ملخص: على الرغم من أن عام 2020 كان من أكثر الأعوام تقلباً في التاريخ الحديث، من غير الحكمة أن نفترض أن العام الجديد سيكون أكثر استقراراً. في الواقع، مع انتقالنا إلى عام 2021 وما بعده، من المحتمل أن يتسارع معدل الزعزعة نتيجة استمرار تداعيات عام 2020 في التأثير على السنوات المقبلة. ونورد لكم أدناه 9 توقعات صرّح بها رئيس قسم بحوث شركة "غارتنر" (Gartner) فيما يخص قطاع الموارد البشرية وطبيعة العمل في عام 2021 وما بعده.
ربما من العدل القول أن عام 2020 زعزع العديد من المؤسسات ونماذج الأعمال، وأسفر عن تغيير الأولويات والخطط وعن تهافت قادة الشركات على ابتكار أساليب تمكّنهم من تجاوز بيئة سريعة التغيير. وشملت تلك الأساليب بالنسبة للعديد من المؤسسات الاستجابة لحركات العدالة الاجتماعية والتحول إلى نظام العمل بدوام كامل عن بُعد وتحديد أفضل السبل لدعم رفاهة الموظفين وإدارة قوى العمل الهجينة، ومؤخراً معالجة المخاوف القانونية المرتبطة بلقاح "كوفيد-19".
9 قوى إضافية ستغيّر طبيعة العمل في عام 2021
لا بأس في التعلق بحبل من الأمل والافتراض بأن يكون عام 2021 عام الاستقرار وعودة الحياة إلى طبيعتها، لكن الافتراض الأصح ينطوي على احتمال أن يكون هذا العام مليئاً بالتحولات الرئيسة. وعلى الرغم من تركيز الشركات على زيادة عدد الموظفين العاملين عن بُعد في المستقبل القريب، يوجد 9 قوى إضافية ستغيّر طبيعة العمل في عام 2021:
1. تحوّل تركيز أصحاب العمل من إدارة تجارب الموظفين إلى إدارة تجارب حياتهم
لقد أتاحت الجائحة لقادة الشركات التركيز بعمق على حياة موظفيهم الذين واجهوا صعوبات شخصية ومهنية غير مسبوقة خلال العام الماضي.
وتَبيّنَ لنا أن دعم حياة الموظفين الشخصية بفاعلية يمكّنهم من التمتع بحياة أفضل ويرفع مستوى أدائهم. وبحسب استقصاء أجرته شركة "غارتنر" على الموظفين حول إعادة تصور قطاع الموارد البشرية عام 2020، شهد أصحاب العمل الذين يدعمون الخبرات الحياتية لموظفيهم زيادة بنسبة 23% في عدد الموظفين الذين أبلغوا عن تحسّن صحّتهم العقلية وزيادة بنسبة 17% في عدد الموظفين الذين أبلغوا عن تحسّن صحّتهم البدنية. ويعود جزء من تلك المزايا أيضاً على أصحاب العمل، إذ شهد العديد منهم زيادة بنسبة 21% في عدد الموظفين ذوي الأداء العالي مقارنة بأقرانهم الذين لا تقدّم مؤسساتهم نفس الدرجة من الدعم لموظفيها.
لهذا السبب، سيتغير مفهوم المقومات الأساسية التي تُقدّم للموظفين في عام 2021 ليشمل برامج دعم الصحة العقلية والمالية، إضافة إلى إمكانية الخوض في بعض المواضيع التي كانت خارج نطاق النقاش، مثل النوم.
2. ازدياد عدد الشركات التي تتبنّى مواقف حيال المناقشات المجتمعية والسياسية الحالية
تتزايد رغبة الموظفين في العمل في مؤسسات تتوافق قيمها مع قيمهم. وقد تسارعت تلك الرغبة في عام 2020، إذ يُظهر البحث الذي أجرته شركة "غارتنر" أن 74% من الموظفين يتوقعون أن يشارك أصحاب العمل بفاعلية أكبر في المناقشات الثقافية السائدة. وأعتقد أنه سيتعين على الرؤساء التنفيذيين الاستجابة لتلك التوقعات بهدف استبقاء أفضل المواهب واجتذابها.
ومع ذلك، لم يعد التصريح ببيانات حول القضايا السائدة كافياً، إذ يتوقع الموظفون أن يتّخذ الرؤساء التنفيذيون خطوات أكثر. وقد حظي الرؤساء التنفيذيون الذين أنفقوا موارد حقيقية على تلك القضايا بموظفين أكثر انخراطاً بعملهم بالفعل. وأظهر الاستقصاء الذي أجرته مؤسسة "غارتنر" أن عدد الموظفين ذوي المشاركة العالية قد ارتفع من 40% إلى 60% بعد أن اتخذت مؤسساتهم مواقف بشأن القضايا الاجتماعية السائدة.
3. استمرار فجوة التفاوت في الأجور بين الرجال والنساء في الازدياد مع عودة الموظفين إلى مكاتبهم
تبنت العديد من المؤسسات بالفعل قوى عمل هجينة تُمكّن الموظفين من العمل من مكاتب الشركة أو من منازلهم أو من مكان ثالث بديل (مقهى أو مساحة عمل مشتركة أو غير ذلك)، في حين تخطط مؤسسات أخرى لتبني النهج ذاته هذا العام. وقد أبلغنا الرؤساء التنفيذيون لشؤون الموارد البشرية الذين يعملون في ظل نظام العمل الهجين أن الدراسات الاستقصائية حول موظفيهم قد أظهرت احتمال أن يتخذ الرجال قراراً بالعودة إلى أماكن عملهم، في حين قد تتخذ النساء قراراً بمواصلة العمل من منازلهن.
ووفقاً لاستقصاء أجرته مؤسسة "غارتنر" مؤخراً، يعتقد 64% من المدراء أن الموظفين العاملين في المكاتب يتمتعون بأداء أعلى مقارنة بالموظفين العاملين عن بُعد، ومن المرجح أن يمنحوا الموظفين العاملين في المكاتب رواتب أعلى من زملائهم الذين يعملون من منازلهم. ومع ذلك، لاحظنا أن البيانات التي جمعناها من الاستقصاء الذي أجريناه قبل الجائحة، عام 2019، والاستقصاء الذي أجريناه في أثناء الجائحة، عام 2020، قد أظهرت عكس ذلك، إذ من المرجح أن يتمتّع العاملون عن بُعد بدوام كامل بأداء أعلى بنسبة 5% مقارنة بأولئك الذين يعملون بدوام كامل من المكاتب.
وبالتالي، إذا آثر الموظفون الرجال العمل من المكاتب، وواصل المدراء تحيّزهم تجاههم، فمن المتوقع أن يحصلوا على مكافآت مجزية على حساب الموظفات، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم الفجوة في الأجور بين الرجال والنساء في وقت أسفرت فيه الجائحة بالفعل عن آثار غير متناسبة على النساء.
4. خفض إجراءات الرقابة على الموظفين بعد سنّ قوانين جديدة
لجأت أكثر من شركة من كل 4 شركات خلال الجائحة إلى شراء تقنيات جديدة لأول مرة بهدف تتبع أداء موظفيها ومراقبتهم بشكل غير مباشر. ومع ذلك، لم تحدد العديد من تلك الشركات ذاتها كيفية تحقيق التوازن بين خصوصية الموظفين والتكنولوجيا، وهو ما أصاب الموظفين بالإحباط. وأظهر البحث الذي أجرته شركة "غارتنر" أن أقل من 50% من الموظفين يثقون بمؤسساتهم فيما يتعلق ببياناتهم، في حين أفاد 44% منهم بأنهم لا يتلقون أي معلومات تتعلق بالبيانات التي يجري جمعها عنهم. ونتوقع في عام 2021 سنّ مجموعة متنوعة من القوانين الجديدة على مستوى الولايات المتحدة الأميركية وعلى المستوى المحلي تفرض قيوداً على ما يمكن لأصحاب العمل تتبعه فيما يتعلّق ببيانات موظفيهم. ونظراً لأوجه التفاوت التي قد تنجم عن تلك القوانين، من المرجح أن تفرض الشركات معايير أكثر تشدداً على قواها العاملة.
5. تحول المرونة من المكان إلى الوقت
على الرغم من أن تمكين الموظفين من العمل عن بُعد أصبح نهجاً شائعاً في عام 2020 (وتوقع استمرار تبني ذلك النهج هذه السنة والسنوات المقبلة)، تتمثّل الموجة المقبلة من المرونة في إمكانية تحديد أوقات عمل الموظفين.
وقد كشف استقصاء شركة "غارتنر" حول إعادة تصور قطاع الموارد البشرية عام 2020 أن 36% فقط من الموظفين كانوا من أصحاب الأداء العالي في المؤسسات التي تعمل بنظام 40 ساعة عمل في الأسبوع. ولاحظت المؤسسات التي توفر لموظفيها مرونة بشأن أوقات عملهم وأماكن العمل ومقداره أن 55% من قوة العمل لديها تتمتّع بأداء عال. وأتوقع أن نشهد في عام 2021 ارتفاعاً في عدد الوظائف الجديدة التي سيُقيّم الموظفون فيها بناءً على إنتاجيتهم، بدلاً من عدد ساعات العمل المتفق عليها.
6. شراء الشركات الرائدة لقاح "كوفيد-19" بالجملة ومقاضاة الشركات التي تفرض التلقيح الإجباري على موظفيها
سيستفيد أصحاب العمل الذين يوفرون لقاح "كوفيد-19" لقوى العمل لديهم من هذا الإجراء باعتباره عامل تمييز رئيس لجذب المواهب واستبقائها. لكن بالتزامن مع توفير بعض أصحاب العمل اللقاح لموظفيهم، سيجري مقاضاة العديد من الشركات التي تفرض على موظفيها الحصول على شهادة تطعيم قبل السماح لهم بالعودة إلى أماكن العمل. وقد تُسفر تلك الدعاوى عن إبطاء جهود العودة إلى أماكن العمل حتى مع زيادة استخدام اللقاح.
7. دعم الصحة النفسية هو الوضع الطبيعي الجديد
عرض أصحاب العمل على مدى السنوات العديدة الماضية مزايا جديدة لدعم موظفيهم، مثل إمكانية الحصول على إجازة أمومة وأبوة طويلة. وكشف البحث الذي أجرته شركة "غارتنر" قبل انتشار الجائحة أن 45% من الزيادات في ميزانية الرفاهة كانت مخصصة لبرامج دعم الصحة العقلية والنفسية. وسلّطت جائحة "كوفيد-19" اليوم الضوء على قضية الرفاهة، أذ أصبح أصحاب العمل أكثر وعياً بأثر الصحة العقلية على الموظفين وأماكن العمل على حد سواء.
وبحلول أواخر شهر مارس/آذار بالفعل، قدمت نسبة 68% من المؤسسات ميزة جديدة واحدة على الأقل ترتبط بالرفاهة لمساعدة موظفيها في ظل الجائحة. في المقابل، سيتخذ أصحاب العمل في عام 2021 خطوات أكثر فاعلية لإزالة وصمة العار المرتبطة بالصحة العقلية من خلال توسيع مزايا الصحة العقلية، وتخصيص أيام تُغلق فيها الشركات بأكملها على مدار يوم كامل لعقد "نشاطات جماعية للصحة العقلية" هدفها تعزيز الوعي بين قوى العمل حول تلك القضية المهمة.
8. لجوء أصحاب العمل إلى "استئجار" المواهب لملء فجوة المهارات
ارتفع عدد المهارات التي يبحث عنها أصحاب العمل بشكل كبير، ويُظهر تحليلنا ازدياد عدد الشواغر المرتبطة بالمهارات بنسبة 33% في إعلانات الوظائف في عام 2020 مقارنة بعام 2017. باختصار، لا تستطيع المؤسسات ببساطة إعادة صقل مهارات قوى عملها الحالية بسرعة كافية تمكّنها من تلبية احتياجاتها المتغيرة.
من جهة أخرى، ستنتقل بعض الشركات من استراتيجية تطوير المهارات وإعدادها لمستقبل يكتنفه الغموض إلى استراتيجية استئجار المهارات وتقديم امتيازات لها عندما تبرز الحاجة إليها بالفعل. في المقابل، ستزيد الشركات الأخرى استخدامها للتوظيف المؤقت والتوظيف بعقود أو توسيع شراكاتها مع المؤسسات بهدف "استئجار" الموظفين لفترات قصيرة من الوقت وتلبية احتياجات المهارات التي يحتاجون إليها.
9. تنافس الدول على جذب المواهب الفردية بدلاً من جذب الشركات
قدّمت الولايات والمدن الأميركية في الماضي حوافز للشركات لحثّها على الانتقال إلى ولاياتها القضائية، وذلك على افتراض أن حث الشركات على الانتقال سيسفر عنه ظهور وظائف جديدة. في المقابل، ستؤدي الحقبة الجديدة القائمة على نظام العمل عن بُعد والعمل الهجين إلى تطوير تلك الاستراتيجية، حيث ستكون حياة الموظفين أقل ارتباطاً بمكان وجود أصحاب العمل.
ونظراً لذلك الفصل بين موقع الشركة وموقع الموظف، ستبدأ الولايات والمدن في استخدام سياساتها الضريبية بهدف تقديم حوافز للأفراد وحثّهم على الانتقال إلى ولاياتها القضائية بدلاً من منح خصومات (ائتمانات) ضريبية لحث الشركات الكبيرة على الانتقال. ونشهد بالفعل قيام مدن مثل توبيكا وكنساس وتولسا وأوكلاهوما بإعداد برامج ناشئة تقدّم للموظفين عن بُعد ما يصل إلى 15,000 دولار للانتقال إليها. ستتنافس تلك الولايات القضائية على الفوز بالموظفين الأفراد ومهاراتهم، وليس فقط على الفوز بأصحاب العمل.
وعلى الرغم من أن عام 2020 كان أكثر الأعوام تقلباً في التاريخ الحديث، من الخطأ الاعتقاد بأن الزعزعة قد انتهت. بل من المحتمل مع انتقالنا إلى عام 2021 وما بعده أن يتسارع معدل الزعزعة وتغيّر طبيعة العمل مع استمرار تداعيات عام 2020 في التأثير على السنوات العديدة المقبلة.