تصميم أفضل استراتيجية لطرح منتجاتك في الأسواق

7 دقائق
الأسواق العالمية
مصدر الصورة: غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: عند طرح مُنتَج جديد، هل يجب أن ترمي بكل ثقلك وتدشّن حملة عالمية موسّعة لطرحه في الأسواق، أو أنه من الأفضل اتباع نهج تدريجي أكثر تأنياً؟ من المؤكد أنك ستتكبّد خسائر فادحة إذا رميتَ بكل ثقلك وباءت الحملة التسويقية بالفشل، ومن ناحية أخرى، فإنك إذا بدأت ببطء وبصورة انتقائية، فقد يسبقك منافسوك ويهيمنون على السوق. ويستكشف كاتبا المقالة هذا التناقض من خلال تحليل ما يزيد على 300 حملة لطرح المنتجات في الأسواق دشّنها أكثر من 20 شركة مُصنّعة للهواتف المحمولة، وذلك لتسليط الضوء على أهمية اختيار الاستراتيجية المناسبة لظروف شركتك ومُنتَجك وسوقك المستهدفة. ويقترح الكاتبان، على وجه التحديد، ضرورة لجوء الشركات السبَّاقة المهتمة بتجربة مجموعة واسعة من الابتكارات إلى طرح منتجاتها في الأسواق بالتتابع، على أن تبدأ بالأسواق التجريبية الصعبة، من أجل جمع مزيد من المعلومات حول تفضيلات المستهلكين ومعدلات الطلب في مختلف الأسواق قبل الإقدام على التوسُّع. وينصحان، في المقابل، الشركات المقلّدة التي حددت فعلياً وبعناية نوع الابتكار الذي يبدو أن المستهلكين يقبلون عليه في السوق بأن تطرح منتجاتها في الأسواق العالمية في وقت واحد وبصورة متزامنة.

 

تصوّر هذا الموقف: بعد استثمار الكثير من الموارد في تصميم مُنتَج جديد واختباره وتصنيعه، ستكون قد نجحت أخيراً في إزالة كافة العقبات الرئيسية أمام تطوير المُنتَج، ومن ثم فإنك على أتم استعداد لطرحه في الأسواق. فهل ستطرح المُنتَج الجديد ببطء لاختيار العملاء ومعرفة كيفية استجابتهم قبل التوسع في طرحه في الأسواق؟ أم ستعرضه على الجميع دفعة واحدة؟ يعتبر هذا القرار قراراً حاسماً، خاصة في القطاعات التي تتميز بارتفاع تكاليف التوزيع وحدّة المنافسة.

فإذا ألقيتَ بكل ثقلك ودشّنتَ حملة عالمية موسَّعة لطرح مُنتَجك في الأسواق دفعة واحدة، فإنك تخاطر بإمكانية تكبُّد خسائر فادحة إذا لم يحقق المُنتَج النجاح المنشود. تخيل خوض مفاوضات ماراثونية مع العديد من قنوات المبيعات وزيادة المعروض في السوق وانتقاء أساليب التغليف المناسبة لكل قطاع من المستهلكين ودفع الأموال مقدماً مقابل خدمات الإعداد والتوزيع الأخرى التي لا حصر لها، لتتفاجأ في النهاية أن كل هذه الجهود المضنية والتكاليف الباهظة قد ضاعت هباء منثوراً.

ومن ناحية أخرى، فإنك إذا تباطأتَ في طرح مُنتَجك وحرصتَ على انتقاء الأسواق التي ستطرحه فيها للوقاية من تكبُّد تكاليف الفشل، فقد يسبقك منافسوك في القطاع ويهيمنون على السوق قبلك. صحيحٌ أن اختبار الأسواق المحتملة أمر مهم، ولكن إذا قضيتَ شهوراً في دراسة ردود فعل العملاء وتريثتَ أكثر من اللازم في تجريب طرح المُنتَج في سوق صغيرة في كل مرة، فقد يسارع منافسوك إلى الهيمنة على الحصة السوقية قبل أن تفيق من تجاربك. حتى إذا كان مُنتَجك يلقى قبولاً لدى عدد قليل من العملاء، فإن منح منافسيك الفرصة لإغراق السوق بعروضهم الخاصة قد يحرمك من ميزة السبق.

من الواضح أن كلاً من هذين النهجين له إيجابياته وسلبياته، ولكن غالباً ما لا يكون من الواضح أيهما سيكون الخيار الأمثل في سياق معين. على سبيل المثال: عند إقدام شركة “تويوتا” على طرح سياراتها الهجينة في الأسواق، اقتصرت الشركة على السوق اليابانية في البداية، محتفظةً لنفسها بخيار تعديل السيارة “بريوس” أو إلغائها تماماً قبل طرحها في الأسواق الخارجية، بينما طرحت شركة “هوندا” سيارتها “إنسايت” في كلٍّ من الولايات المتحدة واليابان في وقت واحد بالتزامن. وكانت النتيجة أن “هوندا” حققت نصراً مؤزّراً على “تويوتا” في السوق الأميركية، لكن إقدام “هوندا” على توزيع سيارتها على هذا النطاق الواسع يعني أن الفشل سيكون أكثر تكلفة. ومن سوء حظ “هوندا” أنه قد تبيّن أن السيارة “إنسايت” لا تلقى قبولاً واسعاً بين السائقين الأميركيين، وهو ما أفسح المجال أمام السيارة “بريوس” لاحقاً للاستحواذ في النهاية على قطاع أكبر بكثير من السوق العالمية للسيارات الهجينة. فهل اتخذت “هوندا” القرار الصحيح ولم يحالفها الحظ؟ أم كان ينبغي للشركة أن تتريّث وتطرح سيارتها الجديدة ببطء، كما فعلت شركة “تويوتا”، وتخاطر بخسارة السوق لصالح هذا المنافس أو ذاك؟

هل ينبغي أن تجرّب أولاً، أم ترمي بكل ثقلك دفعة واحدة؟

يستكشف بحثنا الأخير كيفية تغلب الشركات على هذا التجاذب بين طرح المُنتَج دفعة واحدة وطرحه بصورة تدريجية. فقد وثقنا إطلاق أكثر من 300 ابتكار جديد للهواتف المحمولة من خلال التحليل الشامل لآلاف النماذج المستمدة من أكثر من 20 شركة مُصنّعة. كانت هذه البيانات مفيدة للغاية لأن الهواتف المحمولة تمثل قطاعاً عالمياً ضخماً، ومع ذلك يجب إدارة توزيعها استناداً إلى ظروف كل دولة على حدة، ما يجعل نهج طرح المُنتَج دفعة واحدة مكلفاً جداً.

وقد وجدنا باستمرار أن الريادة في ابتكار معين في سوق ما لا تضمن احتلال الشركة مكانة رائدة في الأسواق الأخرى. فقد تبيّن لنا من واقع عينتنا البحثية أن الشركات الرائدة تلقّت ضربات موجعة في ثلثي الأسواق اللاحقة. ووجدنا أيضاً أن الفشل لم يكن أمراً مستبعداً أو غير شائع، فقد باء 80% من الابتكارات التي شملتها دراستنا بالفشل الذريع، ما يشير إلى ضرورة توخي الحذر عند طرح ميزة بمُنتَج ما دون اختبارها.

فكيف يجب على الشركات، إذاً، تحديد النهج الأنسب لطرح الميزات الجديدة في منتجاتها؟ لاحظنا في دراستنا أن الرواد العالميين لابتكارات الهواتف المحمولة طرحوا ابتكاراتهم على وجه العموم بصورة أكثر انتقائية مقارنةً بالشركات المقلِّدة. وهذا أمر منطقي لأن الاختبارات الدقيقة يمكن أن تؤدي إلى المزيد من الاستنارة في ظل عدم وجود سابقة محددة لصلاحية السوق لتداول المبتكرات الجديدة، لكن إذا تم التحقق من صحة السوق فعلياً من قِبَل أحد المنافسين، فهذا ينفي الحاجة إلى التجربة. على سبيل المثال: تباطأت شركة “سانيو” (Sanyo) وأفسحت المجال أمام شركة “كيوسيرا” (Kyocera) التي قدّمت أول هاتف مزود بكاميرا، وهو ما حدا بشركة “سانيو” إلى طرح هاتفها المزود بالكاميرا على نطاق أوسع (بما في ذلك سوق الولايات المتحدة). في المقابل، كانت “كيوسيرا”، بوصفها شركة رائدة في مجال صناعة الكاميرات، أقل قلقاً في البداية بشأن المنافسة وأكثر قلقاً بشأن مخاطر الفشل، ولذلك أطلقت الشركة هاتفها المزود بكاميرا بحذر أكبر، وتحديداً في السوق اليابانية فقط.

ووجدنا أن هناك نافذة محدودة لجني الأموال من ابتكار معين، خاصة في مجال المنتجات التكنولوجية التي تتطور يوماً بعد آخر بسرعة كبيرة (وهو ما ينطبق على الكثير من الابتكارات في مجال الهاتف المحمول). ومن هذا المنطلق، أصبحت الشركات أقل حذراً وأكثر جرأة في كيفية تعاملها مع عمليات طرح هواتفها في ظل بدء المزيد والمزيد من الشركات في تقديم ميزة الكاميرا.

ومن المؤكد أن كل الشركات التي شملتها دراستنا لم تتبع هذا المنطق بنجاح. وقد يكون من الصعب تجنب التأثر بالخبرة السابقة، خاصة بالنسبة لأولئك الذين حققوا نجاحاً كبيراً أو باؤوا بالفشل الذريع مؤخراً، فقد كانت الشركات تسارع بطرح منتجاتها إذا استبق منافسوها الأحداث وهيمنوا على السوق في الماضي القريب، في حين أنها كانت تتباطأ إذا تعرّضت طروحات منتجاتها لفشل كبير. على سبيل المثال: بعد أن استبق المنافسون شركة “كيوسيرا” وهيمنوا على السوق الدولية للهاتف المحمول المزود بالكاميرا، رغم أن “كيوسيرا” هي صاحبة هذا الابتكار، اتخذت الشركة مساراً أقل حذراً إلى حد ما في طرح مبتكراتها التالية. ووجدنا أن الشركات التي فاتها مؤخراً طرح ميزة ناجحة استهدفت في المتوسط ​​137 مليون مستهلك إضافي في طرح مبتكراتها التالية مقارنة بطروحاتها السابقة. وعلى العكس من ذلك، فقد وجدنا أن التعرُّض لفشل كبير واحد في العام الماضي دفع صانعي الهواتف المحمولة إلى استهداف جماهير أصغر عدداً بعمليات الطرح الأولية، بخفض عددهم بمتوسط ​​220 مليون مستهلك. ويعد إجراء مثل هذه التعديلات استجابة مفهومة لتجربة مخيبة للآمال تعرّضت لها الشركة مؤخراً، ولكنها غالباً لا تكون أفضل خطوة للشركة. فعند اتخاذ قرار بشأن استراتيجية طرح المنتجات، فلن نستفيد كثيراً من دروس الماضي، بخلاف دراسة خصائص الابتكار نفسه والسوق موضع الدراسة.

المنصات الاختبارية الجيدة غير مريحة

تمثّل خطوة تحديد النهج المناسب لطرح مُنتَجك الخطوة الأولى فقط، بطبيعة الحال. وتتمثّل الخطوة التالية في التنفيذ. وإذا اتبعت مسار طرح المُنتَج دفعة واحدة، فسيكون التحدي الرئيسي هو تنسيق عملية طرح المنتجات في الأسواق العالمية بكل تعقيداتها. ولكن إذا كنت تهدف إلى جس نبض السوق أولاً، فيتعين عليك تحديد نقطة البداية.

قد يكون من المغري أن تطرح المُنتَج في سوق تعرفها جيداً أو تمتلك فيها فعلياً حصة سوقية كبيرة. صحيحٌ أن هذا يسهم في زيادة فرصك في النجاح الفوري، لكنه لن يفيدك كثيراً إذا أردت معرفة المزيد عن إمكانات السوق الأوسع لمنتجك. إذ تُعتبر الأسواق الآمنة منصات اختبارية غير مفيدة. فلن تخبرك ردود فعل عملائك الأكثر ولاءً حيال أحدث منتجاتك بأي معلومة مفيدة عن جدواه التجارية في البيئات الأكثر تحدياً.

فالمنصة الاختبارية المثالية هي تلك التي تُمكّن العملاء من الاختيار من بين العديد من العروض التنافسية. لذا سعى المجربون الأذكياء في قاعدة بياناتنا إلى البحث عن أسواق صعبة، حيث يمكنهم توليد إشارات يمكن الاسترشاد بها في توقّع أداء منتجاتهم بالأسواق العالمية، حتى لو كان ذلك يعني تحقيق عوائد أقل على المدى القريب. وكان هناك، على وجه التحديد، نوعان من الإشارات التي تستخدمها الشركات لفهم إمكانات المُنتَج بشكل أفضل:

  • مؤشرات قوية للنجاح، وهي الإشارات التي لا يمكن استخلاصها إلا من الأسواق التي يصعب فيها تحقيق النجاح، والتي تساعد الشركات على تجنب التوسع في طرح المنتجات دون مبرر حقيقي.
  • مؤشرات قوية للفشل، وهي الإشارات التي لا يمكن استخلاصها إلا من الأسواق التي يصعب فيها الفشل، والتي تساعد الشركات على تجنب وقف حملة طرح المنتجات دون مبرر حقيقي.

تأتي مؤشرات النجاح القوية من الأسواق التي يصعب تحقيق النجاح فيها؛ أي الأماكن التي يبيع فيها المنافسون فعلياً نسخة من أحدث ابتكاراتك. وعلى الرغم من أن الانطلاق في مثل هذه البيئة القاسية قد يبدو خالياً من المنطق المالي ولا يسهم في تحقيق مكاسب فورية، فإن الفوائد التعليمية التي توفرها مثل هذه البيئات الاختبارية قد تساعدك في الواقع على تحقيق أقصى استفادة من مواردك الابتكارية على المدى البعيد. على سبيل المثال: إذا أرادت شركة “موتورولا” التأكد من إمكانات نجاح هواتفها المزودة بالكاميرات في السوق، فسيكون من الأفضل أن تطرحه الشركة في اليابان أو كوريا، حيث سيتعين عليها أن تتفوق على قوى محلية عتيدة مثل “كيوسيرا” و”سامسونج” لتحقيق النجاح. وإذا حقق هاتف “موتورولا” الجديد المزوّد بالكاميرا مبيعات جيدة في هذه الأسواق، فهذا يعني أن لديه فرصاً كبيرة للنجاح في أي مكان.

وعلى العكس من ذلك، فإن مؤشرات الفشل القوية تأتي من الأسواق التي يصعب الفشل فيها. على سبيل المثال: قد يقع اختيار إحدى شركات العناية بالبشرة على باريس أو طوكيو لطرح مُنتَجها الجديد، لأن العملاء في هاتين المدينتين بشكل عام مشغوفون للغاية بتجربة أحدث منتجات التجميل. وعندما جرّبت شركة “بروكتر آند غامبل” طرح مجموعة منتجات “إس كيه-2” (SK-II) للعناية بالبشرة في طوكيو، كان بإمكانها الجزم بأنها إذا باءت بالفشل، فلن يكون ذلك بسبب عدم اعتياد المستهلكين المحليين على إجراءات العناية بالبشرة متعددة الخطوات. وإذا فشلت منتجات “إس كيه-2” هناك، فهذا يعني في النهاية أنها ستفشل في أي مكان آخر أيضاً، وبالتالي سيكون بمقدور شركة “بروكتر آند غامبل” إغلاق هذا الخط الإنتاجي دون تردد.

وقد أسهم الجمع بين هذين المؤشرين في مساعدة الشركات التي شملتها قاعدة بياناتنا على أن تكون أكثر ثقة بشأن استراتيجيات طرح منتجاتها، سواء قررت الدخول دفعة واحدة في سوق معينة أو طرح منتجاتها بالتتابع على مراحل متعددة.

لا توجد حلول موحَّدة تصلح لتخطيط كافة عملية طرح المنتجات ودخول الأسواق. وقد وثّقنا في دراسة سابقة كيف أن أوائل المنافسين الجدد في سوق معينة يستفيدون بصفة عامة من تجربة الكثير من الابتكارات المختلفة، في حين أنه من الأفضل أن يركز المنافسون اللاحقون على مجموعة أضيق من المنتجات أو الميزات المجربة والمثبتة. ويعتمد بحثنا الأخير على هذه النتيجة من خلال استكشاف أثر استراتيجيات طرح المنتجات باختلاف أنواعها، والتي تتلخص فيما يلي: ضرورة لجوء الشركات السبَّاقة المهتمة بتجربة مجموعة واسعة من الابتكارات إلى طرح منتجاتها في الأسواق بالتتابع، على أن تبدأ بالأسواق التجريبية الصعبة، من أجل جمع مزيد من المعلومات حول تفضيلات المستهلكين ومعدلات الطلب في مختلف الأسواق قبل الإقدام على التوسُّع. وفي المقابل، فبمجرد أن تحدّد الشركات المقلّدة بعناية نوع الابتكار الذي يبدو أن المستهلكين يقبلون عليه في السوق، فمن المرجح أن تحقق استفادة أكبر من طرح منتجاتها في الأسواق العالمية بصورة متزامنة. صحيحٌ أن أحداً لن يستطيع الإفلات من حالة عدم اليقين التي تعمُّ الأسواق، لكن اختيار استراتيجية لطرح المنتجات بطريقة تناسب الخصائص المحددة لشركتك وابتكارك وسوقك يمكن أن يحسن فرص نجاحك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .