقيقة، فنماذجها تعجز عن توضيح أسباب نتائجها. وحالياً، توضح لنا نماذج الاقتصاد القياسي تأثير المتغيرات في صنع القرار، ولكن تنقصها الدقة التي نجدها في نماذج أكبر. فهل عليك الإحاطة بسبب أداء نموذج لعمله على هذا النحو؟ أم يكفيك الحصول على إجابة شافية؟

3. هل يجب أن تولد نماذجك الإجابات نفسها في كل مرة؟

الذكاء الاصطناعي التوليدي مصمم ليعطينا جواباً مختلفاً في كل مرة، وتقدم النماذج الاقتصادية القياسية والنماذج القائمة على القواعد أجوبة ثابتة إذا لم تتغير المدخلات، ومع ذلك علينا الانتباه إلى أن هذه الأجوبة تتقادم مع تغير الظروف. ومع أن غالبية نماذج تعلم الآلة تقدم أجوبة قابلة للتكرار، فهي قابلة للتغير مع مرور الوقت إذا تجددت بيانات التدريب باستمرار.

وفي عالم المؤسسات المالية، حيث يكون للحوار مع العملاء تبعات مالية ويعد كل رأي مشورة مالية، تكتسب قابلية التكرار أهمية أكبر. وفي المقابل، ربما لا يكتسب اختيار المرشحين نفسهم في كل عرض توظيف الدرجة نفسها من الأهمية ما دامت العملية خالية من تحيز منهجي ضد فئة معينة من المتقدمين.

لكن من المهم أن نستمر في اختبار صحة الخوارزميات المكررة ودقتها مع تغير الظروف، فعلى سبيل المثال، على الشركات التي تستعين بالخوارزميات القابلة للتكرار في تداول الأوراق المالية بالأسواق أن تحرص على مراقبة تغير ظروف السوق بدرجة كافية لتعديل نموذجها، لا أن تكتفي بتلقينه البيانات الجديدة.

4. هل يتوافر مصدر حقائق موثوق لبياناتك؟

نجد مثلاً أن العديد من خوارزميات تعلم الآلة الخاضعة للإشراف تسعى إلى التمييز بين الفئات المختلفة للأشياء، لذلك نحتاج إلى بيانات مصنفة بدقة لتدريبها. تحتوي هذه الصورة (أو لا تحتوي) على لافتة توقف. درجة المخاطرة الائتمانية لهذا الشخص مقبولة أو عالية جداً. كان هذا الرد على العميل مجدياً، في المقابل لم يساعدنا ذلك الرد الآخر.

من دون مرجع موثوق للحقائق لن تقدم شبكة التعلم العميق العصبية المعقدة المتعددة الطبقات سوى تخمينات عشوائية. هل لديك حجم كافٍ من البيانات المصنفة؟ إن لم تملكها، فهل لديك مصادر أفضل تقدم تصنيفات أقل تحديداً؟ (كأن تصف الخيول والحمير والجمال جميعها بأنها “حيوانات تشبه الحصان” بدلاً من التمييز بينها بدقة) البشر قادرون على تعزيز هذه التوقعات ومساعدة النظم على التطور واكتساب درجات أكبر من الذكاء من خلال التقييم المعزِّز. ولكن غياب نقطة انطلاق كافية سيرهق البشر بسرعة من مساعدة الروبوتات الذكية المبتدئة بدلاً من أن تساعدهم.

5. هل تعكس بيانات التلقين الظروف التي سوف تعمل في إطارها؟

على الرغم من قدرة خوارزميات الذكاء الاصطناعي الحديثة على اكتشاف أنماط البيانات التي قد تغفل عنها التقنيات القديمة، فمن الضروري أن تكون الأنماط حقيقية لا مجرد ضوضاء، كما يجب أن تنتمي إلى مجموعة السياقات التي تعمل ضمنها. هل تعود بيانات الاستثمار التي تمتلكها لأوقات العمل الجيدة أم لفترات الأزمات؟ هل تنتمي البيانات الطبية إلى رجال ونساء وأعراق مختلفة؟ نذكر هنا مثلاً أمازون، التي أوقفت العمل بخوارزميات فرز السير الذاتية المهنية بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي، بعد أن تعلمت تلك الخوارزميات تفضيل الكلمات التي يستخدمها الرجال في سيرهم الذاتية أكثر من النساء، أو التحيز ضد خريجات الكليات النسائية. فقد بنيت قرارات الآلة المتحيزة على مجموعة بيانات التدريب التي تهيمن عليها الصبغة الذكورية استناداً إلى هيمنة الذكور على قوة العمل بالشركة عبر تاريخها.

على الرغم من أهمية الحرص على جودة البيانات المستخدمة، فذلك لا يحتم خلوها من الشوائب، ويعتمد تحسين النموذج بالتقييم المعزِّز على ما تحمله مشكلتك من مخاطر وقيود.

أحد الأساليب يبدأ بتقييد النماذج ومن ثم توسيع مجالها وزيادة تعقيدها تدريجياً. فعلى سبيل المثال، تمثل السيارات الذاتية القيادة نموذجاً لموقف تكون فيه قابلية التكرار مهمة وقابلية التفسير أقل أهمية، لكن الدقة لها أهمية حاسمة. إذ لا تمثل بيانات التلقين المصنفة المأخوذة من الخرائط الرقمية والمصادر الأخرى كامل نطاق أوضاع الطرق التي قد تواجه السيارة، وهنا، تساعد الملاحظات والتقييمات النابعة من الاستخدام الفعلي للسيارة في تحسين نماذج التعلم العميق بها مع مرور الوقت وتساعد على تطوير الخوارزميات بدرجة أكبر. ولكن شركات صناعة السيارات تتحسب لتكاليف عدم الدقة العالية باتباع نهج تدريجي في إدارة نطاق التشغيل والمخاطر. نستحضر في هذا الصدد نموذج شركة تيسلا، التي تفخر بريادتها في إطلاق خوارزميات متقدمة لسياراتها لتسبق منافسيها في هذا المضمار، إذ اقتصر إصدارها الأول على ظروف الطرق السريعة لأنها أقل تعقيداً وقابلة للتنبؤ بدرجة أعلى مقارنة بالشوارع داخل المدن، ولم تطلق خوارزميات تجريبية لشوارع المدن إلا بعد أن جمعت مقاطع فيديو تغطي ملايين الأميال من تلك الشوارع في ظروفها الواقعية.

ثمة قرارات تتخذ في أثناء قيادة السيارة لا تستدعي بيانات مصنفة دقيقة، فيكفي استخدام المكابح عند ظهور أي جسم أمام السيارة دون تحديد ماهيته بالضرورة. كما أن سلوكيات سائقي السيارات تمثل مصدراً مفيداً للتقييم المعزِّز، فقد عمدت تيسلا في البداية إلى إطلاق خوارزميات تميز أضواء إشارات المرور ولافتات التوقف قبل تعليم السيارات التوقف عندها، ثم تلقينها لاحقاً أن تتوقف ومن ثم تنطلق. ويتحول كل فعل يؤديه السائق إلى تقييم يمكّن خوارزميات جديدة. ومع كل هذا الحرص في التعليم والتلقين، فالبيانات لا تغطي الحالات الاستثنائية جميعها، لذلك يجب أن يتأهب سائق سيارة تيسلا دائماً لتولي مقودها عند الضرورة.

لم يعد استخدام الذكاء الاصطناعي بالتعقيد الذي كان عليه قبل بضع سنوات، ونشهد عدداً متنامياً من النماذج القوية التي يمكن تطبيقها بسهولة أكبر، وعلينا ألا ننسى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي، وبغض النظر عما يتعلم فعله، ليس سوى أداة من عدة أدوات تحليلية محوسبة متاحة. لذا، عليك أن تبدأ بالمشكلة المراد حلها، واعلم أن كل شركة لديها عدة مشكلات بمقدور الذكاء الاصطناعي حلها، وللتكنولوجيا المتقدمة جاذبية كبيرة إلى درجة تدفع قادة الشركات إلى استخدامها في أقسام صغيرة من شركاتهم فتصبح شديدة التطور في حين تبقى أقسام أخرى متخلفة عنها. يتطور الذكاء الاصطناعي بوتيرة متسارعة لا يضاهيها إيقاع التغيير في الشركات، وما أثبت جدواه تجريبياً قد لا يكون الحل الصائب لشركتك في الوقت الراهن. ولكنك إن عرفت الأسئلة التي عليك طرحها فستصنع قرارات أفضل بعيداً عن إيقاع تطور التكنولوجيا السريع وستتمكن من التعاون مع خبرائك التقنيين لاستخدام الأداة المناسبة لتنفيذ العمل المطلوب، ومن ثم سوف يتحول كل ابتكار اليوم إلى أساس لمزيد من الابتكارات في الغد.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .