تقرير خاص

من التحدي إلى الأثر: منهجية الاستشراف في صياغة القرارات الاستراتيجية لقطاعات البيئة والمياه والزراعة

5 دقيقة

ملخص: تواجه المملكة العربية السعودية تحديات متنامية في إدارة مواردها الطبيعية وتحقيق الأمن المائي والغذائي والاستدامة البيئية، الأمر الذي يتطلب تبني منهجيات استباقية قائمة على البيانات. يقدم هذا المقال التوجه الاستراتيجي لوزارة البيئة والمياه والزراعة في استخدام الدراسات الاستشرافية لتقييم المخاطر والتحوط وتحديد فرص الابتكارات التقنية الواعدة، ما يمكنها من صياغة سيناريوهات مرنة تدعم اتخاذ القرارات الاستراتيجية. ويُسلط المقال الضوء على منصة "نبراس" كأداة محورية لهذا التوجه، حيث:

  • تُحول المنصة البيانات الضخمة إلى رؤى دقيقة وموجهة لصناع القرار والمستثمرين والباحثين والمبتكرين.
  • وبذلك، تدعم "نبراس" توجيه جهود البحث والابتكار بفعالية نحو الأولويات الوطنية، ما يعزز الاستدامة ويخدم مستهدفات رؤية المملكة 2030.

تتخذ المملكة العربية السعودية خطوات استباقية لإدارة مواردها الطبيعية ومواجهة تحدياتها على نحو مستدام، وتسعى لتحقيق التوازن بين الحاجات المتنامية ومتطلبات الأمن المائي والغذائي والاستدامة البيئية. لهذا، تعتمد وزارة البيئة والمياه والزراعة على تحليل الرؤى المستقبلية لصياغة السيناريوهات المختلفة لدعم اتخاذ القرارات الاستراتيجية. وتدرك الوزارة أهمية الأدوات العلمية والتحليلية، كالدراسات الاستشرافية، للتعامل مع هذه السيناريوهات من خلال التخطيط الوقائي المبكر وتطوير استراتيجيات فعالة لمواجهة التحديات.

 

أهمية الدراسات الاستشرافية في دعم اتخاذ القرار وتوجيه جهود منظومة البحث والابتكار في قطاعات البيئة والمياه والزراعة بالمملكة

عززت وزارة البيئة والمياه والزراعة منظومتها في مجالات البحث والابتكار، من خلال خطتها التنفيذية للبحث والابتكار، التي تسعى لتحقيق أربع غايات رئيسة، وهي توجيه مساعي تبني التقنية والابتكار، وتحسين التعاون وتعزيز الوعي بمجالات التقنية والابتكار، تحفيز الطلب على تبني المنتجات والحلول الابتكارية، وبناء قدرات البحث والتطوير والابتكار في قطاعات البيئة والمياه والزراعة لضمان إمداد محلي كاف ومستمر من الحلول التقنية.

وفي هذا الإطار، استحدثت الوزارة برامج ومبادرات عدة، منها:

  • حوكمة الشراكات البحثية والابتكارية: استحدثت الوزارة منهجية لإدارة المحافظ البحثية مع شركائها البحثيين، تتضمن متابعة المشاريع القائمة ورفع التقارير المرتبطة بها، وآلية اختيار واقتراح المشاريع البحثية الجديدة، وقد طبقت هذه المنهجية على الشراكة مع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية.
  • التحالف السعودي لتقنيات الزراعة والغذاء: يهدف لإنشاء شبكة متكاملة من المهتمين في تفعيل دور التقنيات في قطاع الزراعة والأغذية.
  • برنامج الشريط المائي للشراكات البحثية: لتعزيز الشراكات البحثية في قطاع المياه، والمتركّزة على الساحل الغربي في المملكة العربية السعودية بين مدينتي رابغ وثول.
  • برنامج البيئة التنظيمية التجريبية: لتمكين اختبار نماذج العمل المبتكرة في بيئة آمنة بهدف معالجة التحديات التنظيمية.
  • برنامج الملكية الفكرية: لإنشاء بيئة محفزة للابتكار، وضمان حماية حقوق المبتكرين، وتعظيم الاستفادة من الأصول غير الملموسة.
  • برنامج تنمية المواهب الابتكارية: لسد الفجوة في القدرات البشرية التي تمكّن من تبني التقنيات في قطاعات البيئة والمياه والزراعة، وتستهدف عدة شرائح من الجيل الناشئ وحتى التدريب المتقدم في التقنيات والزمالات البحثية لمرحلة مابعد الدكتوراه.

تدرك الوزارة مدى أهمية الدراسات الاستشرافية للتحوط من التحديات والمخاطر المستقبلية والاستثمار في الفرص الواعدة لتعزيز دور البحث والابتكار على المستوى الوطني. إذ تتيح هذه الدراسات التحليلية الكشف المبكر عن التحديات المحتملة، مثل تراجع موارد المياه الجوفية، والتأثيرات المناخية، وتدهور الأراضي، والضغط على الغطاء النباتي، وندرة التنوع البيولوجي. كما تساعد على تحديد الفرص التقنية الواعدة مثل تقنيات إعادة استخدام المياه، والزراعة الذكية، والتحسين المناخي، والممارسات المستدامة، والمشاريع الوطنية أو الإقليمية الممكنة.

من جهة أخرى، تمّكن الدراسات الاستشرافية الحكومات من توجيه السياسات العامة والاستراتيجيات نحو القضايا الملحة وخلق أثر مستدام. عندما تكون القرارات الحكومية مبنية على سيناريوهات متعددة ورصد مستمر للمؤشرات المستقبلية، تصبح السياسات أكثر توافقاً مع التحديات المستقبلية، ما يقلل التبعات السلبية غير المتوقعة، وفي ضوء تركيز المملكة المتزايد على البحث والابتكار، يبرز دور التحليل الاستشرافي في رسم مسارات تنسجم مع الأولويات الوطنية. ويشمل ذلك تطوير تقنيات جديدة وتبنّي تقنيات ناشئة تستجيب لتحديات نوعية إلى جانب تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والنمذجة المتقدمة. ويترافق ذلك مع توجيه متزايد للتمويل البحثي في الجامعات والمراكز العلمية نحو قضايا تحمل أثرًا مستقبلياً واسعاً.

 

الرصد واستشراف التوجهات الاستراتيجية ومستقبل الابتكار

تقود وزارة البيئة والمياه والزراعة دفة التنمية المستدامة والأمن الغذائي في المملكة، عبر الإشراف والتطوير الشامل لقطاعات البيئة والمياه والزراعة. وفي هذا السياق تؤكد الدراسات على أهمية دور الفعّال للرصد والاستشراف في دعم اتخاذ القرار المبني على بيانات دقيقة، حيث أظهرت الدراسات أن الشركات التي تطبق اتخاذ القرار المبني على بيانات لديها قدرة أكثر بخمسة أضعاف على اتخاذ قرارات أسرع واكثر فعالية. وأن الشركات التي تعتمد على البيانات في اتخاذ القرار أكثر قدرة بالضعف على تحقيق مستهدفاتها السنوية.

وتزداد الحاجة إلى الاعتماد على الدراسات الاستشرافية، ولا سيما أن الزراعة ما زالت تستهلك  كميات كبيرة من المياه، ما يعزز أهمية الاستثمار في التقنيات الناشئة وتبني الابتكار لدعم تحقيق مستهدفات رؤية 2030.

والسؤال هنا: في ظل التحديات التي تواجه قطاعات البيئة والمياه والزراعة، كيف سيسهم استشراف توجهات البحث والابتكار في دعم اتخاذ القرار في الوزارة، لمواجهة التحديات بشكل أكثر فاعلية؟

يوفّر الاستشراف أداة استراتيجية لفهم الوضع الراهن من منظور مستقبلي، إذ يُمكّن الوزارة من رصد الاتجاهات المستقبلية، وتحليل محركات التغيير، لتوليد رؤى استباقية وبناء سيناريوهات محتملة تسهم في تعزيز التحوط من التحديات والمخاطر المستقبلية والاستثمار في الفرص الواعدة والتقنيات الناشئة، وتحسين صياغة سياسات دعم الابتكار، ودعم تبني تقنيات الواعدة لتحقيق أثر وطني في قطاعات البيئة والمياه والزراعة.

 

منصة نبراس نموذجاً

وضعت وزارة البيئة والمياه والزراعة البحث والابتكار في مقدمة اهتماماتها للارتقاء بقطاعاتها وضمان استدامتها مستقبلاً، من خلال خطتها التنفيذية المذكورة آنفاً، لذا أطلقت مؤخراً المنصة الوطنية لاستشراف البحث والابتكار للاستدامة "نبراس"، التي تجمع بيانات دقيقة وحديثة مرتبطة بقطاعات البيئة والمياه والزراعة، وتحللها باستخدام أدوات تحليلية متقدمة مثل تحليل البيانات الضخمة، وأدوات الذكاء الاصطناعي، والذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI)، والذكاء الاصطناعي التوكيلي (Agentic AI)، وأدوات تحليل السناريوهات، وتعتمد نبراس على أكثر من (10) آلاف مصدر محلي وعالمي تشمل قواعد بيانات للمنشورات العلمية وبراءات الاختراع وتقارير قطاعية وأخبار تقنية، وترصد أكثر من (100) مليون نقطة بيانات تحدث يومياً، لتقدم رؤى دقيقة تدعم اتخاذ قرارات البحث والابتكار في قطاعات البيئة والمياه والزراعة.

تُعد منصة "نبراس" نموذجاً فعالاً لتحويل البيانات إلى رؤى ذات أثر وطني ملموس. إذ تدعم القادة وصناع القرار وصناع السياسات لاتخاذ قرارات مبنية على البيانات وتوفر رؤى استراتيجية تسهم في تحسين سياسات تبني الابتكار وتحدد التقنيات الواعدة لمواجهة التحديات الوطنية. كما تزود المستثمرين ببيانات تساعدهم في تقليل مخاطر الاستثمار واكتشاف فرص متوافقة مع الأولويات الوطنية. وتفتح الباب أمام المبتكرين ورواد الأعمال لفهم الاحتياجات القطاعية وفرص التمويل. كما تُمكن المنصة الباحثين والعلماء من خلال توفير شبكة بيانات لأبرز العلماء وتحديد الفجوات والأولويات البحثية، ما يعزز التعاون العلمي وتطبيق نتائج الأبحاث.

كما أصدرت المنصة أول تقاريرها خلال شهر سبتمبر، وهو تقرير "توجهات الابتكار في قطاع المياه: معالجة مياه الصرف وإعادة استخدامها". واستعرض التقرير أبرز توجهات الابتكار التقني، وسياسات دعم الابتكار، وفرص الاستثمار في التقنيات الناشئة، ليشكّل مرجعًا استراتيجيًا لصنّاع السياسات وقادة القطاع والمستثمرين وروّاد الأعمال. كما تضمّن التقرير مرئيات لعدد من قيادات القطاع الخاص، بما يعكس الدور المحوري للشركات الوطنية ويمنحه بُعدًا تطبيقيًا متصلاً بواقع السوق. وإلى جانب ذلك، قدّم التقرير رؤى مستندة إلى البيانات والمقابلات مع قادة الابتكار، لتكون إطارًا عمليًا داعمًا لجهود تطوير الابتكار في قطاع المياه، وبما ينسجم مع مستهدفات رؤية السعودية 2030.

تُعد منصة "نبراس" أداة الوزارة الفاعلة لاستشراف توجهات البحث والابتكار، حيث تحول البيانات الى رؤى دقيقة تدعم اتخاذ القرار لتحقيق أثر وطني ملموس. وبفضل ما تتيحه من تحليلات متقدمة ورؤى استشرافية، تُّمكن المنصة تبني الحلول المبتكرة لتنمية قطاعات البيئة والمياه والزراعة، وتسهم في تعزيز الأمنين المائي والغذائي وتحقيق الاستدامة البيئية، بما يتواءم مع الأولويات الوطنية للبحث والتطوير والابتكار.

 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي