لماذا لا تزال الفجوة بين طموح الشركات في مجال الذكاء الاصطناعي وتبنيها الفعلي لهذه التقنية كبيرة جداً؟ الإجابة ليست تقنية، بل تنظيمية وثقافية. فقد برزت فجوة كبيرة في المهارات واللغة بين صناع القرار الرئيسيين في المؤسسات و"فرق الذكاء الاصطناعي"، بحيث أصبح هناك حاجز يبشّر بعرقلة الابتكارات الخوارزمية أو تأخيرها أو طمسها، وهو يكبر باستمرار بسبب ضعف أداء الذكاء الاصطناعي.
أسباب ضعف أداء الذكاء الاصطناعي في الشركات
تكمن المشكلة في اختيار معظم المدراء التنفيذيين بسبب قدرتهم على التحدّث إلى أشخاص آخرين، فهم يمتلكون مهارات معقدة وممتازة في الاستماع والتعاطف والتشاور وتنشيط الاجتماعات وعرقلتها وتحفيز عواطف الآخرين وقراءتها بالإضافة إلى التكيّف مع المواقف الاجتماعية التي تبدو معقّدة.
وأولئك الذين يطوّرون حلولاً لتعلّم الآلة لاستخدامها في مجال الأعمال يُختارون بفضل قدرتهم على التحدّث إلى الآلات. فهم يكتبون رموز السودوكود (pseudo-code) البرمجية والرموز البرمجية العادية ويطورون منصات واسعة النطاق تصل إلى ملايين المستخدمين ويجمعون البيانات بأشكال متعددة من مصادر متنوعة. ويكتبون التعليمات البرمجية لواجهات المستخدمين بحيث تحفّزهم على التفاعل مع الآلات التي يبنونها بواسطة مجموعة من الكلمات والصور والألوان، والتفاعل باللمس والإجراءات الفورية.
هاتان المجموعتان لا تستطيعان ولن تستطيعا التحدّث سوياً بطريقة مثمرة، فلكلّ واحدة هدف مختلف ونظرة مختلفة وتفكير مختلف وشعور مختلف.
يريد المطوّرون تعليمات واضحة ودقيقة يمكن ترجمتها بسهولة إلى رموز برمجية أو رموز سودوكود، بينما يزوّدهم مسؤولو تطوير الأعمال التنفيذيون بالقصص والحكايات.
وفي حين يرغب مطوّرو تقنية تعلّم الآلة وظائف محدّدة التكلفة بوضوح يمكنهم استخدامها لتدريب خوارزمياتهم، فإنّ مسؤولي الاستراتيجية ومدراء تطوير الأعمال يزودونهم بأهداف طموحة مصاغة بلغة غامضة يسمّيها المبرمجون "لغة الشركات" (corporatese).
يجب علينا سدّ هذه الفجوة، فالمؤسسات تحتاج إلى أشخاص يمكنهم التحدّث مع الناس والآلات، وتحتاج أيضاً إلى أشخاص في المناصب العليا متخصّصون في التحدّث إلى الآلات.
تُعتبر اللغة المشتركة المستخدمة في عالم الأعمال جزءاً من المشكلة، فقد ساهم انتشار الاقتصاديين في كليات إدارة الأعمال منذ عام 1960 في إنتاج نظام لغة مشتركة يستخدمها المدراء التنفيذيون لوضع خطط أعمالهم وتبرير ما يتّخذونه من قرارات. على سبيل المثال: تحليل التكلفة والفائدة، وتحديد الوضع التنافسي ومحاكاة استجابات المنافسين، والتكلفة الحدية ومعدلات الإحلال، وتخطيط المحفظة الاستثمارية. تُعدّ هذه أفكار مفيدة في بعض الأحيان، ولكن في عصر تعتمد فيه المنافسة على الخوارزميات وعلى مجموعات البيانات الضخمة الموزعة تصبح هذه اللغة غير ملائمة.
التفكير الحاسوبي
يقول ستيفن ولفرام وجانيت وينغ، ينبغي توسيع التفكير الحاسوبي (computational thinking) استباقياً إلى أبعد ممّا توصّلت إليه أقسام علوم الكمبيوتر والفرق التقنية. يشير ولفرام إلى أنّه لأي مجال في مسعى بشري معيّن (من اللغويات إلى الهندسة المعمارية، ومن المنطق إلى الموسيقى، ومن فيزياء البلازما إلى إثنوغرافيا الإنترنت) يوجد الآن حقل متخصّص من التفكير الحاسوبي (التحليل الحاسوبي للخطاب، والبحوث التاريخية الحاسوبية، إلخ)، ولكن الشركات كانت بطيئة في مجاراة موجة التفكير الحاسوبي وهي الآن تدفع الثمن.
تحتاج الشركات من أجل اللحاق بهذا الركب أن تغيّر كيفية التواصل وكيفية تأطير المشاكل، كما تحتاج إلى تدريب المدراء التنفيذيين غير التقنيين على التفكير الحاسوبي والخوارزمي. وهذا يعني مساعدتهم على تعلّم كيفية تحويل "مشاكل الأعمال" إلى "مشاكل أعمال حاسوبية" يفهمها المبرمجون والعلماء.
ومن المهمّ أيضاً أن تطوّر المؤسّسات المهارات العلائقية ومهارات التواصل لدى أعضاء الفريق التقني. فالأداء الكفوء في اجتماع للإدارة العليا أو لمجلس الإدارة لا ينطوي فقط على تقديم تقارير دقيقة والتفكير المنطقي والتفكير النقدي أو صنع القرار، بل يشتمل أيضاً إيجاد طرق ووسائل ناجحة للتعبير واختيار لغة تتناسب مع السياق، وإنتاج أنماط من تعابير الوجه والتعبير الصوتي والتعبير بالإيماء توضح المستوى الصحيح من الاقتناع والاستجابة والجدارة بالثقة.
هذه المهارات التي تُسمى مهارات ناعمة هي من بين أصعب المهارات من حيث التطوير والممارسة، ولكنّها مهمّة للموظفين التقنيين كما لأي شخص آخر. وفي المقابل، ينبغي للموظّفين أن يتخلّوا عن الصورة النمطية عن المبرمجين وغيرهم من الخبراء التقنيين والتي تقول أنّهم يفتقرون إلى العلاقات الاجتماعية.
تفشل استراتيجيات الذكاء الاصطناعي لأنّ الذكاء الاصطناعي وسيلة وليس غاية، ويمكن اعتبار سؤال: "هل لديك استراتيجية للذكاء الاصطناعي؟" منطقي مثل سؤال "هل لدينا استراتيجية لبرنامج إكسل؟". ولكن لكي تتخطّى الشركات هذه الضجة وتركّز على الإمكانات الحقيقية التي يوفّرها الذكاء الاصطناعي عليها أن تعيد النظر في الطريقة التي تتواصل بها من أجل معرفة سبب ضعف أداء الذكاء الاصطناعي لديها.
اقرأ أيضاً: