عملت مؤخراً جنباً إلى جنب مع عميل يبلغ من العمر 24 عاماً –ولنطلق عليه اسم مارتن- كان مكلفاً بتقديم عرض تقديمي لمدة خمس دقائق في الاجتماع العام السنوي الذي تعقده شركته. لم يسبق لمارتن أن ألقى خطاباً عاماً في حياته المهنية، لكن إنجازاته أثارت إعجاب مشرفيه، وأرادوا أن يشارك مارتن نجاحه مع بقية المؤسسة.

كان من المفترض بمارتن أن يشعر بالفخر والاعتزاز، ولكن إحساساً واحداً طغى على كافة أحاسيسه: الخوف المطبق.

هذه هي النقطة التي بدأت أعمل عليها مع مارتن قبل ثلاثة أسابيع من اللقاء: خوفه. وفيما يلي، سأكشف لكم عن 8 نصائح قدمتها لمارتن لمساعدته على التعامل مع توتره، وصياغة عرض تقديمي جذاب، وتقديمه بكل ثقة.

1. لا يتمحور العرض التقديمي حولك. بل حول الموضوع

يفضل الكثيرون تعريض أنفسهم لأشد أنواع الألم بدلاً من التحدث أمام العامة، ولكن هذا النفور لا يُعزى إلى الخوف من مخاطبة الجمهور فعلياً. بل يُعزى إلى الخوف من التعرض للإهانة؛ أي الإخفاق والوقوع في موقف محرج أمام الجمهور.

ولكن يجب أن ننتبه لما يلي: ليس العرض التوضيحي مسابقة في مخاطبة الجمهور، ولن يكون مناسبة لإطلاق الأحكام عليك. في الواقع، ليس المتحدث مؤدياً محترفاً حتى، بل مجرد مقدم، يقتصر دوره على نقل أفكار مهمة من رأسه إلى رؤوس الحاضرين. ولهذا، نقول إنه “يقدم” عرضاً تقديمياً.

إن تسليط الضوء على أفكارك بدلاً من أن يكون مسلطاً عليك، يمكن أن يساعدك على تخفيف توترك، لأنه يركز تفكيرك على عملك الحقيقي، وهو التعبير عن أفكارك بفعالية، لا إذهال الجمهور أو سحره بشخصيتك أو تسليته.

2. احرص على التمكن من فكرتك 

بطبيعة الحال، يجب أن تكون مدركاً لفكرتك أو وجهة نظرك كي تتمكن من إيصالها إلى الآخرين. ولكن إياك أن تخطئ في الخلط بين وجهة نظرك وأحد المحاور أو الموضوعات العامة. عادة ما تكون الفكرة رأياً أو حجةً تقول إن مسألة معينة ستؤدي إلى نتيجة ناجحة.

وعندما تستوعب هذه الحجة، يجب أن تسأل نفسك 4 أسئلة سهلة:

  1. ما هي الفكرة؟
  2. ما التكتيكات التي تضمن نجاح الفكرة؟
  3. ما أثر هذا النجاح؟
  4. ماذا يمكن أن يتعلم الآخرون من هذا النجاح؟

إن الإجابات عن هذه الأسئلة الأربعة -مدعومة بالبيانات والقصص والاستدلال المنطقي- تمثل بمجموعها عرضك التقديمي. ببساطة، وفعالية.

يمكنك تعديل التوقيت وفقما تراه مناسباً، ولكن ضع في حسبانك أن عرضاً تقديمياً يستغرق 5 دقائق يعني أن الإجابة عن كل من هذه الأسئلة ستستغرق فترة وسطية تعادل 75 ثانية تقريباً. وطالما أنك تنجح في توضيح وجهة نظرك، فلن تصادف جمهوراً يتذمر بشأن المدة القصيرة لعرضك على الإطلاق.

3. استعن بملاحظاتك لتدعم أداءك 

يمكن أن تنظر إلى ملاحظات الحديث مثلما تنظر إلى قائمة تسوّق؛ فهي مجرد ملاحظات تذكير قصيرة (وليست جملاً كاملة حتى) تتضمن المواضيع التي يشملها العرض التقديمي، مرتبة وفق الترتيب الذي خططت له. قد تكون ملاحظاتك طويلة في البداية، ولكن يجب أن تجعلها أقصر في أثناء تدرّبك على العرض التقديمي مع تقليل الاعتماد عليها.

وتذكّر جيداً: إن الغرض من هذه الملاحظات هو دعمك، لا توجيهك بصورة حرفية. فالجمهور يريد منك التعبير عن أفكارك، لا قراءتها.

4. ارفع صوتك سواء كنت في قاعة حقيقية أو على تطبيق زووم

فإن مستوى الصوت أمر بالغ الأهمية للتعبير عن أفكارك بقوة. لا يقتصر الصوت القوي على جعلك مسموعاً على نحو أفضل، بل يعبر على نحو أفضل عن السيطرة والثقة والقيادة والكفاءة.

ثمة تمرين أجريه في ورشات العمل التي أنظمها: أطلب من كل مشارك أن يتحدث بدوره بصوت أعلى، وبعد أن ينتهي، أطلب من المشاركين الآخرين أن يحكموا على الاختلافات الناتجة في الانطباع العام الذي تشكل عن هذا المشارك. أسمع عموماً ردود فعل من قبيل: “أكثر حزماً” و”أكثر ثقة” و”أكثر إقناعاً”، بغض النظر عن المستوى الفعلي للحزم والثقة والإقناع لدى المتحدث. هذه هي قيمة الصوت المرتفع.

5. كن على سجيتك

قبل يوم واحد من العرض التقديمي، بعث إليّ مارتن بسلسلة من الأسئلة الفجائية: كم مرة يجب أن أستخدم الإيماءات؟ ماذا سيحدث إذا عطست أو ترددت في الكلام؟ هل يجب أن أبدأ العرض بنكتة؟

وكانت إجابتي عن كل هذه الأسئلة واحدة: “تصرف على سجيتك”.

يتجاوب الجمهور مع التصرف البشري غير المصطنع على نحو مثالي حتى وإن تخللته بعض الأخطاء، لأن الحاضرين يشعرون بوجود صلة تجمعهم بصاحب هذا التصرف بوصفه إنساناً مثلهم. من ناحية أخرى، يؤدي التصرف المصطنع إلى قطع هذه الصلة، فيضعف من ارتباطك بالجمهور، ويمكن أن يضر بسمعتك.

ولهذا، استخدم الإيماءات متى كانت مريحة بالنسبة لك. وإذا شعرت بالحاجة إلى العطاس، فلا مشكلة في أن تعطس. وإذا كنت مرحاً، فلا تتردد في التعبير عن مرحك. إضافة إلى هذا، فإن التصرف دون اصطناع إلى أقصى حد يمثل أفضل وسيلة للتعبير عن قناعتك الشخصية بأفكارك.

6. تدرب بطريقة مجدية

يتمحور التدريب الفعال حول تحقيق التوافق بين العقل والفم لتقديم الأفكار بصورة جيدة. فعندما يتمتم المتحدث في أثناء التدريب -وهو ما نقوم به في أغلب الأحيان- فإنه يدرب واحداً فقط من هذين العنصرين الرئيسيين. أما التدريب المجدي فيتضمن الإفصاح عن الأفكار بصوت مرتفع وفي الزمن الحقيقي. وفي أثناء التدريب، أنت لست في حاجة إلى جمهور حاضر أو كاميرا أو مرآة (في الواقع، يُفَضّل تفادي التدرب أمام المرايا بالكامل). كل ما يتطلبه التدرب وجود ما يكفي من الوقت والحيز المكاني لإلقاء عرض تقديمي كامل.

وهذه أيضاً الوسيلة الوحيدة لتحديد المدة الفعلية للعرض التقديمي.

7. حوّل ما لديك من توتر إلى حماس

تبين الدراسات أن الانتقال من الشعور بالتوتر إلى الشعور بالحماس قد يحتاج فقط إلى أن يقول الشخص لنفسه: “أنا متحمس” في كل مرة يفكر فيها بأنه متوتر، لأن الشعورين متقاربان. جرب أن تقول: “أنا متحمس. أنا متحمس. أنا متحمس” في الدقائق واللحظات التي تسبق العرض التقديمي.

ومن المرجح أنك ستظهر بمظهر المتحمس الذي يعبر عن فكرته بكل ما لديه من شغف، بدلاً من الظهور بمظهر شخص متوتر وقلق.

8. اقضِ على الصوت الداخلي

ما هو الصوت الداخلي؟ إنه الصوت الذي يتحدث معك على نحو متواصل داخل رأسك، ويحاول تدمير ثقتك بنفسك، ويهمس لك بعبارات مثل: “لقد أصبت الجمهور بالضجر”، و”أنت لا تبلي بلاءً حسناً”، و”أنت تحرج نفسك”. ولكن يجب أن تدرك ما يلي: هذا الصوت الداخلي كاذب. إنه صوت قلقك الداخلي، وهو يحاول أن يزيد من شعورك بالارتباك الذاتي، لا أن يقلل منه.

يمكنني سماع الصوت الداخلي بأذنيّ الحقيقيتين كلما بدأ أحد الطلبة في ورشة العمل عرضه التقديمي بعبارة مثل “أنا متوتر جداً” أو أنهاها بعبارة مثل “آسف، أعلم أنه لم يكن عرضاً رائعاً”. المضحك في الأمر هو أن هؤلاء المتحدثين لم يظهروا للآخرين بمظهر متوتر أو مخيب للآمال على الإطلاق. إنه الصوت الداخلي فحسب، وهو يبذل كل ما بوسعه لتخريب العرض التقديمي.

يسرني أن أقول لك إن الثقة كفيلة بإخراس الصوت الداخلي. يجب أن تدرك أن هذا الصوت الذي في رأسك يكذب، وتفسح المجال أمام إيمانك بقدراتك وأفكارك كي يقلل من تأثير هذا الصوت إلى درجة إسكاته تماماً.

بعد تدريب شاق، تمكّن مارتن من إلقاء عرضه التقديمي بنجاح في نهاية المطاف، وبدا للآخرين في حالة رائعة من التركيز والثقة والشغف، وهو ما تأكدت منه بإجراء استطلاع للرأي شمل المئات من موظفي الشركة بعد العرض.

بالنسبة للحاضرين، تمكّن مارتن من “تقديم عرض تقديمي رائع”، ولكنه يعرف، كما أعرف أنا وتعرفون جميعاً، أن نجاحه لا يُعزى إلى صفات جينية خاصة جعلت منه متحدثاً رائعاً أمام الجمهور أو شخصاً لا يعرف الخوف. نجح مارتن بفضل إدراكه لفكرته، وإدراكه لمهمته، وقدرته على تحديد الجوانب الأهم، والجوانب غير المهمة على الإطلاق.