طريقة أبسط لتحديث سلسلة التوريد

15 دقيقة
تحديث سلسلة التوريد
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يعتقد معظم المسؤولين التنفيذيين أن رقمنة سلسلة توريد شركة كبرى تكلف عشرات الملايين من الدولارات. إذ يُفترض أنه سيكون تحولاً رقمياً ضخماً وسيمتد من 3 إلى 5 سنوات، وسيتطلب استثمارات كبيرة في التكنولوجيا السحابية ووضع لصيقات تعريف مطبوعة بالإشارات الراديوية (RFID tag) وأجهزة قراءة في حاوية كل منتج وفي كل منشأة واستخدام تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد والروبوتات وتركيب أدوات جديدة على الآلات الموجودة في ساحة المتجر لمراقبة أدائها وحالتها. بمعنى أنه يُعتقد أن الأمر سيتطلب كل ما هو ضروري لكسر الحواجز بين الأقسام الوظيفية وإنشاء سلسلة توريد متكاملة تمنح الشركة ميزة تنافسية.

ولكن من خلال عملنا في تقديم الاستشارات لعدد من الشركات، اكتشفنا بديلاً. إذ تُظهر تجارب هذه الشركات، التي تشمل شركة عالمية لتجارة التجزئة في مجال الأزياء وشركة كبيرة لتصنيع السلع الاستهلاكية المعبأة (CPG) وشركة عالمية لتصنيع الأجهزة المنزلية وشركة تكنولوجيا فائقة تنتج أجهزة الكمبيوتر والأجهزة اللوحية ووحدات التشغيل، أنه من الممكن تحقيق مكاسب كبيرة من خلال إنفاق بضعة ملايين من الدولارات على تحديث سلسلة التوريد الذي يستغرق من 12 إلى 24 شهراً. ضمن هذه الجهود الأكثر اعتدالاً، تجمع الشركات البيانات المتاحة وتستخدم التحليلات المحوسبة المتقدمة لفهم سلوك العملاء والموردين والتنبؤ به، وتحسن عملية صنع القرارات المتعلقة بالمخزون والإنتاج والمشتريات لخفض التكاليف وتحسين سرعة الاستجابة، وتضيف قدراً من الأتمتة لتجديد العمليات الحالية وإدخال عمليات جديدة.

يكمن سر نجاح هذا النهج في 3 مبادرات: في المبادرة الأولى، تستبدل الشركات بالتوقعات المتفق عليها رؤية موحدة حول الطلب. وفي الثانية، تبتعد الشركات عن تطبيق استراتيجية سلسلة توريد موحدة وتتجه نحو تطبيق استراتيجية قائمة على تقسيم المنتجات إلى فئات. وفي الثالثة، تضع الشركات خطة واحدة لتحقيق التوازن باستمرار بين العرض والطلب واكتشاف الانحرافات أو العراقيل والاستجابة لها.

إذا تم تنفيذ هذه المبادرات بشكل جيد، فإنها ستؤدي إلى خفض تكاليف سلسلة التوريد وزيادة الإيرادات لأنها تقلل حالات نفاد المخزون وتحسِّن مستويات الخدمة (نسبة الطلبات التي تم تسليمها في الموعد المحدد وبالكامل). وبنفس القدر من الأهمية، تمكّن هذه المبادرات الشركات من زيادة نسبة احتفاظها بالعملاء. ساعدت هذه المبادرات شركة الأزياء في زيادة حصتها السوقية بأكثر من 28% ومضاعفة الأرباح التشغيلية في 3 سنوات فقط. كما وفرت المكاسب التشغيلية والمالية المتحققة من هذه المبادرات في شركة تصنيع السلع الاستهلاكية المعبأة تكاليف تحديث سلسلة التوريد في غضون عامين فقط. وشهدت شركة التكنولوجيا الفائقة تحسناً بنسبة 10% إلى 30% في مستويات الخدمة. وحققت الشركة المصنعة للأجهزة المنزلية زيادة بنسبة 20% في الإيرادات ورفعت نسبة العملاء الذين يمكنها أن تقدم لهم خدمة التوصيل في غضون يوم واحد من 70% إلى 90% وخفضت تكاليف التشغيل بنسبة 3% إلى 4%.

سوف نركز في هذه المقالة على كيفية تنفيذ شركة تصنيع السلع الاستهلاكية المعبأة لهذا النهج. وهي حالة مفيدة بوجه خاص نظراً إلى التحديات غير العادية التي واجهتها الشركة في أثناء معالجة أوجه القصور في نظامها الحالي التي تتمثل في العديد من العمليات اليدوية التي تستغرق وقتاً طويلاً ووجود فائض في المخزون وتوفر كمية كبيرة من المنتجات منتهية الصلاحية والتالفة.

