يشيد عالَم الأعمال المعاصر بالأشخاص الذين يُنظر إليهم كمبدعين، فنجد أن مبتكرين مثل إيلون ماسك وجوني آيف صاروا أسماءً معروفة لدى الجمهور. ومع ذلك، فبالنسبة للكثيرين منا ممن يبذلون قصارى جهدهم للاعتراف بهم كمفكرين مبدعين، تُقابَل اقتراحاتهم في الاجتماعات بالتجاهل، وتواجَه أفكارهم بالرفض.
فإذا كان زملاؤك قد كوّنوا عنك رأياً بالفعل كشخص كفء في مجاله المهني ولكنك جاد عتيق الطراز بعض الشيء، فسيستغرق الأمر منك الكثير لتغيير رأيهم وحملهم على الاستماع. ينطبق هذا الوضع، بشكل خاص، على النساء، إذ تشير الأبحاث إلى أنهن أكثر عرضة من الرجال أن يُنظر إليهن نظرة غير عادلة باعتبارهن أقل إبداعاً.
ولكن، قبل أن تفكر في تغيير رأي كوّنه أحدهم عنك، ستحتاج إلى التأكد من أنه بدأ الانتباه لذلك الأمر. فلن توصلك الدقة وحدها لشيء، إذ سيتم التغاضي بسهولة عن عدد قليل من النجاحات الإبداعية إذا لم يكن الشخص مستعداً للبحث عنها. وكما أخبرني عالم النفس والمؤلف، هايدي غرانت، في مقابلة، فأنت بحاجة إلى "قصف ذلك الشخص بالكثير من الأدلة للإشارة إلى أن انطباعه الأول عنك كان خاطئاً". فكّر في تطوير استراتيجية مدبرة لإعادة صياغة صورتك لدى الآخرين أو ما تُسمى "علامتك التجارية الشخصية" باستخدام العناصر أدناه:
ابدأ بربط نفسك بمفهوم الإبداع. تابع تطورات الأحداث المتعلقة بالقطاع الذي تعمل فيه أو الاتجاهات المجتمعية المرتبطة به، واقرأ الكتب التي تتحدث عن الإبداع مثل كتاب "أساطير الإبداع" (Myths of Creativity) لديفيد بوركس، أو كتاب "تصدع الإبداع" (Cracking Creativity) لمايكل ميشالكو. ومع انغماسك في هذه المفاهيم، ستصبح جزءاً من طريقة تفكيرك. وستُذكّرك الأحداث اليومية بالحكايات التي قرأتها، ومن ثم، ستبدأ مشاركتها مع الزملاء. وبمرور الوقت، سيلاحظون أنك مهتم بالإبداع فعلاً، ولديك معرفة ودراية به.
درّب نفسك على التفكير بشكل أكثر إبداعاً، إذا رغبت في بذل الجهد اللازم لذلك.
ففي نهاية الأمر، تعني كلمة "الإبداع" الخروج بشيء جديد ومميز، وهو أمر يتطلب ممارسة. وفي هذا الشأن، يقترح المؤلف جيمس ألتاتشر أن تدرب نفسك على الخروج بعشر أفكار يومياً، وستكون الأولى منها سهلة دائماً، فيما سنتطلب آخرها براعة حقيقية. فيقول: "عند الفكرة السادسة تقريباً، سيبدأ عقلك في التعرق (أي ستبدأ في بذل الجهد الحقيقي)".
لاحظ أن الشعور بالانفتاح والثقة الكافية للابتكار يتطلب التأكد من عدم الاستغراق كثيراً في الإخفاقات أو النكسات السابقة. علاوة على ذلك، تشير الأبحاث إلى أن ممارسة "التأمل" يمكن أن تساعدك في الاستفادة من الأفكار والرؤى الجديدة. كما تقترح كل من أوليفيا فوكس كاباني وجوداه بولاك سلسلة من الخطوات التي يمكنك اتباعها للوصول إلى حالة التنويم المغناطيسي، وهي فترة الخصوبة الإبداعية التي تجد نفسك فيها قبل أن تخلد إلى النوم.
بمجرد تطويرك لأفكار تراها واعدة في نظرك، لا تتركها تفتر بانتظار طلب الناس سماعها، فهم لن يفعلوا. وإنما أنت في حاجة إلى مشاركة أفكارك. لذلك، إذا سنحت الفرص لإظهار اهتمامك بالابتكار بشكل طبيعي مثل عملك في لجنة التخطيط الاستراتيجي، على سبيل المثال، فتأكد أن تتطوع وتستثمر في نفسك في إطار هذه العملية.
وتذكر أنه إذا اقترحت أفكارك كلها مرة واحدة ثم استسلمت لعدم تبنيها على الفور فأنت تهدر وقتك.
إذ إن التنفيذ هو الجزء الخفي في عملية الإبداع. لذلك، عند طرح أفضل أفكارك، اجمع الأدلة ورتّبها وضع اقتراحاً مدعوماً بالبحث والبيانات. وبهذه الطريقة، حتى إذا لم يتحمس رئيسك وزملاؤك لفكرتك، فسيسجلون لك مبادرتك وتفانيك في دفع الفكرة قدماً.
وأخيراً، فكّر في ملابسك.
قد يبدو الأمر تافهاً لكنه يستحق. ففي دراسة أجريت عام 2013، شاهد المشاركون صوراً لمدة ثلاث ثوانٍ فقط، وبعدها صنّفوا رجلاً يرتدي بدلة مصممة حسب الطلب على أنه "أكثر ثقةً ونجاحاً ومرونة وأعلى أجراً" من رجل يرتدي بدلة جاهزة. لذلك، يبدو واضحاً أن اختياراتنا لملابس تؤثر على تصورات الآخرين عنا. وفي دراسة مختلفة، تبين أن اختيار الملابس غير المطابقة، مثل ارتداء حذاء رياضي أحمر مع بدلة، يمكن أن يعطي الناس انطباعاً بأن صاحبها مؤثر وقوي. كما يعتقد بعض الباحثين أن سلوكنا الخاص يتشكل أيضاً وفق ما نرتديه من ملابس، فقد أظهرت إحدى الدراسات أن ارتداء معطف رياضي جعل المشاركين أكثر تركيزاً وانتباهاً، في حين تشير أبحاث إضافية إلى أن ارتداء ملابس أكثر رسمية قد يساعد على الإبداع والتفكير التجريدي.
أن تكون معروفاً بصفة الإبداع نعمة كبيرة في حياتك المهنية. وفي الواقع، أظهرت دراسة أجرتها شركتا "أدوبي" (Adobe) و"فورستر للاستشارات" (Forrester Consulting) أن 82% من القادة الذين شملهم الاستطلاع وجدوا صلة قوية بين الإبداع ونتائج الأعمال. لذلك، إذا شعرت بتجاهل قدراتك الإبداعية من قبل الآخرين، فإن الأمر يستحق الوقت والجهد لإعادة صياغة علامتك التجارية الشخصية. وستتمكن من البدء في إعادة اختراع نفسك وتقديمها لسوق العمل وحصد الفوائد المهنية لذلك، عن طريق توظيف هذه الاستراتيجيات السالف ذكرها.