تحاول الشركات منذ حوالي 20 سنة تبنّي بناء ثقافة محورها الزبون بشكل صحيح. ومع ذلك وجد مجلس رؤساء التسويق أنّ 14% فقط من المسوقين يعلنون أنّ مركزية الزبون هي علامة فارقة لشركاتهم، فيما لا يعتقد سوى 11% منهم أنّ زبائنهم يوافقونهم على هذا التوصيف.
ولكن لماذا يجد كل هذا الكم من الشركات صعوبة في تبني ثقافة مركزية الزبون؟ إنّ حجم بيانات الزبائن المتوفرة اليوم وسرعة تراكمها وتنوعها من شأنها أن ترهق الكثير من المؤسسات والشركات، فبعضها لا يملك النظم والتكنولوجيا اللازمة لتصنيف الزبائن وإعداد ملفاتهم التعريفية، وبعضها الآخر تنقصه القدرات العملياتية والتشغيلية لاستهدافهم بخبرات وأدوات تواصل شخصية.
بيد أنّ العقبة الأكبر وربما الأكثر انتشاراً أمام تحقيق مركزية الزبون هي غياب الثقافة المؤسسية المتمحورة حول الزبون. غالباً ما تكون الثقافة في معظم الشركات متمحورة حول المنتجات ومدفوعة بالمبيعات، وكثيراً ما ينظر إلى مركزية الزبون بوصفها أولوية فقط في وظائف محددة كالتسويق على سبيل المثال. وللنجاح في تطبيق استراتيجية ونموذج عمل قائمين على مركزية الزبون، يتعين على الشركات امتلاك ثقافة تناسب تلك الاستراتيجية وذلك النموذج – وما يستتبعه ذلك من قادة يغذون عن قصد ووعي العقلية والقيم الضرورية لذلك في نفوس موظفيهم.
ولبناء ثقافة محورها الزبون، يتعين على قادة الشركات اتخاذ الإجراءات الستة التالية:
أدخل التعاطف مع الزبون إلى صلب آليات عمل شركتك. إنّ تعبير "التعاطف" هو أحد التعبيرات الرائعة ذات الوقع الإيجابي، بيد أنّ عدداً صغيراً من الشركات يدرك حقاً معناها، وعدداً أصغر يطبقها على أرض الواقع. والتعاطف مع الزبون يعني في جوهره امتلاك القدرة على تحديد حاجات الزبون العاطفية وتفهم أسباب تلك الحاجات ومنابعها والاستجابة لها بشكل فعال ومناسب. بيد أنّ التعاطف الحقيقي لا يزال نادراً حتى الآن. فبحسب مؤسسة برايس ووترهاوس كوبرز (PwC) يرى 38% فقط من المستهلكين الأميركيين أنّ الموظفين الذين يتعاملون معهم في الشركات والمؤسسات يتفهمون حاجاتهم الخاصة.
ولتحويل التعاطف إلى قيمة عامة تؤثر في كل ما تفعله المؤسسة، يتعين على القادة القيام بأكثر من مجرد الإعلان عن ذلك بالكلام. فشركة سلاك (Slack) المتخصصة في برمجيات التواصل فيما بين الشركات على سبيل المثال، أدخل التعاطف عملياً إلى آليات عملها. فموظفو الشركة يقضون جزءاً كبيراً من وقتهم في قراءة رسائل الزبائن ومراقبة سلوكهم في مسعى منهم لاستشفاف ما يريدونه وما يحتاجون إليه. وتشجع إدارة الشركة العاملين في قسم دعم الزبائن على البحث والاستعلام عن الأشخاص الذين يقدمون الدعم لهم وتشكيل أنماط شخصية مصغرة لهم من أجل الوصول إلى فهم أفضل لطريقة استخدام الزبائن لمنصة سلاك. وتختار الشركة للعمل في قسم دعم الزبائن أشخاصاً يجيدون التعبير عن التعاطف عبر الكلمة المكتوبة، ولا يُسمح لأولئك الأشخاص اعتماد طريقة النسخ واللصق في إجاباتهم عن رسائل الزبائن واستفساراتهم. وبالنسبة للشركاء الذين يبتكرون تطبيقاتهم على منصة سلاك، تضع الشركة في متناولهم ما يعرف بالممارسات التسع الفضلى لمساعدتهم على التعاطف مع زبائنهم، بما في ذلك ممارسة "ضع مخططات لحالات استخدام منتجاتك أو خدماتك"، وممارسة "اصنع قصة مصورة عن كل تفاعل مع الزبون".
كيفية بناء ثقافة محورها الزبون
اختر موظفيك بما يتفق مع التوجه نحو الزبون
على الشركات أن تجعل من التفكير بالزبائن وحاجاتهم على رأس أولوياتها منذ أول تفاعل مع الموظفين المحتملين. وهذا ما يتعاون على تحقيقه مدراء قسمي التسويق والموارد البشرية في منصة هوتسويت (Hootsuite) المتخصصة في إدارة وسائل التواصل الاجتماعي.
فخلال المقابلات مع المرشحين يطرح مدراء التوظيف على كل مرشح، بغض النظر عن المنصب المرشح له، سؤالاً لاختبار مدى توجهه نحو الزبائن. وتشرح كيرستي ترايل نائب مدير شؤون خدمة الزبائن بشركة هوتسويت هذا النهج قائلة: إنّ هذه الممارسة لا تساعد فقط على اختبار المرشحين وضمان اتساق كل موظف جديد مع ثقافة مركزية الزبون، بل ترسل أيضاً رسالة واضحة إلى الجميع – المرشحين ومدراء التوظيف على حد سواء – تؤكد على أهمية تجربة التعامل مع الزبائن في الشركة.
أتح إمكانية النظر في رؤى الزبائن لجميع موظفيك
إذا ما أردت أن يتبنى جميع الموظفين عقلية موجهة نحو الزبون، لا بدّ أن يمتلك كل موظف صورة صحيحة وواضحة عن زبائن الشركة كافة. فلقد فتحت شركة أدوبي سيستمز رؤى زبائنها أمام جميع موظفيها، ولم تبق النظر في تلك البيانات حكراً على قسمي البيع والتسويق فحسب وتطلب من الأقسام الأخرى تركيز انتباهها على وظائفها فقط.
لقد أنشأت الشركة قسماً جديداً يضم فريق عمل يهتم بتجربة الزبائن وخبرة الموظفين، وذلك لتسهيل فهم حاجات الزبائن وتكوين صورة واضحة عنهم. كما أقامت الشركة محطات استماع يمكن للموظفين استخدامها للاستماع إلى اتصالات الزبائن إما مباشرة عبر الشبكة وإما ضمن مكتب مخصص لذلك ضمن مكاتب الشركة. وفي كل اجتماع عام مع جميع الموظفين يقدم القادة تقريراً حديثاً حول تجربة زبائن الشركة.
يسّر التفاعل المباشر مع الزبائن لجميع الموظفين
من الضروري أن تطور الشركات طرقاً للتواصل المباشر بين الزبائن والموظفين، حتى أولئك الذين يعملون في المكاتب الخلفية. ففي المحصلة، لكل موظف تأثير ما في تجربة الزبائن مع الشركة، ولو بطريقة غير مباشرة، ولذلك فإنّ تفاعل أي موظف مع الزبائن قد يفيده في فهم حاجاتهم والتعرف على نجاحاتهم والتحديات التي يواجهونها.
تنظر شركة إير بي إن بي (Airbnb) إلى المضيفين الذين يؤجرون بيوتهم بوصفهم زبائن، وتيسّر تفاعل موظفيها مع أولئك الزبائن من خلال طلب استخدام موظفيها بيوت زبائنها عندما يسافرون في رحلة عمل، كما تطلب من أولئك الموظفين أن يصطحبوا المضيفين إلى الاجتماعات التي يحضرونها في مكاتب الشركة. علاوة على ذلك يشارك الموظفون إلى جانب المضيفين في اجتماع سنوي يشكل فرصة لمناقشة ما تعلمه الطرفان من خبرة السنة السابقة ووضع خطة للسنة اللاحقة.
قد لا تسمح غالبية نماذج الأعمال في الشركات بالتفاعل المباشر بين الموظفين والزبائن، كما كانت الحال في شركة إير بي إن بي سابقاً، ولكن بوسع القادة دائماً أن ييسروا ذلك من خلال السماح للموظفين بتشكيل فرق عمل متخصصة بتجربة الزبائن، والاستماع إلى اتصالات قسمي المبيعات والدعم الفني، ورصد زيارات الزبائن، والمشاركة في الأنشطة التعريفية ومختبرات الابتكار المشترك والفعاليات الموجهة نحو الزبائن كاجتماعات المجالس الاستشارية والمؤتمرات المتخصصة بقطاع العمل الذي تنتمي إليه الشركة.
اربط ثقافة الموظفين بنتائج تجربة الزبائن
إنّ القول المأثور "لا يمكنك إدارة ما لا تقيسه" يصح بالنسبة لموضوع ثقافة مركزية الزبون أيضاً. وبالطبع سيجد المدراء حافزاً قوياً لبناء ثقافة محورها الزبون وسيمتلكون الأدوات للقيام بذلك إذا علموا أنّ بناء تلك الثقافة سيؤثر في نتائج أعمال شركاتهم. ولذلك يتعين على تلك الشركات إيجاد رابط بين بناء تلك الثقافة وما يتركه من أثر على تجربة الزبائن. وبحسب دايان غيرسون، رئيسة قسم الموارد البشرية في شركة آي بي إم، فإنّ تفاعل الموظفين وانخراطهم في العمل يشكل العامل الفعال في تحديد ثلثي درجات تجربة الزبائن التي تحرزها شركتها. ولعل ذلك يثبت ما كانت غيرسون وفريقها يعلمونه بحدسهم: وهو أنه إذا كان موظفو شركة آي بي إم يشعرون بالرضا حيال شركتهم، فإنّ الزبائن سيكونون راضين أيضاً.
طورت مجموعة تمكين، وهي شركة استشارية في مجال تجربة الزبائن، نموذجاً لتقدير أثر تحسين تجربة الزبائن على إيرادات الشركات في القطاعات المختلفة. وبالمتوسط، وفق حسابات شركة تمكين، فإنّ شركة بحجم 1 مليار دولار بمقدورها أن تكسب 775 مليون دولار على مدار ثلاث سنوات عبر تحقيق تحسينات بسيطة مثل تقصير مدة انتظار الزبائن أو تبسيط تعاملات لزبائن.
اربط تعويضات الموظفين برضا الزبائن من أجل بناء ثقافة محورها الزبون
على المؤسسات تعزيز ثقافة مركزية الزبون من خلال برامج تعويضاتها لموظفيها. وترى دونا موريس من شركة أدوبي أنّ مثل هذا البرنامج "يشرك جميع الموظفين في اللعبة". ولكي يدرك الموظفون حقاً أنّ عليهم أن يوجهوا سلوكهم ومواقفهم ويكيفوها بما يؤدي إلى تحسين تجربة الزبائن، لا بدّ حسب رأيها أن يكون هنالك "عنصر مخاطرة" له علاقة بالتعويضات.
وهكذا طبقت أدوبي برنامج تعويضات يهدف إلى ربط جميع الموظفين بالزبائن، حيث تعكس خطة الحوافز النقدية قصيرة الأجل أداء الشركة من حيث إيراداتها إضافة إلى مقاييس النجاح ذات الصلة بالزبائن مثل نسبة الاحتفاظ بهم على سبيل المثال. ولا تقتصر فائدة هذا البرنامج على جعل إسهامات كل موظف في تحسين تجربة الزبائن أمراً محسوساً، بل تتعداه إلى تحقيق التوافق والانسجام على مستوى المؤسسة ككل، حيث إنّ الجميع يعملون لتحقيق نفس الأهداف.
بدأ قادة الشركات يدركون أنّ بناء ثقافة محورها الزبون والثقافة والاستراتيجية تسيران جنباً إلى جنب، ولذلك لن تنجح الشركات في تحقيق رؤاها المتوجهة نحو الزبون ما لم يتم تعزيز استراتيجياتها القائمة على مركزية الزبون بثقافة محورها تجربة الزبائن.