فكرة المقالة بإيجاز

الفكر السائد

رقمنة نظام الشركة لإدارة سلسلة التوريد الخاصة بها هو مشروع تحول ضخم يستغرق من 3 إلى 5 سنوات ويكلف عشرات الملايين من الدولارات.

الواقع

هناك بديل؛ إذ يمكن تحقيق مكاسب كبيرة من خلال بذل جهود للتحديث تستغرق من 12 إلى 24 شهراً وتكلف بضعة ملايين من الدولارات.

ما الذي يتطلبه ذلك؟

تجميع البيانات المتاحة، واستخدام التحليلات المحوسبة المتقدمة لفهم سلوك العملاء والموردين والتنبؤ به وتحسين عملية صنع القرارات المتعلقة بالمخزون والإنتاج والمشتريات، وإضافة قدر من الأتمتة لتجديد العمليات الحالية وإدخال عمليات جديدة.

من الواضح أن التوقعات الأكثر دقة بشأن الطلبات تُترجَم إلى خطة توريد أكثر فعالية، ما يقلل من الخسائر في المبيعات.

وضع رؤية موحدة حول الطلب

تبدأ الرحلة بإعادة النظر في عملية تخطيط الطلب. ينطوي النهج التقليدي على استعمال توقعات توافق الآراء التي يستخدم فيها كل قسم مختص، سواء العمليات أو الماليات أو المبيعات أو قسم التجارة (المسؤول عن التسويق والعروض الترويجية والتخفيضات وما إلى ذلك)، الأساليب الإحصائية القياسية وبيانات المبيعات القديمة وبعض البيانات الخارجية لتوليد توقعاته. ثم تجتمع جميع الأقسام المختصة معاً وتتفق على توقع توافقي موحد.

لهذه العملية عيبان؛ أولاً، تستغرق وقتاً طويلاً، عادة بين 4 إلى 5 أسابيع، لاستخلاص التوقعات المختلفة والتوصل إلى توافق في الآراء يلبي جميع متطلبات العمل. وبحلول ذلك الوقت تصبح بيانات المبيعات المستخدمة قديمة. ثانياً، بدلاً من الاتفاق على البيانات واستخلاص توقع واحد من التحليلات المحوسبة، عادة ما يركز الأشخاص المعنيون على إيجاد توازن بين التوقعات المتضاربة ويعتمدون على الإحساس الداخلي تجاه ما يدفع المبيعات والإيرادات وهوامش الأرباح.

أفضل طريقة لاستخلاص رؤية موحدة للطلب هي البدء بمجموعات البيانات التي يتفق جميع المشاركين على أنها ستُنتج الصورة الأكثر دقة. على سبيل المثال، اختارت الشركة المصنعة للسلع الاستهلاكية المعبأة 4 أنواع هي:

البيانات الداخلية حول الشحنات المرسلة إلى متاجر التجزئة والأسعار والتخفيضات والعروض الترويجية وخصائص المنتجات المختلفة.

البيانات المتعلقة بطلبات المستهلكين التي يمكن الوصول إليها من خلال تكنولوجيا نقاط البيع لدى متاجر التجزئة أو التي تقدمها شركات مثل “آي آر آي” (IRI) و”نيلسن” (Nielsen).

المعلومات المتعلقة بالاقتصاد الكلي، بما في ذلك الناتج المحلي الإجمالي الفصلي ومؤشر مدراء المشتريات ومؤشر أسعار المستهلك ومعدلات البطالة والتضخم، التي تساعد في تفسير سلوك المستهلك والأنماط الموسمية والتوجهات.

البيانات الخارجية حول العوامل الأخرى التي يمكن أن تشير إلى الطلب أو تؤثر عليه، مثل عمليات البحث على الإنترنت والإشارة إلى المنتجات والحديث عنها في وسائل التواصل الاجتماعي ومتوسط درجات الحرارة واحتمالية هطول الأمطار والعطلات وأسعار المنافسين.

يمكن للشركات باستخدام هذه البيانات والتحليلات المحوسبة المتقدمة إرساء عملية دائرية مؤتمتة من 5 خطوات تؤدي بدورها إلى وضع خطط للتوريد وخطط مالية وتجارية للأسابيع الخمسين إلى الثمانين القادمة، فهذا هو المستوى الزمني للتخطيط في معظم الشركات. (انظر الشكل التوضيحي “5 خطوات لبناء سلسلة توريد أفضل وأقل تكلفة”). نوضح لك فيما يلي كيف تبدو هذه العملية في الشركة المصنعة للسلع الاستهلاكية المعبأة:

أولاً، يتم دمج المعلومات المتعلقة بالتخطيط التجاري، حول العروض الترويجية المستقبلية والتخفيضات والاستثمارات التسويقية، مع البيانات المتعلقة بالمستهلك والاقتصاد الكلي والبيانات الخارجية لاستخلاص توقعات بشأن الطلب في السوق لكل وحدة حفظ مخزون ومتجر تجزئة في كل أسبوع على المستوى الزمني للتخطيط بأكمله. ومن خلال ما لاحظناه، تَبين أن معظم شركات تصنيع السلع الاستهلاكية المعبأة لم تحاول أبداً توقُّع الطلب على هذا المستوى الدقيق.

ثانياً، يتم دمج توقعات الطلب لكل متجر تجزئة مع البيانات القديمة حول شحنات الشركة المرسلة إلى متجر التجزئة لاستخلاص توقعات أسبوعية لطلبات متجر التجزئة من كل وحدة حفظ مخزون على المستوى الزمني للتخطيط.

ثالثاً، تجمع الشركة جميع توقعات الطلبات وتحولها إلى خطة توريد قابلة للتنفيذ. وتأخذ الخطة في الاعتبار الموارد المتاحة، بما في ذلك مخزون المواد الخام والسلع تامة الصنع، والقيود التي تحد من قدرات التصنيع، وأهداف السوق (على سبيل المثال، لزيادة مبيعات إحدى فئات المنتجات في مجموعة معينة من المنتجات بمنطقة متجر التجزئة). كما تهدف الخطة إلى تحقيق أهداف أداء معينة. ركزت شركة تصنيع السلع الاستهلاكية المعبأة على تقليل إجمالي تكاليف سلسلة التوريد، لكن الهدف المختار سيختلف من شركة إلى أخرى. في بعض الشركات، على سبيل المثال، قد يكون الهدف هو زيادة الإيرادات أو الكمية المطروحة إلى أقصى حد.

تتمثل الخطوة الرابعة في استخدام خطة التوريد الأسبوعية على مستوى وحدة حفظ المخزون لجميع متاجر التجزئة من أجل استخلاص توقعات بشأن الإيرادات وهامش الربح الإجمالي على مستوى العلامة التجارية لكل شهر من على المستوى الزمني التخطيط.

الخطوة الخامسة هي مقارنة تلك التوقعات المالية بأهداف العمل الخاصة بالشركة. قد تؤدي الفجوة بين الاثنين إلى إحداث تغيير في الخطة التجارية، على سبيل المثال تقديم تخفيضات كبيرة أو زيادة الاستثمارات في التسويق لتحفيز المبيعات.

عندما كان مدراء شركة تصنيع السلع الاستهلاكية المعبأة يفكرون في اعتماد هذه العملية الجديدة، طرحوا عدداً من الأسئلة التي تمثل أنواع الشواغل التي يعرب عنها معظم المسؤولين التنفيذيين بشأن نهجنا. دعونا نتناول تلك الشواغل.

5 خطوات لبناء سلسلة توريد أفضل وأقل تكلفة

يمكن للشركات باستخدام هذه التحليلات المحوسبة المتقدمة إرساء عملية دائرية مؤتمتة من 5 خطوات تؤدي بدورها إلى وضع خطط للتوريد وخطط مالية وتجارية للأسابيع الخمسين إلى الثمانين القادمة.

ما هي درجة دقة التوقعات التي يمكن أن تحققها العملية؟ أثبتت البحوث أن التباين في طلبات العملاء أقل بكثير من التباين في طلبات متاجر التجزئة، وهي حقيقة ناتجة عن “تأثير السوط” المعروف في سلاسل التوريد (وهي نظرية تشير إلى ميل المستهلك إلى شراء كميات أكبر من حاجته للمستقبل القريب من منتج أو مادة غير متوفرة بدرجة كافية). هذا يعني أن التنبؤ بالاستهلاك يجب أن يكون أسهل من التنبؤ بطلبات متاجر التجزئة، وبالطبع كانت دقة توقعات شركة تصنيع السلع الاستهلاكية المعبأة عن حجم الطلب في السوق عالية للغاية. ففي كل وقت، ثَبُت أن توقعات الطلب في الأسبوع على مستوى وحدة حفظ المخزون وتجار التجزئة لمدة 5 إلى 8 أسابيع كانت دقيقة بنسبة 85%.

أتاح دمج توقعات الاستهلاك الأكثر دقة مع الطلبات السابقة من متاجر التجزئة لشركة تصنيع السلع الاستهلاكية المعبأة تحسين توقعاتها حول الطلبات المستقبلية لمتاجر التجزئة. وكانت دقة توقعات الطلبات الأسبوعية أعلى من 15 إلى 20 نقطة مئوية من التوقعات القياسية القائمة على التوافق التي استخدمتها الشركة سابقاً. من الواضح أن التوقعات الأدق بشأن الطلبات أو الشحنات تُترجَم إلى خطة توريد أكثر فعالية، ما يقلل من الخسائر في المبيعات، وبالتالي زيادة الإيرادات، ويحسن مستويات الخدمة وتجربة العملاء.

أخيراً، تكون الخطة المالية أدق إذا كانت الإسهامات فيها أدق. في تطبيقات متعددة لهذا النهج في العديد من شركات السلع الاستهلاكية المعبأة، ارتفعت نسبة دقة التوقعات المالية التي قُدمت في بداية شهر معين للشهر التالي من 95% إلى 97%.

هل سنتمكن من فهم ما يدفع التغييرات السلوكية والتغييرات الأخرى التي تتنبأ بها الخطط؟ قد يكون هذا السؤال هو الأكثر أهمية. في الحقيقة، من واقع خبرتنا، يتردد جميع المسؤولين التنفيذيين تقريباً في الاتباع الأعمى للتوصيات الغامضة التي وضعها علماء البيانات. فهم يريدون أن يكونوا قادرين على تفسير ناتج عملية التنبؤ بالطلب وشرحه.

على سبيل المثال، هل نتجت الزيادة أو النقصان عن سلوك المنافسين أم نتج عن المزاحمة الذاتية على المنتجات والعروض الترويجية والتخفيضات أم كانت نتيجة لمناسبة خاصة عابرة أو عطلة معينة؟ والخبر السار هو أن التكنولوجيا التحليلية اليوم أصبحت متطورة بما يكفي للسماح بتقسيم التوقع الأسبوعي على مستوى وحدة حفظ المخزون إلى مكوناته الأساسية. يتم ذلك عن طريق نمذجة البيانات بشكل صريح بوصفها مجموعة من المتغيرات الرئيسية (مثل سلوك المنافسين وما إلى ذلك) وتقدير إسهام كل متغير في التوقعات.

يرغب المسؤولون التنفيذيون أيضاً في معرفة الأسباب التي تجعل، على سبيل المثال، التوقعات التي استُخلصت الأسبوع الماضي مختلفة عن تلك التي استُخلصت هذا الأسبوع. وهذه أيضاً معلومات يمكن أن توفرها التكنولوجيا التحليلية اليوم من خلال مقارنة البيانات المدخلة المستخدمة لوضع كل توقع من التوقعات.

وأخيراً، يرغب المسؤولون التنفيذيون في فهم سبب انحراف التوقعات والمبيعات الفعلية في بعض الأحيان. بالنسبة إلى شركة تصنيع السلع الاستهلاكية المعبأة، السبب هو أن المبيعات تتأثر بالطريقة التي ينفّذ بها تجار التجزئة القرارات المتعلقة بالتسعير والترويج والتخفيضات والمخزون، وهو بُعد لا يمكن لفريق تخطيط الشركة المصنعة رؤيته. على سبيل المثال، قد تنحرف التوقعات عندما يواجه متجر التجزئة تحديات تشغيلية في نقل المخزون إلى الرفوف أو في تنفيذ العروض الترويجية أو التخفيضات وفقاً للخطة. يمكن أن تكشف المعلومات المتعلقة بمخزون متجر التجزئة والأسعار التي يدفعها المستهلكون عند ماكينة تسجيل المدفوعات النقدية عن هذه المشكلات، ولكن من واقع خبرتنا لا يقدم معظم متاجر التجزئة هذه المعلومات إلى موردي السلع الاستهلاكية المعبأة. وبالتالي، فإن أي فجوة كبيرة بين التوقعات والمبيعات الفعلية في شركة تصنيع السلع الاستهلاكية المعبأة تتسبب في إجراء تحقيق في سبب هذه الفجوة.

كيف يمكننا التأكد من أن جميع الأقسام المختصة تتبع النهج الجديد؟ الإجابة هي إنشاء مركز تميز للتوقعات يجمع بين أشخاص من مختلف الأقسام المختصة ومختصين في تكنولوجيا المعلومات وعلماء بيانات. سيكون دورهم هو الاتفاق على البيانات التي سيتم استخدامها، واستخدام التحليلات المحوسبة في استخلاص التوقعات ووضع خطة التوريد وفقاً للعملية المكونة من 5 خطوات.

كم مرة يجب أن نجري هذه العملية؟ تعتمد الإجابة على دورات السوق الخاصة بمختلف الشركات والعلامات التجارية. وبالنسبة إلى معظم الشركات، يجب تحديث توقعات الطلب وتوقعات طلبات متجر التجزئة وخطة التوريد أسبوعياً أو كل أسبوعين، بينما يجب وضع التوقعات المالية وإجراء المقارنة مع أهداف الشركة شهرياً. لكن هناك استثناءات واضحة؛ فبعض منتجات الشركة المصنعة للسلع الاستهلاكية المعبأة لها دورة حياة قصيرة تبلغ 6 أو 7 أسابيع فقط. في مثل هذه الحالات، تحتاج الشركات إلى تحديث توقعات الطلب وتوقعات طلبات متجر التجزئة وخطة التوريد مرتين في الأسبوع. (وينطبق الشيء نفسه على مصنعي الأزياء الذين لا تستمر مواسم البيع لديهم لأكثر من 10 أو 11 أسبوعاً).

إعادة تحديد استراتيجية سلسلة التوريد

غالباً ما تركز استراتيجيات سلسلة التوريد التقليدية على الكفاءة التشغيلية أو سرعة الاستجابة. وعندما تكون الأولوية للكفاءة التشغيلية، تسعى الشركات جاهدة لخفض أكبر قدر ممكن من تكاليف سلسلة التوريد، وهذا الهدف يوجّه اختيار الموردين واستراتيجيات التصنيع وتصميم المنتجات وتوزيعها والخدمات اللوجستية. عادة ما تستند القرارات المتعلقة بالإنتاج والتوزيع إلى توقعات طويلة الأجل، وتوجد مخزونات السلع تامة الصنع بالقرب من طلبات العملاء، وغالباً ما يتم الحصول على المكونات من البلدان ذات التكلفة المنخفضة.

الهدف من الاستراتيجية القائمة على سرعة الاستجابة هو التنافس على أساس الزمن اللازم لطرح المنتج بالأسواق وتلبية الطلب بسرعة والقضاء على حالات نفاد المخزون. إذ يعتمد التصنيع أو تجميع المنتجات على الطلبات الفعلية وليس التوقعات، ويمكن تصميم المنتجات حسب الطلب، وتتم زيادة مخزونات المكونات إلى أقصى حد ولكن يتم تقليل مخزونات السلع تامة الصنع إلى أدنى حد، ويتم إعطاء الأولوية للسرعة على التكلفة في القرارات المتعلقة بمصادر التوريد والنقل.

على الرغم من أن المسؤولين التنفيذيين المخضرمين في مجالي العمليات وسلسلة التوريد يفهمون الفرق بين الكفاءة وسرعة الاستجابة، يحتار الكثير منهم عندما يتعلق الأمر بتحديد متى يجب تطبيق كل استراتيجية. وهذا لأن المنتجات المختلفة لها خصائص مختلفة، ولذلك يتطلب بعضها استراتيجية تركز على الكفاءة ويتطلب البعض الآخر استراتيجية تركز على سرعة الاستجابة، وهناك منتجات أخرى تتطلب اتباع نهج هجين. وحتى وقت قريب، لم يكن لدى المسؤولين التنفيذيين الأدوات اللازمة لتقسيم المنتجات إلى فئات وتحديد أي من الاستراتيجيات مناسبة لفئة معينة. لكن ذلك تغير بفضل الرقمنة والتحليلات المحوسبة.

بدأت شركة تصنيع السلع الاستهلاكية المعبأة باستكشاف التباينات في بيانات المبيعات، مع التركيز على تقلب مبيعات المنتجات والكميات وهامش الربح، لأن كل منها يرتبط بشكل مباشر بالمخاطر المقترنة بحالات نفاد المخزون ومستويات الخدمة والمخزون والنقل. وكلما زادت تقلبات المبيعات، انخفضت دقة التوقعات، وأصبح المنتج ينطوي على مخاطر أكبر. وهذا بدوره يُترجَم إلى حالات نفاد مخزون متكررة وانخفاض في مستويات الخدمة. وبالمثل، كلما ارتفع هامش ربح المنتج، زادت المخاطر لأن ضياع أحد الطلبات سيكون له تأثير أكبر على صافي المبيعات. على النقيض من ذلك، تتناسب الكمية عكسياً مع المخاطر؛ أي أنه كلما زادت الكمية، انخفض تأثير ضياع أحد الطلبات، وانخفضت المخاطر كذلك. تتوافق هذه العلاقات مع تلك التي رأيناها في شركات السلع الاستهلاكية المعبأة وشركات البيع بالتجزئة الأخرى، على الرغم من أن الشركات الأخرى تركز في بعض الأحيان على السعر أو تكلفة المنتج بدلاً من هامش ربح المنتج، اعتماداً على أيهما أكثر استقراراً ونتيجة لذلك سيكون من الأسهل تطبيقه.

أظهر التحليل أن شركة تصنيع السلع الاستهلاكية المعبأة لديها 4 فئات من المنتجات، على الرغم من أن الشركات الأخرى قد يكون لديها المزيد من الفئات حسب خصائص منتجاتها. تتطلب كل فئة استراتيجية مختلفة لسلسلة التوريد. (انظر الشكل التوضيحي “استراتيجية شركة تصنيع السلع الاستهلاكية المعبأة القائمة على تقسيم المنتجات إلى فئات للتوريد لتجار التجزئة”). تضم الشريحة الأولى المنتجات التي تتسم بتقلبات عالية. ونظراً إلى أن المخاطر المتعلقة بنفاد المخزون ومستوى الخدمة والمخزون هي مخاطر عالية، فإنها تتطلب استراتيجية سلسلة توريد قائمة على سرعة الاستجابة. ويجب وضع مخزونات السلع تامة الصنع من هذه الفئة في مراكز توزيع مركزية. وسيكون كل مركز مسؤولاً عن العديد من منافذ البيع بالتجزئة، ما يسمح للشركة بتجميع الطلب وتحسين دقة التوقعات وتقليل المخزونات اللازمة للتوريد لتجار التجزئة بشكل جماعي مع الحفاظ على مستويات خدمة عالية. ولأن التسليم السريع أمر بالغ الأهمية، فغالباً ما يتم شحن هذه المنتجات عبر المرافق الإقليمية من خلال عملية الإرساء المتقاطع (cross-dock)؛ وفيها يتم تفريغ السلع من الشاحنات الكبيرة التي كانت قادمة فيها وإعادة تحميلها في شاحنات خارجية أصغر حجماً دون تخزينها.

تضم الفئة الثانية المنتجات ذات الكميات الكبيرة والتقلبات القليلة، وهي تتطلب استراتيجية قائمة على الكفاءة. في هذه الفئة، تكون التوقعات موثوقة وإدارة تكاليف النقل مهمة. لهذا السبب، يتم تخزين المنتجات في مستودعات إقليمية بالقرب من العملاء، ويُعاد ملء المخزن في مواعيد ثابتة. هذا يسمح للشركة بتحميل الشاحنات التي تنقل المنتجات بكامل طاقتها من مرافق التصنيع إلى المستودعات الإقليمية، ما يُبقي نفقات النقل منخفضة.

تتسم كلتا الفئتين المتبقيتين من فئات المنتجات الأربع بعوامل متضاربة: تقلب منخفض في الطلب (ما يشير إلى أن استراتيجية الكفاءة ستكون أفضل) وكميات قليلة من المنتج (ما قد يتطلب وحده استراتيجية قائمة على سرعة الاستجابة). وما يميز هاتين الفئتين عن بعضهما هو هوامش أرباح المنتجات.

دعونا نلقي نظرة على المنتجات ذات هوامش الأرباح المرتفعة أولاً. نظراً إلى أن هذه المنتجات تنطوي على مخاطر أكبر، يتم تخزين العديد منها في كل من المواقع المركزية والمستودعات الإقليمية ويتم التزويد بها مجدداً بناءً على مبيعات المتاجر الفعلية. تسمح هذه الاستراتيجية للشركات بإقامة توازن بين الكفاءة وسرعة الاستجابة، على الرغم من أنها تميل نحو سرعة الاستجابة. وعلى النقيض، تتطلب المنتجات ذات التقلبات والكميات وهوامش الأرباح المنخفضة استراتيجية هجينة تميل نحو الكفاءة.

في الواقع، نظراً إلى أن مخاطر وتكلفة الاحتفاظ بالمخزون تكون منخفضة عندما يمكن توقع الطلب، يمكن للشركات شحن هذه المنتجات على شاحنات محملة بكامل طاقتها إلى المستودعات الإقليمية القريبة من عملائها، وتوريدها من تلك المواقع، وتقليل تكاليف النقل.

بمجرد أن تقسّم الشركة المنتجات إلى فئات، ستحتاج إلى وضع استراتيجيات تفصيلية لمصادر التوريد والتصنيع واللوجستيات. ويجب أن يتمثل أحد الأهداف في تحديد أوجه التفاعل فيما بين الفئات، ما سيسمح للشركة بالاستفادة من وفورات الحجم. ويمكن تحقيق ذلك من خلال زيادة الكميات عبر الفئات لتقليل تكاليف الشراء، وتقاسم القدرات والبنية التحتية في التصنيع واللوجستيات، وتوحيد المعلومات المتعلقة بالعرض والطلب لتحسين التخطيط والتنفيذ. سنتطرق إلى هذه العملية الأخيرة بمزيد من التفصيل فيما يلي.

تحتاج الشركات إلى مؤشرات توقع الأداء الرئيسية (KPPs): وهي مقاييس تشير إلى الحالة التي ستكون عليها سلسلة التوريد في الأسابيع الثلاثة إلى الستة المقبلة. لهذه المؤشرات أهمية محورية في عملية التنفيذ الذكي.

تحقيق التوازن بين العرض والطلب

من بين عمليات إدارة سلسلة التوريد المهمة المطبَّقة منذ منتصف الثمانينيات التخطيط لعمليات التشغيل والمبيعات. وهذه العملية تُوازن باستمرار بين العرض والطلب، وعلى مر التاريخ دعت المدراء الذين يطلقون منتجات جديدة وقادة أقسام التصنيع والتوزيع للاجتماع معاً والاتفاق على خطة واحدة. كما أنها تتضمن عادة إجراء تحليل على مستوى وحدة العمل أو على مستوى مجموعة المنتجات، وليس على مستوى المنتجات الفردية.

جرت العادة أن تكون عملية التخطيط لعمليات التشغيل والمبيعات مجرد امتداد للتوقعات المتفق عليها، ولهذا فإنها تعاني من قيود مماثلة: فهي لا تبدأ برؤية موحدة للطلب، ولا تضع خطة على مستوى وحدة حفظ المخزون، ولا تميز بين فئات سلسلة التوريد، وغالباً ما تكون مدفوعة بالمنطق العام والخبرة والحدس وليس بالبيانات والتحليلات المحوسبة. ولأنها عملية يدوية، فإنها تستغرق شهراً عادة.

استراتيجية شركة تصنيع السلع الاستهلاكية المعبأة القائمة على تقسيم المنتجات إلى فئات لتوريدها إلى تجار التجزئة

أظهر تحليل بيانات متعلقة بتقلب المبيعات والكميات وهوامش الربح أن الشركة المصنعة للمنتجات الاستهلاكية لديها 4 فئات من المنتجات. تتطلب كل فئة منها استراتيجية مختلفة لسلسلة التوريد: استراتيجية قائمة على سرعة الاستجابة تعطي الأولوية للسرعة أو استراتيجية قائمة على الكفاءة تعطي الأولوية للتكاليف المنخفضة أو استراتيجية هجينة تميل نحو الكفاءة أو سرعة الاستجابة.

هناك نهج أفضل يمكن اتباعه في عملية التخطيط لعمليات التشغيل والمبيعات يستبدل بالعملية اليدوية عملية مؤتمتة يمكن أن تُجرى أسبوعياً، ويضمن أن اختصاصات الهندسة والماليات والمبيعات وسلسلة التوريد والتصنيع وتحديد مصادر التوريد والتجارة تعمل جميعها على تحقيق أهداف العمل نفسها. تبدأ العملية الجديدة عندما ينشئ نظام التحسين المستند إلى التحليلات خطة التوريد التي وصفناها سابقاً على مستوى كل وحدة حفظ مخزون. وهذه الخطة يُسترشد بها في كل شيء بداية من وضع جداول الإنتاج الرئيسية إلى التخطيط للمواد والخدمات اللوجستية، بما في ذلك القرارات المتعلقة بالمخزون والنقل.

وفي حين لا تحتاج كل شركة أو وحدة عمل إلى وضع خطة أسبوعية، إلا أن هذه الوتيرة مهمة للغاية للمنتجات التي يكون الطلب عليها شديد التقلب والتي غالباً ما تتغير استراتيجياتها للتسويق والترويج.

تتطلب عملية التخطيط الجديدة لعمليات التشغيل والمبيعات رصد الأنشطة أيضاً. ينبغي للشركات جمع معلومات على امتداد سلسلة التوريد حول مؤشرات الأداء الرئيسة (KPIs) مثل وقت تصنيع الطلب ومخزونات المواد الخام والسلع تامة الصنع ومستويات الخدمة، للبحث عن أي مشكلة أو انحراف يمكن أن يقوض خطة عمليات التشغيل والمبيعات. وبعد ذلك يمكن للشركات العمل على معالجة هذه المشكلات، وإذا تَبين أنها كبيرة يجب تعديل الخطة نفسها.

تحتاج الشركات أيضاً إلى مراقبة البيانات والأحداث التي تنذر بما قد يحدث في المستقبل القريب. على سبيل المثال، بينما قد تشير مستويات المخزون والخدمة إلى أن كل شيء يسير بسلاسة، فقد تشير البيانات المتعلقة بتتبع الشحن إلى أنه من المرجح أن تزداد فترات الإنتاج، ونتيجة لذلك يمكن أن تنخفض مستويات الخدمة في الأسابيع القليلة المقبلة، ما يشير إلى أن هناك حاجة إلى بناء مخزونات أو تسريع عمليات الشحن. وبالمثل، إذا تسببت أي كارثة في إغلاق منشأة تصنيع أحد الموردين في آسيا، فإنها قد تؤثر على التوريدات المتاحة في المستقبل، وربما تجبر مصانع التصنيع والتجميع الخاصة بالشركة في  الساحل الغربي للولايات المتحدة على تقليل العمليات أو إيقافها خلال 5 أسابيع. لكن مؤشرات الأداء الرئيسة التقليدية وحدها قد لا تقدم أي تحذير.

لهذا السبب، تحتاج الشركات إلى مؤشرات توقع الأداء الرئيسية (KPPs): وهي مقاييس تشير إلى الحالة التي ستكون عليها سلسلة التوريد في الأسابيع الثلاثة إلى الستة المقبلة. ولهذه المؤشرات أهمية محورية فيما نسميها عملية التنفيذ الذكي؛ وهي عملية تجارية جديدة مكملة لعملية التخطيط الذكي لعمليات التشغيل والمبيعات. بينما تركز عملية التخطيط لعمليات التشغيل والمبيعات على الأسابيع الخمسين إلى الثمانين القادمة، فإن عملية التنفيذ الذكي تركز على المدى القصير (مدة لا تزيد عن 6 أسابيع) وتحاول تحديد العراقيل والانحرافات عن الخطة والاستجابة لها بسرعة.

يتضمن التنفيذ الذكي 3 قدرات قائمة على الأتمتة: (1) الجمع الآني للبيانات الداخلية والخارجية التي تكشف عن الانحرافات المحتملة عن الخطة أو الاختلالات في التوريد أو التغيرات في الطلب. (2) الذكاء الاصطناعي الذي يحدد التأثير المحتمل لتلك التطورات على أداء سلسلة التوريد. (3) التحسين المستند إلى التحليلات المحوسبة الذي يحدد أفضل استجابة، مع مراعاة المفاضلات والأهداف المختلفة.

بمعنى أنه من خلال جمع المعلومات المالية عن الموردين من الشركات العامة والبيانات الداخلية حول أداء الموردين (على سبيل المثال، حول فترات الإنتاج أو مستويات الخدمة أو جودة المنتج)، قد تتمكن الشركات من تحديد الموردين المتعثرين. وبعد ذلك، يمكن لنظام قائم على الذكاء الاصطناعي توقُّع احتمالية وتأثير عجز المورّد عن الوفاء بالالتزامات المستقبلية المتعلقة بالتسليم في الوقت المحدد وجودة المنتج. وأخيراً، يمكن لنظام التحسين المؤتمت تحديد مورّد بديل لتوفير المواد.

استخدمت شركة تصنيع السلع الاستهلاكية المعبأة في معظم تاريخها استراتيجية موحدة مناسبة لجميع الحالات. فقد كان يتم وضع التوقعات من خلال توافق الآراء، وكانت عملية التخطيط لعمليات التشغيل والمبيعات تستغرق شهراً، ولم تميز استراتيجية سلسلة التوريد بين المنتجات المختلفة، وكانت الانحرافات عن الخطة والاختلالات في التوريدات تُدار على أساس ظرفي. برعت الشركة في تحقيق الكفاءة التشغيلية من خلال إجراء تحسينات مستمرة في عمليات الإنتاج والتعبئة والتوزيع وتلبية الطلبات، لكنها لم تغير أياً منها بشكل جذري. ولكن نهجنا إزاء رقمنة سلسلة التوريد سمح للشركة بإجراء تحول في أقل من نصف الوقت وبأقل من ربع النفقات التي تُنفَق على هذه الجهود في معظم الشركات.

ويمكن للشركات الأخرى أن تفعل الشيء نفسه. فاتباع نهج شامل ومؤتمت يمكن أن يسمح للشركات بإعادة تحديد استراتيجيات سلسلة التوريد الخاصة بها والاستجابة بسرعة للانحرافات عن الخطة. ولأن هذا النهج يستند إلى الذكاء الاصطناعي، فسيتيح للمسؤولين التنفيذيين تكريس المزيد من الوقت للأنشطة ذات القيمة المضافة، مثل تحديد أفضل الفرص لتنمية الأعمال.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .