إذا تمكنت من جذب شخص إليك، فإن تعاطفه واستعداده للتعاون معك سوف يزدادان مع مرور الزمن.
إليكم هذا المثال التالي : في شتاء عام 1914 وعلى أطراف مدينة يبريس، كان الجنود البلجيكيون، والبريطانيون والألمان يخوضون معركة طويلة ودموية. ولكن عشية ليلة عيد الميلاد، وتحديداً في 24 من شهر ديسمبر/كانون الأول، بدأ الجنود البريطانيون يرون أنواراً تتلألأ من بعيد، ويسمعون أغانٍ تنشد من الطرف الآخر للميدان الذي فصل خنادقهم عن خنادق أعدائهم، وسرعان ما أدركوا أن الأنوار كانت تنبعث من الشموع وأن الأغاني لم تكن سوى ترانيم عيد الميلاد.
إلا أن ما حصل بعد ذلك كان مذهلاً، فقد خرج الرجال من كلا الطرفين من خنادقهم المتقابلة وبدؤوا في الاحتفال بعيد الميلاد معاً. الرجال الذين كانوا يحاولون قبل ساعات قتل بعضهم بعضاً يتبادلون الآن التذكارات ويستعرضون الصور العائلية بثقة كاملة ودون أدنى عنف. لماذا؟ لا أحد يعلم الإجابة يقيناً، لكنني أشك أن هؤلاء الرجال وفي تلك اللحظات لم ينظروا إلى أنفسهم على أنهم بريطانيون وألمان، وإنما اعتبروا بعضهم إخوة يجمعهم دين واحد.
لقد نظروا إلى أنفسهم على أنهم متشابهون، ما يعني أنهم قادرون على الوثوق ببعضهم البعض.
اقرأ أيضاً: استعادة الثقة بالنفس: التغيير هو المفتاح.
ربما تعتقدون أنني ألفت نظرية خيالية حول طرق بناء الثقة بالآخرين استناداً إلى قصة حصلت بمحض الصدفة. ربما هذا ممكن. ولكن أنا وزميلي بيير كارلو فالديسولو (Pierre Carlo Valdisolo)، تساءلنا حول الشيء ذاته، لذلك صممنا تجربة سمحت لنا بالتلاعب بموضوع التشابه بعد أن عرّيناه إلى أكثر عناصره أساسية لنرى كيف يؤثر على سلوك الإنسان.
وللقيام بذلك، أدخلنا المشاركين في التجربة إلى المختبر (كل واحد منهم على حدة)، وجعلناهم يعتقدون بأنهم يشاركون في تجربة حول تصوراتهم الموسيقية. لذلك وضعوا سماعات على آذانهم وجلسوا قبالة شخص آخر، لم يكن سوى ممثل يعمل معنا. كانت المهمة بسيطة للغاية، فكل ما كان مطلوباً منهم هو النقر على زر موضوع أمامهم بحسب الإيقاع الذي كانوا يستمعون إليه عبر سماعات الأذن، تم تصميم الإيقاعات بحيث يمكن لبعض المشاركين رؤية أيديهم تنقر على الزر في تزامن مع أيدي الممثل (الذي كان لديه أيضاً زر سماعات أذن خاصين به)، بينما رأى آخرون نقرات عشوائية غير متزامنة. لماذا اخترنا النقر؟ يعتبر التحرك عبر الزمن من العلامات القديمة التي كان الدماغ يستعملها للكشف عن الأشخاص المتشابهين. نرى هذا يحصل في الطقوس، وفي التدريبات العسكرية، وتمارين الفرق الرياضية. فإذا كنت تتحرك عبر الزمن مع شخص آخر، فهذه علامة على أنه في هذا المكان تماماً، وفي هذه اللحظة تماماً، أنتما الاثنان عبارة عن وحدة واحدة.
بعد النقر، صممنا تجربة أخرى رأى فيها المشاركون الممثل عالقاً أثناء أداء مهمة مضنية تم إعفاؤهم من أدائها، ولكن قبل أن يغادروا التجربة، مُنحوا الفرصة لمساعدة الممثل في إتمام المهام المضنية إذا كانوا يرغبون في ذلك.
وتماماً كما توقعنا، قرر عدد صغير فقط من الناس (18%) مساعدة الممثل الآخر على الرغم من أن أداءهم في التجربة لم يكن متزامناً. ولكن في الحالات التي كان فيها المشاركون ينقرون بالتزامن مع الممثل الجالس قبالتهم، حقق عدد من ساعدوا (50%) قفزة هائلة. بل والأكثر من ذلك، كانت الزيادة في المساعدة مرتبطة مباشرة بمدى شعور المشاركين بالتشابه مع الممثل. وعلى الرغم من أن النتيجة التي خلصنا إليها تبدو مفاجئة، لكن الأشخاص الذين نقروا بالتزامن مع الممثل اعتقدوا أن هناك عوامل مشتركة أكثر تجمعهم به مقارنة مع الأشخاص الذين لم ينقروا بالتزامن مع الممثل، رغم أنهم لم يتبادلوا كلمة واحدة مع الممثل.
وبعد دراستنا لأهم طرق بناء الثقة بالآخرين ليس ثمة أي سحر في موضوع النقر باليد، لكننا اكتشفنا التأثير ذاته بطرق عديدة، ومن ضمن ذلك إخبار الناس أنهم يتشاركون ببعض الخصائص السرية (أو حتى الوهمية) مع شخص آخر، فكل ما هو مطلوب لزيادة استعداد الناس لدعم بعضهم البعض أي إشارة غامضة إلى وجود تشابه.
اقرأ أيضاً: كيف توازن بين الثقة والتعاون؟