يسعى الأشخاص الأكثر تأثيراً إلى كسب التأييد والالتزام الحقيقيين من الآخرين، ولا يعتمدون على أسلوب مطاوعة الآخرين الذي يضمن إقناعهم على المدى القصير. هذا ما استنتجناه بعد إجراء مقابلات مع أكثر من 100 شخصية مؤثرة تحظى باحترام كبير في  العديد من القطاعات والمؤسسات المختلفة من أجل تأليف كتابنا.

ولفهم سبب أهمية جذب اهتمام الآخرين وفق شروطهم، تخيل أنك في الركن الشمالي الشرقي من مركز تسوق بجوار مقهى،  وأن صديقاً لك يقف في الطرف الآخر من المركز بجوار متجر ألعاب. وتريد أن تخبره كيف يصل إلى مكانك. فلو أنك قلت له:”للوصول إلى مكاني، ابدأ بالركن الشمالي الشرقي بجوار المقهى”، فإن قولك سيكون غير منطقي! لأنك طلبت منه أن ينطلق من مكانك لا من مكانه!

نحن جميعًا -في الغالب- نحاول إقناع الآخرين برؤانا وفق شروطنا وافتراضاتنا وبناءً على تجاربنا؛ فنعرض حجتنا من وجهة نظرنا فحسب! ونعاملهم وكأنهم ينظرون للأمر بأعيننا لا بأعينهم! وهذا يُحدث فجوة في التواصل بيننا وبينهم وفي مثال مركز التسوق الذي طرحناه ما يمثّل خطأنا هذا!

ولإحداث تأثير حقيقي نحتاج إلى الانتقال من “مكاننا” إلى “مكان الآخرين” لجذب اهتمامهم، ويعيننا على ذلك 3 طرق، هي:

  1. وعيُ الموقف: أَظهِر لمن تحادثهم أنك تفهم الفرص والتحديات التي يواجهونها، فاعرض الأفكار التي ستكون مجدية بناءً على موقفهم؛ لأنك حين تدرك واقعهم بطريقة تبدو حقيقية، ستسمع منهم تعليقات مثل “أنت تفهم الموقف جيداً حقاً!” أو “أنت تدرك فعلاً ما أواجهه!”.
  2. وعيُ الشخصيات: أظهِر لمن تتحدث إليهم أنك تفهم نقاط قوتهم وضعفهم وأهدافهم وآمالهم وأولوياتهم واحتياجاتهم وقيودهم ومخاوفهم واهتماماتهم. وأكِّد لهم أنك على استعداد للتواصل معهم على المستوى الشخصي؛ فعندما تفعل ذلك بطريقة صحيحة ستسمعهم يقولون عبارات مثل “أنت تفهمني حقاً!” أو “أنت تفهم وضعي بامتياز!”.
  3. وعيُ الحلول: أَظهِر لهم مساراً إيجابياً يتيح لهم إحراز تقدم وفق شروطهم، وامنحهم خيارات وبدائل تساعدهم، ووفِّر فرصاً لتحسين الأمور، وساعدهم على التفكير بمزيد من الوضوح والشعور بالتحسن والتصرف بذكاء. كلّ هذا استناداً إلى فهمك لموقفهم وما هو على المحك بالنسبة لهم. وعندما تنجح في ذلك ستسمع منهم تعليقات مثل “يمكن أن ينجح ذلك حقاً!” أو “أتخيل كيف سيساعدني ذلك!”.

ومن أبرز البارعين في التأثير في الآخرين الرئيس التنفيذي السابق للشركة الرائدة بيتني بوز (Pitney Bowes)، مايك كريتيلي، الذي كان أحد الرؤساء التنفيذيين المرموقين الذين ذكرهم جيم كولينز في كتابه المهم “من جيد إلى عظيم” (Good to Great) في حديثه عما تفعله الشركات الأكثر نجاحاً لتحقيق أهدافها.

وتتمثل إحدى نقاط قوة مايك العديدة في القدرة على جذب اهتمام أعضاء فريقه وفق شروطهم لتحقيق مستويات عالية من الأداء والتحفيز. وعندما سألناه عن ذلك قال: “ما يحفز الأشخاص في الغالب هو اللفتات الصغيرة، ويحتاج القائد إلى الاستماع إليهم لمعرفتها؛ إذ يتعلق الأمر بملاحظة الأشياء التي تُهمهم”.

فمثلاً، أجرى أحد موظفي مايك محادثة عابرة معه عن التحديات التي ينطوي عليها تبنّي طفل، مشيراً إلى أن بيتني بوز لم تكن لديها مزايا كافية فيما يتعلق بالتبني. وبعد أسابيع قليلة من ذلك تلقى هو وزوجته خطاباً من مايك يهنئهما بطفلهما الجديد، إلى جانب شيك  بقيمة مزايا التبني الجديدة التي شرعتْ الشركة في تقديمها.

وعندما تقاعد مايك أعدَّ موظفو بيتني بوز جميعهم مقطع فيديو أعربوا فيه عن تقديرهم لتأثيره الإيجابي على مدار سنوات. وتحدثوا جميعاً عن طرق تأثير مايك فيهم، مثل العلاقات الشخصية والأفعال التي تراكمت بمرور الوقت لتصبح سمعة طيبة جذبت أشخاصاً رائعين إلى الشركة وحفزتهم على البقاء فيها.

لقد كانت شهادات موظفي مايك له غايةً في البهاء! فهي تخبرنا عن قدرته على التأثير في الأشخاص وفق شروطهم، لدرجة أنهم عبّروا علناً عن تقديرهم في فيديو سيظل موجوداً ويمكن للعامة مشاهدته! وتستمدّ شهاداتهم قيمتها من أنهم أعلنوها بعد أن أصبح مايك لا يملك سلطة عليهم!

إنك إن اتبعتَ مايك كريتيلي في ممارسة هذه الطرق الثلاث للتأثير في الآخرين، فإنك ستفهمهم وتدرك ما يواجهونه وما يحتاجون إليه للمضي قُدماً. وهذه طريقة فعالة لتحقيق نتائج رائعة مع توطيد علاقاتك بهم.

وعندما تحاول التأثير في الآخرين، لا تبدأ بمحاولة جذبهم إلى حيث أنت، بل اذهب إلى حيث هم بسؤالك نفسك:

  • هل أفهم هذا الشخص؟
  • هل أعي موقفه؟
  • هل أقدم خيارات وبدائل من شأنها أن تساعده على المضي قدماً؟
  • هل يدرك أنني أعي موقفه؟