"إن أكبر استثمار للمال هو استثماره في بناء أجيال من المتعلمين والمثقفين" مقولة عميقة المعنى للوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، تتجلى فيها فلسفة ونهج زايد الذي سارت عليه دولتنا وقيادتنا، فقد أدرك أن بناء الإنسان والاستثمار في العقول البشرية الوطنية يشكل أساس التنمية وجوهرها الرئيس نحو الريادة والتقدم والازدهار، باعتباره الثروة الحقيقية المستدامة لهذا الوطن.
وقد جاء برنامج "خبراء الإمارات" ليفتح أمام الكوادر الوطنية مجالات أرحب لتطوير قدراتهم المعرفية، ورفدهم بمهارات وأدوات المستقبل، بما يسهم في دفع عجلة التنمية بمختلف قطاعاتها ومجالاتها الثقافية والاقتصادية والصناعية في ظل ما تزخر به الإمارات من إمكانات واعدة، ينبغي علينا الاستفادة منها عبر إعداد أجيال متسلحة بالمعرفة والخبرة، وقادرة على اقتناص الفرص وتسخيرها لخدمة الدولة وأهدافها.
يعد التوجيه عاملاً حاسماً في تنمية المهارات الوطنية وتطوير مسارات أداء المتدربين، بما يساعدهم على امتلاك القدرة على اتخاذ القرارات وحل المشكلات الصعبة التي تواجههم في حياتهم اليومية من خلال أساليب علمية قائمة على حقائق واضحة للوصول إلى نتائج سليمة تحقق الأهداف التي نصبو إليها. عشت خلال الشهور الماضية تجربة توجيه استثنائية في برنامج "خبراء الإمارات"، كشفت هذه التجربة مدى قوة كوادرنا الوطنية وقدرتهم على تحمل المسؤولية كلما أتيحت لهم الفرصة، وأوضحت بالتجربة شغفهم الدائم نحو التعلم والتطور، وقد أثمرت هذه الجهود عن صناعة خبير ثقافي، سيشكّل إضافة لمشهدنا الثقافي المتنامي، وسيحمل على عاتقه تطوير العمل الثقافي وصناعة خبراء ثقافيين آخرين. لقد استلهمنا تجربة التوجيه في مشاريع ثقافية وتراثية أخرى، فعلى سبيل المثال قمنا بإشراك 12 طالباً إماراتياً من مختلف الجامعات في الدولة في مشروع ترميم بيتين تراثيين في مدينة المحرق البحرينية والذي تنفذه دولة الإمارات على مدار عام كامل، حيث سيسهم ذلك في تنمية خبراتهم ومعارفهم بأفضل الأساليب المتبعة في صون المواقع الأثرية والتراثية، والتعرف على أنماط العمارة القديمة.
يمر المشهد الثقافي والإبداعي على المستويين المحلي والعالمي بتحولات جذرية ومتغير ات كبيرة بفعل التطور التكنولوجي المتسارع ودخول تقنيات الذكاء الاصطناعي على هذا القطاع الذي ظل لسنوات طويلة نمطياً وتقليدياً، وهو ما يستدعي توظيف مهارات الخبرات الوطنية، وتطوير قدراتها لتصل إلى مرحلة متقدمة قادرة على قيادة مستقبل القطاع الثقافي إلى آفاق جديدة من الإبداع والابتكار.
تتمثل تأثيرات بناء خبرات وطنية على القطاع الثقافي بمختلف مجالاته من خلال تحفيز المواهب والكوادر الوطنية على زيادة الإنتاج الإبداعي والثقافي، ووضع خطط طويلة الأمد تضمن تطوره واستدامته، وتمكنه من مواجهة التحديات المستقبلية. ولا يمكن أن يتأتى ذلك إلاّ من خلال بناء قاعدة بيانات وطنية تشمل المبدعين والموهوبين، وتدعم مسيرتهم الإبداعية للوصول إلى المراحل الاحترافية والعالمية.
تعد الثقافة والفنون أحد روافد الاقتصاد العالمي من خلال ما بات يعرف بـ "الصناعات الثقافية والإبداعية" التي أصبحت محركاً للنمو، ومصدراً مهماً في توفير الوظائف للشباب والموهوبين، ومساهماً رئيساً في توفير مصادر دخل إضافية للدول بما ينعكس في نهاية المطاف على رفاهية الفرد والمجتمع. فالصناعات الثقافية والإبداعية باتت أبرز الحلول الخلاقة لتنويع الاقتصاد، فهي تدير ثروات كامنة في العقول، وفي إمكانات الشعوب، كما هي الحال في الفنون والحرف، والنشر، والموسيقى، والسينما، وكذلك في البرمجيات، وسائر القطاعات التي يكون فيها الموهوبون أبطالاً، ويكون الإبداع رأس المال الحقيقي.
تعمل دولة الإمارات على تحفيز ريادة الأعمال الثقافية والإبداعية من خلال خطة استراتيجية متكاملة تتضمن إطلاق حاضنات ومسرعات الأعمال الثقافية والإبداعية، وتصميم إطار لتمويل هذه الصناعات عبر صندوق التنمية الثقافية الذي وجّه به سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي، والذي سيوفر التمويلات المالية اللازمة لإطلاق مشاريع ثقافية للطاقات الوطنية قادرة على الوصول إلى العالمية. يتمثل هدفنا في حصول الإمارات على حصة كبيرة من سوق الصناعات الثقافيةً في ظل البيئة المحفزة التي تتمتع بها الدولة، والفرص الضخمة والإبداعية إقليمياً وعالمياً المتوفرة وغير المستغلة في قطاع الصناعات الإبداعية.
ولتحديد مدى إسهام قطاع الثقافة بمختلف مساراته وتخصصاته في دعم مسيرة التنمية الاقتصادية، فإن وزارة الثقافة وتنمية المعرفة تعمل على إطلاق مؤشر مساهمة الصناعات الإبداعية في الناتج الإجمالي المحلي للدولة.
لدينا كل عناصر القوة، لنرفع من سقف طموحنا بفضل طاقات شبابنا المبدعة، وقدرتنا على إعداد خبراء في قطاع الثقافة سيقودون دولتنا واقتصادنا إلى مرحلة جديدة من النماء التطور.