كلما زادت مسؤولياتك وتأثيرك، يجب أن تزداد قدرتك على الاستماع. لكن يُعد الاستماع الفعال من أصعب المهارات التي يجب إتقانها، ويتطلب الكشف عن الحواجز الداخلية التي تعوق ممارسة هذا السلوك.
لنأخذ على سبيل المثال عميلتنا أسماء، وهي مديرة ناجحة في شركة استشارات إدارية. تلقت أسماء مؤخراً تقييماً لأدائها بطريقة 360 درجة من زملائها، يفيد بأنها بحاجة إلى تحسين مهارات الاستماع لديها. أثار هذا الأمر استغرابها؛ إذ كانت تعتقد دائماً أنها مستمعة جيدة. عندما سألنا زملاءها عن السبب، وصفوا كيف أنها لم تكن تجيب بدقة عن الأسئلة في الاجتماعات، وكانت لديها استنتاجات مختلفة عن بقية الفريق. أرادت أسماء معرفة ما كان يحدث. بدا الأمر بسيطاً للغاية، لكن لماذا كانت تواجه مشكلة؟ المفارقة هي أن السر الحقيقي يكمن في التركيز على نفسك.
لا تركز على انتقاداتك الداخلية
أدركت أسماء أنها لم تكن تركز على مجريات الحوار لأنها كانت قلقة بشأن أدائها الشخصي. كان تركيزها مُنصباً على صوت مختلف، وهو صوت الانتقادات الداخلية، الذي كان يراقب أداءها في الاجتماع. كان هذا الأمر ملحوظاً في أثناء العروض التقديمية تحديداً. أدى قلق أسماء بشأن أدائها إلى عدم قدرتها على فهم المخاوف الكامنة وراء كل سؤال، ومنعها من ملاحظة إشارات الجمهور للمضي قدماً في العرض. حوّل تركيزك من الحصول على تقييم جيد إلى الهدف الأكبر للعرض التقديمي. ما الذي يثير حماسك بشأن الموضوع أو الجمهور؟
وسّع نطاق رؤيتك لدورك
لكي تستمع بفعالية، عليك أن تؤمن أولاً بأن الاستماع يُعد جزءاً أساسياً من وظيفتك. يقول المؤلفان بوريس غرويسبرغ ومايكل سليند في مقالهما بعنوان "جوهر القيادة يكمن في التواصل والحوار" (Leadership Is a Conversation): "إن القادة الذين يأخذون الحوار المؤسسي بجدية يعرفون متى يجب أن يتوقفوا عن الحديث ويبدؤوا الاستماع". مع استمرار أسماء في استكشاف سبب عدم استماعها بفعالية، أدركت أنها وضعت نفسها في موقف صعب. بوصفها مستشارة إدارية، وصفت دورها بأنه "تقديم حلول فعالة للعملاء". ناقشنا كيفية تغيير رؤيتها حول دورها في الشركة من مجرد حل المشاكل لتصبح مستشارة مُؤتَمَنة، تقدم الاستشارات والنصائح وتستمع بعناية إلى مشاكل العملاء ومخاوفهم. فكر فيما إذا كنت قيّدت نفسك من خلال تحديد دورك الوظيفي. هل تعتقد أن وظيفتك الأساسية هي تقديم التوجيه والإرشاد فقط؟
ضع خوفك وتوقعاتك جانباً
يتطلب الاستماع الفعال الحضور الكامل والانتباه التام والاستعداد للإجابة عن أي سؤال قد يُطرح خلال المحادثة، لكنّ قدرة الاستماع لدينا تتوقف عندما نحاول توقع ما قد يحدث لاحقاً. على سبيل المثال، وجدت أسماء أنه بينما كان شخص آخر يتحدث، كان عقلها يفكر بالفعل فيما ستقوله بعد ذلك أو يتوقع ما يمكن أن يقوله الآخرون. كان هذا الأمر صحيحاً وملحوظاً بالتحديد خلال المحادثات الصعبة، عندما كانت تتوقع المواجهة. كانت تستعجل في قول ما تريد دون الاستماع بانتباه إلى ما يقوله الآخرون، وذلك لتجنب مخاوفها من المواجهة والصراع. لكنّ الاستماع الفعال هو مهارة مهمة تحديداً في التعامل مع المحادثات الصعبة؛ إذ تتطلب هذه المحادثات مواءمة المصالح والاهتمامات مع جداول الأعمال المتعددة. إننا مطالبون بالانتباه الكامل لفهم المسائل الحساسة أو الكشف عن حالات سوء الفهم المحتمل. لاحظ إذا كان استماعك يتوقف عندما تكون غير مرتاح عاطفياً. هل تعرف العوامل التي تثير ردود فعلك العاطفية؟
كن مستعداً لتغيير وجهة نظرك
أدركت أسماء أيضاً أنها كانت تعمل جاهدة لتبدو واثقة من نفسها وللتأكد من أنها تطرح وجهة نظرها في الاجتماعات. عندما حاولت أن تكون أكثر حزماً في طرح وجهة نظرها، بدا أنها اتخذت قرارها مسبّقاً. قدّم أحد شركاء أسماء هذه النصيحة، قائلاً: "عندما أكون في اجتماع، تكون لدي وجهة نظر، لكنني لا أفترض أو أحاول أن أظهر أنني أذكى شخص في الغرفة، بل أفترض أن زملائي أذكياء أيضاً، وبالتالي قد يكون لديهم سبب وجيه لاتخاذ موقف مختلف، لذلك، أنا مستعد للاستماع إليهم من أجل الوصول إلى أفضل إجابة، وليس فقط إجابتي الشخصية". إذاً، فالاستماع هو في الواقع علامة على ثقة كبيرة بالنفس. هل تحاول جاهداً أن تُظهر ثقتك بنفسك وتغفل عن سماع وجهات نظر الآخرين في أثناء ذلك؟
على الرغم من وجود العديد من الطرق العملية لتعزيز مهارات الاستماع، فإنه يجب عليك التركيز على المسائل الداخلية والعميقة لتحقيق تحسين فعّال. الاستماع هو مهارة تمكّنك من تحقيق المواءمة بين الأشخاص والقرارات وجداول الأعمال. لا يمكنك أن تمتلك حضوراً قيادياً دون الاستماع إلى ما يقوله الآخرون.