صيف هونغ كونغ العاصف

7 دقائق

أعلنت الرئيسة التنفيذية لحكومة هونغ كونغ، كاري لام، أخيراً سحب مشروع القانون المثير للجدل الذي ينطوي على تسليم المطلوبين إلى الصين. وعلى الرغم من أن القانون المقترح هو ما دفع أكثر مليون شخص من سكان هونغ كونغ إلى النزول إلى الشوارع، إلا أن الاحتجاجات توسعت في نطاقها، حيث طالب المحتجون أيضاً بإجراء تحقيقات حول استخدام الشرطة القوة، وبإصدار عفو عن المتظاهرين المعتقلين، والتراجع عن وصفهم "بمثيري الشغب"، فضلاً عن مطالبتهم بحق الاقتراع العام. والأهم من ذلك كله هو أن الاحتجاجات تطورت إلى تعبير أوسع عن السخط من الحكم الصيني لهونغ كونغ في ظل دولة واحدة ذات نظامين. ومن المقرر أن تستمر المظاهرات في المستقبل المنظور.

وتشكل التوترات القائمة بين هونغ كونغ والصين تحديات كبيرة للشركات العاملة في المنطقة، وخاصة فيما يتعلق بتطوير أعمالهم واستبقاء المواهب والقيادة. ويحتاج القادة إلى فهم السياق الذي يدور حول الاحتجاجات وتأثيرها على شركاتهم بهدف إدارة هذه التحديات. ونستعرض فيما يلي بعض المشكلات الرئيسة التي يجب التفكير فيها:

عدم المساواة والتشاؤم حول المستقبل

أصبحت جميع الاحتجاجات الكبرى في المنطقة مدفوعة بالقلق بشأن نفوذ الصين في هونغ كونغ، وذلك منذ تسليم السلطة في عام 1997، والتي أعادت هونغ كونغ إلى الصين بعد الاستعمار البريطاني. على سبيل المثال، تظاهر مئات الآلاف من المحتجين في عام 2003 بعد اقتراح قانون حول الأمن القومي والذي يمنع المواطنين عن التعبير عن وجهات نظر معادية للصين، بيد أن القانون أُرجئ إلى أجل غير مسمى. كما اندلعت احتجاجات واسعة النطاق مرة أخرى في عام 2012، عندما اعترض الآلاف على تطبيق منهج تعليمي وطني موالي للصين في المدارس العامة، وهو ما أسفر عن تراجع الحكومة عن هذا القانون. وأعقب ذلك احتجاجات أُطلق عليها اسم "احتلوا المجمع المركزي" عام 2014، والتي يُشار إليها غالباً باسم "ثورة المظلات" والتي دامت حوالي ثلاثة أشهر تقريباً، حيث سعى المتظاهرون إلى المطالبة بالاقتراع العام في انتخاب الرئيس التنفيذي لهونغ كونغ ولكن دون جدوى.

وفي حين أن سيادة القانون هي ما حفّز الاحتجاجات في الماضي والحاضر، برزت القضايا الاجتماعية والاقتصادية مؤخراً كمحرك آخر لعدم الرضا، لاسيما لدى الشباب. فالمواطنون غاضبون من عدم المساواة الاقتصادية الصارخة في هونغ كونغ، والعقبات التي تعترض الحراك الاجتماعي، والمنافسة الشديدة في المدارس والعمل، وأسعار المساكن الباهظة، فضلاً عن إسهام هذه العوامل جميعها في تكوين نظرة متشائمة بشكل متزايد بشأن المستقبل.

لسوء الحظ، لم يشكل أي من هذه العوامل مفاجأة بالنسبة إلي، إذ إنني أرى هذا التشاؤم ينعكس بين طلابي في جامعة هونغ كونغ، حيث وُلِد معظم الطلاب الجامعيين الذين أدرّسهم في فترة تسليم هونغ كونغ، وطُلب منهم منذ سن مبكرة أن يدرسوا بجد للانضمام إلى أفضل المدارس الثانوية، وأن يدرسوا بجدية أكبر للحصول على قبول جامعي في أحد الجامعات النخبة، ولكي يكونوا قادرين على تأمين عمل جيد والتمتع بحياة ناجحة وشراء منزل. لكن هذه الرؤية تبدو بعيدة المنال بالنسبة إلى الكثيرين اليوم. فقد وجدت استبانة أن ما يقرب من 60% من المشاركين شعروا أن فرص التطوير الوظيفي للشباب في هونغ كونغ كانت أسوء مقارنة بجيل آبائهم.

ويتمثّل جزء من المشكلة في عدم المساواة في هونغ كونغ. فقد بلغ معامل جيني في هونغ كونغ 0.5 درجة، ووصف أنها أحد أكثر المجتمعات غير المتكافئة في العالم المتقدم. وعلى سبيل المقارنة، بلغ معامل جيني في الولايات المتحدة 0.39، في حين قُدرت النسبة في اليابان بحوالي 0.34، وجاء ذلك بحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. تُسفر عدم المساواة هذه عن مجموعة متنوعة من القضايا، بما في ذلك تأخر الوصول إلى الرعاية الصحية، وزيادة مشاكل الصحة العقلية، وقلة فرص العمل. كما وجدت إحدى الدراسات أن متوسط الراتب الشهري لخريجي الجامعات اليوم هو أقل مما كان عليه في عام 1987.

وتتوضح عدم المساواة هذه عند دراسة ملكية المنازل. فقد فاقت أسعار العقارات في هونغ كونغ دخل الأشخاص العاديين بحيث أصبحت ملكية المنازل تمثّل تحدياً هائلاً. على سبيل المثال، سيتقاضى معظم طلابي في إدارة الأعمال راتباً يتراوح بين 1,900 و 3,000 دولار أميركي شهرياً إبان تخرّجهم، في حين أن متوسط سعر المنزل في هونغ كونغ هو 1.2 مليون دولار أميركي. ونظراً إلى أن شروط التمويل أكثر تقييداً في هونغ كونغ عنها في الولايات المتحدة، سيستغرق الأمر من الطلاب أكثر من عقدين على الأقل لتوفير ما يكفي من المال لإجراء دفعة مقدمة على المنزل، وهذا مع افتراض أن أسعار المنازل لن تزداد خلال ذلك الوقت. كما أصبحت الحياة أكثر صعوبة بالنسبة إلى العاملين غير المتعلمين في الجامعات في مجتمع قدّم الحد الأدنى للأجور فقط في عام 2011، والذي بلغ اليوم حوالي 4.80 دولاراً أميركياً في الساعة.

وقد أدركت الرئيسة التنفيذية لام هذه القضايا، وأقرّت عند الإعلان عن سحب مشروع القانون أن "السخط يتجاوز مشروع القانون، بل إنه يغطي القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك المشاكل التي يكثر التطرق إليها والمتمثّلة في توفر السكن والأراضي، وتوزيع الدخل، والعدالة الاجتماعية، والتنقل، والفرص المتاحة لشبابنا". وستستغرق معالجة هذه القضايا بفاعلية وقتاً طويلاً، ولكن مسؤولية تحديد الأولويات والعمل على إعادة الاستقرار إلى هونغ كونغ هي مسؤولية جماعية لكل من القطاع العام والخاص اللذين يرتبطان ارتباطاً وثيقاً ببعضهما البعض.

اندماج هونغ كونغ في الصين

نما اقتصاد هونغ كونغ بسرعة خلال العقد الأخير من القرن العشرين، لدرجة أنه كان يمثل أكثر من 18% من الناتج المحلي الإجمالي للصين في عام 1997. وعلى الرغم من النمو الاقتصادي السريع للصين على مدى العقدين الماضيين، تراجعت القوة الاقتصادية لهونغ كونغ نسبة إلى بقية الصين، وهو ما جعلها مماثلة للمدن المجاورة من حيث نفوذها الاقتصادي، مثل شنتشن أو قوانغتشو.

ولا شكّ أن هونغ كونغ تمثّل معبراً للشركات في الصين نتيجة حكمها القوي نسبياً ووجود أسواق رأس مال قوية. ولكن يوجد خطر من أن يتضاءل تميّزها مع كونها أكثر اندماجاً مع الصين، ومع استمرار المبادرات التجارية في جذب هونغ كونغ إلى الصين، مثل منطقة الخليج الكبير التي كشفت عنها الصين في وقت سابق من عام 2019 والتي تهدف إلى ربط هونغ كونغ وماكاو والمدن الصينية المجاورة بمنظومة بيئية اقتصادية متكاملة تتفوق على وادي السيليكون.

لا تزال قضية التوحيد قائمة في أذهان المحتجين بالتأكيد. فعندما أُعيدت هونغ كونغ إلى الصين، وُعدت بحوالي 50 عاماً من الحكم الذاتي من خلال دولة واحدة ذات نظامين والذي سيصل إلى نهايته رسمياً في عام 2047. ولطالما كان عام 2047 يلوح في مستقبل هونغ كونغ، مع آمال كثيرة في أن تتطور الصين لتشبه هونغ كونغ من حيث الحريات الاجتماعية والسياسية بحلول ذلك الوقت. بيد أن هذا المستقبل يبدو غير مرجحاً في هذه المرحلة.

جر الشركات إلى الفوضى

أثّرت الاحتجاجات على الشركات في هونغ كونغ بشكل كبير. إذ إن العديد من أكبر الشركات في هونغ كونغ تدرّ الكثير من إيراداتها من السوق الصينية، وهو ما يتطلب منهم الموازنة بين أصحاب المصلحة في هونغ كونغ والصين. وقد مارست بكين بالفعل ضغوطاً على مؤسسات هونغ كونغ التجارية نتيجة إدراكها مقدار نفوذها الاقتصادي. على سبيل المثال، اجتمع ما يقرب من 500 فرد من نخبة رجال الأعمال والسياسيين في هونغ كونغ في مدينة شنتشن أوائل شهر أغسطس/ آب بهدف تقديم التوجيه حول كيفية دعم الحكومة في خضم الاحتجاجات المستمرة.

ولعلّ التدخل الأكثر وضوحاً هو قيام إدارة الطيران المدني الصينية بمنع موظفي شركة طيران "كاثي باسيفيك" (Cathay Pacific) التي تتخذ من هونغ كونغ مقراً لها من الخدمة على رحلات الصين أو حتى السفر عبر مجالها الجوي نتيجة مشاركتهم في الاحتجاجات. وفي أعقاب هذا الغضب، استقال كل من روبرت هوغ، الرئيس التنفيذي لشركة "كاثي باسيفيك" ورئيس مجلس إدارتها جون سلوسار، وخفضت خطوط الطيران رحلاتها بعد انخفاض عدد المسافرين الوافدين بنسبة 38%. ولا يُعتبر هذا التأثير على شركة "كاثي باسيفيك" فريداً. إذ تضررت معظم القطاعات الموجهة نحو المستهلك مثل السفر والسياحة والفنادق والبيع بالتجزئة والمطاعم بشكل لا يصدق بسبب انخفاض زوار الصين والاستهلاك المحلي الضئيل.

كما تأثرت أسواق رأس المال في هونغ كونغ، وقررت عدد من الشركات تأجيل خطط الإدراج الخاصة بها نتيجة الاحتجاجات الأخيرة، بعد أن كانت هونغ كونغ تُعتبر أحد أكبر أسواق الاكتتاب العام الأولي في العالم. وأبرز هذه الشركات هي شركة "علي بابا" التي أرجأت عروض هونغ كونغ إلى حين استقرار المناخ السياسي. بالإضافة إلى ذلك، قامت وكالة التصنيف الائتماني "فيتش ريتينغز" (Fitch Ratings) بتخفيض تصنيف هونغ كونغ بناء على الأحداث الأخيرة واحتمال "استمرار اندماج هونغ كونغ في نظام الحكم الوطني الصيني الذي سيشكل تحديات مؤسسية وتنظيمية أكبر بمرور الوقت". وعلى الرغم من أن تأثير هذا التخفيض هو رمزي أكثر من اعتباره مالي، نظراً إلى تصنيف هونغ كونغ الائتماني المرتفع، إلا أنه يلقي بظلاله على الاستدامة الطويلة الأجل للوضع الفريد لهونغ كونغ باعتبارها مركزاً مالياً.

وبالإضافة إلى الزعزعة التشغيلية والاستراتيجية والتمويلية، تتمثل إحدى العواقب غير المقصودة للاحتجاجات في التأثير الذي قد تحدثه على الشركات في سياق جذبها المواهب واستبقائها. وقد يختار الكثير من المواطنين مغادرة هونغ كونغ ببساطة في حال لم يجر معالجة الأسباب الكامنة وراء الاحتجاجات وصعوبة ممارسة الأعمال التجارية. وأفادت التقارير بالفعل أن خدمات الهجرة والنقل هي المجالات الأكثر نشاطاً منذ سنوات. وبالتالي، قد يكون من الصعب على الشركات الحفاظ على احتياجات رأس المال البشري التي تحتاج إليها في هونغ كونغ، وهو ما قد يقلل من جاذبية هونغ كونغ باعتبارها مركزاً للأعمال التجارية الدولية إلى حد كبير، ويفتح باب التنافس أمام مدينة أخرى في آسيا لتظهر كمركز اقتصادي عالمي.

ما يجب على القادة القيام به؟

لا توجد مؤشرات على توقف الاحتجاجات في المستقبل المنظور. ومع اقتراب اليوم الوطني لجمهورية الصين في الأول من أكتوبر للاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيس الصين الحديثة، من المتوقع أن يستغل المتظاهرون المناسبة للضغط من أجل مطالبهم المتبقية، والتعبير عن استيائهم من نفوذ الصين في هونغ كونغ. وستُجري هونغ كونغ في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني انتخابات مجلس المقاطعة، والتي ستمتاز بازدياد أعداد الناخبين الشباب غير الراضين عن مشروع قانون تسليم المطلوبين وافتقار الحكومة إلى القيادة خلال الأزمة. وبالنظر إلى أن هذه الانتخابات هي الأولى منذ بدء الاحتجاجات، ستكون النتائج بمثابة اختبار حاسم لحكومة الرئيسة التنفيذية، لام، ومن المتوقع حدوث مظاهرات إضافية أيضاً.

وتُعتبر القيادة غاية في الأهمية في ظلّ هذه الاضطرابات السياسية. ويبدو أن التقلبات السياسية ستكون بمثابة المعيار الجديد على المستوى العالمي، ولا بدّ أن يراعي قادة الشركات المخاطر عند إجراء عمليات التخطيط الاستراتيجي، إذ يمكن أن تتحول القضايا السياسية التي تبدو غير مرتبطة بأنشطة الأفراد التجارية إلى قضية مهمة بسرعة، كما حصل مع شركة "كاثي باسيفيك".

ومن الواضح أن القادة والمؤسسات سيواجهون قرارات صعبة في مثل هذه البيئة التشغيلية، لذلك يوجد حاجة إلى تطوير إحساس واضح بالقيم بهدف توجيه عملية صنع القرار عند عدم وجود خيار صائب أو خاطئ واضح. على سبيل المثال، هل تفرض قيم المؤسسة دعم حرية التعبير لدى موظفيها في حياتهم الخاصة، أم أنها تمتثل مع المتطلبات الأكثر صرامة بشأن النقاش الذي يُفرض في أسواق معينة؟ إن وجود إحساس واضح بالقيم والهدف يمكن أن يساعد في توجيه القائد في مواجهة هذه المعضلات.

ويجب على القادة أن يدركوا أيضاً أن الاضطرابات السياسية واسعة النطاق قد تُسفر عن الإجهاد على المدى الطويل، حتى بالنسبة إلى أولئك غير المعنيين بشكل مباشر. ويُعتبر الإشراف على المعنويات التنظيمية وتسخير الطاقات أمراً بالغ الأهمية خلال فترات الاحتجاج وبعد أن تخمد هذه الاحتجاجات على حد سواء، وذلك من خلال الاستماع إلى الموظفين. ولا بد من أن تستغرق إعادة بناء النسيج الاجتماعي والثقة في مجتمع متصدع بعض الوقت.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي